ادب مترجم
قصة جاك لندن
علي سالم
The Unexpected
اللامتوقع
قصة جاك لندن
ترجمة علي سالم
تميل الناس عادة الى رؤية الواضح ، وفعل هومتوقع. وسبب ذلك هو النزعة المتأصلة داخل كل فرد تقريباً نحو حياة الجمود والإستقرار مقابل الحركة، وتشكل الحضارة عاملاً حاسماً في تعزيز هذة النزعة ، وتأصيلها في نفوس معظم الناس، بحيث تجعلهم لايرون الا الواضح فقط، أما اللامتوقع فنادر الحدوث في حياتهم. لكن عندما يحدث اللامتوقع ، وعندما يكون ذو مغزى خطير تتوقف علية حياتهم التي إعتادوا عليها بدرجة كافية، يهلك حينئذ غير الأكفاء. إنهم لايرون ماهو غير واضح، وغير قادرين على فعل اللامتوقع، وعاجزين عن تكييف ظروف حياتهم المرتبة جيداً لتتلائم مع ظروف أخرى مفاجئة، وغريبة . بإختصار، عندما يجدون أنفسهم خارج الخطوط الواضحة التي تؤطر حياتهم، يموتون.
من ناحية أخرى ، ثمة نوع آخر من الناس خلقوا من أجل البقاء ، إنهم أولئك الافراد الاكفاء الذين يهربون من حكم الواضح والمتوقع ويكيفون حياتهم حسب أي ظروف قد ترمي بهم الأقدار اليها، أو يجبرون على مواجهتها. الى هذا الصنف من الناس كانت تنتمي إديث ويتلسي . لقد ولدت في منطقة ريفية في إنكلترا، حيث الحياة كمبدأ عام كانت تسير قدماً وفق مبدأ الواضح والمتوقع، أما اللامتوقع فقد كان غير متوقع جداً بحيث لو حدث هذا اللامتوقع لنظر الية كنوع من الفجور. مارست الخدمة في وقت مبكر، و بينما كانت ماتزال شابة صغيرة، أصبحت وصيفة لإحدى السيدات.
يكمن تأثير الحضارة في فرض القانون البشري على البيئة حتى لتغدو في إنتظامها مثل الآلة المحكمة. غير المرغوب فية يتم التخلص منه ، والحتمي يُدرك قبل حدوثة ، بحيث لايبتل المرء بالمطر ولايشعر بالبرد بسبب الصقيع ؛ بينما يصبح الموت ، بدلاً من أن يتعقبنا ويمسك بنا على غير توقع كحادث عرضي رهيب ، يصبح مهرجاناً مرتباً ترتيباً مسبقاً، ويتحرك عبر أخدود مزيت جيداً يؤدي إلى قبو الأسرة ، الذي تُحفظ مفاصل بابة من الصدأ ويُزال غبارة بإستمرار.
هكذا كانت بيئة إديث ويتسلي. بيئة لم يحدث فيها ماهو غير متوقع. وحتى سفرها مع سيدتها وهي في سن الخامسة والعشرين في رحلة قصيرة الى الولايات المتحدة بالكاد كانت خارج نطاق المتوقع، فرغم تغيير أخدود حياتها لمجراه ، الا أنة كان لا يزال نفس الأخدود، ومزيت جيداً. كان أخدوداً يربط الأطلسي باللاحدثيه ، بحيث لم تكن السفينة سفينة في وسط البحر ، بل فندقاً هائلاً ذو ممرات عديدة ، يتحرك بسرعة وهدوء ، ساحقاً الأمواج وحاملاً اياها على الخضوع بهيكلة الضخم ، حتى وكأن البحر كان بركه صغيرة ، رتيبة وهادئة .
وعلى الجانب الآخر واصل الأخدود إمتدادة على الأرض - أخدود لطيف ومحترم ، يوفر الفنادق عند كل موقف ، وفنادق على عجلات بين موقف وموقف .
في شيكاغو ، حين رأت سيدتها جانباً واحداً من الحياة الاجتماعية ، رأت إديث ويتلسي جانباً آخر؛ وعندما تركت خدمة سيدتها وأصبحت إديث نيلسون ،خانتها، قليلاً ربما ، قدرتها على التعامل مع اللامتوقع والسيطرة علية. وكان هانس نيلسون ، المهاجر ، والسويدي المولد والذي يمتهن النجارة ، يمتلك ذلك القلق التيوتوني الذي يدفع بجنسة دائماً نحو الغرب جرياً وراء مغامرتة الكبرى. كان رجلاً ضخم العضلات، متبلداً، تمتزج فية قلة الحيلة بسعة المبادرة ، ويمتلك ، فوق ذلك ، الولاء والمودة بقوة تناظر قوتة الخاصة .
كان قد أخبر أديث بعد يوم من الزواج قائلاً " عندما أكون قد عملت بجد وجمعت بعض المال ، سأذهب الى كولورادو ،" وبعد عام كانا في كولورادو حيث شاهد هانس نيلسون منجمه الأول، وحتى هو أصابته حمى التنقيب عن الذهب .
وقادة التنقيب عبر داكوتا ، وإيداهو ، وشرق ولاية أوريغون ، الى جبال كولومبيا البريطانية. وفي المخيم وعلى الطريق ، كانت أديث نيلسون الى جانبه دوماً ، مقتسمة وإياة حظة ، ومتاعبة ، وكدحة . لقد إستبدلت الخطى القصيرة لفتاة المنازل بالخطى العريضة لمتسلقي الجبال، وتعلمت كيف تنظر إلى الخطر بعينين صافيتين وذهن متفتح ، فاقدة إلى الأبد ذلك الخوف الأعمى الذي يولدة الجهل والذي يصيب أبناء المدن ، ويجعلهم يسلكون سلوك الخيول الحمقاء ، بحيث ينتظرون مصيرهم ، وقد جمدهم الرعب، بدلاً من النهوض ومصارعتة بالأيدي، أو يهربون بفزع مدمر للذات تنتشر على جنبات طريقة اشلاء جثثهم الممزقة.
قابلت إديث نيلسون اللامتوقع في كل منعطف من الطريق، ودربت انظارها بحيث رأت في المشهد، ليس ماهو واضح، بل ماهو خفي . وتعلمت، وهي التي لم تطبخ في حياتها طعاماً، كيف تصنع الخبز دون اللجوء الى نبتة الجنجل أوالخميرة ،أو مسحوق الخبز ، وأن تحمص الخبز من الجانبين في مقلاة على نار موقد في العراء. وعندما كان ينفذ آخر كوب من الطحين وآخر شريحة من لحم الخنزير المقدد كانت ترتجل حلولاً لإنقاذ الموقف، مثل أن تصنع بديلاً طعامياً من قطع الجلد المدبوغة الأكثر رقة الموجودة في عدة الأغراض ، ليقيم بها المرء أوده ولتجعلة بطريقة ما يحتفظ بروحة داخل جسدة لكي يواصل سيرة المترنح الى الى الأمام . تعلمت كيف تضع الحمولة على الخيول وكيف تجهز رجلها بما يحتاج، - وهي لعمري مهمة عسيرة جداً على كل شخص نشأ وترعرع في أحضان المدن ، وتعلمت كيف تطقّم أي فرس بالطريقة المناسبة. وأيضا ، تعلمت كيف توقد النار من الأخشاب الرطبة في الأجواء الماطرة دون أن تفقد أعصابها. بإختصار، لقد روضت اللامتوقع في كل تجلياتة ومظاهرة، لكنها لم تكن قد خضعت بعد لإختبار اللامتوقع الأعظم في حياتها.
كان مد البحث عن الذهب قد فاض شمالاً واغرق ألاسكا ، وكان من المحتم على هانس نيلسون وزوجته أن يعلقا بتيار هذا المد الذي سيلقي بهما على ضفاف كلوندايك . لقد أستقبلا خريف عام 1897 في منطقة ديا ، لكن دون مال يساعدهما في نقل اغراضهما الى ممر تشيلكوت ومن ثم الذهاب بالقارب الى داوسن، فإضطر هانس الى العمل بمهنتة خلال ذلك الشتاء، وعمل في زراعة الفطر لتزويد الباحثين عن الذهب بة في مدينة سكاكوي .
كان متوتراً، وطوال فصل الشتاء كان يسمع كل آلاسكا تنادية، وعلى وجة الخصوص خليج لاتويا ، لذا وجد نفسة وزوجتة خلال صيف عام 1898 يتوغل في متاهات خط الساحل المتكسر بقوارب سيواة ذات السبعين قدماً. كان بصحبتهما هنوداً، وأيضا ثلاثة رجال آخرين. وأنزلهما الهنود مع تجهيزاتهما في منعطف مهجور على الشاطيء يبعد مسافة مئة ميل أو أكثر عن خليج لاتويا، وعادوا الى سكاكوي؛ لكن الرجال الثلاثة الآخرين ظلوا معهما، لأنهم كانوا أعضاء في هذة العصبة المنظمة. لقد ساهم كل منهم بحصة متساوية من رأس المال لشراء التجهيزات ، على أن تقسم الأرباح عليهم بالتساوي. وتعهدت إديث نيلسون أن تكون طاهية المجموعة، وتكون لها حصة مساوية لحصة أي رجل منهم .
في البدء قطعت أشجار الراتينج وشيد كوخ من ثلاث غرف. وتولت أديث نيلسون زمام إدارة هذا الكوخ . وكان واجب الرجال البحث عن الذهب ، وهذا ما فعلوه؛ ثم العثور علية، وقد فعلوا ذلك أيضا، ولم يكن ماعثروا علية من الذهب كثيراً، مجرد كمية قليلة منة كلفتهم ساعات طويلة من الكد الشديد وتراوحت قيمة حصة كل فرد منهم مابين 15 و 20 دولاراً يومياً. كان صيف آلاسكا القصير قد إستطال ذلك العام على غير عادتة ، وقرروا إستغلال هذة الفرصة لصالحهم، وتأخير عودتهم إلى سكاكوي إلى آخر لحظة، حتى فات أوان العودة . وكانت الترتيبات اللازمة لمرافقة عدة عشرات من الهنود المحليين في رحلتهم الخريفية للتجارة مع الساحل قد تمت. وقد انتظرت قوارب السيواش الرجال البيض حتى الساعة الحادية عشرة ، لكنها غادرت بعد ذلك، ولم يعد هناك بالطبع أي وسيلة لنقلهم ، غير ماتمنحة الصدف العابرة ، وفي هذا الأثناء تم تنظيف الأرض التي كانوا ينقبون فيها وتحولت الى مخزن للحطب.
وتلكأ الصيف الهندي كحلم طويل، ثم حل الشتاء بغتة مثل نفير أبواق عالية، وأصبح كل شيء في قبضة الشتاء بين ليلة وضحاها، وأستيقظ المنقبون على ريح كانت تعول في العراء، وثلج يهطل بغزارة، ومياة متجمدة. وتتابعت العواصف، واحدة تلو اخرى، وبين عاصفة وأخرى كانت تدوي في الجو حالة من السكون الثقيل، لايكدرها شيء سوى هدير الامواج على الشاطيء المهجور، حيث كان الرذاذ المالح يبروز الشاطيء بالبياض المتجمد.
لكن داخل الكوخ، كان كل شيء على مايرام. لقد بلغ غبار الذهب الذي قاموا بجمعة قيمة ثمانية آلاف دولار تقريباً، وهو شيء لم يجلب لهم غير الرضا والسرور. قام الرجال بصنع أحذية ثلجية، وتخزين لحوم طازجة، وشرعوا يقضون المساءات الطويلة في لعب الورق. والآن بعد أن إنتهى التنقيب، تحول إهتمام اديث من إشعال النار، وغسل صحون الرجال، الى رتق جواربهم، وإصلاح ثيابهم.
لم يكن ثمة تذمر ولاجدال حول مسائل تافهة داخل الكوخ الصغير، بل بالعكس كانوا يهنئون بعضهم البعض على سعادتهم كمجموعة متجانسة. كان هانس نيلسون متحفظاً كعادتة لكنة حلو المعشر، وقد نالت أديث إعجابة الشديد بقدرتها على التعامل مع الناس بسهولة ويسر. أما هاركي، ذلك التكساسي الفارع والهزيل، فقد كان رغم مزاجة الزحلي الكئيب ، لطيفاً جداً مع الجميع ، طالما لم يجادلوة في نظريتة القائلة بأن الذهب قد زاد. العضو الرابع في هذة المجموعة ، كان أسمة مايكل دنين، وقد ساهم هذا الشخص بروحة الأيرلندية المرحة وأريحيتة في إشاعة جو الفرح والسرور داخل الكوخ. لقد كان رجلاً ضخماً قوي البنية ، تنتابة نوبات مفاجئة من الغضب بسبب أمور لاقيمة لها، ويتمتع بحس لاينضب من الدعابة في الأوقات التي تتميز بالقلق والتوتر الشديدين. العضو الخامس كان إسمة دتشي، وكان يجد متعة في القيام بدور إضحوكة الجميع، حتى أنة لم يكن يجد حرجاً في أن يضحك الجميع منة حفاظاً على جو المرح داخل الكوخ، بحيث يبدو أن هدفة الوحيد في الحياة هو إضحاك الناس. لم يحدث أي شجار جدي يهدد أمن وإنسجام المجموعة التي كان كل فرد منها فرح بمبلغ الالف وستمئة دولار التي جمعها من عملة خلال ذلك الصيف الوجيز والحياة التي كان يرفرف فوقها روح الرخاء ووفرة الطعام داخل الكوخ.
ثم حدث اللامتوقع. كانوا قد جلسوا للتو لتناول الفطور على الطاولة. ورغم أن الساعة كانت قد بلغت الثامنة صباحاً ( تناول الفطور في وقت متأخر كان قد أصبح عادة نتيجة لتوقف العمل في التنقيب) أنارت شمعة مثبتة في عنق زجاجة فارغة وجبة الفطور. جلست أديث وهانس على جانبي الطاولة. وعلى أحد الجوانب، وظهريهما الى الباب، جلسا هاركي ودتشي. الجانب الآخر من الطاولة كان خالياً. دنين لم يكن قد دخل بعد.
نظر هانس نيلسن الى الكرسي الخالي، وبمحاولة ثقيلة لإضفاء شيء من المرح ، قال هازاً راسة ببطء: إنة دائماً أول من يهرع الى الطعام. إنة لامر غريب . قد يكون عليلاً. "
سألت أديث " أين مايكل؟"
" نهض قبل الجميع بقليل وخرج،" أجاب هاركي.
طافت بوجة دتشي نظرة خبيثة. وتظاهر بأنة كان يعلم بسبب غياب دنين، متصنعاً هيئة من الغموض، مما جعل البقية تتطلع الية لمعرفة المزيد من المعلومات. ذهبت أديث لإلقاء نظرة على أسرة نوم الرجال المثبتة في جدران غرفة النوم وعندما عادت ثانية الى الطاولة، نظر إليها هانس نظرة ملؤها التسائل ، لكنها هزت راسها بالنفي.
قالت معلقة" لم يسبق لة أن تأخر عن موعد الطعام من قبل،"
قال هانس" لاأستطيع أن افهم ، إنة يتمتع دائماً بشهية حصان."
قال دتشي هازاً راسة بحزن" إنة امر بالغ السوء،"
ثم أخذوا يتندرون حول غياب رفيقهم.
قال دتشي متطوعاً" إنة لأمر بالغ الحزن!"
قالوا جميعاً بصوت واحد " ماذا؟"
وجاء جواب دتشي حزيناً" يالمايكل المسكين،"
سال هاركي" حسناً، ماذا حدث لمايكل؟"
قال دتشي بصوت نادب" لم يعد يشعر بالجوع، لقد فقد شهيتة. إنة لايحب الطعام."
علق هاركي" ليس بالطريقة التي يحب ان يغرق نفسة فيها بالطعام حتى أذنية،"
قال دتشي مؤنباً" إنة لايتصرف بشكل لائق أمام السيدة نيلسون، وأنا أعلم بأن هذا الأمر سيء جداً، نعم أعلم. لماذا هو غير حاضر معنا هنا الآن؟ السبب لأنة خرج. لماذا خرج؟ لأنة يريد إستعادة شهيتة. وكيف يستعيد شهيتة؟ يستعيد شهيتة بالسير عاري القدمين في الثلج. آة ، ألم اقل لكم باني أعلم؟ إنها طريقة الأغنياء في إستعادة شهيتهم المفقودة. يملك مايكل الآن ألف وستمئة دولار. إنة غني، وليس لدية شهية. لذلك خرج للبحث عن شهيتة، ولو فتحتم الباب الآن لرأيتموة يسير حافياً في الثلج. سترونة هو وليس شهيتة، وهذا مايقلقة الآن، وحالما يلمح شهيتة سيلقي القبض عليها ويعود سريعاً."
إنفجروا بضحك صاخب على هراء دتشي، ولم يكد الضحك يأتي على نهايتة حتى إنفتح الباب وإذا بدنين يدخل. إلتفت الجميع ناظرين إلية. كان يحمل في يدة بندقية من نوع شوتغن. وبينا هم يتطلعون الى هذا المنظر، رفع دنين البندقية فوق كتفة وأطلق النار مرتين. عندما ثارت الإطلاقة الأولى غاص دتشي في المنضدة، دالقاً كوب قهوتة، مخضلاً لبدة شعرة الشقراء في صحن عصيدتة. جبهتة، التي إنضغطت فوق الحافة القريبة من الصحن، رفعت الصحن الى الأعلى قبالة شعرة بزاوية خمسة واربعين درجة. هاركي طار في الهواء، وعند وثوبة على قدمية، أثناء إنطلاق الرصاصة الثانية، سقط على الأرضية على وجهة ، وكلمة " أوة ياالهي! " تتحشرج في حلقة.
لقد كان ذلك هو اللامتوقع. وصقع هانس وأديث. و ظلا جالسين على المنضدة بأجسام متوترة، وعيونهما مثبتتان بنظرة مسحورة على القاتل.وبشكل باهت شاهداة عبر غمامة البارود، وفي الصمت لم يكن ثمة شيء يسمع غير صوت قطرات قهوة دتشي النازلة على الأرضية قطرة قطرة. فتح دنين عقب البندقية وأسقط القذائف الفارغة . ثم أمسك بالبندقية بيد واحدة ومد يدة الأخرى في جيبة لإخراج قذائف جديدة.
كان قد شرع في لقم البندقية بالخراطيش عندما دب النشاط في أوصال أديث نيلسون وبدأت تتحرك. كان واضحاً إنة يريد قتل هانس وقتلها. وفي فضاء ثلاث ثوان تقريباً شعرت بالشلل والحيرة أمام الشكل الذ ي تبدى بة اللامتوقع وأعلن عن حضورة أمامها. ثم نهضت وتشابكت معة بالأيدي. لم يكن إشتباكها مع اللامتوقع مجازياً، بل فعلياً، لأنها قفزت مثل لبوة وأمسكت بتلابيب القاتل بكلتا يديها، وساهم إندفاع جسدها وثقلة في زحزحة الرجل ودفعة مترنحاً الى الوراء عدة خطوات. حاول التخلص منها وفي نفس الوقت الإحتفاظ ببندقيتة، لكن جسدها الصلب المتسمر فية والذي أضحى شبيهاً بجسد قطة وحشية جعلة يتحرك بشكل أخرق. سحبت نفسها جانباً وكادت أن تسقطة ارضاً وهي ماتزال متشبثة بتلابيبة، لكنة إعتدل مستديراً بخفة، فإستدارت معة دون أن تفلت يديها قبضتهما المحكمة حول عنقة، لكن قدميها إرتفعتا عن الارض، واخذت تدور معة في الهواء وأصابعها ماتزال منغرزة في رقبتة، وقادهما هذا الطيران السريع الى الإرتطام أخيراً باحد الكراسي، ثم السقوط على الأرض حيث واصلا الصراع حتى منتصف الغرفة.
تأخر هانس نيلسون نصف ثانية عن زوجتة في قيامة ومواجهتة لغير المتوقع . كان رد فعلة العصبي والعقلي لماحدث أبطأ من رد فعل زوجتة. كان وجودة العضوي أكثر فجاجة وتطلب منة ذلك المزيد من الوقت لإدراك ماكان يحدث، وتقرير خطة العمل القادمة. لقد نهض في اللحظة التي كانت هي قد طارت بالفعل للإمساك برقبة دنين، لكنة لم يكن يملك رباطة جأشها وهدوئها، لأنة إندفع شرساً يحدوة غضب أعمى، وفي اللحظة التي قفز فيها عن كرسية إنفتح فمة وخرج منة صوت نصفة زئير ونصفة الآخر خوار كخوار الثيران. كانت دوامة تطويح الجسدان في الهواء قد بدأت بالفعل، ولم تكن قد أتت على نهايتها بعد، عندما إندفع هانس خلف هذة الدوامة، وهو لايزال يخور أو يزأر، ولحق بها عندما إستقر بها المطاف على الأرض.
ألقى هانس بجسدة فوق الرجل المنبطح على الأرض، وشرع يلطمة بقبضتية بعنف ووحشية. كانت اللطمات أشبة بمطارق حديدية، وعندما أحست أديث بإسترخاء الجسد المنبطح أرخت قبضتها وتدحرجت مبتعدة عنة على الأرض. ظلت ممدة على الأرضية، لاهثة وعيناها تراقبان مايجري. كانت لطمات هانس الغاضبة ماتزال تهطل كالمطر، لكن لم يكن يبدو على دنين إنة كان يعير لها بالاً. كان جسدة هامداً. وأدركت أديث بأنة كان فاقداً للوعي فصاحت داعية هانس الى التوقف، لكنة لم يعر لذلك آذاناً صاغية، فصاحت ثانية وأمسكت بذراعة، لكن ذلك لم يفلح في إيقافة وإنما أعاقة قليلاً.
لم يكن ثمة سبب معقول لمافعلتة ذلك الحين، ولم يكن ذلك بدافع الشفقة أو إلتزاماً بتعاليم الكتاب المقدس التي تحرم القتل ، أكثر منة إستجاة لنوع من الشعور بالقانون الذي كان يمثل الأخلاقيات التي تربت عليها بين أهلها في بيئتها السابقة ، والتي فرضت عليها أن تجعل من جسدها حائلاً بين زوجها وبين القاتل الذي كان طريحاً بلا حول ولا قوة. ولم يتوقف هانس عن الضرب حتى شعر بأنة كان يكيل اللكمات الى زوجتة نفسها، وسمح لها بأن تدفع بة بعيداً بنفس الطريقة التي يدفع بها السيد كلبة الشرس المطيع بعيداً عن ضحيتة. وكان هانس يشبة بالفعل كلباً شرساً، لأنة ظل يزمجر ويهدر بطريقة حيوانية مريعة وحاول عدة مرات العودة للإنقضاض ثانية على فريستة لكن جسد المرأة المنتصب بينة وبين ضحيتة حال دون ذلك.
دفعت أديث بزوجها أبعد وأبعد. لم يسبق لها أن شاهدتة في مثل هذه الحالة، وكان خوفها منة أكبر من خوفها من دنين وهما في حدة الصراع ، إذ لم تصدق بأن هذا الوحش الهائج هو زوجها هانس، وشعرت تجاهة فجأة بخوف غريزي دفين سبب لها صدمة لأنها تصورت بأنة سيقوم في أي لحظة بنهش يدها باسنانة كأي حيوان بري. أخذ هانس يتحرك جيئة وذهاباً لعدة ثوان، تعذبة رغبتة في معاودة الهجوم، لكنة أحجم خوفاً من أن يكون ذلك سبباً لإيذاء زوجتة التي وقفت لة بالمرصاد تحسباً لأي حركة مفاجئة تصدر منة للإنقضاض ثانية على دنين، وإستمر الحال على هذا المنوال حتى بدأت أولى بشائر التعقل والهدوء تعود الية وعندها تخلى عن محاولاتة .
وقف كلاهما على قدمية. وترنح هانس الى الوراء وإتكأ على الجدار، محتقن الوجة، ترن في جوفة بقايا زمجرتة الغاضبة. والآن حان وقت رد الفعل، ووقفت أديث في منتصف الغرفة ، كابسة يديها، لاهثة ومتقطعة الأنفاس وجسدها يرتجف بعنف من رأسها الى أخمص قدميها.
أخذ هانس يطلق نظرات بلهاء فيما حولة، بينا راحت عينا أديث تتفحصان بوحشية ودقة كل تفاصيل المشهد المرسوم على أرضية الكوخ . رقد دنين دون حراك. الكرسي المقلوب، الذي طار في دوامة الصراع المجنونة ، أستقر أخيراً قريباً منة. البندقية التي كانت مؤخرتها لاتزال مفتوحة إستعداداً لحشو الطلقات كانت مغطاة بجسدة على نحو جزئي. من يدة اليمنى المنسدلة فرت الخرطوشتان اللتان فشل في لقم البندقية بهما بعد أن كان قابضاً عليهما بشدة قبل أن يغيب عن الوعي. تمدد هاركي على الأرضية، ووجهة الى الأسفل في المكان الذي سقط فية صريعاً؛ بينما إستقر دتشي الى الأمام فوق الطاولة ، ولبدة شعرة الشقراء مدفونة في صحن حسائة، الصحن ذاتة مايزال مرتكزاً على وجة دتشي بزاوية خمسة وأربعين درجة.هذا الصحن المائل أدهشها. لماذا لم يسقط؟ إنة شيء غاية في السخف. ليس من طبيعة الأشياء أن يقف صحن حساء على حافتة فوق طاولة طعام، حتى لو أن رجلاً أو شيء من هذا قد قتل.
نظرت ثانية الى دنين نظرة خاطفة، لكن عيناها عادتا الى الصحن المائل. لقد كان الأمر غاية في السخف! ثم لاحظت الصمت، ونست الصحن من أجل رغبة في حدوث شيء ما . النزول الرتيب لقطرات القهوة من المنضدة الى الارضية جعل الصمت أشد وطأة. لماذا لايفعل هانس شيئاً؟ أن يقول شيئاً؟ نظرت الية وكانت على وشك الكلام، لكنها إكتشفت بأن الصدمة قد عقدت لسانها. كان ثمة ألم غريب في حنجرتها، وكان فمها جافاً وفرائياً. كانت تنظر فقط الى هانس الذي كان بدورة ينظر اليها.
فجأة هشم الصمت رنين معدني حاد. صرخت، ساحبة عينيها الى المنضدة. لقد سقط الصحن. وتنهد هانس وكأنة يستفيق من غفوة. لقد أعادهما رنين الصحن الى الحياة في عالم جديد. ومثّل الكوخ العالم الجديد الذي سيتعين عليهما مواصلة العيش والحركة فية من الآن فصاعداً. لقد إنتهى الكوخ القديم الى الأبد. كان أفق الحياة الجديدة جديداً تماماً وغير مألوفاً. لقد سحب اللامتوقع سحرة الماكر فوق وجة الأشياء، غيّر المنظور ، لعب بالقيم، وخلط الحقيقي باللاحقيقي في دوامة من الإرتباك المحير.
ونطقت أديث بأولى كلماتها قائلة " هانس، رباة!"
لم يجب، لكنة تطلع اليها مذعوراً. وببطء تجولت عيناة في أرجاء الغرفة، مسجلة تفاصيلها لأول مرة . ثم إرتدى قبعتة وتوجة الى الباب.
صاحت أديث وقد داهمتها موجة من الخوف" الى أين ذاهب؟"
يدة كانت على أكرة الباب، وإلتفت نصف إلتفاتة عندما أجابها " لأحفر بعض القبور."
" لاتتركني ياهانس مع - " وكنست عيناها الغرفة - " مع هذا."
" لابد من حفر القبور في وقت ما" قال.
" لكنك لاتعرف كم" إعترضت بيأس. ولاحظت ترددة، وأضافت، " فضلاً عن ذلك، سأذهب معك وأعاونك".
خطا هانس عائداً الى المنضدة وأطفأ الشمعة بحركة آلية. ثم تقاسما بينهما مهمة التدقيق. هاركي ودتشي كلاهما كانا ميتان - موتاً شنيعاً، بسبب قرب المسافة التي إطلقت عليهما النار منها. ورفض هانس الإقتراب من دنين، وأجبرت أديث على إنجاز هذا القسم من التدقيق بنفسها.
صاحت منادية هانس " إنة لم يمت بعد،"
سار اليها وألقى نظرة على القاتل.
" ماذا تقول؟" سألت أديث بعد أن طرقت أسماعها من جديد زمجرة الكلام الغامضة التي إنطلقت من حنجرة زوجها.
وكان الجواب" من العار أنة لم يمت"
كانت أديث تنحني فوق الجسد المسجى.
قال هانس آمراً بصوت غريب " دعية وشأنة"
نظرت الية وقد مسها ذعر مفاجيء. لقد إلتقط البندقية الملقاة بجانب دنين وبدأ يحشوها بالخراطيش.
صاحت وهي تنتصب واقفة "ماذا ستفعل ؟"
لم يجب هانس، لكنها شاهدت البندقية ترتفع الى كتفة، فتشبثت بالفوهة ودفعتها الى الأعلى.
" دعيني وشأني!" صاح بصوت أجش.
حاول أن يحرر البندقية من قبضتها، لكنها إقتربت منة وتشبثت بجسدة .
" هانس ! هانس! إستيقظ" صرخت قائلة . "لاتكن مجنوناً!"
" لقد قتل دتشي وهاركي،" كان جواب زوجها؛ " وساقوم بقتلة."
" لكن هذا غير صحيح،" قالت معترضة. " ثمة القانون."
وإبتسم عدم تصديقة بقوة القانون في هذة المنطقة، ، لكنة ردد بعناد وبرود قائلاً" لقد قتل دتشي وهاركي."
تجادلت معة طويلاً، لكن الجدال كان ذو جانب واحد، لأنة إكتفى بترديد المرة تلو الأخرى لازمة" لقد قتل دتشي وهاركي"، ولم يفت ذلك في عضدها لأنها لم تكن قادرة على الهروب من تعاليم نشأتها الأولى ولا من مزايا الدماء الجارية في عروقها. كان ميراث القانون خاصتها، والسلوك الحسن ، بالنسبة لها، هو التجلي الأخير لروح القانون. لم تر طريقاً أكثر صلاحاً منة تسير علية. لذلك كانت ترى بأن محاولات هانس تحقيق العدالة بنفسة لاتختلف كثيراً عن الجريمة التي إرتكبها دنين. خطأءان لايصنعان صواباً ، وهناك طريقة وحيدة لعقاب دنين، وهي الطريقة القانونية التي يقرها المجتمع. بالتالي إستسلم هانس لها .
" حسناً، " قال. " تصرفي كما يحلو لك. وغداً أو بعد غد أنظري لترية يقوم بقتلك وقتلي."
هزت راسها ومدت يدها لة لكي يسلمها البندقية. وبدأ بتسليمها البندقية ، ثم تردد.
" الأحسن أن تدعيني أطلق النار علية،" قال متوسلاً.
ومرة أخرى هزت رأسها ، وهم بتسليمها البندقية ثانية، عندما إنفتح الباب ، ودخل هندياً، دون أن يطرق. ودخلت معة عصفة من الريح وحفنة من الثلج . إستدارا وواجهاه، وهانس لايزال ممسكاً بالبندقية. عاين المتطفل المشهد دون أن تطرف لة عين. وعانقت عيناة الجسدين الميتين والجسد الجريح بنظرة خاطفة. لم تظهر على وجهة أي دهشة ، ولاحتى حب إستطلاع. هاركي كان ممدداً عند قدمية، لكنة لم يلاحظة. كل ماكان يهمة أن جسد هاركي لم يعد لة وجود.
" ريح عالية "علق الهندي على سبيل التحية " كل شيء على مايرام؟ على مايرام تماماً؟".
شعر هانس على نحو أكيد، وهو مايزال ممسكاً بالبندقية، بأن الهندي قد عزا الية منظر الجثث المشوهة. فنظر الى زوجتة متوسلاً.
" طاب صباحك يانغوك." قالت بصوت مجهد من فرط الإعياء. "لا ، ليس كل شيء على مايرام. لدينا الكثير من المشاكل."
" وداعاً الآن، علي التعجيل بالذهاب" قال الهندي، دون أي تصنع للعجلة، وبترو شديد لئلا تطأ قدماه بركة الدم الموجودة على الأرضية، فتح الباب وخرج.
تبادل الرجل والمرأة النظرات.
" إنة يعتقد بأننا المسؤلان عن ذلك. بأني أنا من قام بقتلهما." قال هانس بصوت لاهث.
ظلت أديث صامتة لبرهة من الزمن، ثم قالت بإقتضاب وبطريقة عملية:
" لاتهتم لما يفكر فية، سنأتي على ذلك في حينة. أما الآن فعلينا القيام بحفر قبرين. لكن أولاً، يجب علينا تقييد دنين حتى لايهرب."
رفض هانس ملامسة دنين، لكن أديث قيدت بإحكام يدية وقدمية. ثم خرجت هي وهانس في الثلج. كانت الأرض منجمدة وعصية على ضربات المعول. جمعا الحطب أولاً، وكشطا الثلج من فوق السطح المنجمد وأوقدا النار . وعندما تركا النار تشتعل لمدة ساعة ذابت عدة بوصات من التربة. جرفا التراب وإوقدا ناراً ثانية. وتقدمت وتيرة نزولهما الى باطن الأرض بنسبة بوصتين الى ثلاث بوصات في الساعة.
كان عملاً شاقاً ومريراً. ولم يسمح الثلج المتطاير للنار بالإشتعال جيداً، بينما راحت الريح القارسة تشق طريقها عبر الثياب وتجمد عظامهما. تحدثا قليلاً . كانت الريح تتدخل في الحديث. ودون أن يتسائلا عن ماهية دوافع دنين، ظلا صامتين، مستسلمين لهول المأساة. وفي الساعة الواحدة نظر هانس الى الكوخ وقال بأنة كان جائعاً.
" كلا، ليس الآن ياهانس،" أجابت أديث. "لايمكنني العودة لوحدي الى الكوخ وهو على تلك الحال، وطبخ الطعام."
في الساعة الثانية بعد الظهر تطوع هانس بالذهاب معها ؛ لكنها طلبت منة مواصلة العمل، وفي الساعة الرابعة أكملا حفر القبرين. كانا ضحلين، لايزيدان عن بوصتين عمقاً، لكنهما كانا سيفيان بالغرض. كان الليل قد هبط. أخذ هانس الزلاجة ، وسحب الرجلين الميتين عبر الليل والريح العاصفة الى قبريهما المنجمدين. كانت مراسيم العزاء بعيدة كل البعد عن الإحتفالية. غطست الزلاجة عميقاً في الثلج الذي كانت تذروة الريح وأصبح سحبها صعباً جداً. لم يكن الرجل والمرأة قد تناولا طعاماً منذ يوم أمس ، وكانا يشعران بالضعف بسبب الجوع والإعياء. لم تكن لديهما القدرة على مقاومة الريح التي كان عصفها المتواصل يجعل أقدامهما تزل عن مواضعها أحياناً. عدة مرات إنقلبت الزلاجة ، وأجبرا على إعادة شحنها بحمولتهما الرهيبة. كانت المئة قدم الأخيرة الى اللحدين تمر من فوق منحدر صعب، صعداه على الأربع، مثل كلاب زلاجات جاعلين من أذرعهما أقداماً وغارزين أياديهما بالثلج. ورغم ذلك ، سحبهما الى الخلف ثقل الزلاجة، وإنزلقا ساقطين أسفل التل ،الأحياء والأموات وحبال السحب والزلاجة ، في أحبولة واحدة رهيبة.
" سأنصب غداً شاهدتي قبر تحملان إسميهما." قال هانس عندما تم تسوية القبرين.
كانت أديث تنتحب. وتمكنت، بعد لأي، من قول بضعة كلمات لإتمام مراسيم الدفن، وأضطر زوجها الآن الى حملها عائداً بها الى الكوخ.
كان دنين صاحياً بعد أن كان قد تقلب عدة مرات على الأرضية محاولاً تحرير نفسة . وراقب أديث وهانس الكوخ بعينين لامعتين، لكنة لم يقم بأي محاولة للكلام. وظل هانس على موقفة المتمثل برفضة ملامسة القاتل، وراقب بوجة جهم أديث وهي تسحبة عبر الأرضية الى غرفة نوم الرجال ذات الأسرة المثبتة واحداً فوق الآخر. لكن رغم كل الجهد الذي بذلته لم تستطع رفعة ووضعة على سريرة.
" الأفضل أن تدعيني أطلق النار علية، وستنتهي متاعبنا." قال هانس متوسلاً اليها للمرة الأخيرة.
هزت أديث رأسها وإنحنت لإكمال مهمتها. لدهشتها لاحظت بأن الجسد قد إرتفع بسهولة، وعلمت بأن هانس قد تخلى عن عنادة ومد لها يد العون. ثم حان وقت تنظيف المطبخ. لكن الأرضية كانت لاتزال تصرخ بالمأساة، حتى قام هانس بسحج سطح أخشاب الأرضية الملوثة وأشعل النار بالرقائق الخشبية.
ومرت الأيام والليالي. وكان ثمة الكثير من الظلام والصمت، الذي لم يكن يكسر حدتة غير هدير العواصف والرعد على الساحل الذي تجمدت أمواجة . أصبح هانس طيعاً لأقل أوامر أديث. لقد غابت عنة كل مبادراتة الرائعة. وإختارت أن تتعامل مع دنين على طريقتها الخاصة، وهكذا ترك الموضوع كلة بين يديها.
كان القاتل يشكل مصدراً دائماً للتهديد . وفي كل الأوقات كان ثمة إمكانية أن يقوم بتحرير نفسة من قيودة، لذلك إضطرا الى حراستة ليلاً ونهاراً. وكان الرجل أو المرأة يجلسان دائماً الى جانبة، ممسكين بالبندقية المعبئة . في البداية جربت أديث الحراسة لمدة ثمان ساعات، لكن التوتر المستمر كان شديداً، وبعد ذلك أخذت تتناوب الحراسة مع هانس كل أربع ساعات. ونظراً لحاجتهما الى النوم، ولإمتداد ساعات الحراسة حتى الليل، صارا يمضيان أوقات صحوهما بشكل كامل في مراقبة دنين. بالكاد كانت تتوفر لديهما فضلة من الوقت لتهيئة الطعام أو جلب الحطب.
منذ زيارة نغوك غير الموفقة أخذ الهنود بتجنب الكوخ. وبعثت أديث بهانس الى أكواخهم لنقل دنين في قارب الى أقرب مستوطنة بيضاء أو أقرب مركز تجاري، لكن الإلتماس لم يجد نفعاً. ثم ذهبت أديث بنفسها وقابلت نغوك . كان زعيماً للقرية الصغيرة، ويمتلك وعياً حاداً بمسؤلياتة وشرح سياستة بشكل كامل بكلمات قليلة.
قال " إنها مشكلة الرجل الأبيض، وليست مشكلة سيواشية. يساعدكم قومي، وستكون المشكلة سيواشية أيضاً. عندما تجتمع مشكلة الرجل الأبيض مع مشكلة السيواشي وتصنعان مشكلة، تكون المشكلة كبيرة، مستعصية على الفهم وليس لها نهاية. المشاكل شيء غير جيد . قومي لايرتكبون خطأ. ماذا لوساعدوكم وأصبحت لديهم مشكلة ؟"
وهكذا عادت أديث نيلسون الى الكوخ الرهيب وساعات حراستة الأربع المتناوبة بلانهاية. أحياناً عندما تكون النوبة لها كانت تجلس، والبندقية المحشوة في حجرها، فتنعس عيناها وتغفو. فكانت دائماً تفز مرعوبة ، وتلتقط البندقية وتسدد لة نظرات سريعة. كانت تلك صدمات عصبية حقيقية، وتاثيرها عليها لم يكن طيباً. هكذا كان خوفها من الرجل، حتى عندما تكون في كامل صحوهها ، وإذا تحرك تحت ملاءات السرير لم تكن تستطع كبت إجفالها ومد يدها سريعاً الى البندقية.
كانت تعد نفسها لصدمة عصبية، وكانت تعرف بذلك. في البداية جاء إرتجاف المحاجر ، لذلك كانت تضطر الى غلق عينيها لإراحتهما قليلاً . بعد ذلك بقليل أصيبت العينان برجفة عصبية لم تستطع السيطرة عليها. ولزيادة طين الشد العصبي بلة، عجزت عن نسيان المأساة . وبقيت قريبة من الرعب كقربها منة في الصباح الأول الذي تسلل فية اللامتوقع الى الكوخ وإستلب كل شيء. في قيامها اليومي على السجين كانت تجبر نفسها على صر أسنانها وشد عزيمتها روحاً وجسداً.
كان تأثر هانس مختلفاً. لقد تملكتة فكرة أن من واجبة القيام بقتل دنين؛ وكلما خدم الرجل المقيد أو راقبة، كانت أديث تضطرب خوفاً من أن يضيف هانس مدخلاً أحمراً آخر الى سجل الكوخ. كان يشتم دنين دائماً بوحشية ويعاملة بخشونة. حاول هانس طوال الوقت إخفاء جنونة القتلي، وكان يقول لزوجتة" ستطلبين مني شيئاً فشيئاً أن أقوم بقتلة، وعندها لن أقتلة، لأنة سيصيبني بالغثيان" . لكنها، أكثر من مرة ، عندما كانت تستريح من الحراسة، تتسللت الى الغرفة ، لتجد الرجلين يحدقان في بعضهما البعض كوحشين ضاريين، في عيني هانس شهوة القتل ، وفي عيني دنين حدة ووحشية جرذ محاصر. فكانت تصيح " هانس! إستيقظ " ويقوم هانس بتمالك أعصابة، ويجفل شاعراً بالعار، وليس الندم.
وهكذا اصبح هانس جزءاً آخر من المشكلة التي قدمها اللامتوقع لأديث نيلسون وطالبها بحلها. في البداية كانت المشكلة تكمن في كيفية تقرير السلوك الأمثل في التعامل مع دنين، والسلوك الأمثل بالنسبة لها هو الحفاظ علية سجيناً حتى يتسنى لهما تقديمة أمام محكمة مناسبة. لكن الآن دخل هانس وشاهدت بأن سلامتة العقلية وخلاصة كانا في ورطة. ولم يمض وقت طويل حتى إكتشفت بأن قوتها هي بالذات وتحملها قد أصبحا جزءاً آخر جديداً من المشكلة. لقد كانت طاقتها على التحمل تتفتت تحت ضغط ذلك التوتر. كانت قد أخذت تعتري يدها اليسرى نوبات من التشنج العصبي. فكانت تدلق طعامها من ملعقتها، وفشلت في وضع ثقتها بذراعها المصابة. وحسبتها شكل من أشكال إضطراب رقصة سانت فيتوس الحركي، وخشيت من تطور هذة الإعراض الى مداها الأقصى. ماذا لو تعرضت الى إنهيار عصبي؟ وداهمتها فكرة مرعبة جديدة تمثلت في إمكانية حدوث شيء لها في المستقبل، وعندها لن يبقى في الكوخ أحد غير هانس ودنين.
بعد اليوم الثالث، كان دنين قد بدأ يتكلم. وكان سؤالة الأول هو" ماذا ستصنعان بي؟" و هذا السؤال ظل يرددة يومياً وعدة مرات في اليوم . ودائماً كانت أديث تجيبة قائلة بأنة سيتم التعامل معة وفق القانون . بالمقابل ، طرحت علية سؤالاً يومياً وهو " لماذا فعلت ذلك؟" لكنة لم يجب على هذا السؤال أبداً. وأيضاً كان يستقبل السؤال بنوبات عنيفة من الغضب، هادراً كالثور الهائج ومحاولاً فك قيودة المصنوعة من الجلد الخام ، مهدداً إياها بماسيفعله عندما ينال حريتة ، التي كان يقول بأنه متأكد من نيلها عاجلاً أم آجلاً. في مثل هذة المناسبات كانت تسحب زنادي البندقية كلاهما الى الوراء، إستعداداً لمقابلتة برصاص الموت لو تمكن من فك قيودة، وهي ترتجف وقلبها يدق بعنف وتشعر بدوار من شدة التوتر والشد العصبيين.
لكن بمرور الوقت أصبح دنين طيعاً وأكثر سلاسة. وبدا لها بأنة قد مل من إضطجاعة الدائم. فاخذ يتوسل اليها بأن تفك أسرة. وأطلق وعوداً غليظة بأنة لن يؤذي أحداً . سوف يذهب بنفسة الى الشاطيء ويسلم نفسة الى العدالة . سوف يتخلى لهم عن حصتة من الذهب. سيذهب الى قلب البرية ، ولن يعود الى المدنية أبداً. سوف يضع حداً لحياتة ، لوقامت فقط بإطلاق سراحة. كانت توسلاتة تتتوج عادة بدورات هذيان غير إرادية، حتى كان يخيل إليها بأنة كان على وشك الدخول في نوبة؛ لكنها كانت دائماً تهز راسها بالنفي وترفض منحة الحرية التي كانت يطالب بها بإلحاح.
لكن الاسابيع إنقضت، وزاد دنين طواعية وإستسلاماً . وبدأت أمارات التعب والقنوط تبدو علية أكثر من السابق. " أنا متعب جداً ، متعب جداً" كان يهمهم قائلاً وهو يحرك رأسة على الوسادة جيئة وذهاباً مثل طفل برم. ولم يمر وقت طويل حتى أخذ يتوسل اليها بحرارة لكي تقوم بقتلة، أن تقوم بوضع حد لحياتة، وتوسل بهانس أيضاً أن ينهي تعاستة حتى يتسنى لة على الاقل أن يرقد بسلام.
وأخذ الوضع يتدهور بسرعة ويقترب من درجة المستحيل. حالة أديث العصبية كانت تزداد سوءاً، وعلمت بأن إنهيارها العصبي قادم في أي لحظة. ولم يعد بوسعها التمتع حتى بنصيبها المعتاد من الراحة، لانها كانت تعيش في خوف دائم من ان يستسلم هانس لهوسة ويقوم بقتل دنين خلال نومها. ورغم أن يناير / كانون الثاني كان قد حل ، الا أن شهوراً كاملة كان لابد أن تنقضي قبل أن تصل أي سفينة تجارية الى الخليج. أيضاً، لم يكونا قد توقعا منذ البداية بأنهما كانا سيقضيان فصل الشتاء في الكوخ ، والطعام كان يتناقص؛ ولم يكن في مقدور هانس إعادة تجهيز الكوخ بالموؤن من خلال الصيد. بإختصار كانا مقيدان داخل الكوخ بحكم الضرورة التي تقتضيها حراسة السجين.
يجب القيام بعمل ما ، وكانت تعلم ذلك. وأجبرت نفسها على إعادة النظر في المشكلة. لم تستطع التخلص من تركتها السابقة، تركة القانون الساري سريان الدماء في عروقها والذي تشربتة في بلدها منذ أيام صباها . كانت تعرف أن كل ما يجب أن تفعلة يجب أن يتم وفقاً للقانون ، وفي ساعات الحراسة الطويلة ، والبندقية فوق ركبتيها، والقاتل لا يهدأ بجانبها والعواصف تهدر في الخارج ، قامت بابحاث سوسيولوجية أصيلة مكنتها من فهم مسيرة تطور القانون. وبدا لها أن القانون لم يكن أكثر من حكم وإرادة أي مجموعة من الناس. لا يهم أن تكون هذة المجموعة كبيرة أم صغيرة. وفكرت بأن ثمة مجموعات صغيرة ، مثل سويسرا ، أو مجموعات كبيرة مثل الولايات المتحدة. وفكرت أيضا بأنة ليس مهماً صغر المجموعة البشرية، فقد يكون هناك عشرة آلاف شخص فقط في بلد ما ، لكن حكمهم الجماعي وإرادتهم سوف يكونان هما القانون السائد في هذا البلد. وتسائلت ، لماذا ، إذن ، لا يمكن لألف شخص تشكيل مثل هذه المجموعة؟ وإذا كانوا ألفاً، لماذا لايكونون مئة؟ لماذا لايكونون خمسين؟ أو خمسة، أو إثنان حتى ؟
وذعرت من هذة الخاتمة ، وتشاروت مع هانس بشأنها. في البداية لم يستطع هانس أن يستوعب ماكانت ترمي الية، ثم ، عندما فهم، أضاف اليها دليلاً مقنعاً. وتحدث عن إجتماعات عمال المناجم ، حيث كان يحضر جميع الرجال الموجودين في الموقع لسن القانون وتنفيذة . وقال انه قد يكون هناك عشرة رجال فقط أو خمسة عشر إجمالاً ، لكن إرادة الأغلبية تصبح هي القانون بالنسبة لاولئك العشرة أو الخمسة عشر كلهم، وكل من ينتهك ذلك القانون تتم معاقبة.
وفي النهاية رأت أديث طريقها بوضوح. يجب القيام بشنق دنين. ووافقها هانس على ذلك. فيما بينهما كانا يشكلان أغلبية هذة المجموعة بالذات. وقررت إرادة المجموعة إعدام دنين. ومن أجل وضع هذة الإرادة موضع التنفيذ ، سعت أديث بكل جدية الى مراعاة كل الأصول التقليدية المتبعة في مثل هذة المناسبات، لكن المجموعة كانت صغيرة جداً بحيث كان عليها هي وهانس أن يقوما مقام الشهود، والمحلفين، والقضاة ، و- الجلادين أيضاً. أدانت دنين بشكل رسمي بقتلة دتشي وهاركي، وتمدد السجين في سريرة وإستمع الى شهادة الشهود . هانس أولاً ثم أديث. ورفض الإقرار بأنة مذنب أو غير مذنب، وظل صامتاً عندما سألتة إن كان لدية مايقولة دفاعاً عن نفسة . وقامت هي وهانس، دون أن يتركا مقعديهما، بتلو قرار المحلفين القاضي بكون القاتل كان مذنباً، ثم قامت، بصفتها قاضياً، بتلو قرار الحكم. إنكسر صوتها، وإرتجفت رموشها، وأخذت ذراعها اليسرى ترتعش، لكنها واصلت تلاوة الحكم حتى النهاية .
" مايكل دنين، في بحر ثلاثة أيام ستشنق من رقبتك حتى تموت."
هكذا كان الحكم . وأطلق السجين زفرة إرتياح لاواعية، ثم ضحك بكبرياء، وقال " إذن يبدو لي بأن السرير اللعين لن يؤذي ظهري بعد الآن، وهذا بحد ذاتة عزاء لي."
مع إصدار قرار الحكم بدا أن شعوراً بالراحة طغى على الجميع. وظهر ذلك جلياً على دنين ، بشكل خاص. وإختفى كل العبوس والتحدي، وأخذ يتحدث بود مع سجانية ، وحتى مع ومضات من حسة الفكاهي القديم. كذلك وجد في قراءة أديث لة من الكتاب المقدس إرتياحاً كبيراً. قرات لة من العهد الجديد، وإبدى إهتماماً كبيراً بالإبن المسرف واللص على الصليب.
وفي اليوم السابق على تنفيذ الإعدام، عندما طرحت أديث سؤالها المعتاد : " لماذا فعلت ذلك؟" أجاب قائلاً" الأمر بسيط جداً. كنت افكر، - " لكنها أسكتتة بسرعة، وطلبت منة أن ينتظر، وهرعت الى سرير هانس. كانت تلك ساعة إستراحة هانس من الحراسة، فهب من نومة، فاركاً عينية ومتذمراً.
" إذهب " قالت لة " وأجلب نغوك وهندياً آخر. مايكل سيعترف. أجبرهم على المجيء. خذ البندقية معك وآتيني بهم حتى ولو تحت تهديد السلاح."
وبعد نصف ساعة أقتيد نغوك وعمة ، هاديكوان الى غرفة الإعدام. لقد جاءا دون إرادة منهما، وكان هانس يحودهما ببندقيتة طوال الطريق الى الكوخ.
قالت أديث" نغوك لن يكون هناك أي مشكلة بالنسبة لك ، أو لقبيلتك. المطلوب منك فقط أن تجلس وأن لاتفعل شيئا سوى الإستماع والفهم."
هكذا قام مايكل دنين، المحكوم علية بالإعدام ، بتقديم إعترافة بجريمتة أمام الملأ. وعندما كان يتكلم كانت أديث تدون أقوالة بإستمرار ، في حين كان الهنديان يستمعان، وهانز يحرس الباب خوفاً من هروب الشاهدين. قال دنين موضحاً بأنة لم يكن قد عاد الى موطنة القديم منذ خمسة عشر عاماً ، وكان ينوي دائماً العودة بالكثير من المال ليريح أمة العجوزبقية حياتها.
" وكيف كان لي أن أفعل ذلك بألف وستمائة؟" قال متسائلاً. " كنت أنوي الإستيلاء على الذهب كلة. الثمانية آلاف كلها. حينها سيتسنى لي العودة بزهو. وقلت لنفسي بأن كل شيء سيكون سهلاً لو قمت بقتلكم جميعاً، ثم أقوم بالتبليغ عن الجريمة قائلاً بأنها من صنيع الهنود، بعدها أرحل عائداً الى أيرلندا؟ وهكذا شرعت بالقتل، لكن كما كان يقول هاركي بأني إقتطعت لنفسي لقمة كبيرة وغصصت بها. هذا هو إعترافي. لقد أديت واجبي تجاة الشيطان، وآمل إنشاء اللة ، أن أودي واجبي تجاة الرب."
" انغوك وهانديكوان ، قد سمعتما كلمات الرجل الأبيض ، "قالت أديث إلى الهنديان. "كلماته هنا على هذه الورقة ، وعليكما أن تضعا عليها علامة، حتى يعرف الرجال البيض الذين سيأتون فيما بعد بأنكما استمعتما الى إعترافة."
وضع السيواشيان صليبين مقابل توقيعهما، وأخطرا بالحضور في الغد مع قبيلتهما كلها لمشاهدة تنفيذ الإعدام ، ثم سمح لهما بالذهاب.
أفرجا عن يدي دنين لفترة كافية نسبياً للتوقيع على الوثيقة. وهبط الصمت بعد ذلك في الغرفة. كان هانس قلقاً، وشعرت أديث بعدم الإرتياح. وإستلقى دنين على ظهرة ، وحدق بشكل مستقيم بشقوق السقف المغطاة بالطحالب.
" والآن سأقوم بواجبي تجاة الرب "، غمغم قائلا ثم أدار رأسه نحو إديث وقال "اقرأي لي من الكتاب ؛" ثم اضاف بومضة من المرح ، "قد يساعدني ذلك على نسيان السرير"
وإنبلج يوم الإعدام خالياً من الغيوم وبارداً. وكان ميزان الحرارة يشير الى خمسة وعشرين درجة تحت الصفر ، وكانت ريح قارصة تهب ، وتدفع بالصقيع من خلال الملابس والأجساد إلى العظام. للمرة الأولى منذ أسابيع عدة وقف دنين على قدمية. لقد ظلت عضلاتة دون حركة لوقت طويل جداً، ووجد صعوبة بالغة في الوقوف منتصباً، وكان بالكاد قادراً على النهوض. فترنح الى الخلف والى الأمام، وأمسك بأديث بيدية المقيديتين لكي تسندة.
" بالتأكيد، اشعر بشيء من الدوار،" قال ضاحكاً بضعف.
بعد لحظة قال " يسعدني أن ينتهي هذا الأمر . ذلك السرير اللعين كاد يقتلني"
عندما ألبستة أديث قبعتة الفرائية وشرعت تربط طرفيها حول أذنية، قال ضاحكاً:
" لماذا تفعلين ذلك؟"
" الجو بارد جداً في الخارج" ردت قائلة.
سأل دنين " وفي خلال عشرة دقائق ماذا يهم أن تتجمد أذنا دنين المسكين، أو أي شيء آخر؟"
كانت قد إستجمعت شجاعتها لمواجهة ذروة هذة المحنة، وإستقبلت تصريحة هذا مثل ضربة طالت رباطة جأشها وتماسكها. حتى الآن ، كان كل شيء يبدو شبحياً وكأنة كان يجري في حلم ، ولكن الحقيقة الوحشية الكامنة في ما قاله صدمتها وجعلتها تفتح عينيها على مصراعيهما لتشاهد حقيقة ما كان يجري. ولم يكن همها خافياً على الأيرلندي. "أنا آسف لتكديرك بأقوالي السمجة " قال بندم " لم أقصد شيئاً من وراء ذلك. إنة يوم عظيم بالنسبة لدنين. وهو سعيد مثل قبّرة."
شرع يصفر ببهجة، ثم تحول الصفير الى رنين حزين وتوقف.
" أتمنى لوكان ثمة قس،" قال بلهفة" ثم أضاف بسرعة " لكن مايكل دنين محارب قديم لاتفوتة الكماليات عندما تطرق خطاة الدرب."
كان ضعيفاً للغاية وغير معتاد على المشي بحيث أن الرياح عندما فتح الباب وخطا خارج الكوخ ، كادت تحملة معها. سارت إديث وهانس على جانبية وأسنداه، في حين راح هو يلقي بالنكات ويحاول إبهاجهما ، وتوقف لمرة واحدة كانت كافية لترتيب شحن نصيبه من الذهب إلى أمه في أيرلندا.
تسلقوا تلة خفيضة وخرجوا الى فضاء مفتوح بين الأشجار. وهنا ، تحلق بمهابة حول برميل أوقف على إحدى نهايتية في الثلج ، نغوك وهاديكوان، والسيواشيون حتى الأطفال الرضع والكلاب، لقد جاؤوا لرؤية الطريقة التي سينفذ بها الرجل الأبيض القانون . على مقربة كان ثمة قبر مفتوح كان هانس قد أحرقة في الأرض المنجمدة.
ألقى دنين نظرة عملية على التحضيرات، ملاحظاً القبر، البرميل، سمك الحبل، وقطر الفرع الذي لف حولة الحبل.
" بالتأكيد لم أكن لافعل ذلك أفضل منك ياهانس، لوكنت أنت في مكاني."
ضحك بصوت عال على تصريحة العاطفي هذا، لكن نكد مريع كان قد تجمد في وجة هانس بحيث لا شيء أقل من نفير القيامة كان يمكن لة أن يكسرة . أيضا ، كان هانس يشعر بأنة مريض جدا. فهو لم يدرك جسامة مهمة وضع زميل له خارج هذا العالم. إديث ، من ناحية أخرى ، كانت قد أدركت ماسيتم فعلة ؛ لكن الإدراك لم يجعل المهمة أكثر سهولة. كانت ممتلئة بالشك في قدرتها على التماسك لفترة كافية لإتمام العملية. وشعرت بحوافز متواصلة للصراخ، للزعيق، والإنهيار في الثلج ، لوضع يديها على عينيها والدوران على عقبيها وإطلاق ساقيها للريح دون هدف، داخل