حراس الثورة يحظون باحترام كبير
باقات ورد لدبابات الجيش التونسي وقبل للجنود
أحمد نجيم من تونس
يبدي التونسيون فخرا بقوات الجيش التي رفضت إطلاق النار على المتظاهرين، ويسارع الكثيرون نحو دبابات الجيش لوضع باقات الورود على فوهاتها بينما يتجه الكثيرون نحو الجنود لتقبيلهم.
شاب يضع الورود على فوهة مدفعية "عدسة إيلاف"
الورود تزين الدبابات "عدسة إيلاف"
شاب يلتقط صورة على مقدمة دبابة مزينة بالورود "عدسة إيلاف"
الدبابات أصبح مزارا للتونسيين والسياح "عدسىة إيلاف"
يلتقط عشرات التونسيون صورا مع الدبابات ويحملون إليها باقات الورود، وآخرون يعانقون جنودا أنقذوهم من أمن كان يحسب على الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. لكن هناك أقلية في تونس يخيفها الوضع الجديد.
بسرعة فاجأ أحدهم الجندي الذي يحرس الدبابة قرب ساحة "سابع نوفمبر" بشارع لحبيب بورقيبة، تسلق مواطن تونسي الدبابة حاملا باقة ورود، وصل إلى فوهتها وأصر على وضع الباقة بجانب الفوهة.
الجندي طلب منه النزول بأدب ولم ينهره، فيما كان تونسيون آخرون يصفقون ويصيحون "عاش الجيش".
"إيلاف" التي حضرت هذا المشهد، سألت المواطن التونسي عن سبب هذا التصرف، فرد بفخر "نحن نحب جيشنا، ساعدنا في الثورة". الدبابة مزينة بعدد من الباقات حملها مواطنون تونسيون، فيما يلجأ آخرون إلى التقاط صور للذكرى. كثير منهم يصور بكاميرا الهاتف المحمول والبعض يصور بكاميرا صغيرة.
كان سعيد، 32 سنة، ينتظر دوره، أمسك بالدبابة وابتسم أمام كاميرا هاتف صديقه "سيبعث لي هذه الصورة كي تكون في شاشة الهاتف" يقول سعيد ل"إيلاف" بالنسبة لهذا التونسي المفتخر بالثورة التقاط الصورة وتحية الجيش "اعتراف" منه كتونسي "لمؤسسة الجيش التي أسدت خدمات كثيرة للثورة"، ثم يضيف "الجيش دافع عنا ورفض تنفيذ أوامر الرئيس المطرود بن علي".
بعض التونسيون مازالوا رغم هذه المشاهد، يخشون الاقتراب من الجيش، كان هذا حال هناء، وهي طالبة قدمت إلى العاصمة من بنزرت وتقول: "جئت إلى الساحة لرؤية هذا المنظر - وتشير إلى السيارات المصفحة والدبابات المرابطة امام وزارة الداخلية والتنمية المحلية التونسية-، هناء تعتبره "منظرا غريبا" لكنه "مطمئن"، فالجيش حسب رأيها "صمام أمان بالنسبة لتونس" وهو رأي لا تشاطرها فيه امرأة خمسينية، معتبرة أن انتشار الجيش في شوارع المدن، "غريب ومخيف"، ثم تمضي شارحة "لم أعتد على رؤية الجيش في شوارع المدن، فمكانها الطبيعي هي الثكنات، رؤيتها هنا يعني أن بلادي العزيزة في خطر. وتضيف:" أنا خايفة على بلادي وولادي. خايفة من حرب قادمة". هذه الريبة لم تمنع السيدة من الاقتراب من دبابة لالتقاط صورة لها. وبعد أن التقطت الصورة عادت لتكمل ل"إيلاف" فكرتها "لن أرتاح إلى ان تغادر هذه الأليات العسكرية والجنود، الشوارع في العاصمة او غيرها".
وكان جون تيلاد، المؤرخ الفرنسي المتخصص في الثورة الفرنسية 1789 قد أكد أن "مستقبل الثورة التونسية رهين بشكل كبير بموقف الجيش التونسي" وأعلن في حوار مع جريدة "لوموند" الفرنسية الأربعاء الماضي أن هناك تشابه بين الثورتين الفرنسية والتونسية.
بعد أسبوع على هرب الرئيس المخلوع زيد العابدين بن علي وانهيار نظامه، يلعب الجيش دورا كبيرا، فالشباب في الشوارع يشيدون بدوره ويهتفون باسمه ويقبلون جنوده. وهذا الاهتمام جاء نتيجة لدور الجيش الحاسم في الثورة، فقد رفض الجنرال رشيد عمار، 63 عاما، تنفيذ أوامر بن علي. هذا الجنرال الذي يرأس أركان جيش البر" رفض إطلاق النار على المتظاهرين التونسيين في الشارع.
وأثنت الصحف التونسية على ما قام به هذا الجنرال ومعه الجيش، وقد كتبت يومية "الشروق" في عدد 18 يناير كانون الثاني 2011 عنه أنه "رفض ضرب الشعب بالرصاص وأنهى حكم بن علي"، وأوضحت أنه "مثلما كان الجنرال رشيد عمار حاضنا لانتفاضة البوعزيزي (الشاب الذي أحرق نفسه فأطلق شرارة الانتفاضة) بقدر ما كان رافضا للمسك بالحكم وتوليه حرصا على حماية الدستور والنظام الجمهوري". وأضافت أن قائد الجيش التونسي "لم يكن منبهرا بكرسي الحكم".
وفي أيام بعد الثورة مازال للجيش دور كبير، فقد كان وراء قرار عدم إطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين بشارع لحبيب بورقيبة، وهذا ما أكده عقيد في الجيش لشباب تظاهر ليلة الأربعاء متحديا حظر التجول.
العقيد أكد ل"إيلاف" إن مهمة الجيش "استتباب الأمن لا خرقه"، مؤكدا أنه "لن يتم اللجوء إلى العنف لفك هذا الاعتصام (اعتصام ليلة الأربعاء 19 كانون الثاني والذي واكبته "إيلاف").
هذا المسؤول العسكري أكد أن هناك جهات لم يسميها تحاول توريط الجيش في أحداث عنف، وأكد تعرض أفراد قواته لإطلاق نار من قبل إفراد من الحرس الرئاسي.
وينبع حب التونسيين المنتشين بثورتهم للجيش كونه كان وراء إيقاف أعمال العنف التي اندلعت نهاية الأسبوع الماضي، وألقى القبض الاثنين الماضي على الجنرال علي السرياطي، مدير الأمن الرئاسي التونسي. وكانت وسائل إعلام عربية تحدثت عن إجهاض الجيش لانقلاب كان يعده السرياطي ضد بن علي.
"حياد الجيش" وإشرافه على "حظر التجول" جعل التونسيون، كما أكد محام ل"إيلاف" يشعرون بالأمان. ويتوقع التونسيون أن الجيش سيظل حاميا لمؤسسات الدولة من كل من تسول له نفسه الاستيلاء على الحكم بطريقة غير قانونية.