قريتي
عزفتْ ترانيـمَ النُّهَـى ألحـــــــانُهـا *** وتَماوجتْ في شَدْوِهـا أشجــــــــانُهـا
أرختْ جُروحُ النفسِ حُمْرَ شفاهها*** وأطلَّ مـلءَ ثُغًُورهـا حِرْمانُهـا
وبكتْ عيـــونُ القلبِ حُرْقةَ راقِـصٍ*** فــــــــــوقَ اللهيـبِ يُمِـدُّهُ خَزَّانُهـا
وشفـــــــــــــــاهُ ورْدٍ ذابــلٍ متـــــوسِّـدٍ*** أوراقَـه صُفْــــــــــــــراً بــــــدتْ أكفــــــــانُهـا
لَفَحَتْ وُجوهَ السَّهْلِ آن ظهيـرةٍ*** شُهُبُ الهَجـــــــــــــيـرِ تُميتُـهُ نيرانُهـا
وسَرَى دَبيبُ الشَّوقِ يحْفرُ نهجه*** في مهجتـي فيخونهــــــا كتمانُهـا
وتسرَّبتْ من محجري دِيَمٌ وَسـا***لتْ تستحِـثُّ رجــــــــالَهـا رُكْبـــــــــــانُهـا
والصدرُ تحتَ جبالِ رملِ شجونِهِ***والرُّوحُ تَخنقُ حِسَّهــــــــــا أحزانُهـا
وسرابُ حَرٍّ قدْ تَراءى في المَـدى*** تَشْوي خيـالَ رسومهِ ألـــــــــــــــــوانُهـا
بفـــــــــــــــــلاةِ بيـدٍ حلّقَـتْ بسَمائـهـا *** بيضُ القطــــــــــــــــــا وتَلاعَبَـتْ غِزْلانُهـا
وأطـــــــــلَّ بالأفـق البعـــــــــــيـدِ بواحـةٍ ***نخـلٌ تغـــــــــــــــازل نبتَـــــــــــــهُ غُــــــدْرانُهـا
بــــــــانتْ قُرى تلك الرُّبـوعِ كَلَوْحـةٍ***وَمَضَى يُخَطِّطُ رسْمَهــــــــــــا فَنَّـــــانُهـا
لَعِبَ الحــــــنينُ بريشةٍ مَـلأتْ خيـا***لي روعـــــــــةً يَسْبي الْحِجـا إتْقـــــــانُهـا
إنـي أحـــــــــــنُّ لـــــــــــقريتـي ولِمــــــائهـا***بين الشعــــــــاب ترافـــــــدت وديانُهـا
ولســــــوقهــــــا ولبــــــــئرهـا ولغيــــــدهـا***ولِجـــــــــــامـعٍ يـرتـــــــــــــــــــــادهُ فتيــــــــــــانُـهـا
وخريفهـا وشتــــــــــــــائِهـا وربيعـــــــــهـا***ومصيفهـــــــــا إذْ تزدهـــــي شُطْـــــــــــآنُهـا
لاحتْ لِعَينِْي في السُّهولِ مَعالـمٌ***بين الْمُـروجِ تَماثَلـتْ أركـــــــــــــانُهـا
وتجَسَّدَتْ فبدتْ كأَبْهـجِ رَوْضَـــــــةٍ***غَنَّــــــــــاءَ تنشُـرُ عطْرَهـا أفْنـــــــــــــــــانُهـا
من باسقٍ داني القطـــــوفِ ومُزْهـرٍ***وظليلــــــــــــــــةٍ معْروشـــــــــــةٍ أغصــــــــانُـهـا
حلّى زهُــــــــورَ الجلَّنـــــــــــــار حياؤهـا***إذْ لاعَبَتْ ريحَ الرُّبَـى تيجــــــــــــــاتُهـا
حَكْيُ السَّواقي العذبُ داعَبَ همْسُهُ***سَمعَ الخمائلِ فانْتشَـى رُمَّانُهـا
وَعَلَى الغُصونِ شدا الهزارُ بحكمةٍ*** بيـن الطيـــــــــــــور كأنـهُ لُقْمــــــــــانُهـا
وبساح تلك الـــــــدار سـاقُ جُميْـزَةٍ***يَجْري ويَمْرَحُ حولـهُ صبيــــــــــــــــانُهـا
ماالدَّارُ دامَ ســـــــــرورهـا وحُبورهـا***فَلَحَرَّما اشْتَكَتِ البِلَـى جُـــــــــــدرانُهـا
يبكي الجمادُ مُصابَ فُرْقَةِ أهلـهِ *** ومِنَ الْمعابدِ ما بكتْ حِيطَانُهـا
البطل المهزوم
مَـدَاخِنُ أَحْـلاَمٍ غَشينَ حَصَاتِي *** فَمَاجَ بِـذِي الأَوْهَـامِ حِـــــــبْرُ دَوَاتِي
وألسنـةُ الأيـامِ تَلْحَسُ نَــــــــــــاظِري *** وَتُحْـرِقُ لَـوْنَ الصُّبْحِ فِي عَبَـــــــرَاتِي
وَأَنَّـات أَوْتَـارِ الْجَوَانِحِ أَشْعَلَتْ *** شُمُوعَ الْبِلَى الْمَخْمُورِ فِي خَلَجَـاتِي
يُغَـالِبُ كَـفَّ اللَّيْلِ ضَوْءُ مَشَاعِلِي***وَيَخْنُقُ صَـــــوْتِي غَيْهَبُ الْحَسَـرَاتِ
وَتَحْمِـلُ لِي رِيحُ السِّنِـينَ غُبَـارَهَا *** تَبُثُّ سُمُومَ الشَّيْبِ فِي حَرَكَــــــــاتِي
أَسِـيرُ عَلَى حَبْلِ الْخُطُوبِ تَلُفُّـنِي *** زَوَابِـــــــــعُ شَـكٍّ تَعْـــــــــــتَرِي لَفَتَــــــاتِي
أجُرُّ قطـار الذِّكريـــاتِ مُعَــــــــــــــــاتِبـاً *** تَعَــــــرُّجَ حَنْـــــــــــــوَاتٍ ومُنْعَطَفَــــــــاتِ
تَعَجُّ بِهَـا الأَفْكَـارُ أسحب هامها *** على الرَّمْــــــلِ ملَّتْ ثقلـهـــــا خطـواتِي
عَلَى قِمَمٍ بِالْجَمْـرِ كُلِّلَ صَخْرُهَـا *** زَرَعْتُ زُهُــــــــــورَ اللَّيْـــــــــــلَكِ النَّضِـرَاتِ
وَبِعْتُ لِنَخَّـاسِ الزَّمَـانِ رَخِيصَــــــةً *** دَقَـائِقَ عُـــــــــــــمْرِ الْهُـــــــــونِ مُخْتَصَرَاتِ
طَمَسْتُ نُقُوشَ الْمَوْتِ حِينَ لَمَسْتُهَا *** وَأَثْلَمْتُ حَـدَّ الرُّمْحِ وَالشَّـفَرَاتِ
فَأَعْرَشَ فِي صَدْرِي الشُّعُورُ بَلاغَـةً *** وَذَوَّبَنِي شِـــــــــــــعْـراً مَـدَى السَّهَـــرَاتِ
وَأَوْرَدَ قَلْـبِي مِنْ ضِـرَامِ صُهَــــــــــــــارَةٍ *** تُشَـوِّهُ خَلْــــــــــــقِي حِينَ تَلْمَسُ ذَاتِي
تدَاعتْ كَكُتْبـانِ الرِّمـالِ قَصائِدِي *** تَـنَزُّ بحُـــــــــــزْنٍ دامــعِ النَّــــــــــــــــــــــبَرَاتِ
ورَجْـعُ الصَّدى يغتالُ نبتةَ سوْسَنٍ *** يُعَشْعِشُ فيهـــــــــــــا أرْقَـمُ الفَــــــــــلَـوَاتِ
يَمُدُّ لسان الذُّعْرِ صَوْبَ حَمـامةٍ *** تُبَـدِّدُ رَيْبَ الْحَــــــــيْنِ فِي الرَّعَشَـاتِ
على شفَتَيْهـا سَـال دَفْقُ مَــــــواجِعٍ *** يُهَــدِّدُ حَبَّـات الْحِجـا بِشَتــــــــــــــــــاتِ
فَتَمْضَغُ شَوْكاً حِينَ تَعْصِرُ قَلْبَهَـا *** دُرَى شَوْقِهَـا فِي صَحْوَةٍ وَسُبَـاتِ
وَتَلْعَنُ رِيشـاً خَانَ خِفَّةَ سَبْحِهَـــــا *** وأَلْبَسَهَــــــــــــا كُبْـلاً بِسَـــــــــــــــاحِ بُـــــــــــــزَاةِ
تَبُثُّ مُــــــتُـونَ الـِّريحِ حَرَّ حَنِينِهَـــــا *** لرِفَّـــــــــــــــةِ أَسْـرَابِ الـرُّؤَى الْعَـــــطِـرَاتِ
عَلَتْ رَحْبَ كَفِّي إِذْ بَسَطْتُ لَهَا يَدِي *** وَأَثْنَتْ: هَـــــــــــــــــدِيلاً رَائِـعَ النَّغَمَـاتِ
وَسُقْتُ بُحُـوراً مِنْ نَدَى طَابَ رِيحُهَا *** إِلَى بُـؤَرٍ فِي الــــــــــــــــــــرُّوح مُسْتَعِـرَاتِ
أَمَاطَتْ سُدُولَ الصَّمْتِ عَنْ شَجَنٍ بِهَا *** لُحُونَ "صَبَا" في الْمَدِّ مُخْتَلِفَاتِ
طَرِبْتُ وَهَـزَّتْنِي اللُّــــحُـونُ لِعَـــــــــــــــــــــــالَمٍ *** تَسَـامَى عَنِ التَّصْـوِيرِ بِالْكَلِمَــــــــــــــاتِ
كَأَنَّ فُنُـونَ اللَّفْــــــــــــــظِ عَـادَ شَبَــــــــابُهَا *** بِمَلْحَمَـةٍ فِي أَرْوَعِ اللَّــــــــــــــــــــــــوَحَاتِ
وَلاَمَسَ ثَغْرُ الشَّـدْوِ خَدَّ خَـــــــــــوَاطِرِي *** فَأَنْسَى جُــــــــــرُوحِي حِـدَّةَ اللَّسَعَـــــــــاتِ
تَرَكْتُ لِنَـــــابِ الشَّوْكِ مِلْحَ لَوَاعِجِي *** وَمِلْتُ بِــــــــــدَامِي الْـوَخْزِ نَحْوَ فَــــــــــوَاتِ
فَـــــــلاَذَ بِرِيحِ السَّهْـــــــلِ زَوْجُ جَنَـاحِهَا *** وَصَـفَّقَ يَــــــــــــرْوِي قِصَّـتِي لِـرُعَـــــــــــــــــــــــــــاةِ
وَعُـــــدْتُ لِوَادِي الْمِلْحِ أَحْرُثُ شَطَّهُ *** تُطَــــــــــــــارِدُ فِكْـرِي غَفْـــــــــــــــلَةُ الْعَـــثَرَاتِ
كَـأَنِّي عَـــــــــزِيزُ الْقَـــــــوْمِ ذُلَّ مَكَـــــــانُهُ *** أَوِ الْبَطَـــــــــــلُ الْمَهْـــــــــــــــزُومُ فِي الْحَلَبَـاتِ
ومن شعر التفعيلة:
قُبَلُ الحياة
يا كِذْبَةَ الأيَّامِ ذُوبي ...
في مرايا أُحْجياتِ العُرْبِ وَالْعَجَمِ
إني شغوف بالحياة على ذرى الشَّمَمِ
أيقظت ما بي …
من جنون الحرف والنغمِ
بعد الضياع وغصة السأم
بين الضلوع حملتُ جذوة فائرٍ فطغتْ دقاتهُ
أو أضْهَبَتْ جلد الجوانح دونما ضرم
في حرِّها ذوبتُ ذاتي والشبابُ مضى ،
ظلَّ الهوى فيها حبيس الزهد والبرم
وبدت جيوش الدهر مقبلةً
بالمفرقين تدق هازم النِّعَم
وبدت حروف البيت غامضةً
وتسارعت خطوات منتصر ومنهزم
فصرختُ في وجه اليؤوس أبُثُّهُ
قُبَلَ الحياةِ سُدىً، فماً لفمِ
يا قَبْضَةَ الأوْجاعِ هل نلتِ المنى حين ابتدى ألمي
وفداك مذبوحا ، ترنح خافقي طربا .
ورقصت فوق الجمر والحمم
مالي وإياك الظنون تشدّنا
للوحل والآمال ساميةٌ
والنهجُ يُغري بالتسامي والعُلا حُلمي
ما الناس حولي غير أموات يُقلِّبُهم
على رفِّ الْمَتَاحِفِ صَابِغُ الرِّمَمِ
من ناعبٍ يبكي طُلولا مالها أثرٌ
أو عابث ، مستهتر بالدّين والقيم
والحيف يلعب بالنفوس يسوقها قدُماً ،
لبوار أفكار وطمس معالم الشيم
وشبابنا يترضَّبُ السُّمَّ الزُّعاف يظنهُ
ترياقَ إسعادٍ يقوِّي فاتر الهمم
جُبلتْ قلوبُ الناس كلهمُ
على حبِّ الأولي اصطنعوا لها حُسْناً
وإن خضعت لذي جَرَمِ
الغرب يعجنُ خبزنا
الغرب يصنعُ فكرنا
الغرب يكتب عقدنا
الغرب يصنع حربنا
الغرب يطبع حبنـا
الغرب ينسج لبسنا
الغرب يقرأ شعرنـا
ويصحح الأخطاء في كتب السلام وعصبة الأمم...