أمــل الـفـقــراء
الدور التنموي والإنساني للمصرفية الإسلامية
وضعت الأزمة المالية العالمية المصرفية الإسلامية في الواجهة كحل ممكن لأزماتها الاقتصادية،حيث فرضت مشكلتي الفقر والبطالة نفسيهما بقوة على بساط البحث لدى أغلب دول العالم وخاصة العالم الإسلامي والعربي، غير أن كثيراً من الخبراء يؤكدون أن على المصرفية الإسلامية بكافة مؤسساتها إعادة النظر في طبيعة أعمالها لمحاربة الفقر والبطالة من خلال هياكل ومؤسسات جديدة توضح من خلالها حرصها على ممارسة دورها الإنساني والتنموي في إطار المسؤولية الاجتماعية وتطبيق مقاصد الشريعة خاصة أن الغالبية العظمى من الفقراء واللاجئين والعاطلين عن العمل في الدول الإسلامية
تعد مشكلتا الفقر والبطالة وما ينجر عنهما من أزمات اجتماعية متعددة الأبعاد على الصعيدين الأمني والاجتماعي من أبرز المشكلات التي تواجهها بلدان العالم، ولا سيما تلك التي تنتمي إلى مجموعة بلدان الجنوب. ومما لا شك فيه أن الفقر والبطالة ظاهرة قديمة ميزت كل المجتمعات البشرية لكنها اليوم تحولت إلى ظاهرة عامة ومشكلة خطيرة تواجهها كل الأقطار، ولا سيما الأقطار العربية والإسلامية التي تبدو مشلولة بأعداد متزايدة من العاطلين مما يهدد السلم الاجتماعي ويؤدي إلى جنوح المجتمع إلى التطرف وتوالي الأزمات الأمنية والاجتماعية.
وتميل أدبيات التنمية الجديدة إلى الأخذ بمفهوم الفقر البشري لكونه أكثر تعبيراً عن الأبعاد المتعددة لهذه الظاهرة من مجرد فقر الدخل. لكن هذا التقدم في المفاهيم لم يقابله تقدم مواز بالقدر نفسه من الأهمية في الاتفاق عالمياً على تصميم وسائل قياس للفقر البشري تغطي الأبعاد المتعددة التي تنتج عن هذا المفهوم، حيث لا يزال هذا العمل في بداياته، ويتميز في هذا المجال دليل الفقر البشري الذي طوره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي تعرض نتائجه في تقارير التنمية البشرية الصادرة عن البرنامج، وهو مصمم بالدرجة الأولى لأغراض المقارنات الدولية، فيما يمكن البحث في تصميم أدلة مكملة أو بديلة أكثر تفصيلاً وملائمة للخصائص الوطنية تصلح لقياس الفقر البشري على الصعيد الوطني.
ولكن على الرغم من أهمية ما تورده تلك التقارير عن عمق الأزمة في العالمين العربي والإسلامي، إلا أن ثمة بارقة أمل في الأفق تلوح لتغير واقع الحال، تتمثل في تخطي سطوة الرأسمال الغربي والعودة إلى مكونات الاقتصاد الإسلامي الذي يمكن أن يشكل المدخل الموضوعي لحل كثير من المشكلات التي تعترض المجتمعات الإسلامية. وفي هذا السياق يمكن الحديث عن التجارب الناجحة التي استطاعت أن تؤسس حلولا لتلك المشكلات؛ مثل التجارب الناجحة لكل من بنك جرامين في بنجلادش وكذلك بنك الأسرة السوداني والأسرة البحريني. وهذه النماذج تنظر إلى أفراد المجتمع على قاعدة تنمية الوعي الاجتماعي بمشكلات المجتمع، أي الإحساس الاجتماعي بالآخرين. وليس ذلك فحسب بل تسعى تلك النماذج إلى تحسين نوعية الإنسان ذاته عبر تغيير الأفكار والمفاهيم وبث روح الثقة بالنفس.
فلا بد من تغيير فكرة الناس عن الفقر بأنه مشكلة ليس لها حل، ولا بد للفقير أن يشارك في حل مشكلته ولا ينتظر مساعدات المحسنين فقط، وكل إنسان قادر على أن يدير عملا سواء كان فقيرا أو أميا أو امرأة، وهذا ما تقوم عليه فلسفة العمل المصرفي الإسلامي.
تحذيرات دولية من تزايد معدلات الفقر والبطالة
أطلق أخيرا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي النسخة الإقليمية من تقرير التنمية البشرية 2010 المعنون بـ «الثروة الحقيقية للأمم .. مسارات إلى التنمية البشرية». واعتبرت الممثلة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دولة الإمارات الدكتورة أليسار سروع، أن الظاهرة المقلقة التي رصدها التقرير هذا العام هي تزايد معدلات الفقر في العالم العربي، حيث يبلغ تعداد من يعيشون تحت خط الفقر نحو 6.8 مليون، وأن أكثر من 39 مليون عربي لا يزيد دخلهم اليومي على 1.25 دولار.
ولفت التقرير إلى أن البرنامج اعتمد آلية جديدة لرصد معدلات الفقر متعدد الأبعاد، مشيرا إلى أن المعدلات الجديدة لا يتم احتسابها وفق الدخل مثلما يفعل البنك الدولي، بل تقوم على ثلاثة أبعاد ترصد مستوى المعيشة والتعليم والصحة. وخلصت التقارير إلى أن المنطقة العربية ما زالت بحاجة إلى مجهودات ضخمة لتحسين مستويات سكانها المعيشية، خاصة أن البطالة تمثل عائقا كبيرا يؤرق هذه الدول، وتتزايد معدلات انتشارها بين فئة الشباب التي تشكل 55 في المئة من سكان الوطن العربي.
ووفقا لتقرير التنمية البشرية 2010، فإن البلدان العربية تشهد تباينا كبيرا في معدل انتشار الفقر متعدد الأبعاد الذي لا تزيد نسبته في العالم العربي على 7 في المئة، ويصل في الإمارات إلى أقل من 1 في المئة، بينما يصل في الصومال إلى 81 في المئة.
وجاءت الإمارات في المرتبة الأولى عربيا في التنمية البشرية لعام 2010، واحتلت المرتبة 32 عالميا من بين 169 دولة، وتلتها قطر في المرتبة 38، ثم البحرين في المرتبة 39، والكويت في المرتبة 47، والسعودية في المرتبة 55، بينما جاءت مصر في المرتبة 101، وسوريا في المرتبة 111، والسودان في المرتبة 154. وحافظت النرويج على تبوؤ المرتبة الأولى في التنمية البشرية عالميا، تلتها أستراليا في المرتبة الثانية، ثم نيوزيلندا في المرتبة الثالثة، والولايات المتحدة في المرتبة الرابعة، ثم إيرلندا في الخامسة، وجاءت ليختنشتاين في المرتبة السادسة، تليها هولندا في المرتبة السابعة، وكندا في المرتبة الثامنة، والسويد في المرتبة التاسعة، وألمانيا في المرتبة العاشرة.
من جهته رأى مستشار السياسات الأول في مكتب تقرير التنمية البشرية بالأمم المتحدة فرانسيسكو رودريغز أن خمس دول عربية (عُمان والسعودية وتونس والجزائر والمغرب) جاءت ضمن قائمة أكثر عشر دول في العالم تحقيقا لإنجازات كبرى في التنمية البشرية خلال الفترة من 1970 إلى 2010. وأكد أنه على الرغم من التقدم الملموس الذي حققته بعض الأقطار العربية، فإن العالم العربي جميعه يواجه تحديات كبيرة أهمها تزايد الفقر والتسرب من التعليم، إضافة إلى عدم توافر الحريات.
والنقطة الجوهرية الجديدة في تقرير التنمية البشرية 2010 هي عدم الربط بين التقدم في التنمية البشرية ودخل الفرد أو الناتج الإجمالي للدولة، مشيرا إلى أن الدخل ليس مهما بل لا بد من توافر الإرادة السياسية للدول، والتزامها الأكيد بتحقيق أفضل ما لديها من سبل المعيشة والتعليم والصحة لشعوبها.
الأسباب الكامنة وراء تفشي ظاهرة الفقر والبطالة
تتعدد الأسباب المفسرة لتنامي ظاهرتي الفقر والبطالة بشكل حاد، وهي أسباب تتردد كثيرا في التقارير الحكومية ودراسات الخبراء المعنيين بقضية التشغيل، وكثيرا ما تم حصرها في:
• النمو السكاني الذي يحدث بنسق أسرع من النمو الاقتصادي.
• الانتشار الواسع للتكنولوجيات الحديثة في عملية الإنتاج.
• تراجع دور القطاع العام في التشغيل، مع تنامي تحرير الاقتصادات، وربطها بالسوق العالمية، وهو قطاع يشكو ضعفا في الإنتاجية، وغير مؤهل لاستيعاب طالبي الشغل. ضعف القطاع الخاص الآخذ في التوسع منذ التسعينيات وعجزه عن استيعاب طالبي العمل.
• طبيعة التعليم في المنطقة العربية والإسلامية، الذي تغلب عليه التخصصات الموجهة للعمل في القطاع العام، وهو ما جعل خريجيه عاجزين عن العمل في سوق آخذة في التبدل نحو الخوصصة، ومستقطبة لأصحاب المهارات.
إن تبني الرأسمالية نموذجا تنمويا، سواء عن اقتناع أو تحت تأثير الضغوط، لا يمكن بأية حال أن يؤدي إلى الرفاه للجميع في المنطقة، ولا يمكن أن يحل المشكلات القائمة، بل سيؤدي إلى تعميقها، وهو الأمر الذي نلمسه من خلال الواقع المعيش، ومن خلال تقارير الخبراء المستقبلية عن البطالة في العالم العربي والإسلامي.
فطبيعة النظام الرأسمالي القائمة على مبادئ حرية السوق، وتقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية، ليقتصر دورها على التشريع، وحفظ الأمن، لن تفضي إلا إلى مزيد من تدهور الأوضاع، فهذا النظام القائم على التوسع اللامحدود، وعلى الاستغلال الفاحش للعمال والشعوب، لتحقيق أكثر ما يمكن من ربح، فالمؤسسات الأجنبية العملاقة تضغط لفتح الأسواق أمامها، سواء لتصريف سلعها، أو لاستثمار أموالها، أو للسيطرة على مصادر المواد الأولية الضرورية لاستمرار أنشطتها، بل إنها اليوم تنتشر في البلاد العربية، وفي غيرها من البلاد، بشكل لم يسبق له مثيل، مستحوذة بشكل تدريجي على عديد من المدخرات الوطنية، ومستغلة للشغالين، وملقية بأعداد هائلة منهم لسوق العاطلين، بعد أن عوضتهم بتكنولوجياتها المتطورة.
ويتحول المجتمع بذلك إلى ممثلين لمصالح الرأسمال الأجنبي، حريصين على خدمته، على حساب الفئات المحرومة، بل إن رأس المال العربي تأثر بهذه المنظومة، فأصبح الربح هو همهم الوحيد، دون مراعاة البعد الاجتماعي والديني والأخلاقي الذي يحكم بنية المجتمع الإسلامي. إن التحدي الذي تطرحه ظاهرتا الفقر والبطالة يستدعي سياسات فاعلة، تتجاوز ما اتخذته الحكومات من إجراءات، لم تظهر لحد الآن فاعليتها في القضاء على البطالة وآثارها السلبية. وخطورة هذا التحدي تستدعي تضافر الجهود، وإشراك كل الأطراف المعنية والمؤثرة في المجتمع لصياغة الحلول الملائمة. من هنا تبدو الحاجة ملحة لبروز نظام اقتصادي جديد يستطيع أن يعالج المشكلات المطروحة ويضع حلولا تسهم في حل جذور تلك الأزمة. ومن هذا المنطلق يمكن الحديث عن التجارب الإسلامية الناجحة والرائدة في هذا السياق التي قدمت حلولا استطاعت بها أن تحل جزءا من المشكلة مثل تجارب بنك الأسرة السوداني وبنك الأسرة البحريني وبنك جرامين في بنجلاديش.