أجرت الحوار: زينب عبداللاه - سمر فواز
منذ أن سطع نجم الداعية عمرو خالد وهو يتمتع بقدرة فائقة علي التأثير في الشباب وعلي جمعهم حوله بصورة غير مسبوقة جعلت الكثيرين يخافون ويتوجسون، يتهمون ويهاجمون، ومع كل مشروع أو مبادرة جديدة يقوم بها يثور الجدل وتنطلق التفسيرات ويبدأ البحث في النوايا، فيصمت كثيرا ويتحدث أحيانا.. ولكن تظل دائما قدرته علي جمع الشباب حوله وثقتهم فيه في ازدياد حتي مع ظهور دعاة جدد يسيرون علي الطريق نفسه، يظل عمرو خالد يعمل في كل الظروف سواء كان ممنوعا أو مسموحا وسواء تم التضييق عليه أو تركت له مساحة للتحرك.. يتمسك بمبدأ ثابت فلا يلتفت للهجوم ولا يرد عليه ولا يشكو من منع أو تضييق يركز فقط في أهداف محددة مدركا منذ بداية مشواره أن هناك مساحات ومناطق لابد أن يحرص علي عدم الاقتراب منها أيا كانت الظروف والأسباب فلا يجب أن يتم حسابه علي أي تيار ديني أو سياسي أو حزبي ويتبع أسلوبا جديدا في الدعوة إلي الدين بإحياء الدنيا وبإقناع شباب كادوا يفقدون الأمل بقدرتهم علي التأثير وبأنه يمكن لأياديهم أن تسهم في صناعة الحياة، فوجد لديه الشباب ما لم يجدوه لدي غيره ونجحت بهم كل حملات عمرو التي تربط الدين بالأخلاق والتنمية.
ومع ما تشهده مصر من تصاعد حدة التوترات والاحتقانات الطائفية ومع الحادث الارهابي الذي شهدته محافظة الإسكندرية أمام كنيسة القديسين أدرك عمرو خالد أن الوقت قد حان لحملة من نوع جديد يستغل فيها التفاف الشباب حوله وقدرته علي التواصل معهم عبر الانترنت الذي تنطلق من خلاله الكثير من شرارات الحرائق ليقاوم الفتنة من هذه البوابة الواسعة معلنا عن حملة 'انترنت بلا فتنة' التي بدأت عقب حادث الإسكندرية.
'الأسبوع' أجرت حوارا مع الداعية عمرو خالد أجاب خلاله عن أسئلة عديدة حول أسباب الفتنة وتفاصيل لقائه بشيخ الأزهر والتعاون بينه وبين مؤسسة الأزهر وعن تصريحات بيشوي -العوا وقضية وفاء قسطنطين وكاميليا زاخر وعلاقتها بالأحداث ورأيه في تصريحات بابا الفاتيكان وما يحدث في السودان وعن علاقته بالدعاة وتفاصيل حملته ودور الحكومة في مقاومة الفتنة وإلي نص الحوار:
> د.عمرو.. يشهد المجتمع المصري حالة من الاحتقان الطائفي سبقت حادث الإسكندرية وما زالت مستمرة في التصاعد فمن وجهة نظرك ما الأسباب التي أدت إلي خلق هذه الحالة وتصاعدها علي الرغم من أن المجتمع المصري لم يعرفها طوال تاريخه؟.
>> هناك أسباب متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية أدت إلي خلق ما يسمي بأخلاق الزحام فالإنسان يحتاج مساحة يتحرك فيها كي يشعر أنه حر ولكن حالة الزحام التي نعيشها في كل شيء جعلت لكل إنسان مساحة أقل في كل شيء وهو ما أنتج نوعاً من أخلاق الضيق والتحفز وعدم القدرة علي التسامح إضافة إلي الأسباب الإقتصادية.. فعلا الناس تعبانة والرسول صلي الله عليه وسلم كان يقول دائما 'اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر' فالعلاقة شديدة بينهما ومع وجود متطرفين علي الجانبين الإسلامي والمسيحي يعملون علي تأجيج نيران الفتنة ونشر الفكر المتطرف بما يروجونه من فتاوي خطيرة عن طريق الاستفادة من الانترنت وبعض الفضائيات في التروج لأفكارهم الغريبة عن المجتمع المصري كل هذه الأسباب أدت إلي تصاعد حدة الاحتقان.
> وهل تعتقد أن هناك أيادي خارجية تعبث في ملف الفتنة بمصر؟.
>> رغم أنني أؤمن بأن حادث الإسكندرية حادث إرهابي وإجرامي لا يمكن أن يقوم به مصري، إلا أنه يؤلمني جداً البحث عن نظرية المؤامرة لتبرير الأوضاع فهذه ليست طريقة تفكير إيجابية فإذا افترضت دائما أن عليّ مؤثرات خارج إرادتي فإذن لن أتحرك واذن أنا مظلوم وهذا كلام خطير وغير مقبول لا إسلاميا ولا علميا، فمن في الدنيا وفي التاريخ والجماعات والأفراد والأمم والدول ليس عليه مؤثرات خارجية؟ لكنني أؤمن بأن حياتنا نصنعها بأيدينا وأن هناك مؤثرات وهناك قدرات وعليك أن تستخدم قدراتك في مواجهة المؤثرات التي تعمل ضدك لتنجح وهكذا يفكر الناس، وأنا لا أنكر وجود تاثيرات خارجية ولكننا نحن المسئولون عما يحدث لنا وعن وقف هذه التاثيرات ومواجهتها.
> استكمالا لحديثك بالفعل هناك أسباب مباشرة أدت إلي تزايد حدة الاحتقان قبل الحادث مبادرة مثل التصريحات المتبادلة بين الأنبا بيشوي والدكتور سليم العوا وكليهما من القيادات الدينية وكذلك غموض مصير كاميليا زاخر ووفاء قسطنطين فهل تري ان تجاهل هذه القضايا وعدم التعامل معها بعقلانية ومكاشفة أسهم في تصاعد الأحداث؟.
>> الشعب المصري شعب سمح ليس طائفياً أو دموياً وهو ما يشهد به التاريخ منذ ثورة 1919 وغيره ولكن شهدت السنوات الأخيرة ونتيجة الأسباب التي ذكرتها في البداية حالة تحفز واحتقان وما ذكرتيه من أسباب مباشرة جعلت الأمور تتصاعد يوما بعد يوم ولكن رب ضارة نافعة ولعل الأحداث الأخيرة كانت جرس إنذار ليكون كل شخص مسئولاً عما يقول ولتجتمع القيادات الدينية في بيت العائلة الذي نادي به فضيلة الإمام الاكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر لتتم مناقشة كل المشكلات بنوايا صادقة. وأود هنا أن أشيد بدور الأزهر في اقتراح مبادرة بيت العائلة بهذه السرعة وهو أمر يحسب للأزهر لأننا كنا دائما نعاني تأخر ردود فعل الأزهر تجاه القضايا المهمة لنجده الآن أول من تحرك بمبادرة تكاد تكون المبادرة الوحيدة في هذه الفترة الحرجة.
> وما رأيك في الهجوم الذي يتعرض له الدكتور سليم العوا حاليا قبل وبعد هذه الأحداث؟.
>> أنا لم أكن حاضراً أثناء هذه الأحداث التي شهدتها الساحة المصرية بين الدكتور سليم العوا وبيشوي وكنت بالخارج واعتقد أن د.سليم العوا أستاذ كبير وقادر علي التعامل مع مثل هذا الموقف.
> بعض المظاهرات التي انطلقت قبل حادث الإسكندرية مباشرة كانت تتعلق أيضا بغموض مصير كاميليا زاخر ووفاء قسطنطين ولم يكن هناك أي تحرك من أي جهة لتهدئة الرأي العام ومصارحته وهو ما أدي إلي تصاعد الأحداث فهل نحتاج في مثل هذه القضايا إلي طريقة مختلفة في المعالجة تعتمد علي المكاشفة والمصارحة؟.
>> أوافقك الرأي في احتياجنا إلي المصارحة والمكاشفة من خلال مجلس يجمع العقلاء والقيادات الدينية من الطرفين، وعندنا أمل كبير في أن يكون بيت العائلة هو ما يحقق هذه المكاشفة بين القيادات، ولذلك يحتاج إلي درجة عالية من الشفافية من جميع الحاضرين لن تتحقق إلا بصدق النوايا.
> وما تفاصيل لقائك بشيخ الأزهر الذي تم بعد أحداث الإسكندرية وحقيقة ما قيل عن انضمامك للجنة بيت العائلة؟.
>> شيخ الأزهر هو من يرشح أعضاء هذه اللجنة وليس لديّ علم بهذا الأمر، ولقائي معه ببساطة لأن هناك احتياجاً لتكاتف كل الجهود في هذه المرحلة الحرجة وأنا أضع كل ما أمتلك من قدرات حتي وان كانت محدودة لخدمة بلدي والأزهر، وقد دار اللقاء حول أهمية الوسطية وخطورة التطرف واهمية التنسيق بين أطراف الفكر الوسطي وأولويات الخطاب الديني في المرحلة المقبلة.
> وما رأيك في بيانات جبهة علماء الأزهر بشأن الاحداث الاخيرة ؟.
>> الذي يمثل الأزهر ويتحدث باسمه هو شيخ الأزهر وليس جبهة علماء الأزهر مع احترامي للجميع.
> الأزهر يعبر عن الفكر الوسطي وعلمؤه يمتلكون فقها وعلما واسعا ولكن قد لا يكون لديهم القدرة علي التعامل مع المستجدات الالكترونية التي يتعامل معها الشباب، ولذلك قد يفتقدون القدرة علي التواصل مع الشباب بصورة كاملة في الوقت الذي يستطيع فيه عمرو خالد الوصول إلي قطاع كبير من الشباب فهل نحتاج تكاملا وتعاونا بين الدورين وبأي صيغة يمكن أن يحدث؟.
>> بالطبع نحتاج إلي هذا التكامل في ملفات عديدة فدور الأزهر حماية الوسطية ودقة الفتوي وعدم اتجاهها نحو التطرف والمغالاة وملف الفتوي هذا لا يفقه فيه عمرو خالد شيئا أما مجال توصيل أفكار الأزهر الوسطية إلي أجيال من الشباب بالوسائل الحديثة كالانترنت فقد أكون قادرا علي التعامل مع هذه الأمور.
> هناك هجوم متبادل علي الانترنت بين المواقع القبطية والمواقع السلفية يسهم بشكل كبير في إشعال الفتنة كما أن هناك بعض المواقع تتسابق في التشكيك والإساءة للأديان من خلال غرف البال توك لجذب الشباب فيما يشبه حروب الأسلمة والتنصير، فهل ستعمل حملة 'انترنت بلا فتنة' علي مواجهة هذه المواقع وتفنيد أفكارها والرد عليها؟.
>> أهداف الحملة تنحصر في مواجهة التحريض علي الفتنة ومحاصرتها وتخفيف العنف اللفظي علي شبكة الانترنت وزيادة وعي الشباب بخطورة التحريض وتعريفه بكلمات التحريض والفرق بينها وبين التعبير عن الرأي من خلال قائمة تجمع هذه الكلمات ويفرق في: بينها علي طريقة افعل ولا تفعل أو قل ولا تقل، وهذه القائمة توضح للشباب ما هي كلمات التكفير والتحريض والكلمات والفتاوي التي تدعو لاستخدام العنف وسيتم التعامل مع المواقع التي ذكرتها بالطريقة نفسها بخلق الوعي لدي الشباب ليقوم بعد ذلك بحذف المواقع المتطرفة من قائمته الشخصية أو من موقعه علي الفيس بوك، فليس من أهداف الحملة الرد علي الشبهات، هدفنا زيادة وعي الشباب بكيفية استخدام الانترنت دون التسبب في اراقة الدماء، فمستخدمو الانترنت في مصر 16 مليوناً، وعدد المحرضين والمواقع المتطرفة لا يزيد علي العشرات ولكن للأسف صوتها عال لقلة الوعي لدي الشباب، وهدفنا محاصرة هذا الفكر والحد من انتشاره لأنه يجعل الشباب يسهم دون أن يدري في إشعال حرائق الفتنة، فببساطة يمكن أن يقوم الشاب بإرسال رسائل علي الانترنت من عينة 'غدا سيتم إحراق مسجد في إحدي المناطق أو سيتم إحراق المصحف.. انشر تؤجر' ويقوم الشباب بنشر هذه الرسائل دون إدراك لما قد تتسبب فيه من فتنة.
ونحن من خلال الحملة نهدف إلي مشاركة وتحرك مليوني شاب وفتاة يقومون بوضع لوجو الحملة ونشره ورسائل من المادة العلمية المنشورة علي المواقع وإرسال القائمة ورسائل وقف الشائعات وتحركات للقيام بشطب المواقع المتطرفة وقد وصل عدد الشباب المشاركين الآن بعد أسبوع واحد من انطلاق الحملة إلي 300 ألف شاب وستستغرق الحملة خمسة أسابيع ويشارك فيها سبعة شركاء يمثلون 50 ٪ من مستخدمي الانترنت في مصر فالحملة لن تنجح بعمرو خالد وحده.. ومن هذه المواقع مصراوي واليوم السابع ويالله كورة وجود نيوز عمرو خالد دوت نت وأقباط متحدون.
> ولماذا لم تتعاون الحملة مع موقع الإخوان أو أي من المواقع الإسلامية علي سبيل المثال كما تعاونت مع موقع الأقباط متحدون؟.
>> هذه الشراكة ارتبطت بالبحث عن المواقع الذي تجذب الأعداد الكبري من مستخدمي الانترنت في مصر لأننا نختار أكثر المواقع قدرة علي توصيل الرسالة لأكبر عدد ممكن من مستخدمي الانترنت.
> ولماذا لم تحدث شراكة وتعاونا مع عدد من الدعاة الجدد لتحقيق أكبر قدر من الانتشار والتأثير للحملة؟.
>> بالفعل فقد شارك مصطفي حسني ووضع شعار الحملة علي موقعه وليس مصطفي حسني فقط لكن كل الدعاة الشباب وعلاقتي بهم جميعا علاقة قوية وطيبة وما يثار عن مشكلات بيننا غير صحيح فمعز مسعود وشريف شحاتة ومصطفي حسني امتداد للرسالة والفكر ويستشيرونني في أمور كثيرة وبعض قضاياهم الشخصية وهم اخواني وأنصحهم دائما بالتركيز علي الجوهر أكثر من الشكل.. والجوهر هنا هو الأخلاق والتنمية.
> وهل الخمسة أسابيع كافية لتحقيق أهداف الحملة ومواجهة حالة الاحتقان والتطرف؟.
>> ما أقوم به هو حملة وليس مشروعا فالمشروع يمكن ان يستمر سنة أو أكثر ولكن الحملة تكون لفترة قصيرة يتحرك فيها الناس بمنتهي القوة لتحقيق هدف محدد، ولكن لابد أن تتحول الحملة إلي مشروع وإلي ميثاق شرف بين المواقع.. وهذا ما نسعي إليه الآن.. والحملة ترتبط بحدث معين وهو أحداث الإسكندرية، فأنا أراقب الأحداث منذ فترة، وهذه ليست المرة الأولي التي أقترب فيها من هذا الموضوع وقد كان برنامجي 'دعوة للتعايش' أول من استخدم مصطلح 'التعايش' كما أنني ذهبت إلي الكاتدرائية عام 2007 ووقتها هاجمني وسبني المتطرفون لدخولي الكنيسة ولكنني قلت إنني أشم رائحة الدماء لأنني عشت في لبنان من عام 2002/2005 ورأيت كيف تتم صناعة الفتنة، لذلك اتخذت هذه الخطوة بزيارة الكاتدرائية وببرنامج 'دعوة للتعايش' وانتقدني البعض لاستخدام هذا المصطلح الذي كان غريبا علي أذان الناس وقتها ولكنني لم أقم بحملة إلي أن جاء توقيتها مع الأحداث الأخيرة.
> وماذا تحتاج الحملة لتدعيمها وتحقيق أهدافها ؟.
>> أولاً تحتاج إلي المساندة الإعلامية وأقولها بصدق فإنه قد كان لجريدة 'الأسبوع' وللأستاذ 'مصطفي بكري' دور مؤثر في نجاح حملة المخدرات لن أنساه، كما أن حملة 'انترنت بلا فتنة' تحتاج أيضا إلي مساندة حكومية فيما له علاقة بالإنترنت وقد انضم بعض الرياضيين والفنانين وتبنوا الحملة ولكنها تحتاج لأن يتبناها بعض الرموز في المجتمع وإلي تكاتف أكبر.
وستقيم بعض المواقع ندوات مع الشباب سأتحدث فيها عن الحملة فهناك ندوة مع موقع مصراوي سيحضرها أحد القساوسة وندوات مع موقع آي بي سي وجودنيوز.
> وما دور الحكومة في مواجهة التطرف والتعامل مع حالة الاحتقان المتصاعدة؟.
>> في هذه المرحلة لابد من فتح وتوسعة المساحة المعطاة لمن يتحدث بشكل وسطي، ولابد أيضاً من تفعيل دور الأزهر، ودعم مبادرة شيخ الأزهر وبيت العائلة.. كما نحتاج إلي محاصرة الإعلام المحرض بكل أشكاله وليس الديني فقط وإنما الرياضي والفني الذي يسهم في إذكاء روح الفتن عموما، كما حدث في الإعلام الرياضي بداية من الجزائر والأهلي والزمالك أخيرا.. وحل بعض المشكلات والأمور المعلقة، كما نحتاج إلي تكاتف الدولة والأزهر وكل من يحمل الفكر الوسطي لمحاصرة الفكر المتطرف سواء علي الإنترنت أو المساجد أوالكنائس ونرفض أن نوجه حديثنا للمسلمين فقط علي أنهم في موقف الدفاع عن أنفسهم، فالطرفان يحتاجان إلي التحرك بنوايا صادقة لمواجهة التطرف علي كلا الجانبين.
> رغم تزايد الحديث في الفترة الأخيرة عن التعايش وقبول الآخر والحوار بين الأديان فإنه اتضح مع كل ما نشهده من أحداث أن هذه المبادرات والدعوات لم تجد لها صدي علي أرض الواقع.. فهل نحتاج إلي تغيير في أساليب هذه المبادرات والدعوة وآليات عملها؟.
>> كل هذه الدعوات تدور بين فئات المثقفين وللأسف لا نجد هذا الكلام في مناهج التعليم أو في خطب الجمعة فلا نجد من يتحدث عن قيمة التنوع وميزته وتأكيد الإسلام عليه في مواضع كثيرة في قوله تعالي 'وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا' 'الحجرات، آية 13' و'ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة' 'هود، آية 118'. وأفتخر أن كلمة التعايش كانت كلمة غريبة علي أذهاننا وأول من بدأ يحركها كان برنامج 'دعوي للتعايش' حتي أن البعض انتقد البرنامج وقتها بدعوي أنني أضع كلمة غريبة وغير مفهومة كعنوان للبرنامج ونحن نحتاج الآن إلي تعميق مفهوم التعايش والتوعية به وبقيمته في الإسلام علي مستوي المدرسة والمسجد والبيت.
> كان موضوع رسالة الدكتوراه التي ناقشتها عن التعايش بين المسلمين وغيرهم في أوربا ونقاط الاتفاق والاختلاف بينهما فهل تعتقد أننا نحتاج إلي مثل هذه الدراسة في مصر عن العلاقة بين المسلمين والأقباط خاصة بعد الاحتقانات الأخيرة؟.
>> كان عنوان رسالتي للدكتوراه هو 'الشريعة الإسلامية والتعايش مع الآخر' بالتطبيق علي عينة من المسلمين وغيرهم في أوربا ، وبالفعل أعتقد أننا بحاجة إلي أن يقوم الباحثون في مصر بمثل هذه الدراسة بين المسلمين والمسيحيين.. بحيث ينزلون فيها إلي الشارع ليدرسوا نقاط الاتفاق والاختلاف وضرورة تحليل نتائج هذه الدراسات ورفعها إلي القيادات الدينية والسياسية.
> إذا كنا نتحدث عن مبادرات قبول الآخر وحوار الأديان فكيف تري هذه المبادرات في ضوء تصريحات بابا الفاتيكان الأخيرة التي أعقبت حادث الإسكندرية ومطالبته بالتدخل الدولي لحماية الأقباط في مصر؟.
>> أعجبني جدا رد الفعل المصري علي هذه التصريحات وأري أنه في لحظات الاحتقان لا ندري كيف يتم تصوير الأمور في الخارج فإذا كان التحريض يحدث ونحن معا نعيش داخل وطن واحد فما بالنا بما يحدث في الخارج؟! ولكن تم التعامل مع هذه التصريحات علي المستوي السياسي بشكل راق وعاقل بين الخارجية المصرية والفاتيكان وأعتقد أنه سيتم احتواء الأمر لأننا نحتاج في هذه المرحلة إلي الاحتواء وليس التصعيد.
وأود أن أتحدث هنا عن مبادرة عظيمة قام بها الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية وما يقرب من ألف عالم من علماء المسلمين وهي مبادرة 'كلمة سواء'، وتشارك فيها الكنائس العالمية في الغرب وقد شاركت في هذه المبادرة ولكن لا أدري لماذا لم تشارك فيها الكنيسة المصرية !؟ والجميل أن علماء المسلمين هم أول من رفعوا لواء هذه المبادرة فهي رسالة الإسلام إلي أهل الكتاب 'قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم' 'آل عمان، آية 64' فالمبادرة تتحدث وتتعامل مع المنطقة المشتركة بين كل الأديان وقد نقلت الحوار نقلات كبيرة، وجاءت في أعقاب تصريحات البابا الأولي فكانت دعوة لإطفاء الحرائق، والبحث عن مناطق التفاهم ، وللأسف فإن مصر لم تشارك فيها بالمستوي المطلوب سواء علي مستوي القيادات الدينية أو الكنائس، وأعتقد أن تصريحات البابا الأخيرة لن تعوق استمرار المبادرة التي ستعقد مؤتمرا في نوفمبر المقبل تحت رعاية الأمير غازي بن طلال بن حسين في الأردن بعمان وأتمني حضور الكنيسة المصرية ليكون المسيحيون والمسلمون في مصر حاضرين يدا بيد.
> وكيف تري أحداث تقسيم السودان؟ وهل يمكن أن تمر مصر بسبب ما تشهده من أحداث بما تمر به السودان الآن؟.
>> بالتأكيد لا، وهذا ليس مجرد تفاؤل ولكنه يقين بناء علي رغبة مؤكدة من المسلمين والمسيحيين في مصر.. وما يمر به السودان الآن يمزقني فهو قطعة منا تمزقت وما يحدث فيه موجع ومؤلم لكل مصري وعربي.
> دائماً تقول إنك لست ممنوعاً ولا مسموحاً.. هل تري أنك أصبحت مسموحا اليوم؟.
>> اليوم الأمور تسير إلي الأفضل خاصة أنه اتضح للجميع أنني أمثل تيارا وسطيا.
> ولكنك حينما قلت إنك لست مسموحاً وسألنا الدكتور سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف عن سبب عدم السماح لك باعتلاء المنابر أجاب بأنك لم تتقدم للحصول علي ترخيص بالخطابة وإلقاء الدروس وأن المسألة بسيطة تتعلق بأمر إجرائي فقط؟.
>> احترم د. سالم عبدالجليل ولكن لعله لا يعرف الأبعاد الحقيقية. وظروف الواقع ويتحدث من زاويته ومن منظوره فقط، وعموما أعتقد أن الأمور ستتجه لما هو أفضل في الفترة المقبلة.
> تتعرض للهجوم بين حين وآخر؛ أحيانا من التيار السلفي وأحيانا بأن تكون 'غير مسموح' علي حد قولك فهل تعتقد أن هناك من يخاف من تواجد عمرو خالد وقدرته علي التـأثير في الشباب؟.
>> بالفعل فقد كان هناك تخوف من وجودي لأن الرسالة التي أقدمها لم تكن في البداية معلومة للجميع وعندما اتضحت الرسالة وتأكد أنها بعيدة عن أي انتماءات أو أهداف سياسية أو حزبية وأنها تصب في الجانب الأخلاقي وتهدف إلي التعايش والتنمية قلّت هذه المخاوف.. فأنا أحرص علي ألا يتم استقطابي سياسيا أو حزبيا أو في أي تيارات دينية لأحافظ علي علاقتي بجميع الشباب من كل الفئات ،وسعادتي كانت كبيرة حين نشرت 'المصري اليوم' قصة الشاب المسيحي 'رشاد' الذي شارك في حملة المخدرات، فرسالتي للجميع ولن تكون فئوية أو حزبية.
> وهل تفكر في إنشاء قناة فضائية تطل منها بشكل مستمر علي الشباب وتواجه بعض ما تبثه القنوات المتطرفة؟.
>> لديّ مشروعات كثيرة فيما يتعلق بالتعايش والتنمية والأخلاق ،ولدينا مؤسسة كبيرة يتابعها آلاف الشباب، ومواقع انترنت يدخل عليها الملايين سنوياً، فهل انشغل عن كل هذا بعمل إداري، خاصة إذا كانت كل القنوات الإعلامية ترحب بي؟ ولماذا أحاصر نفسي في أمور إدارية وأنا أقوم بأدوار أخري؟ لذلك فإنني لست بحاجة إلي إنشاء قناة فضائية.
> لك دعوة شهيرة حين كنت شاباً في المدينة المنورة وهي 'اللهم بلغ صوتي ودعوتي إلي الآفاق' فإلي أي مدي وصل صوتك وتأثيرك؟ وإلي أي مدي استجاب الله لهذه الدعوة؟.
>> عندما كنت في المدينة المنورة وكان عمري 20 عاماً جلست في الروضة وفي لحظات روحية دعوت الله قائلا: 'اللهم أحي بي سنة النبي وبلغ رسالتي للآفاق' وكانت أقصي الآفاق في اعتقادي مصر والسعودية واليمن والجزائر وبعض دول العالم العربي، ولكن لم أكن أتخيل أن تصل رسالتي إلي العالم وأن توضع رسالة الدكتوراه التي أعددتها كمرجع للباحثين الغربيين الذين يريدون البحث في الإسلام.. هذا لم يكن في خيالي وكان فوق قدرتي علي التخيل، وهذا هو كرم الله الفتاح الذي يفوق كرمه وعطاؤه كل تخيل.