الصحافة أخطر مهنة للنساء في العراق
بغداد - خلود العامري
لا تصادف الصحافيات العراقيات في عملهن المعوقات ذاتها التي تعترض زميلاتهن في البلدان الأخرى. فالعمل الصحافي في بلد فقد أكثر من 400 صحافي في سبع سنوات ونصف السنة، يحمل بين ثناياه ظروفاً أخرى وهموماً من نوع خاص للمرأة التي تعمل في هذا المجال.
ودفعت هذه الأمور أكثر من نصف الصحافيات في العراق الى ترك العمل في السنوات الماضية، ولم يعدن إليه إلا أخيراً، فيما لجأت أخريات الى الوظائف الحكومية وفضلن العمل موظفات في المكاتب الإعلامية على مهنة المتاعب التي سببت لهن الكثير من المشكلات.
والكثيرات من الصحافيات أجبرن على ارتداء الحجاب بعدما عملن في فضائيات متشددة، في محاولة منهن للتكيّف مع الأوضاع داخل تلك القنوات، وحرصاً منهن على الاستمرار في العمل.
وعلى رغم أن الإحصاءات الرسمية للمنظمات والجمعيات التي ترعى شؤون الصحافيات تشير الى فقدان 19 صحافية عراقية في الأعوام الست الماضية، وتعرض 12 أخريات للاختطاف مصير بعضهن لا يزال مجهولاً، فإن الصحافيات في العراق عشن ظروفاً صعبة بسبب المهنة في أوقات الاحتقان الطائفي.
وكانت الصحافيات يعامَلن مثل باقي العاملين في المهنة، وفق المذهب الذي ينتمين إليه. فوسائل الإعلام الحزبية من صحف وفضائيات وإذاعات لم تسمح بتوظيف أي صحافية تنتمي الى مذهب مغاير للحزب، بل ان انتماء الصحافية الى الحزب الذي يملك الوسيلة الإعلامية التي تعمل معها كان جزءاً مهماً من شروط التعيين.
وتوضح فرات الساعدي، وهي صحافية شابة تعمل في إحدى القنوات الحزبية، أنها حاولت ترك العمل مراراً لكنها لم تتمكن من ذلك لعدم عثورها على الوظيفة المناسبة، «فجميع القنوات المستقلة تتحاشى تعيين الصحافية التي تعمل مع قنوات حزبية وتعدها جزءاً لا يتجزأ من الحزب الذي تنتمي إليه القناة».
وتضيف: «حينما تقدمت الى العمل اشترطوا علي ارتداء الجلباب داخل القناة والالتزام بالحجاب الرسمي، فاضطررت الى الموافقة كي لا أفقد الوظيفة، وظننت ان الأمر سيزول بمرور الوقت وسأفرض شروطي عليهم، لكنني للأسف أصبحت أسيرة الإعلام الحزبي بعد سنوات من العمل».
فرات تؤكد ان كثيرات من زميلاتها تركن العمل بعدما تعرضن للتهديد في العامين الماضيين، «فعمل الصحافية في أي قناة حزبية يعني انها تنتمي الى ذلك الحزب حتى وان لم تفعل».
وتؤكد ان احدى صديقاتها غادرت البلاد سنتين بعدما عثرت على رسالة تهديد أمام منزل عائلتها، فاضطرت الى ترك العمل والمغادرة ثم طلب اللجوء من هناك، وهي تقيم في هولندا منذ أكثر من سنة.
وتشير الساعدي إلى ان الصحافيين هم الأكثر قبولاً بين اللاجئين في الدول الأوروبية، وان الصحافي الذي يثبت انه تعرض للتهديد يحصل على اللجوء أسرع من غيره من الصحافيين، وهو السبب الرئيس الذي شجع غالبية الصحافيين الذين تعرضوا الى التهديد الى مغادرة البلاد واللجوء الى مكان آخر أكثر أمناً.
صحافيات أخريات تعرضن للاختطاف وعثر على جثث غالبيتهن، فيما لا يزال مصير بعضهن مجهولاً حتى اليوم. وأفلتت أخريات بأعجوبة من الخاطفين، مثل المذيعة زهراء الموسوي التي تعرضت للاعتداء ضرباً قاسياً وسط مدينة الكرادة في بغداد قبل نحو سنة، وأقدم المعتدون على تمزيق ملابسها أمام المارة قبل أن يسارع أحدهم الى تغطية جسدها النازف بقميصه بعد فرار الجناة.
زهراء لم تتهم شخصاً محدداً على رغم الإشاعات التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية، والتي أشارت الى تورط نجل السياسي الذي يملك القناة في القضية بعد رفضها الانصياع الى مساوماته لها. واكتفت بالحديث عن الفاجعة بمرارة التي سببت لها الإعاقة نتيجة الضربات المبرحة التي تلقتها على إحدى كليتيها، وكانت تلك الحادثة نهاية لعمل زهراء في المجال الإعلامي.
أما والدة الصحافية ريم زيد التي اختطفت منذ خمس سنوات، فلا تزال تبحث عن خبر عن مصير ابنتها التي اختطفها مسلحون مجهولون بعد دقائق من خروجها من مقر أحد الأحزاب في منطقة اليرموك في بغداد. ولم تعثر العائلة المنكوبة على جثة ريم بين ضحايا القتل الطائفي، ولا تعرف إن كانت ابنتها على قيد الحياة بعد كل هذه السنوات على اختطافها.
وتقول الوالدة إن أشد ما يؤلمها أنها لا تعرف مصير ابنتها، «فلو أنها دفنت الجثة لشعرت براحة أكبر، المصيبة الأشد أنني لا أعرف مصيرها حتى اليوم».
وتضيف: «اليوم لا يهمني سوى معرفة مصير ابنتي. ليت أحداً يخبرني أن جثتها رميت في العراء وتفسخت أو أكلتها الحيوانات، أريد أن أشعر بالراحة فحسب، وأن أخرج من دوامة المجهول».
صحافيات أخريات يلجأن الى عدم الإفصاح عن مهنتهن كي لا يتعرضن للاستهداف أو الاختطاف، ومنهن سمر ربيع التي تقول إن والدتها تحذرها من الحديث عن مهنتها في الأماكن العامة أو عند ركوبها سيارات الأجرة، خوفاً عليها من الاختطاف.
وتقول ربيع إن مهنة الصحافة في العراق تعد من أخطر المهن للجنسين، لكنها تحمل خطورة أكبر بالنسبة إلى المرأة خصوصاً أن وسائل الإعلام لا توفر لهن وسائل التنقل أثناء قيامهن بالتغطية الميدانية فيلجأن الى سيارات الأجرة.
وتؤكد أن الصحافيات العاملات في مجال الصحافة الاستقصائية هن الأكثر عرضة للاستهداف من جانب الأحزاب والسياسيين المتنفذين إذ أن كشف التلاعبات المالية والفساد الإداري المتفشي في الوزارات غالباً ما يضع الصحافيات في دائرة الخطر المحدق.
واختلفت الدراسات التي أجرتها الجمعيات التي تدافع عن حرية الصحافة في العراق وترصد الصعوبات التي يتعرضن لها من حيث تشخيص الأخطار والمشكلات التي تواجههن في بلاد الرافدين، على رغم إجماعها على أن الاستهداف والاختطاف يُعدان من أهم تلك الأخطار.
وتؤكد آخر الدراسات التي أجرتها «جمعية الدفاع عن حرية الصحافة» أن 67 في المئة من الصحافيات العراقيات ارتدين الحجاب في الأعوام الأربعة الماضية، بسبب التعرض لضغط الجماعات المتشددة في البلاد، وأن 51 في المئة منهن تعرضن للتهديد المباشر من طريق الرسائل الإلكترونية والمكتوبة، وان التهديدات تركزت في شكل كبير في بغداد والمناطق الساخنة مثل الموصل وديالى.
واعترفت 71 في المئة من الصحافيات أنهن يقدمن على العمل في وظائف داخل قنوات تتبع المذهب ذاته، وإن كانت تلك القنوات تتعارض مع توجهاتهن الخاصة، خوفاً من رفض انتسابهن.
وأكدت 20 في المئة أنهن سبق وتقدمن للعمل في وسائل إعلام متعددة ورفضت طلباتهن بسبب المذهب، وفضلت 9 في المئة من الصحافيات ممن شملتهن الدراسة البقاء من دون عمل على العمل في وسائل إعلام حزبية أو طائفية، واعتبرن العمل في وسائل الإعلام المستقلة يوفر نوعاً من الأمن النفسي للصحافيات.
وأكدت الدراسة التي شملت 200 صحافية عراقية يعملن في وسائل إعلام عراقية مختلفة، أن غالبية الصحافيات كن يخفين طبيعة عملهن في المجال الإعلامي عن الجيران والغرباء في السنوات الماضية خشية التعرض للاختطاف أو التهديد بالقتل والتهجير.
فيما اضطرت الكثيرات منهن الى تغيير موقع السكن والعزوف عن تغطية المواضيع الميدانية والحساسة، خشية التعرض للاستهداف والخطف أثناء الخروج الى العمل، واعتمدن على المواضيع التي يسهل تغطيتها من طريق الهاتف المحمول كالأخبار القصيرة.
وكشفت الدراسة أن عشرات الصحافيات تركن العمل في مجال الإعلام الحر وفضلن الحصول على وظائف حكومية في مكاتب الإعلام التابعة للوزارات والمؤسسات الحكومية للتخلص من الأخطار والمشكلات الناتجة من مهنة المتاعب.