المغرب : بعد "البنعلية"، "التوْنسَة"؟
أبوبكر الجامعي
هل كانت الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في تونس نذيرا بثورة أو تطور مشابه في المغرب؟ تطور مشابه ربما لا، لكن التغييرات أمر مرجح جدا. إن المثال التونسي دعوة للصحوة لبلد مشاكله الاجتماعية هي أعمق بكثير من مشاكل جاره الشرقي. فعلى الرغم من معدل نمو اقتصادي قوي نسبيا خلال السنوات العشر الماضية واستثمارات أكبر في البنيات التحتية، ما تزال وتيرة التفاوت والفقر كبيرة على نحو غير صحي في المغرب. فبينما تحتل تونس المرتبة 81 في آخر تصنيف لمؤشر التنمية البشرية، نجد المغرب في مرتبة أدنى بكثير في المرتبة 114. ذلك أن بطالة الشباب في المناطق الحضرية هي أعلى في المغرب منها في تونس. كما أن أعمال الشغب قد اندلعت من حين لآخر خلال السنوات الأربع الأخيرة في مدينة سيدي إيفني، التي تفجرت فيها في يونيو من عام 2008.
فيما يبقى من الصعب فرز أسباب سقوط نظام بن علي، فإنه من باب الحذر أن نقول بأن ما يشبه انعدام الوسطاء الاجتماعيين الموثوقين أدى إلى ضغوط لم تحتمل أسفرت عن ما شاهدناه من انفجار اجتماعي، وسياسي في نهاية المطاف. إذ لم يكن ثمة أحزاب سياسية أو نقابات عمالية أو وسائل إعلام أو منظمات غير حكومية، مستقلة بما يكفي لتوجه غضب الشعب.
إن أحد الأسباب التي جعلت المغرب لا يشهد ثورة شعبية مماثلة لما حصل في تونس على الرغم من علله الاجتماعية هو أنه ما يزال يتوفر على صمامات الأمان هذه. والكلمة المحورية هنا هي "ما يزال". إذ أن المغرب يعدّ أكثر حرية من معظم البلدان العربية. لكن القوى السياسية والاجتماعية المستقلة التي تسمح بالنزر اليسير من الحريات السياسية والمدنية التي يتمتع بها المغاربة تتعرض على نحو متزايد للضرب من قبل نظام ملكي مهيمن.
وقد أطلق على هذه العملية اسم : ظاهرة "البنعلية" (Benalization). فحتى وقت قريب، كانت تونس بن علي تبدو مستقرة وتحظى بالدعم الغربي، لاسيما من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، على الرغم من سجلها الفظيع في مجال حقوق الإنسان، وسلطويتها القاسية، وضراوتها الاقتصادية. وقد انتبهت نخب السلطة في المغرب للأمر. ما الداعي لليبرالية إذا كان كل ما هو مطلوب هو محاربة الإسلامية وفتح الأسواق الوطنية للشركات الغربية وتعزيز حقوق المرأة؟
أبوبكر الجامعي
ثمة تطوران أخيران في المغرب يوضحان هذا التوجه نحو "البنعلية" : ظهور حزب الأصالة والمعاصرة، والممارسات الاقتصادية الضارية للنظام الملكي. فقد تم تشكيل حزب الأصالة والمعاصرة في غشت من عام 2008 من قبل فؤاد عالي الهمة، نائب وزير داخلية سابق وصديق حميم للملك. وتذكر إحدى وثائق وزارة الخارجية الأمريكية التي نشرتها ويكيليكس حول وزارة الداخلية المغربية تظهر فيها كيف أن القصر أمر وزارة الداخلية بالتدخل لصالح مرشحي حزب الأصالة والمعاصرة على حساب مرشحين من الحزب الإسلامي، حزب العدالة والتنمية. وفي الوقت الذي نجد فيه حزب الهمة أبعد ما يكون عن ممارسة الشكل نفسه من التحكم الكامل في المشهد السياسي مثل حزب بن علي، حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، فإن حزب الأصالة والمعاصرة في طريقه نحو السيطرة على السياسة المغربية من خلال استغلال موارد الدولة والاعتماد على دعم القصر.
إن شراهة النظام الملكي في مجال الأعمال تحمل تشابها كبيرا مع القبضة القوية لعائلة زين العابدين بن علي على الاقتصاد التونسي. فبحجة إقامة تجمعات قوية لحماية الاقتصاد المغربي في ظل جو عالمي شديد التنافسية، ركب رجال الأعمال المقربون لدى الملك موجة التوسع. ذلك أن سيجر، الشركة القابضة لدى الملك، تسيطر على أكبر مصرف وأكبر شركة تأمين وشركة من الشركات الثلاث للاتصالات. وهنا أيضا تلقي تسريبات ويكيليكس لوزارة الخارجية دائرة ضوء مقلقة على الممارسات التجارية للملك. فقد نُقل عن الرئيس التنفيذي لـ "أونا"، وهي شركة أخرى من شركات الهولدينغ الملكي، قوله للديبلوماسيين الأمريكيين بأن "القرارات الاستثمارية الكبرى يتخذها ثلاثة أفراد : عالي الهمة، النائب السابق لوزير الداخلية، الذي يرأس اليوم حزب الأصالة والمعاصرة، ومحمد منير الماجدي الذي يترأس الأمانة الخاصة للملك، والملك نفسه." وفي التسريبات نفسها، يشتكي "واحد من رجال الأعمال الرائدين في المغرب بأن المؤسسات والعمليات الرئيسية للدولة المغربية تستخدم من قبل القصر للإكراه والتماس الرشوة في القطاع العقاري بالبلاد."
لكن ما يدعو أكثر للقلق هو أن الصفقات التجارية للملك تقوض أحيانا شرعية الملكية. فكون الملك أميرا للمؤمنين هي الدعامة الأكثر مدعاة للفخر لشرعية الملك. فهي كما يقال توحد البلاد تحت سلطة دينية واحدة تردع الإسلاميين. غير أن ما كشف عنه مؤخرا يظهر كيف أن الملك استثمر في كازينوهات في ماكاو وفي الجديدة بالمغرب. كما استثمر في شركة الخمور، براسري المغرب.
إن هذه الأخطاء السياسية الفادحة تقلق الفئات الاجتماعية المتحالفة عادة مع النظام الملكي. فهي تكشف النقاب عن انعدام الفطنة التي قد تهدد استقرار البلاد، لاسيما في ضوء ما حدث في تونس. إن منع وقوع ثورة هو مسألة حياة أو موت لدى هذه النخب. وإذا ما انفجر الشعب في المغرب، فإن فرص تحول البلاد إلى فترة ثورية أكثر دموية وأطول مدة هي كبيرة بالنظر إلى عمق التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. وبناء عليه، ثمة حافز أكبر اليوم لإعادة تنشيط عملية دمقرطة تدريجية لكن موثوق بها، تؤدي إلى ملكية دستورية ديمقراطية حقيقية.