الإمارات ..الثقافة كبرستيج رديء
انطلقت خلال السنوات القليلة الماضية مشاريع ثقافية منوعة من دولة الإمارات العربية المتحدة. كان أبرزها مشروع مؤسسة محمد بن راشد، ومشروع كلمة التابع لهيئة أبو ظبي للثقافة. وجائزة الرواية العربية "البوكر" والتي عمت إشكالاتها الأرجاء.
للوهلة الأولى تبدو تلك المشاريع مثيرة للانتباه، وحركت ساكنا في الثقافة العربية التي انتابها الهزال كمحصلة طبيعية للضعف والتراجع العربي في كل جوانب الحياة، بسبب انعدام الحريات وسيادة الاستبداد، وسيطرة العقلية التآمرية على البشر.
لكن يبدو بأن هذه المشاريع لا تحمل هما ثقافيا حقيقياً، على مستوى التغيير أو نشر الثقافة وإثراء المكتبة العربية والقارئ العربي، بحيث تحقق لدولة الإمارات المتطورة شيئا على الصعيد الثقافي. كما نجحت اقتصادياً، وعلى صعيد بناء بنية تحتية مميزة للاستثمار والسياحة.
قد تكون سائحاً يتجول في مدينة دبي، وهنا أتحدث عن سائح عابر لن يعرف أحد المثقفين ليدله على مكتبة جيدة لبيع الكتب العربية، ستفاجأ أنك لن تصادف أبداً وفي أي من مولات دبي الفارهة أي كتاب من إصدارات مشروع كلمة للترجمة، أو كتاب طبع بالتعاون مع إحدى دور النشر العربية من قبل مؤسسة محمد بن راشد، بل ستجد كتب طبخ عربية، ونسخ من بعض الكتب الدينية، وكتاب لا تحزن لعائض القرني، محشورة في بضعة أمتار في مكتبة هائلة، تضم عشرات الأقسام للكتب الإنجليزية، ورفاً عربياً واحدا يضم بعض الروايات الرديئة لزينب حفني على سبيل المثال!.. أي إنك لن تجد رائحة لأي من المشاريع الثقافية الإماراتية التي تعطيك انطباعا بأنها جادة، مقابل استهداف هائل للسائح الأجنبي.
مشروع كلمة للترجمة بدأ بارتكاب العديد من الحماقات، بينما كانت البداية في النشر بالتعاون مع دور النشر العربية، جاء قرار باحتكار طباعة ونشر الكتب عن طريق هيئة أبو ظبي للثقافة، ربما كان هذا قرارا جيداً لو سارت الأمور بطريقة أخرى، ما دامت الكتب ستتوفر في معارض الكتب، ونقاط بيع على مستوى العالم العربي.. إلى هذه اللحظة تبدو الحالة محبطة على نطاق التوزيع المحلي في المنطقة العربية، لكن ربما كانت تلك إشكالية عابرة، لأن المشكلة الأساسية بدأت الآن في مكان أخر، يبين العقلية التي تدير المشروع بالكثير من البهرجة والاستعراض.
نوعية الطباعة بدت مؤخراً فاخرة جدا، بما لا تحتمله نوعية الكتب أصلا، وكأنها تحمل لافته كتب عليها "مخصصة للأغنياء فقط" أو الأغبياء !! . بدت وكأنها موجة استعراضية هائلة لا معنى لها.
كتاب مترجم من القطع المتوسط يحوي 200 صفحة، يباع عادة بـ 5 دولارات ونصف عند طباعته بجودة ممتازة في دار نشر عربية معروفة. عند طباعة هذا الكتاب ضمن مشروع عالم المعرفة، عن المجلس الوطني الكويتي، بجودة جيدة جدا، فسيباع بـ قرابة الـ 3 دولارات، وبسعر مقارب عند طباعته بصورة رديئة من مشروع الترجمة القومي المصري.
أما مشروع كلمة، فسيطبعه بورق "شموا" فاخر لا يستخدم عادة إلا لطباعة كتب المراجع والموسوعات الضخمة، أو كتاب من القطع الكبير لا تقل صفحاته عن 500 صفحة، رغم أن صفحات الكتاب لن تتعدا 200 صفحة من القطع المتوسط !!. وسيطبع الكتاب بغلاف مقوى، ولن يباع في الأسواق بأقل من 11 دولار. وكأن المسألة أصبحت "برستيج" بحت، ولا علاقة لها بأي مشروع تنموي ثقافي، كتب تباع للزينة.
أظن أن الخطأ على من يعول على هذه المشاريع الاستعراضية، وإن كانت ترجمت كتباً ممتازة خلال الفترة القليلة الماضية، لكن المشروع لا يحمل أي هم تنموي ثقافي، كما يبدو من الوهلة الاولى، وكأنه تبرع للثقافة العربية من دولة نجحت استثماريا وسياحياً، وتعاني من عقدة ثقافية جاءت لتعويضها بمشاريع ثقافية هائلة، نكتشف ألا قيمة لها بالنسبة للقارئ العربي العادي، وكل ما قامت به – علاوة على إفساد سوق النشر العربية الفاسدة أصلا - هو صناعة كتب فاخرة قد تكون أكثر جدوى لو استخدمت كديكور مبتكر في غرف الاستقبال.
باستثناء مشروع المجلس الوطني الكويتي للثقافة، والمشروع القومي المصري للترجمة، تبدو المشاريع العربية الأخرى إلى هذه اللحظة تراوح بين اللاشيء، كمؤسسة فكر لحاكمها خالد الفيصل، أو تساهم في تعميق أزمة الثقافة العربية، بالجنوح إلى الاستعراضية الفارغة، كمشروع هيئة أبو ظبي للثقافة "كلمة". حيث لا نجاح يوازي صب المزيد من الزيت على نار القبلية المتقدة في الخليج العربي عبر البرامج الشعرية الشعبية التي أطلقت من هناك.
ناصر التميم