المخابرات نوعان كما قال عبد المجيد الفرحان
محمد الرديني
تخرج عبد المجيد الفرحان – وهذا هو اسمه الحقيقي في ثانوية البصرة في العام 1966 وكان كل أمله ان يقبل شرطيا في دائرة امن هذه المحاظة الجنوبية.
وكان من سوء حظه انه لم يقبل لوجود عيب خلقي في قلبه ولكن بعد تردده على دائرة الامن اكثر من 50 مرة وتوسط شيوخ عشيرته تم قبوله على مضض على ان يعطى وظيفة كتابية وتعليم بقية الافراد القراءة والكتابة. ولكن الضالعين في الامور عرفوا ان طلبه قوبل بحفاوة بالغة وترحاب لانها المرة الاولى التي يقبل فيها خريج ثانوية وظيفة شرطي.
فالشرطي والمرأة في العراق كائنين مغبونين في العراق منذ عشرات السنين، فسمعة الاول رغم انه يشتغل باخلاص اكثر من رئيسه عشرات المرات في القاع الاسفل،فسلك الشرطة للناس الذين لامستقبل دراسيا لهم وللذين يريدون الزواج بسرعة من بنات العم او الذين ولد الفقر والعوز معهم فلم يستطيعوا اكمال دراستهم مع رزالة الوالد اليومية : ولك صايع ،روح شوفلك شغلة حتى ولو شرطي.
والمرأة ليست احسن حظا من الشرطة فقد قيل انها لوماتت لطالبت رب العزة بسنين اضافية علها تعيش كما تريد.
ولكن الامر لم يكن كذلك مع عبد المجيد الفرحان ، صحيح انه ابن اسرة فقيرة ولكنها مستورة ككل الاسر العراقية في جنوب العراق، فقد اراد ان يكون شرطيا بجهاز الامن – كما قيل لنا بعد ذلك – حتى تراه المحبوبة وهو يضع المسدس فوق مؤخرته بعد ان يغطيه بقميصه الابيض، ولكن الذي قيل لنا بعد سنوات هو الاصح فقد كان صاحبنا يكره مدرس الرياضة لانه صفعه صفعة جبارة حين رآه يدخن لاول مرة وهو يريد الان ان يرد له الصفعة صفعتين،اضافة الى ارضاء الغرور امام ركاب "الباص" حين يسمح له بالجلوس دون ان يدفع ثمن التذكرة، والدخول المجاني للسينمات والمطاعم الفخمة والبارات العامرة وملهى الفارابي وهي الملهى الوحيد في البصرة آنذاك وكانت مقرا لاخواننا الكويتين فقط.
وتمر السنوات ويحال عبد المجيد على التقاعد برتبة مفوض ولم يعد له مايشغل به نفسه الا سب الحظ الملعون والحياة الغبرة التي لم تنصفه.
ونقل عنه بعض المقربين مؤخرا قوله وهو في حالة شرود فكري بسبب انقطاع الكهرباء 23 ساعة في اليوم.
قال: خلال عملي في هذا الجهاز عرفت ان المخابرات نوعان لا ثالث لهما. الاول يضم شرطة يطلب منهم مراقبة شخص يعرفون اسمه فقط دون صورته ، والثاني مراقبة شخص رأوا صورته ولكنهم لايعرفون اسمه، وهذا النوع يتفرع منه شعبة مخابرات المطارات.
وفي هذه الشعبة يعمل متخصصون في طرح الاسئلة وهي تختلف باختلاف مطارات القرى العربية.
فمثلا اول سؤال يسألونك اياه في المطار السوري: ماهو اسم امك ..؟
وحين تستغرب من السؤال يجيبوك بان اسم الام عزيز ومن النادروجود تشابه فيه بعكس اسماء الاباء. والويل لك كل الويل اذا اكتشفوا ان اسم امك يشابه اسما آخر وهو لا يعني الا تفسيراواحدا وهو انتحال اسم غير حقيقي لامك وتكون امام خيارين اما ان تذكر اسم جدك الثالث وعمله وتاريخ ولادته وتاريخ وفاته او ان تختفي في غياهب الجب.
في قرى الخليج ،ماعدا السعودية، يسالوك عن سبب الزيارة فهل جئت لغسل اموالك مثل بعض التجار الروسين والعراقيين او جئت تمتع نظرك بالنساء القادمات من 56 بلدا في العالم؟؟.
في مطار القرية السعودية يختفي جوازك لاكثر من ساعتين ثم يصلك ،اذا كان ملفك نظيفا، من شخص لم يعرف الابتسامة طول حياته عدا انه خبير في اختيار العطر الذي تشمه وانت على بعد 55 مترا منه.
في مطار القرية العراقية تجد اناسا متواضعين جدا حتى تحسبهم ملائكة الله على الارض فهم لايسالوك الا عن الطائفة التي تنتمي اليها وحتى اذا كنت صادقا فانك تواجه باسئلة اخرى مثل هل تحب الامام علي؟ مارايك بابي ذر وعثمان بن عفان، وكيف ترى سياسة الحكومة الحالية؟ ولماذا جئت وهل لديك حزام آخر عدا هذا الذي تربطه على بطنك؟ وهل تعتقد ان ولاية الفقيه خير وسيلة للاحتفاظ بالسلطة الى الابد كما بابا الفاتيكان ام؟؟.
في القرية المصرية لاتجد مثل هذه الاسئلة وانما تجد اشارة متفق عليها لتضع 10 جنيهات داخل جواز السفر حتى لاتضيع وقتك.
اما في القرية الصومالية فانك لاتجد اي احد يفتش جواز سفرك ولا حتى امتعتك بل تجد يافطة كبيرة كتب عليها (هنا دار السلام). وهي نفس اليافطة المكتوبة في مطار السودان ولكن اضيف اليها شرط ارتداء (الدشداشة البيضاء القصيرة والحذاء المرقط) مع استمرار بالتمتمة بآيات قرانية تمنحك النجاة من طوق المفتشين والمفتشات والشرطيين والشرطيات في مجال الامن والسلامة وحفظ الاخلاق.
وفي القرية الجزائرية يتعين عليك ان تحمل معك كتابك المقدس وتقسم امام المسوؤل المخابراتي بانك لست غنيا ولا ارهابيا وليس لك ميل لمشاهدة مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر واذا اجبرت على مشاهدتها فعليك التصفيق للفريق الجزائري وبس.
في القرية اللبنانية يقسم المطار الى قاعتين، الاولى للذاهبين الى الشمال وقلما تجد فيها من يعمل من الذكور فقد روعي فيها الاستقبال الحار من قامات حوريات احسن الباري صناعتهن مع ابتسامة تفطرك وانت في عز صيامك، اما النوع فخصص للذاهبين الى الجنوب ويساورك شك حين تدخله بانك ربما اخطأت العنوان فالواصلين يشكلون واحد من عشرة وهي نسبة عدد العاملين في هذه القاعة حتى تشعر من كثرة تزاحمهم حولك ان الرطوبة الكثيفة قد انتقلت من العراق الى هذا المكان ولا تستغرب حين تستلم جوازك مبللا طريا وقد امتد البلل الى اسمك في الجواز ومحا منه اسم العائلة.
ومن السهولة ان تتعرف على جماعتنا في مطار القرية التونسية فكلهم يلبسون البدلات الخضراء تيمنا باسم بلادهم (تونس الخضراء) وهي الفكرة التي اقتبسها جماعتنا في مطار القرية الليبية مع اضافة وضع الكتاب الاخضر في المكان المخصص للوردة على يسار السترة.
ويلزمك جماعتنا في مطار القرية المغربية ان تتعلم الفرنسية في خمسة ايام والا فالباب يوسع جمل.
هذا ما نقل عن عبد المجيد الذي بات يتحسر هذه الايام على ماضيه الغابر حيث لاتوجد عداوات ولا تفجيرات ولا احزمة مفخخة ولا ارض صحراوية ولا كهرباء يستحي من الظهور علنا للناس.