رسالة مفتوحة إلى الأمير هشام بن عبد الله العلوي: لا يا سموَّ الأمير
صلاح الوديع*
يا سموَّ الأمير... !
سمو الأمير هشام بن عبد الله، تحية مغربية وبعد، قرأت بإمعان تصريحاتكم للجرائد مؤخرا في سياق ما يروج اليوم بصدد انتفاضتي تونس ومصر، ولا يهمني الرد على رأيكم، لأنني أؤمن بحقكم في الإدلاء به كما يحلو لكم، أنتم كمواطن مغربي، بقدر ما أوجه لكم اللوم لأنكم لستم أي أحد، ولأنكم لم تخاطبوا أية صحافة، ولأنكم أمير يتوجب عليكم واجب التحفظ الذي يحترمه الأمراء في بلادنا، ولأنكم، بوعي ولا شك، فوق هذا وذاك، تستغلون المكانة التي يحترمها المغاربة وهي انتماؤكم للعائلة الملكية وتستعملونها لبث الشك والريبة، تستعملونها من أجل تموقع موهوم، لا يهم بعض الأوساط الخارجية فيه مستقبل بلدكم بقدر ما يهمها استعماله لخدمة أجندتها ومصالحها، والنماذج أكثر من أن تعد وتحصى، ولأنكم توجهتم بتصريحاتكم إلى إحدى الصحف التي لم يجف مداد حقدها بعد على بلدكم ومواطنيكم، حيث حاولتْ تأليب العالم عليه، كذبا وبهتانا، وتصريفا لأحقاد استعمارية لم تهدأ بعد، تدعون خلو المغرب من الحريات وعجز الأحزاب السياسية وحتى الحركة الإسلامية، مع أن المغرب هو البلد العربي الأول وربما الوحيد الذي عرف كيف يفتح الطريق أمام الحركة الإسلامية لتشارك في العمل السياسي، وتنخرط في طريق الديمقراطية الطويل، ناهيك عن الأحزاب التاريخية التي انخرطت إلى جانب جدكم من أجل استقلال المغرب، أوأدت ضريبة النضال من أجل الديمقراطية خلال السنوات الصعبة، أو تلك التي رأت النور في سياقات المغرب الجديدة... كل هذا تضربون عنه صفحا بجرة قلم...أليس من المثير للاستغراب والشبهة كون العديد من تقارير مراكز الأبحاث والدراسات وتعليقات كتاب وصحفيين مشهود لهم، غربيين منهم وعرب، قد نوهوا بتيمز الحالة المغربية ومنجزاتها، في الوقت الذي تبادرون فيه أنتم إلى زرع الشك والبلبلة من خلال كلام لامسؤول لن يجد صداه إلا عند الذين في قلوبهم مرض... وتحكمون على بلادكم من علياء مركزكم هناك في البعيد.
اسمحوا لي، بكل ما في التاريخ القريب والبعيد من معان ودروس ودلالات أن أقول لكم لقد أخطأتم الطريق، ما هكذا ستساهمون في إخراج بلدكم بشكل لا رجعة فيه إلى فضاء الديمقراطية والتنمية والعيش الكريم، كان أولى لكم أن تعملوا بيننا هنا على أرض بلدكم/بلدنا الحبيب للمساهمة معنا في النضال ضد جيوب مقاومة التغيير بدل أن توجهوا سهام القول والفعل حيث يتمنى أعداؤه أن يصيب وطننا في مقتل، في وقت يتكالب عليه فيه أعداء وخصوم من كل صوب من أجل تمزيق وحدته الوطنية، ويتهدده الإرهاب من الداخل والخارج وتترصده الشبكات المفيوزية الطفيلية التي اعتادت العيش على الريع والتهرب الضريبي والاتجار في المخدرات ونهب المال العام...، ونحن نعلم كم يلزمنا بعدُ من العمل من أجل استكمال مسيرة البناء الديمقراطي بكل أبعادها، بلا كلل أو ملل... أقول لكم بكل إيمان: سنقف جميعا كمغاربة دفاعا عن بلدنا الحبيب، لا، لن يكون هذا مصير البلد الذي من أجله ضحى جدكم بعرشه نظير كرامته وكرامة شعبه، صحبة العائلة الملكية وضمنها والدكم المرحوم الأمير عبد الله مضحيا بالحياة الرغدة الهنيئة التي تنعمون بها اليوم، لا ليس من أجل هذا تتالت قوافل الشهداء قبل استقلال المغرب وبعده، لا، ليس من أجل هذا مد عمكم المرحوم الملك الحسن الثاني يده إلى أشد معارضيه وأخلصهم لوطنه، من أجل مستقبل المغرب، لا ليس من أجل هذا فضل المناضلون الصفح من أجل الوطن، والانخراط في مسلسل العدالة الانتقالية الذي ينشده اليوم أحرار تونس من مناضلي حقوق الإنسان، سيرا على خطى التجربة المغربية، التي يشهد لها العالم بالريادة والتفرد، لا ليس من أجل هذا كان لابن عمكم ملك المغرب محمد السادس جرأة فتح مسار قراءة تاريخ انتهاكات حقوق الإنسان، من طرف بلادنا، قبل كل دول الجوار العربي والاسلامي والمتوسطي، لا ليس من أجل هذا عملنا ونعمل اليوم لمسابقة الزمن من أجل الإفلات بغير رجعة من التخلف والهشاشة، ضدا على القوى المناهضة للتقدم، التي تعرقل التغيير وتجعل معركتنا بين مد وجزر لا يلهينا شيئ عن الأفق الذي نرتجيه لبلادنا، لا ليس هذا هو نفَسُ المسيرات الشعبية المليونية التي تتم في بلدكم المغرب بكل حرية من أجل نصرة العراق أو فلسطين أو الصحراء المغربية.
وأخير وليس آخرا، سأقول لكم ما قاله أستاذنا جميعا المرحوم علال الفاسي، الذي عرف المنفى هو الآخر، لا اختيارا بل اضطرارا وقسرا حين قال:
ا نـرتـضـي بــالـتـفـــــرقـه ولـــو عـــلـــونــا الـمـشـنـــقه
ولــــو غـــدت مــــمـــزّقـــه أشــلاؤنــــا فــدى الــــــوطــن
فـلـيـغـضب الخصم العنيد ولـيـرهــب الـــــــصـوت الشّديد
لـسـنـا نـخـاف أو نـحــيـد إنـــّــــا خُـلـقـنـــا لـــلـــــــوطـــن.
وسأردد كلاما لرجل كبير آخر عرفه المغرب هو شيخ الإسلام المرحوم محمد بن العربي العلوي وهو أحد مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، حين قال مخاطبا المرحوم الحسن الثاني غداة وفاة المغفور له جدكم:"إسلامي فوق عروبتي، وعروبتي فوق مغربيتي، ومغربيتي فوق العرش، وأنا في خدمة العرش ما دام العرش في خدمة الشعب"
مع التحية المغربية، مرة أخرى
*كاتب وشاعر
عضو في هيئة الإنصاف والمصالحة سابقا