كم ضحية يحتاج الزعماء العرب قبل الرضوخ للتغيير؟
بقلم آسيا العتروس ـ المشاهد القادمة من الشارع المصري طوال الامس و حتى كتابة هذه الاسطر كانت تؤكد ان الرئيس حسني مبارك غير مستعد باي حال من الاحوال للتخلي عن السلطة وان الزج بالبلاد الى حمام دم او حرب اهلية بين المصريين اقرب من سيناريو الرحيل السلمي عن السلطة والرضوخ لمطالب الشارع المصري بتخليه عن الحكم خاصة بعد ان باتت الشعوب ترفض الموت في صمت و تسعى للحياة بكرامة.
بل الواقع ان ما حدث على مدى الساعات الاخيرة من ردود فعل في اكثر من بلد كانت بدورها تدفع للاعتقاد بان مبدأ الانتقال السلمي للسلطة ليس من ثقافة او تقاليد الزعماء العرب.
ولعل في المحاولات المسجلة لاستباق الاحداث و تفادي وصول ما بات يوصف بتسونامي التغييرعلى الخارطة العربية ما يؤكد ان بين اصرارالشعوب على عدم القبول بالموت في صمت و بين اصرارالزعماء على عدم التعجيل بالتغيير ما يؤشرالى ان المرحلة القادمة ستكون مرجحة على كل الاحتمالات والسيناريوهات التي لم يعد من مجال معها لاستثناء الشعوب منها او تجاهل موقفها اورايها في تقريرالمصير.وقد بدات اصوات عديد الزعماء ترتفع معلنة سلسلة من الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي كانت تبدو شبه مستحيلة قبل ايام وتدعو للحوارالمفتوح مع المعارضة التي كانت تعتبر شيطانا لا يؤتمن و بعد ان كان اليمن يسعى للاستفتاء حول الدستور للتمديد للرئيس الحالي جاء الاعلان العاجل من العاصمة اليمنية بانه لا تمديد ولاتوريث و من الاردن الى سوريا و السودان تلاحقت التصريحات بشان اجراءات آنية للتخفيض في اسعار المواد الاستهلاكية واسعار النفط الى جانب مزيد الوعود المغرية بالحد من البطالة و مكافحة الفساد و فتح المزيد من الفرص امام مختلف الفئات الشعبية وهي وعود كان يمكن ان تجد لها صدى في نفوس البائسين قبل ان تتخذ الاحداث منعرجا جديدا على ارض الواقع وقبل ان تبدأ رياح التغيير التي يصر البعض على وصفها "بالعدوى" تنذر بالامتداد الى خارج الحدود التونسية وهي بالتاكيد عدوى لا يمكن للشعوب التي خبرت كل انواع القمع و الظلم الا ان تستعد لها...
على مدى ثلاثة عقود من الحكم عايش الرئيس المصري حسني مبارك ستة من الرؤساء الامريكيين بدءا بجيمي كارتر و رونالد ريغن وجورج بوش الاب و بيل كلينتون و جوج بوش الابن والرئيس الحالي باراك اوباما الذي لا يمكن لاي كان التنبؤ بما اذا كان بامكانه الفوز بولاية ثانية في حال ترشحه لسباق الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد سنتين وعايش الرئيس المخلوع بن علي خمسة منهم على مدى سنوات حكمه الثلاث والعشرين و مع ذلك فلاشيئ كان يدعو للاعتقاد قبل ثورة الرابع عشر من جانفي التي اهتز لوقعها العالم و التي لم يعد من مجال بعد الآن لوقف امتداد نسائمها الى اكثر من بلد عربي ان ايا منهما كان ينوي الانسحاب من السلطة او التخلي عن خوض السباق المحسوم سلفا للانتخابات الرئاسية القادمة... و لعل الطريف في كل ذلك ان ملايين الشباب الذين اعلنوا التمرد على الظلم و انتفضوا ضد الاستبداد في تونس كما في مصرلم يعرفوا في حياتهم زعيما غيرهما...
كثيرون حرصوا حتى هذه المرحلة على المقارنة بين ما يحدث في تونس و بين ما يحدث في مصر و بالاضافة الى تطورات الاحداث ظلت خطابات الرئيسين محور المقارنات التي تحولت في احيان كثيرة الى مصدر للنكت في انتظار كلمة السر التي يتوقع الكثيرون ان تكون اعلانا لنهاية حكم الرئيس مبارك.
لقد جاء خطاب الرئيس المصري وهو الثاني له منذ انطلاق المظاهرات الشعبية في مصر بعد وقت قصير من اعلان مبعوث البيت الابيض الى القاهرة السفير بان اوباما لم يعد بامكانه دعم الرئيس مبارك و بان عليه الاعلان انه لن يكون مترشحا للانتخابات المرتقبة نهاية العام و هو ما لم يتردد مبارك في الاعلان عنه و لكن دون ان ينجح في اقناع الشارع المصري او دفعه لوقف احتجاجاته و مطالبته بالرحيل...و برغم محاولات الساعات الاخيرة لقطع الاتصالات مع المتظاهرين فقذ ظل الشارع المصري حاضرا في مختلف الفضائيات بفضل مختلف انواع تكنولوجيا الاتصالات الحديثة المتوفرة للشباب الذي تفصله اجيال عن الرئيس المصري الذي كغيره من الحكام الذين سبقوه او جاؤوا بعده لم يتفطنوا الى ان كل التحذيرات من وصول نظام رجعي تعسفي لم يعد يخيف الشعوب و ان الشعار المتداول " اما انا او الفوضى" فقد كل صلاحياته...
يبقى الاكيد في خضم الاحداث المتسارعة ان الزعماء العرب ليسوا وحدهم الذين عجزوا عن فهم رسالة الشعوب و قراءة مطالب الشارع العربي فقد تاخر حلفاؤهم في الغرب في قراءة الاحداث فلم تكن اجهزتهم الاستخبارية في الموعد لرصد الصحوة الشعبية التي باتت تردد بان الدكتاتورية اللينة التي تحمي مصالح الغرب وتحظى بحصانته لا موقع لها وان ما كان يعد مستحيلا بات امرا ممكنا.