ثاباتيرو يأمل في انتشال خامس أكبر اقتصاد أوروبي من أزمته
المقتصد المتردد يراهن على إصلاحات النظام المصرفي الإسباني
فكتور ماليت وجوناثان فورد
في أيار (مايو) الماضي، أخذت المخاوف بشأن سلامة الاقتصاد الإسباني منطقة اليورو إلى حافة الكارثة المالية، وأدخلت حكومة خوزيه لويس رودريغز ثاباتيرو في أزمة عميقة، ودفعت رئيس الوزراء ذاته إلى حافة اليأس. وحينما اقترب منتصف العام، انسحب فترة من الوقت إلى عزلة بسبب الصدمة في مقره الرسمي في قصر مونكلوا الأنيق في مدريد.
كان الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، قد أنقذا اليونان فعلياً. وأعدّا على عجل معاً صندوق إنقاذ طارئ أوسع نطاقاً بقيمة 750 مليار يورو خشية من أن البرتغال، وإيرلندا، وإسبانيا – الأخير باقتصاد أكبر من الاقتصادات الثلاثة الأخرى الضعيفة مجتمعة- سوف تحتاج كذلك إلى المساعدة حينما عملت أسواق السندات على تفريز اقتصاداتها.
بعد مرور ثمانية أشهر، وحزمة إنقاذ إيرلندية وحيدة لاحقاً، قام ثاباتيرو المنتعش وحكومته الاشتراكية، بجميع ما طالبت به أسواق المال – إلى جانب الاتحاد الأوروبي، والرئيس الأمريكي باراك أوباما، وصندوق النقد الدولي – من حيث تخفيض العجز في الميزانية.
على أية حال، ما زال المستثمرون قلقين. وعلى الأرجح أن تكون إسبانيا بصدد معالجة مشاكل الإنفاق العام الخاصة بها، حسبما يقولون، ولكن ما الذي سوف يمنع ضعف البنوك الادخارية (''كاجاس'') في البلاد، البنوك الادخارية غير المدرجة في البورصة، من أن يغرق الاقتصاد؟ وإلى جانب حكومات أوروبية أخرى، قامت إسبانيا فعلياً بضمان جميع مطلوبات القطاع الخاص في نظامها المصرفي بعد انهيار بنك ليمان برذرز عام 2008. والتكلفة النهائية لهذه الضمانة هي التي نفخت العجز الإيرلندي المتواضع سابقاً ليصل إلى نسبة استثنائية تبلغ 32 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وجعل الإنقاذ المالي لذلك البلد حتمياً. وفي حين لم تكن فقاعة العقارات في إسبانيا بضخامة فقاعة إيرلندا، وبنوكها أفضل تنظيماً، يقلق المستثمرون من أنه ما زال ينبغي الاعتراف بالكامل بحجم الخسائر في النظام المصرفي. ولغاية الآن، حقنت إسبانيا نحو 15 مليارا فقط في بنوكها – ما يعادل 1.5 في المائة فقط من الناتج الإجمالي المحلي.
أما ثاباتيرو الذي اتهم بكونه بطيئاً بالاعتراف بالأزمة، والتصرف حيالها، فإنه قرر مواجهة المشكلة مباشرة. وحيث إنه يفكر في مصير إيرلندا، دون أدنى شك، فإنه يدفع باتجاه إعادة الرسملة السريعة والأساسية لبنوك ''كاجاس'' الادخارية. ويأمل في أن يساهم علاج أمراض البنوك الادخارية المكشوفة، بالإضافة إلى البنوك المدرجة، أمام أكثر من 180 مليار يورو من القروض السيئة على الأرجح المتعلقة بالعقارات والإنشاءات، في إتاحة المجال أمام خامس أكبر اقتصاد في أوروبا بأن يخرج في النهاية من قرابة ثلاث سنوات من الأزمة والتوتر المالي المتواصل.
يقول ثاباتيرو على نحو مصمم في مقابلة أجرتها معه ''فاينانشيال تايمز'' في الآونة الأخيرة: ''إننا نقوم بإصلاح قطاعنا المالي، وهو الإصلاح الأكثر طموحاً، وأبعد أثراً على الصناعة طوال الأعوام العشرين الماضية في إسبانيا''.
تجري حالياً أول مرحلة من العملية بتنظيم من بنك إسبانيا. وتم تخفيض عدد البنوك الادخارية – المقرضين الإقليميين بأحجام ونوعيات متباينة، ومكشوفة بقوة أمام قطاع العقارات، وتشكل قرابة نصف الأصول المصرفية في البلاد – من 45 بنكاً، إلى 17 بنكاً بواسطة سلسلة من الاندماجات المفروضة. وينبغي على هذه البنوك الادخارية أن تقوم بترشيد العمليات، وتخفيض التكاليف، ووجهت إليها الأوامر لنشر تفاصيل انكشاف عقاراتها بحلول نهاية شهر كانون الثاني (يناير)، قبل الجولة الثانية من ''اختبارات تحمل'' البنوك الأوروبية.
لغاية الآن، تأثرت عمليات رسملتها إلى حد كبير بالأموال التي قدمها صندوق إعادة هيكلة البنوك بشكل منظم ''فروب'' – وهو منشأة تضمنها الحكومة، ولديها القدرة على جمع 99 مليار يورو. ولكن ثاباتيروا، ومستشاريه، ووزرائه يقولون إن الخطوة التالية المهمة – زيادة قوة رأسمالها – سوف يتم تمويلها إلى حد كبير من جانب القطاع الخاص.
ويقول ثاباتيرو في هذا الصدد: ''ينبغي علينا أن ننهي عملية إعادة هيكلة النظام المالي، بحيث لا نتعرض إلى الشكوك بشأن الجدارة الائتمانية السيادية في النظام. ونحن مقتنعون تماماً بأن بالإمكان إنجاز ذلك بتقوية النظام برأسمال القطاع الخاص، وربما باللجوء بشكل محدود للغاية إلى رأس المال العام''.
يشكك المصرفيون الإسبان، والمحللون الأجانب في أن يكون مستثمرو القطاع متحمسين، ويتوقعون أن تحتاج الدولة على الأرجح، ربما بمقاييس كبيرة بواسطة ''فورب''، إلى حقن ما بين 20 مليار و 120 مليار يورو لتنظيف الميزانيات العمومية لأضعف البنوك الادخارية. وربما يحتاج بعضها إلى التأميم الكامل، أو الجزئي.
حتى هذه اللحظة، لم تكن إسبانيا راغبة في تشجيع مقرضي البنوك المجبرة على المشاركة في الخسائر، ولا يبدي ثاباتيرو أية إشارة لرغبته في تغيير هذه السياسة. ولكن المصرفيين يعطونه الفضل لمعالجته في النهاية قضية جعلت من الصعب حتى لأقوى المؤسسات المالية الإسبانية جمع ديون طويلة الأجل في أسواق البيع الشامل.
بناءً على ذلك، يجد ثاباتيرو نفسه في موقف غريب كمؤيد اشتراكي لتخصيص البنوك، والتقشف الصارم. وتعني التخفيضات على الإنفاق، والزيادات الضريبية أن من المقرر أن ينخفض العجز من 11.1 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي في عام 2009، إلى أقل من 9.3 في المائة في العام الماضي، و6 في المائة في عام 2011. وبدأ رئيس الوزراء كذلك بإصلاحات أخرى لجعل الاقتصاد تنافسياً، بما في ذلك إجراء تحرير سوق العمل بشكل متواضع، وزيادة مخطط لها في سن التقاعد من 65 عاماً إلى 67 عاماً. والطريقة التي يلخص بها أجندته هي ''الإصلاحات، الإصلاحات، الإصلاحات''.
لكن، على صعيد الخطابة على الأقل، لم ينس ثاباتيرو جذوره الاشتراكية. ويلمس لمسة من السخرية في حقيقة أن المستثمرين يأخذون الحكومات الآن إلى مهمة فرض التدابير التي احتضنتها لإنقاذ أسواق المال خلال انهيار عام 2008. ويقول ثاباتيرو في هذا السياق: ''حينما انهار بنك ليمان برذرز، وسقطت البنوك في الأزمة.. فإن الدول والبلدان هي التي كانت موجودة لدعم الأسواق. وأما الآن، فإن القطاع المالي هو الذي يسبب المشكلات لنا. وهذه وجهة نظر جديرة بالتفكير''.
أما بالنسبة للحافز الكينزي للإنفاق الذي نظمته حكومات اليسار واليمين في بداية الأزمة، فإن ثاباتيرو يشير مدافعاً إلى حد ما إلى أن التسلسل الحتمي للعجوزات العالية، والتخفيضات كان قاسياً بالنسبة لإسبانيا تحديداً بسبب نموها المتدني الحالي. ويقول معلقاً: ''كنا جميعاً كينزيين، ألم نكن كذلك، في ردنا على الأزمة، ردنا المبدئي.. إلى أن لم يكن بإمكان تلك الحوافز المالية أن تفعل المزيد بالنسبة إلينا، وقرعت الأسواق أجراس الإنذار''.
كانت الأزمة وقتاً صعباً بالنسبة إلى يسار الوسط في أوروبا، ربما بسبب وجهة النظر التقليدية المتمثلة في أن الاشتراكيين ينفقون الأموال ولا يدخرونها. ولكن لا يعتقد ثاباتيرو أن مناخ التقشف يجب أن يدفع وسط اليسار إلى الهوامش. وبترديد ما قاله نيك كليغ، زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي في بريطانيا، ونائب رئيس الوزراء، فإنه يجادل بالقول إن تخفيض العجز تدريجي في واقع الأمر، لأن البديل هو تكديس الديون بصورة غير عادلة على ''جيل الغد''.
على النقيض من العديد من زملائه الإسبان، فإن ثاباتيرو لا يميل – علناً على الأقل – إلى مهاجمة طريقة معاملة ألمانيا لأزمة الديون السيادية لمنطقة اليورو، أو إدانة غياب التضامن بين الشمال والجنوب في الاتحاد الأوروبي، أو ازدراء عدم براعة المؤسسات الأوروبية بشكل واضح أثناء ضائقة منطقة اليورو. وبدلاً من انتقاد الموقف المتشدد لألمانيا ضد أعضاء منطقة اليورو ''الطرفية'' التي تصارع خلال الأزمة، فإنه يدعو ألمانيا بشكل معتدل إلى ''الالتزام بالإدارة الاقتصادية المشتركة بدرجة أكبر في أوروبا''، وبالتالي المساعدة في بناء ''أوروبا العظيمة اقتصادياً''.
في هذا الصدد، يبدو أن ثاباتيرو يتبع رأي خوزيه أورتيغا يي غاست، الفيلسوف والكاتب، من حيث أن ''إسبانيا هي المشكلة، وأوروبا هي الحل''. وإذا لم تكن أوروبا ومؤسساتها ناجحة، حسبما يعتقد رئيس الوزراء، فإن السبب هو الإدارة السيئة، وغياب السياسات المشتركة والمنسقة.
ويقول ثاباتيرو في هذا الصدد: ''حين تكون لديك عملة موحدة مثل اليورو، فإنك لست بحاجة إلى بنك مركزي فقط، بل إنك بحاجة إلى سياسة اقتصادية، وسياسة نقدية منسقة. وفي الأجل المتوسط، سوف نحتاج إلى التوافق المالي، وتوافق سوق العمل كذلك. وسوف نحتاج إلى اتحاد اقتصادي أكثر قوة، واتحاد أوروبي أكثر تكاملاً''. ويتطلع ثاباتيرو إلى اليوم الذي سيتم فيه إصدار سندات أوروبية مشتركة. ويقول: ''إن الأمر طبيعي للغاية''.
لن يلقى أي من ذلك أذناً صاغية من السياسيين في برلين. ولكن يوافق ثاباتيرو على أن التكامل المالي الأعمق بكثير هو طموح أطول أجلاً. وبالنسبة إلى الوقت الحالي، فإن التركيز بالنسبة إلى أعضاء منطقة اليورو الأضعف يجب أن يكون على إصلاح اقتصاداتها لجعلها أكثر تنافسية. ويدعو إلى عقد ''اتفاق تنافسي أو إنتاجي'' من شأنه، من بين أشياء أخرى، الحد من عجز الحساب الجاري الذي يمكن أن يواجهه أي بلد.
ربما أن من الحتمي أن تكون إسبانيا، وهي مرتاحة بأن تبقى ما يدعوه ثاباتيرو ''قوة متوسطة''، أكثر استعداداً لأن تغمر ذاتها في أوروبا مشتركة، وليس ضمن بلدان قوية مثل ألمانيا، وفرنسا. ولكن كان للأزمة تأثير متزن بشكل واضح على البلدان الأوروبية الجنوبية التي تغذت لعدة سنوات على تدفق الائتمان رخيص الثمن من الشمال. ووجدت إسبانيا، على سبيل المثال، أن المحافظة على نظامها السياسي غير المركزي الذي يتكون من 17 منطقة مستقلة ذاتياً الذي تم إدخاله بشكل ديمقراطي بعد وفاة الدكتاتور فرانسيسكو فرانكو في عام 1975، باهظة الثمن.
يرغب ثاباتيرو – على نحو متأخر إلى حد ما بالنظر إلى أنه استحق على مناطق إسبانيا مبلغ 105 مليار دولار من الديون العامة، حوالي 15 في المائة من إجمالي الدين العام القومي – في التأكيد مجدداً على حقوق الوسط حينما يتعلق الأمر بالتصحيح المالي. ويسأل قائلاً: ''في نهاية اليوم، من هو المُحَاسب، ومن هو المسؤول. إنها الحكومة المركزية، أليس كذلك؟ ... ولا تستطيع أي حكومة مستقلة أن تصدر فعلياً ديوناً دون دعم، ودون سلطة الحكومة المركزية. وبالتالي فإن المفتاح بيدنا''.
حتى أن الحكومة سرقت اقتراحاً من الحزب الشعبي، حزب المعارضة اليميني، لمنع انتشار التنظيمات الإقليمية التي تثقل كاهل الشركات بالبيروقراطية. ولدى سؤاله حول هذه النقطة، يصرف ثاباتيرو النظر عن الحزب الشعبي، ويصفه بالنفاق، ويشير إلى أنه في حين يدعو قادة الحزب إلى تقييد صلاحيات الاستقلال الذاتي، إلا أنهم يطلبون في الوقت ذاته بالمزيد من الأموال لمناطق أو مدن تحت سيطرتهم. وبناءً عليه، فإن مدينة مدريد التي يديرها الحزب الشعبي تريد الحصول على المزيد من الديون لتضيف إلى عبئها الحالي منها، والبالغ سبعة مليارات يورو. ورفضت الحكومة المركزية ذلك.
إن الصعوبات التي جلبتها الأزمة، وتعثر ثاباتيرو المبدئي في إيجاد رد رسمي، قوضت شعبيته لدى الناخبين، ويبدو أنه تخلى عن أي طموح ربما كان لديه للحصول على ولاية ثالثة كرئيس وزراء خلال الانتخابات العامة المقبلة عام 2012. ويرفض القول ما إذا كان سيسلم زمام السلطة إلى ألفريدو بيريز روبالكابا، نائبه في رئاسة الوزراء، ووزير الداخلية، ولكنه يؤكد على أنه يخطط للبقاء في قصر مونكلوا حتى وقت الانتخابات.
ويقول ثاباتيرو في هذا السياق معلقاً:: ''أمامنا مرحلة مهمة من الوقت للموافقة على التشريعات، وتطبيق الإصلاحات. وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة إلى إسبانيا، وإلى أوروبا كذلك''. وحيث أن النمو ما زال سلبياً في عام 2010، ومن غير المحتمل أن يرتفع كثيراً إلى أعلى من 1 في المائة هذا العام، فمن الواضح أن ثاباتيرو مهتم بأن يترك لخلفه كقائد اشتراكي، البلاد وقد حققت، على الأقل شوطاً ما في طريق التعافي الاقتصادي.