إحتجاجات عراقيّة غير مسبوقة على صفحات التواصل الإلكترونيّة
دعوات إلى ثورة خضراء لتأمين الغذاء والخدمات ومكافحة الفساد
أسامة مهدي من لندن
في نشاط غير مسبوق يشهده العراق لمدونين على صفحات المواقع الالكترونية والفايسبوك، فقد دعا ناشطون شباب الى يوم غضب وثورة خضراء لما يقولون انه احتجاج على سوء الاوضاع السياسية والخدمية والاجتماعية في البلاد التي تشهد في المقابل اجراءات رسمية عاجلة، لترضية المواطنين عبر اجراءات اقتصادية، وفي مقدمتها تخفيض رواتب كبار المسؤولين والوزراء والنواب ومكافحة البطالة وتأمين مفردات البطاقة التموينية التي تشهد غياب عدد منها بالترافق مع غلاء في الاسعار.
استحدث مدونون موقعًا الكترونيًا اطلقوا عليه "العراق يرى" وقال المشروفون على الموقع في رسالة الى "ايلاف".."ساعدوني وساعدونا بتحرير عراقنا العزيز الحبيب المجروح وسجلوا كل خبر وتفاصيل أي فعالية تحصل من قبل الشعب في أي منطقة في الوطن مع الصور ان أمكن الشعوب العربية – تونس و مصر مثلاً – تتكلم وتعمل، فهل من الممكن أن يبقى أبناء الشعب العراقي صامتين؟.. ساعدونا".
كما أطلق عدد من الشابات والشبان العراقيين موقعًا ألكترونيًا إختاروا له عنوان "تجمع شابات وشباب العراق" لنشر أخبار التظاهرات التي تجري في العراق. ووجه مدير تحرير الموقع الذي لم يذكر اسمه دعوة الى شباب العراق تسلمتها "ايلاف" لإرسال الأخبار والصور الفوتوغرافية ولقطات الفيديو المصورة لنشرها ضمن الموقع. ودعا القائمون على الموقع إلى توزيع محتوياته والتعريف به من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك وتويتر.
كما وجه مدونون دعوات إلى تظاهرة احتجاج ثانية في شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية يوم الجمعة المقبل ستكون الثانية بعد تظاهرة الجمعة الماضي. ووجه منظمو الاحتجاج رسالة عبر صفحات فايسبوك والمواقع الالكترونية نداء الى العراقيين قالوا فيه "ايها العراقيون الاحرار.. ايها الوطنيون العراقيون.. ايها التقدميون العراقيون يامن عانيتم من البؤس والاضطهاد ومن التهميش والاقصاء لقد آن الاوان لكي تنتفضوا وتزيلوا غبار الخوف والترقب وتنتصروا لانسانيتكم ووجودكم وحريتكم". واضافوا "انكم اليوم امام امتحان كبير فإما ان ترتقوا الى مستوى الشعوب الحرة التي انتفضت على الدكتاتورية والتخلف، وإما ان تبقوا اسرى ومنظري القرون الوسطى و لصوص وسارقي قوتكم اليومي".
وقالوا "يامن عانيتم عبر العقود الماضية من البؤس والجوع والتشرد آن لكم ان تثقوا بأن الشعوب الحرة هي الشعوب القادرة على تحقيق ارادتها وهزيمة اعدائها من الانتهازين والمتكبرين ووعاظ السلاطين واتباعهم لقد فلسفوا لنا الجوع وفلسفوا لنا الخراب وقالوا لنا ان الجنة للفقراء والجياع فلنقل لهم بصوت هادر ان الجوع سيخلق الثورة وسيهدر بالطوفان الذي سيغرقكم جميعا ايها الحكام فنحن العراقيون قادمون كسيل عارم لنكتسح عروشكم وكراسيكم الخاوية.. فهلموا معنا ايها العراقيون الشرفاء نحن المحامون والحقوقيون الذين الينا على انفسنا ان ننتصر لكم فتعالوا معنا الى التظاهرة الشعبية التي ستنطلق في شارع المتنبي يوم الجمعة الحادي عشر من الشهر الحالي".
الانتفاضة العراقية الخضراء
وبالترافق مع هذه النشاطات، اطلق مدونون اخرون حملة على الفايسبوك اطلقوا عليها "الانتفاضة العراقية الخضراء ". ووجه القائمون على الحملة نداء قالوا فيه "باسم الملايين من العراقيين المخلصين ندعو كل الاخوات والاخوة العراقيين للمساهمة ودعم هذه الحركة المدنية من اجل توحيد الاصوات والمطالبة بالخدمات والحقوق للشعب العراقي واصلاح الاوضاع المعيشية للعراقيين. فقد انتظر العراقيون اكثر من ثماني سنوات من الظلم والاستبداد والفساد.. ندعوكم للتواصل على موقع الانتفاضة العراقية الخضراء على موقع الفايسبوك على شبكة الانترنيت يوميا وعلى مدار الساعة للتواصل وتحشيد الاصوات والمطالبة من اجل الحقوق المدنية والكهرباء والخدمات". واضافوا قائلين "لا يخفى على احد من العراقيين سوء الوضع الحالي الذي يعيشه الشعب العراقي في ظل حكومة متدنية المستوى من حيث الشكل والمضمون والاداء فقد بات الوضع سيئا للغاية بسبب انعدام الكفاءات والخبرات واناطة المسؤوليات لأشخاص لا يملكون المقدرة على خدمة العراقيين واصبحت الحال من سيئ الى اسوأ واصبحت المحسوبية والحزبية والمناطقية والفئوية الضيقة جدا تسيطر على زمام الامر".
واشاروا الى ان الامر وصل بالمواطن العراقي المغلوب على امره والممتحن بمصيره ومصير اطفاله غير قادر على شيء بسبب الفساد الاداري وتسلط الفاسدين الذين انعدمت فيهم الارادة الوطنية. في زمن تتقدم فية الشعوب في العالم، ونحن نرجع الى الوراء يوميًّا فلا كهرباء ولا مدارس لأطفال العراق ولا ماء ولا خدمات ولا طرق صالحة. والبطالة اصبحت تسود المجتمع، فنصف المجتمع عاطل عن العمل والنصف الاخر لديه بطالة مقنعة. يحدث هذا امام انظار العالم اجمع، والاحزاب السياسية والمسؤولون يعيشون عيشة مترفة رغيدة وينظر اليهم العراقي المحروم ويتلوى جوعًا وألمًا. اما الخدمات الصحية والمستشفيات فقد وصلت الى حالة يرثى لها، فانعدام اللقاحات الطبية للاطفال المولودين اصبحت معلومة للقاصي والداني ولااحد من الحكومة يتكلم لحل المشكلة وغياب الادوية واستيراد الفاسد والتالف منها اصبحت متكررة ولم نسمع بشخص يحاسب ولم يعاقب اخر على هذه المشكلة التي تهدد حياة الانسان العراقي وعندما يتكلم العراقيون ويطالبوا بحقوقهم يتم قمعهم بواسطة الامن والشرطة ويتم فتح النار عليهم وقتلهم كما حدث مؤخرا في قضاء الحمزة في الديوانية وفي منطقة الحسينية في بغداد".
واضافوا "ن انعدام الحريات المدنية ومصادرة حقوق الشعب والاستئثار بالسلطة والاتجاه نحو الشمولية واقصاء الكفوئين.. وجب على العراقيين جميعًا الكلام والمطالبة ورفع اصواتهم عاليًا قبل فوات الاوان. ان من حق العراقيين ان تكون في منازلهم كهرباء وماء ومجاري وكذلك لابد لهم ان تكون لديهم مستشفى صحي وحضاري كسائر بني البشر وان من مسؤولية الحكومة العراقية ان تحمي وتوفر الامن لمواطنيها وتوفير حياة امنة والحفاظ على كرامة الانسان وتوفير لقمة العيش الكريم.ان من واجب الحكومة احتضان واعادة الذين خرجوا من العراق بسبب احداث العنف الطائفي وعدم خسارة الكفاءات لانهم ثروة وطنية يحتاجها العراق". وتوجه القائمون على الحملة بنداء الى "كل العراقيين المخلصين من اجل التواصل على شبكة الانترنت على موقع فايسبوك يوميا".
نداءات للمشاركة بيوم غضب
وتوجه مواقع إلكترونية عراقية عديدة ومواقع الفايسبوك وتويتر حاليًّا نداءات عديدة الى المواطنين "العاطلين عن العمل والمثقفين والمسحوقين وخريجي الجامعات العراقية والعالمية الذين تحولوا الى ربّات بيوت وملايين العاطلين عن العمل وملايين الأرامل والأيتام الى الخروج في تظاهرات عارمة يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر الحالي في ساحة التحرير وسط بغداد".
وقال احد النداءات لهذه التظاهرة " ألا يكفينا صمتًا.. ألا يكفينا صبرًا.. ألا تعلمون أننا كالبعير الذي يحمل ذهبًا ويأكل عاقولًا.. ألاتعلمون أننا نحمل على ظهورنا حوالي 100 ملياردولار سنويًا من واردات النفط والتجارة والسياحة..ولا زلنا نأكل البصل ان وِجِد..
الموت لديمقراطية تحوّل السوء الى أسوأ.. الموت لديمقراطية تجعل الناس غرباء في وطنهم وتُزيد الغرباء غربةً.. الموت لديمقراطية تدعو لعبادة الكرسي.. الموت لديمقراطية الأغتيالات بكاتم الصوت.. الموت لديمقراطية أغتالت أرقى العلماء والخبراء والأساتذة لإزاحتهم عن مناصبهم ليحل محلهم الجهلة.. الموت لديمقراطية الجدار العازل السرطاني الذي مزّق جسد حبيبتي بغداد".
كما وجهت المدونون نداءات الى قوات الجيش والشرطة بأن يكونوا حماة للوطن والشعب وأن تقف "كوقفة أخوتها في تونس ومصر فلسنا في عصر الغوغاء والأسلحة القاتلة بل في عصر القلم والكلمة الناطقة بالحق من أجل الفقراء.. وثورة الغضب العراقي هي من أجل التغيير والحرية والديمقراطية الصادقة" كما قالوا.
اجراءات حكومية لتطويق الاحتجاجات
وتأتي هذه الحملة لتنظيم احتجاجات وتظاهرات بعد ثلاثة ايام من حملات مشابهة شهدتها مدن بغداد والموصل والبصرة والرمادي والديوانية لللمطالبة بمكافجة الفساد والبطالة والدعوة لتأمين الاغذية والخدمات.
واثر ذلك سارع رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس النواب الى الاعلان عن تخفيض مرتباتهم العالية فيما يتجه النواب الى اجراء مماثل يشمل جميع اعضائه. وأكدت الرئاسة العراقية ان لجنة خاصة مؤلفة من ممثلي الرئاسات الثلاث للجمهورية والحكومة ومجلس النواب تعكف حاليًا على إعادة النظر في الرواتب والمخصصات التي يتقاضاها قادة الدولة والمنتسبون إلى الدوائر الرئاسية.
وأشارت الى ان الرئيس العراقي قد وجه بأن يكون هو شخصيًا في مقدمة من تخفض رواتبهم مقترحًا ان يشمل التخفيض جميع منتسبي رئاسة الجمهورية إضافة إلى وضع المقترحات المتعلقة بخفض رواتب الوزراء والنواب وذوي الدرجات الخاصة. وأكد طالباني ان المبالغ المستقطعة يجب ان تساهم في تحسين أوضاع الفقراء وذوي الدخل المحدود مشيرًا الى ان "مثل هذا الإجراء سيكون في سياق ضمان العدالة الإجتماعية التي هي أحد الأهداف السامية التي كرس الرئيس جلال طالباني حياته السياسية للكفاح في سبيل تحقيقها" على حد قول الرئاسة العراقية.
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد أعلن الجمعة الماضي عن تنازله عن نصف راتبه الشهري لصالح خزينة الدولة. وليست هناك ارقام رسمية عن رواتب رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس الحكومة نوري المالكي ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي لكن سياسيين يقولون انها تتراوح بين 360 الف دولار و700 الف دولار سنويًا.
وكان المالكي قد توقع الاحد الماضي خروج تظاهرات احتجاج في بلده داعيًا إلى التعامل معها بحكمة ومعلنًا عن توزيع 15 ألف دينار عراقي (15 دولارًا) شهريًّا على كل مواطن عراقي (30 مليون نسمة)، لسد النقص في مواد الحصة التموينية التي يعتمد عليها العراقيون بشكل أساس في توفير أغذيتهم اليومية. كما تم الاعلان عن قرب اطلاق 288 الف وظيفة بعد الموافقة على موازنة العام الحالي التي يناقشها مجلس النواب حاليًّا تمهيدًا للمصادقة عليها حيث بلغت 90 مليار دولار.
كما أعلن وزير المالية العراقي رافع العيساوي أمس تخصيص 500 مليار دينار نقدًا (حوالى نصف مليار دولار) توزع على المواطنين بدلًا من المواد التي لم تصرف لهم ضمن مفردات البطاقة التموينية. وقال خلال مؤتمر صحافي في بغداد إنه خصصت أيضًا 21 مليار دينار عن مستحقات الفلاحين عن محصول الشعير للعام الماضي.
وأوضح أن وزارة المالية وبعد مصادقة مجلس الوزراء ستصرف أكثر من 3 آلاف مليار دينار لوزارة التجارة قسمت إلى التزامات سابقة وجديدة، وستوزع على المواطنين 15 ألف دينار لكل فرد على آليات تحددها وزارة التجارة. وأوضح أنه تقرر منح المحافظات التي لا يوجد لديها إنتاج نفطي بتوفير الموازنة الناتجة من زيادة الإنتاج أو الأسعار. وأكد أنه سيتم توزيع آخر لكل مواطن للمحافظات وفق الكثافة السكانية حتى تعوّض تلك المحافظات التي لا تمتلك منافذ حدودية. يذكر أن الدولار يساوي 1100 دينار عراقي.
وبالتزامن مع ذلك فقد خصص مجلس النواب العراقي امس جلسته لمناقشة النقص في المواد الغذائية وارتفاع أسعار بعضها وخصوصًا مادة الطحين. وحذر النواب من خطورة استمرار هذه الحالة على حياة المواطنين وإتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأمر. وقرر استجواب وزير التجارة وكالة نائب رئيس الوزراء روز نوري شاويس حول الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وقد حذر نواب من ضرورة معالجة الأمر بأسرع وقت ومن نقص مواد البطاقة التموينية بشكل يؤدي الى انفجار شعبي في البلاد، كما حدث في تونس ومصر مذكرين بأن معظم ثورات الشعوب على مدى التاريخ كان سببها النقص في الخبز.
وفي الختام وافق مجلس النواب بالإجماع على توفير مفردات البطاقة التموينية بصورة كاملة للمواطنين. كما تقرر تشكيل لجان تحقيقية للنظر في العقود السابقة والتلكؤ في توفير المواد الغذائية للمواطنين وزيادة التخصيصات المالية للبطاقة التموينية حسب دراسة واقعية تقدمها وزارة التجارة بناء على طلب من البرلمان.
وتأتي هذه النقاشات في وقت ارتفعت أسعار الدقيق (الطحين) في البلاد إلى ثلاثة أضعاف على مدى الشهرين الأخيرين بفعل نقص في واردات القمح مما يهدد بدفع أسعار الغذاء للصعود. علمًا أن العراق من أكبر مستوردي القمح في العالم وينفق جزءًا كبيرًا من الميزانية على برنامج بطاقات التموين، الذي يمد 60 % من العراقيين بالأغذية الأساسية. وقال تجار إن الأسعار ارتفعت في ظل عجز المسؤولين عن توفير الدقيق.