عندما تتخذ جرائم الاعتداءات الجنسية طابعاً «عنصرياً» في بريطانيا
لندن - رانيا كرم
كان يمكن أن تمر جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي التي ارتكبتها عصابة من الشبان من ذوي الأصول الباكستانية كأي جريمة أخرى تحصل في بريطانيا، لكن تعليقات وزير سابق عليها كشفت مشاعر دفينة لدى شريحة من المواطنين البريطانيين البيض، ترى أن بعض المسلمين البريطانيين من أصول باكستانية ينظر إلى الفتيات البيض بوصفهن «لحماً سهلاً»، أي أنه يمكن إقامة علاقات معهن بسهولة غير مسموح بها مع الفتيات المتحدّرات من أصول مسلمة.
وهذه المرة الأولى التي تُثار فيها بهذا الشكل الواسع مثل هذه القضية الحساسة في مجتمع بريطاني معروف بانفتاحه. لكن الجدل «العنصري – الديني» الذي غلّف قضية الجريمة التي أدين فيها الشبان الباكستانيون «المسلمون» في بريطانيا، أعاد إلى الأذهان مشاكل مماثلة تحصل باستمرار في مجتمعات شرق أوسطية تتألف من عناصر ثقافية أو دينية متعددة. وقد أدت هذه القضايا البالغة الحساسية إلى عمليات قتل وتدمير في كثير من الأحيان، كما حصل في أكثر من مناسبة في مصر على خلفية مزاعم عن علاقات جنسية تربط بين قبطي (أو قبطية) وبين مسلم (أو مسلمة). وبالطبع لم تنحصر هذه الجرائم والحساسيات في مصر وحدها، بل امتدت إلى كثير من دول المنطقة (مثلاً العلاقة بين الفلسطيني - أو الفلسطينية – وبين اليهودي أو اليهودية في إسرائيل وفلسطين، وأحياناً بين الشيعي أو الشيعية وبين السني أو السنية وبين العلوي أو العلوية في العراق وتركيا، وبين السني المالكي والشيعي الإباضي في الجزائر). بل أن بعض هذه الجرائم وصل قبل سنوات إلى بريطانيا نفسها بعدما قتل أهل فتاة ابنتهم التركية السنية لأنها أرادت الزواج من تركي علوي.
وفي واقع الأمر، أثار الجدل البريطاني الوزير السابق جاك سترو - المعروف بمواقفه العنصرية - فهو نائب يمثّل منذ فترة طويلة دائرة بلاكبيرن (شمال إنكلترا) التي تضم نسبة كبيرة من المسلمين الآسيويين. ولذلك فإن موقفه في خصوص استغلال شبان باكستانيين لـ «اللحم الأبيض الرخيص» يعكس، في الحقيقة، مشاعر دفينة لدى شريحة من السكان البيض في شمال إنكلترا على وجه الخصوص، حيث ينشط الحزب القومي البريطاني العنصري محرّضاً ضد المسلمين مستغلاً جرائم قد يرتكبها بعضهم، وتحديداً عندما يتعلّق الأمر بالمس بالبيض ونسائهم وبمخالفات لقوانين الضمان الاجتماعي.
وجاء هذا الجدل بعدما أمر القضاء البريطاني بسجن الشابين عبد صديقي (27 سنة) ومحمد لياقات (28 سنة) لفترات طويلة (الأول 11 سنة والثاني 8 سنوات) بجرائم استغلال جنسي لفتيات قاصرات تتراوح أعمارهن بين 12 و18 سنة في مدينة داربي (شمال). وعلى رغم أن القاضي الذي أصدر الحكم عليهما أمام محكمة نوتنغهام قال إنه لا يعتقد أن الدافع إلى ارتكاب هذه الجرائم «عنصري»، إلا أن كثيرين في أوساط البيض البريطانيين، بمن فيهم الوزير سترو نفسه، لا يبدون مقتنعين بصحة هذا الرأي.
وبحسب إحصاء أُجري قبل أيام، فقد كانت هناك 17 محاكمة أمام القضاء البريطاني منذ العام 1997 بتهم مرتبطة بجرائم تشمل «الإغراء الجنسي لفتيات في الشارع». ومن بين 56 شخصاً تمت إدانتهم بهذه الجرائم تبيّن أن ثلاثة فقط كانوا من البيض في حين أن البقية – 53 مداناً – كانوا آسيويين.
وقد جاء الحكم على الشابين صديقي ولياقات، وكلاهما متزوج ولديه عائلة، في إطار محاكمة 11 شاباً من أصول باكستانية من أصل 13 وجّهت إليهم الشرطة اتهامات بالتورط في جرائم ضد 26 فتاة. ولم تكن عائلتا لياقات وصديقي تعرفان بما كانا يفعلان في «حياتهما المزدوجة» خارج المنزل. وفي الحقيقة، لم يقم الشابان وبقية المتهمين بخطف فتاة واغتصابها بالقوة. بل كانوا يلجأون إلى قيادة سياراتهم في شوارع مدينة داربي يبحثون عن فتيات عائدات إلى منازلهن بعد قضاء سهرة في الخارج. يتوقفون بسياراتهم الفارهة قربهن ويبدأون في إغرائهن بعشاء في مطعم فاخر وبهدايا أو بتعاطي مشروبات كحولية (كانت زجاجات «الفودكا» مخفية دائماً تحت مقعد السائق) أو حتى بتقديم مخدرات. وعندما كانت إحداهن توافق على قبول شيء من هذه «العروض المغرية» - لفتيات من بيئات اجتماعية فقيرة أو محرومة أو مفككة - تكون قد «علقت» في دوامة لا يعود بمستطاعها الخروج منها بسهولة.
وقد أثارت تصريحات سترو (وزير الخارجية والداخلية والعدل سابقاً) جدلاً واسعاً على رغم الحذر الذي أبداه في إعطاء رأيه. إذ قال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): «هؤلاء الشبان هم، في أي حال، يعيشون في مجتمع غربي، ويتصرفون كأي شاب آخر... لكن الفتيات من أصول باكستانية لا يمكن المس بهن، ويُفترض (بهؤلاء الشباب) أن يتزوجوا من فتيات باكستانيات يأتين في العادة من باكستان... ولذلك فإنهم يبحثون عن طُرق أخرى (غير طريق الباكستانيات اللواتي لا يمكنهم سوى الزواج منهن) ويرون فتيات بيضاً ضعيفات، وبعضهن يقيم تحت الرعاية الاجتماعية (من أسر مفككة)... ويعتقدون أنهن بمثابة لحم سهل». وشدد سترو على أن هذه القضية تمثّل «مشكلة محددة» تخص الشبان من أصل باكستاني، داعياً الجالية البريطانية من أصل باكستاني إلى أن تكون صـــــريحة أكثر بخصوص «هذه المشكلة التي تـــــؤدي إلى قيام عدد من الشبان من ذوي الأصول الباكستانية إلى الاعتقاد أنه من الجائز استهداف الفتيات البريطانيات بهذه الطريقة». لكنه أكد، فــي المقابل، أن «الباكستانيين، لنكن واضحين، ليسوا الوحيدين الذين يرتكبون اعتداءات جنسية. فالغالبية العظمى من المدانين بجرائم جنسية في عنابر السجون هم من البيض».
تصريحات سترو أثارت ردود فعل كبيرة في أوساط جماعات مسلمة ردت عليه بعنف ودانت تجريم جالية مسلمة بناء على فعل شابين لم يتصرفا وفق القيم والتعاليم الإسلامية. ورفض محمد شفيق، مدير مجموعة الشباب المسلم في «مؤسسة رمضان»، مزاعم سترو في شأن أن الاستغلال الجنسي ضد الفتيات البيض متجذّر في جزء من المجتمع الباكستاني. وقال: «هذه قضايا إجرامية ويجب النظر إليها على هذا الأساس. ليس هناك جالية أو دين يوافق أبداً علــى هـــذه الجرائم الشريـــرة، والقول إن شيئاً من هذا القبيل متجذر في جالية ما أمر مهين جداً».
كذلك قالت هيلين برايلي، من معهد الأمن وعلم الجريمة في جامعة لندن، إن الناس لا يُفترض أن يتبنوا أحكاماً سريعة بتجريم جزء من المجتمع. ولم يتفق النائب العمالي كيث فاز مع رأي زميله وصديقه سترو، وقال إنه لا يعتقد أن هناك «مشكلة ثقافية (وراء ارتكاب هذه الجرائم ضد الفتيات البيض)».
وأشار إلى أن الدائرة النيابية التي يمثّلها في البرلمان، دائرة شرق ليستر، يقطنها بريطانيون من أصل باكستاني تماماً كالدائرة التي يمثلها سترو. لكنه قال إنه لا يرى مشكلة مع أبناء جاليته المسلمة في ليستر في خصوص الاعتداء على النساء البيض، «وبالتالي فإن من الخطأ تعميم التهمة على الجالية الباكستانية». وقال مارتن نايري، المدير التنفيذي لجماعة «برناردو» التي تُعنى برعاية الأطفال، إن «الإغراء الجنسي» للفتيات في الشوارع أمر يحصل في معظم المدن والبلدات في بريطانيا وليس محصوراً بأبناء الجالية الباكستانية.