في هايتي.. الناس يبحثون عن الأمل
العودة من الركام
ترجمة وإعداد- كريم المالكي - عن الهيرالدتربيون:
في هايتي.. الناس تكافح لتعود للحياة بعد سنة على زلزال خلف دمارا هائلا
حوالي مليون ما زالوا يعيشون في مخيمات في هايتي بعد عام على الزلزال
النقطة الوحيدة التي يفخر بها المسؤولون أنهم استطاعوا تفادي الأمراض والعنف
جين فابيان: نعم تقبلت حقيقة أنني فقدت جزءاً من نفسي لكني ما زلت أعيش
ربما تلاشت تلك الشائعات الكثيرة التي تقول إن زلزالاً سيقع قريبا، وان رجال السياسة هم الذين نشروا وباء الكوليرا، أو ان سلاحاً أمريكياً كان سبب زلزال العام الماضي.. لقد تلاشت الشائعات لكن هايتي لا تزال تنتظر شروقاً جديداً عنوانه اعادة الاعمار، بعد حجم الدمار الهائل الذي لحق بالجزيرة قبل عام .. وما زالت آمال الهايتيين في أن تمسح البلاد آثار هذه الكارثة الأليمة التي ما تزال قائمة..
وهناك الكثير من الناس الذين يرون ان الحياة لم تتوقف ويجب ان تمضي رغم كل الذي حصل سواء للناس الذين تعرضوا للموت والإعاقة أو للبلد الذي تعرض إلى دمار لايقل عن دمار قنبلة نووية. ويبقى الهايتيون البسطاء من الذين فجعوا في الزلزال يرنون نحو حياة جديدة تزيح عنهم كابوسا ما زال يجثم بقوة على صدورهم رغم مرور أكثر من سنة.
في عام 2010 الذي وقع فيه الزلزال نالت، دافني جوزيف، تلك المراهقة النحيلة والخجولة، ما نالته من الحياة. وها هي اليوم تجلس وهي تراقب هيئة والدتها المشوهة برعب والتي أصبحت تتنقل بواسطة عربة بعد زلزال 12 يناير الذي ضرب هايتي. أما الشابة دافني فقد شاءت الصدف ان تقع بين مجموعة من البدو الأيتام الذين اخذوا من قبل منظمة مجتمع مدني جيدة التجهيز قدمتهم الرعاية والاهتمام. غير ان سوء الطالع الذي كان يلاحق دافني اضطرها إلى أن تتركهم مكرهة عندما اخذها شخص نصب نفسه قريباً لها ليستخدمها كخادمة. وفي الخريف الماضي، وقبل وقت قليل من عيد ميلادها الخامس عشر وجدت دافني نفسها ثانية في البيت الحقيقي حيث جُمعَ شملها مع الأيتام الذين تقطعت بهم السبل بعد كارثة الزلزال التي يطلقون عليها (جودو جودو) للصوت الرهيب الذي نجم عن اهتزاز الأرض لحظة الحدوث.
ويقول بيير جوزيف، وهو طبيب نفساني عمل على معالجة واعادة تأهيل دافني "أعتقد أن دافني كانت فتاة هشة حساسة حتى قبل كارثة (جودو جودو). انها مثل كأس امتلأ ومن ثمّ فاض. لكن من الممكن القول انها لا تزال في حالة صدمة، غير انها تحاول استعادة توازنها من جديد. ومن المؤكد ان الرغبة موجودة في العودة كإنسانة طبيعية تتعاطى مع الحياة.
روز
وفي الواقع ان مظاهر البؤس قائمة بالنسبة للبعض. فمثلاً الشابة "روز" خطفت وتعرضت للاغتصاب مراراً واحتجزت للتعذيب في أنقاض الزلزال وفي يونيو الماضي تمكنت بعد محاولة ثانية من الفرار من خاطفيها. اما السيدة ماري كلود بيير، التي نقل ابنها إلى الخارج في عملية نقل الجوي لأيتام، حزينة قبل وقوع الزلزال وهي الآن أكثر حزناً لانها قد فارقته. لكن على الرغم من هذه الصورة القاتمة، بدأ العديد من الهايتيين، مثل دافني، استعادة بعض التوازن عبر الشفاء، أو إعادة البناء أو ببساطة ترتيب اذهانهم. ان الراقصة التي بترت ساقها عادت لتمشي على ساق صناعية وقس الكنيسة التي دمرت يقيم قداسه مع جماعة حجمها ضعف الحجم الذي كان من قبل، ورجل الأعمال الذي يرتبط بولائه الشديد لهايتي، فتح مصنعا مقاوما للزلازل حيث انهار مصنعه القديم..
معسكر للاجئين بعد عام من المشقة الكارثية تقريباً في هايتي، ثمة ما يدعو إلى التفاؤل والأمل الآن، ومع ان أكثر من مليون نازح لا يزالون يعيشون تحت الخيام وقطع القماش المشمع إلا أن إعادة الاعمار لبناء نوع أفضل من ذلك (بيوت من القماش) بدأت بالكاد في مارس الماضي. كان الهايتيون يأملون أن تكون إعادة الإعمار سريعة خاصة بعد الوعود الكثيرة بالمساعدات والتي بلغت عشرة مليارات دولار أمريكي، لكن الحال ليست كذلك فباستثناء عدة مشاريع من بينها إعادة إعمار السوق التجارية التي كانت مركزاً لسبعمائة تاجر على الأقل فإن إعادة الإعمار تبدو منعدمة. ولا تزال أكوام الركام المكدسة أو المنازل التي تحولت إلى أكوام ركام مكدسة في اماكنها وتحتها بقي من بقي. ولا تزال العاصمة بورتو برانس تشبه معسكراً كبيراً للاجئين. وتقول منظمة العفو الدولية إن الناس يعيشون في ظروف مزرية. فهناك حوالي مليون ما زالوا يعيشون في مخيمات في هايتي بعد عام على الزلزال، الذي هز الجزيرة في ذلك الثلاثاء الأسود. ويقول احد المواطنين "نحن لا نزال هنا ولا نعلم إلى متى سنظل في هذا المكان، والحكومة لم تزرنا أبداً" وتبدو كلمات هذا المواطن رسالة واضحة ومتشائمة في الوقت ذاته حملها كلام هذا الشاب الهايتي، بعد مرور سنة كاملة على الكارثة التي لم تتخلص من آثارها البلاد. والنقطة الوحيدة التي يفخر بها المسؤولين بعد ستة أشهر من الزلزال هي أنه تم تفادي المرض والعنف والذين اختفيا مع انتشار الكوليرا والاضطرابات السياسية.
فابيان جين ابتسمت فابيان جين، الراقصة التي فقدت ساقها في الزلزال، التي كان يشع من وجهها وهجا، وأعربت ان مثل هذه الشجاعة تكونت لأن جميع من تلتقيهم أو يقرأوا في الصحف أو يسمعوا عنها في الإعلام المرئي يريدون مساعدتها. ان الأطباء وأخصائيي الأطراف الاصطناعية، ومصممي الرقصات والراقصين من ذوي الإعاقة، والجمعيات الخيرية، جميعهم يتطلعون إلى تبني حالة الشابة جين. في مطلع الربيع كانت جين تكافح لتحصل على ساق صناعية من مجموعة نيو هامبشاير غير الربحية أو السفر إلى نيويورك، حيث من شأن مركز (سينائي) الطبي أن يوفر جراحة تصحيحية، وإعادة تأهيل وإقامة أشهر في المدينة، حيث يكون الاهتمام بالأجانب كبيرا. وبعد فترة من التردد المؤلم، اختارت جين البقاء في هايتي، حيث تشعر ان بلدها افضل. غير ان اطباء نيويورك اقترحوا اجراء عملية ثانية لتعزيز جذع الساق. وتقول جين: "لم أكن أريد عملية أخرى، لم أكن أريد أن أخسر أكثر من ساقي." ومؤخراً استطاعت جين ان تقف بفخر على قدمين وتسير إلى منزل عائلتها. وأصبحت تتنقل باستخدام عصا ولكن بعرج طفيف حينما تواجه بعض التضاريس الصعبة أو صعود السلالم. وعدة مرات في الأسبوع، تقوم جين ببعض الواجبات كجزء من ممارسة روتينية وبإشراف من المدربين كمساعدين لها في رحلة العلاج الطبيعي التي تدار من قبل مؤسسة انجليزية والتي صنعت لها ساقها الصناعية والتي تحاول ان تصمم لها جهازا مساعدا يسمح لها بالرقص مرة أخرى. وفي الحقيقة ان جين تتطلع إلى ذلك الأمر الذي جعلها تقول: "من الناحية الواقعية لا توجد أي وسيلة لأكون راقصة محترفة مرة أخرى. ولذا فإنني سوف احتاج إلى وسيلة أخرى لكسب العيش. وهي تضع في بالها "بوتيك" للأزياء أو مدرسة للرقص. وقالت جين إنها لا تريد أن تكون عبئاً على أسرتها، التي كانت تتوقع لها دائما، ان تكون الطفل الأكثر موهبة والتي ستدعمهم. وتضيف: ان والدها ظل خائفاً بعد الزلزال لأنه اعتقد أن الأمر ينتهي بها إلى العيش في زاوية كأي شخص معاق، لكنها قالت ان ذلك لن يحدث. وتشير جين إلى ان هناك بعض الأشخاص المعوقين الذين يعتقدون أن الحياة قد انتهت، والذين يخجلون من عوقهم"، في حين انها تؤرجح برشاقة ساقها الصناعية على كتفها أثناء التقاط الصور لها. وقالت "انا لست من هؤلاء فقد تقبلت حقيقة أنني فقدت جزءاً من نفسي في الثاني عشر من يناير لكني ما زلت فابيان جين".
سنة على الخراب
منذ عام تحديداً اهتزت الأرض تحت شبه الجزيرة التي لم تعرف يوماً الاستقرار السياسي، فانهار كل شيء. ومع ذلك فإن البنية التحتية المنعدمة أساساً لم تتعاف، لا كهرباء ولا ماء ولا شبكة هاتف لا طرقات ولا جيش، ولا من يجمع النفايات التي يتم حرقها في الشوارع ولا مدارس ولا مياه نظيفة ولا منازل صلبة ، الناس في الخيام ممتلكاتهم ضاعت باحتراق أو ضياع أو سرقة الصكوك، أصبحوا مشردين في بلدهم يبيعون أمام منازلهم المهدمة كل شيء مستوعبات فارغة، أدوية، أفران مستعملة زجاجات فارغة.
تسعمائة جمعية غير حكومية، والهايتيون الذين أسسوا أول جمهورية للزنوج الذين تحرروا من الاستعمار عام ١٨٠٥ الذين طردوا الأمريكيين الذين احتلوا البلاد عام ١٩١٥ هؤلاء الهايتيون أصبحوا يستجدون العمل مع المؤسسات الأجنبية التي من المفترض أنها تعمل لديهم، وينتظرون المساعدات التي لم تصل، . ولكن بينما ترمي الأنشطة الجارية إلى تحسين الأوضاع وموارد المعيشة البيئية، فإن قلة التمويل المتاح تعيق الجهود بشدّة لتقديم دعمٍ فوري إلى السكان المُتضررين في الوقت الذي تُبنى فيه الأسس للتدخّلات الطويلة المدى. وعلى مدى الأشهر الاثني عشرة الماضية، ضربت الأزمات المتكررة سكان هايتي، مع تفشي وباء الكوليرا مؤخراً الذي ذهب ضحيته الآلاف من الأرواح مما أبطأ وتيرة الانعاش.
وتقول ممثلة اليونيسف في هايتي: "لقد عانى الأطفال، على وجه الخصوص بشكل كبير خلال السنة الماضية وما زالوا يعانون. ومع ذلك، فإن لهم الحق الكامل في التمتع بالبقاء والتعليم والصحة والحماية."ومع ذلك، فإن تقرير اليونيسف يشير إلى المكاسب التي تحققت.
على سبيل المثال، عقب وقوع الزلزال، قامت اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية وشركاء آخرون بإجراء حملات طارئة لتحصين مليوني طفل ضد أمراض يمكن الوقاية منها مثل الدفتيريا والحصبة وشلل الأطفال. وتم توزيع 360000 ناموسية على 163000 أسرة في المناطق الساحلية الجنوبية التي تنتشر بها الملاريا.
هايتي
هايتي إحدي بلدان البحر الكاريبي، اكتشفها كريستوفر كولومبوس، وظلت مستعمرة إسبانية حتى احتلتها فرنسا في سنة 1626، واعترفت إسبانيا بهذا الاحتلال في سنة 1679، وجاء الفرنسيون بأعداد كبيرة من الأفارقة لاستعبادهم في زراعة حاصلات المناطق المدارية، وبدأ الأفريقيون حرب التحرير بهايتي في سنة 1790 بزعامة توسان لوفرتور.
وفي نوفمبر 1803 وقعت معركة فيتيي "Battle of Vertières" والتي كان قائدها الجنرال الفرنسي من أصل هايتي جان جاك ديزلاين ودوناتان ماري جوزيف دو فيميور، لتنتهي المعركة وليعلن العبيد السابقون استقلال سان دومينغ في الاول من يناير 1804 معلنة أمة هايتي الجديدة، تكريماً لأحد الأسماء التي أطلقها التاينو على الجزيرة. لتصبح البلد الوحيد الذي استقل اثر ثورة للعبيد فيه. وأصبحت تحت حماية الولايات المتحدة بين عامي 1905 و1934.
وتبلغ مساحة هايتي 27،750 كم2، (6.236 ميل2) وعاصمة البلاد "بورت أو برانس" وأهم المدن بورت بابكس، وكيب هابيتان. تشغل هايتي الثلث الغربي من جزيرة هسبانيولا، في شرقها جمهورية الدومنيكان وتحتل ثلثي الجزيرة، تفصلها في الغرب مياه البحر الكاريبي عن كوبا وجامايكا، وهي إلى كوبا أقرب. تشكل المرتفعات أكثر من ثلاثة أرباع أراضي هايتي، وتمتد المرتفعات من أرض جارتها، ثم تسير نحو الغرب، وأعلى قمم هضابها جبل لاسل (2680م)، وتضم المرتفعات بعض السهول والوديان، وفي غربي هايتي خليج جوناف حيث يضم جزيرة جوناف التابعة لها.
ويقدر عدد سكان هايتي بأكثر من 10.033.000 حسب احصائيات عام2009 وأغلب السكان (قد تصل النسبة إلى حوالي 95%) من الزنوج الأفريقيين، جلبوا إلى هايتي في ظل العبودية في القرنيين السابع عشر والثامن عشر، وهناك أقلية من المولدين من الأفارقة والبيض. اما عرب هايتي فلا يتعدى عددهم عن 4600 شخص. ولغة السكان الرسمية هي الفرنسية بالإضافة إلى اللغة الكريولية الهايتية التي ولدت نتيجة اختلاط الزنوج الذي أتى بهم الاستعمار من أفريقيا الذين ليست لديهم لغة موحدة تجمعهم فكان أن بدأوا باختراع لغة تعتبر خليطاً من عدة لغات، وأصبحت بمرور الوقت لغة جديدة. ويعيش معظم سكان هايتي في الريف، ومعظم مساكنهم من الأكواخ، ومستوى الدخل منخفض، والمستوى الصحي متدهور بسبب انتشار الأمراض، والنشاط يعتمد على الزراعة، ويصل عدد العاملين فيها إلى حوالي 66% من السكان، فيما يعمل 10 % في الصناعة الضئيلة في البلاد ونحو 24 % في مجال الخدمات.