لانقلاب على أوباما: مبارك يجب أن يرحل.. يجب أن يبقى
العرب اونلاين ـ حبيب براهمي ـ تبدو تخمينات المحللين الذين لم يثقوا في صدقية "الدعم" الأميركي لحقوق المحتجين من الشعب المصري، الراغبين في إبعاد مبارك ونظام حكمه عن مراكز السيطرة، عن كل اوجه الحياة في مصر، اليوم أقرب إلى الحقيقة، أكثر من تقديرات نظرائهم الذين يراهنون على أن الولايات المتحدة قد شرعت في التخلي عن طرق تفكيرها التقليدية، لحفظ مصالحها في المنطقة العربية أو الشرق الاوسط كما تسميها عادة.
وبعد أن بلغت "حدة" الموقف الأميريكي قبل ساعات إلى درجة إعلان الرئيس أوباما، أن على الرئيس مبارك أن "يرحل الآن"، عادت الإدارة الأميركية إلى التأكيد على أنها لاتزال تحتاج الرئيس المصري على الأقل لمدة أشهره الباقية له على سدة الحكم في القاهرة.
واعتبر الدبلوماسي الأميركي فرانك فيسنر الذي كان الرئيس باراك اوباما اوفده الى مصر، السبت ان الرئيس المصري حسني مبارك ينبغي ان يبقى في السلطة لضمان انجاز المرحلة الانتقالية نحو الديموقراطية.
وقال فيسنر خلال مناقشة في اطار المؤتمر حول الامن في ميونيخ بجنوب المانيا، شارك فيها من الولايات المتحدة عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، ان "الدستور المصري واضح جدا: في حال كانت الرئاسة شاغرة فعلى رئيس البرلمان "مجلس الشعب" ان يتولى هذا المنصب وينظم انتخابات خلال شهرين".
وتدارك "لكن هذه الإجراءات مرفوضة في شكل قاطع من جانب من يتظاهرون اليوم في شوارع القاهرة".
واستطرد "لهذا السبب، يجب التوصل الى تفاهم وطني حول الظروف المناسبة للانتقال الى المرحلة التالية" و"على الرئيس ان يبقى في منصبه لتطبيق هذه التغييرات".
ويأتي هذا التغير في الموقف الأميركي مفاجئا وخطيرا. ويكاد يسجل انحرافة بـ180 درجة. فهل هو انقلاب على موقف الرئيس الأميركي الذي بارك ثورتين لم تسهم فيهما الاستخبارات الأميركية التي وقعت في غفلة تاريخية؟
وأضاف فيسنر الذي كان زار القاهرة حيث التقى المسؤولين المصريين في بداية الاسبوع "ارى اذا ان بقاء مبارك رئيسا للبلاد امر حيوي. انها فرصة له لتحديد ماذا سيترك "خلفه"، لقد كرس ستين عاما من حياته في خدمة بلاده، انها اللحظة المثالية بالنسبة اليه لتحديد المسار الواجب سلوكه".
لكن هذا التبرير يبدو الآن كأنه حق يراد له أن يتحول إلى باطل. فقد كان هذا المطب الدستوري واضحا للإدارة الأميركية منذ البداية ورغم ذلك أعلن أوباما كما أعلن أكثر من صوت غربي على مستويات عليا في فرنسا وألمانيا وأكثر من دولة غربية رغبتهم في أن يروا التحول السياسي في مصر في أسرع وقت ممكن لا يمكن أن يمتد إلى مرحلة الأشهر الباقية من كم مبارك في كل الأحوال.
فما الذي حصل؟ يرى محللون أن الرئيس أوباما وإدارته قد تفاجآ بما يحصل في مصر، وبما حصل قبل ذلك في تونس نتيجة لفشل استخباراتي ذريع في قراءة الأوضاع في البلدين بشكل يضمن استباق الأحداث بما يجب من استراتيجيات تكفل ضمان الحفاظ على خيوط اللعبة في دول الاضطرابات.
وقد تكون هذه من المرات النادرة التي تفلت منها الأوضاع المصري، من الرقابة الاستخباراتية الأميركية الصارمة جدا. لكن واشنطن كما تذكر الأحداث، ليست بوارد أن تسلم أمر مصر والمنطقة للمجهول وهو مجهول مرشح للإتيان بنظام معاد في حال سقوط نظام مبارك، وهي فرضية مؤلمة يرى فيها الأميركيون خطرا داهما على سياستهم، وعلى حليفتهم "اسرائيل".
ولفهم طبيعة الموقف الأميركي المنتكس من دعمه للشعب المصري المطالب برحيل مبارك، لابد من العودة إلى تبعات "مباركة" أوباما للثورة التونسية.
فقد ثارت ثائرة دوائر المحافظة في السياسة الأميركية. ولام أكثر من محلل وصانع سياسة الرئيس الأميركي على "تشجعيه" المبالغ فيه للشعب التونسي على ثورته. وبقطع النظر عما إذا كان أوباما يعني ما كان يقول ام لا فإنه اتهم بأنه يغذي طموحات شعوب اخرى في المنطقة في الثورة، كما اتهم صراحة بأنه هو من مرر إشارة الثورة للمصريين بترحيبه الحار بالثورة التونسية.
الآن انتهى أمر بالنسبة للغرب والولايات المتحدة، لكن لايبدو أنه انتهى بشكل حاسم بالنسبة لشق كبير من الساسة الأميركيين الذين يسعون إلى لملمة الموقف المتداعي. ويبدو أن القناعة رسخت بأن بقاء مبارك والبحث عن مبررات لبقائه سواء بالإشارة إلى الأزمة الدستورية التي قد يسببها رحيله، أو بقيام النظام المصري بعمليات تجميلية لتركيبة الحكومة، هو أهون الشرور لأميركا، قبل أن تتوضح تطورات الأمور بشكل نهائي.
ومع نجاح الرئيس المصري حسني مبارك في الصمود إلى حد الآن، وجدت الولايات المتحدة الفرصة سانحة لإطلاق برنامج دعياتها لضرورة بقائه إلى حد الترويج لمحاسن الاستقالات التي حصلت في الفريق الحكومي وكبار أعضاء الحزب الوطني الحاكم المشار إليهم بالبنان ومنهم جمال مبارك ابن الزعيم ومثار اللغط والجدل السياسي وأحد أسباب الأزمة في مصر.
وقد يكون هذا ما تقدر عليه واشنطن حاليا، إلى حين التوصل إلى ما قد يمكنها من استعادة المبادرة في الملف المصري الشائك.
وقال مسؤول في ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما ان استقالة جمال مبارك نجل الرئيس المصري حسني مبارك من الحزب الحاكم في مصر السبت "خطوة ايجابية".
واضاف "نرى هذا خطوة ايجابية تجاه التغيير السياسي ستكون ضرورية ونتطلع لخطوات اضافية".
واعتبر المتحدث باسم مجلس الامن القومي الاميركي تومي فيتور السبت ان استقالة اعضاء هيئة المكتب السياسي في الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر والذي ينتمي اليه جمال، نجل الرئيس حسني مبارك، تشكل "مرحلة ايجابية".
وتنظر الولايات المتحدة، كما قال فيتور، الى هذه الاستقالة "على انها مرحلة ايجابية نحو تغيير سياسي ضروري".
لكن صحيفة "زالتسبورجر ناخريشتن" النمساوية تقول في إشارة إلى عدم جدية واشنطن وحلفائها في دعوتهم للتغيير في مصر، إنه "حتى في اليوم الحادي عشر للثورة.. فإن أوروبا لم تنجح في مخاطبة مبارك وذكره بالاسم كمسؤول عن الأحداث في القاهرة ولم تطالبه بإخلاء الساحة. وبذلك فإن هناك استمرارا لسياسة الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الأخرى بإعطاء أهمية أكبر للمصالح الاقتصادية والاستقرار الاستراتيجي على القيم الأوروبية حتى وإن استندت هذه المصالح وهذا الاستقرار على سونكي البندقية"