سلوك المغاربة.. انفلات أخلاقي
رمي الأزبال في الأماكن العمومية هواية عند بعضهم و"الكلاكسون" وسيلتهم المفضلة للتعبير
يمكن تعريف السلوك بأنه النشاط الذي يعبر عنه الفرد في علاقاته بمن حوله، وذلك من خلال وعيه بواجباته وحقوقه، وقناعته التامة بضرورة الالتزام بتلك الواجبات، والعيش معززا مكرما في ظل الحقوق التي يتمتع بها داخل مجتمعه. والسلوك المتحضر، إن دل على شيء، فهو يدل على مدى تقدم أو تخلف الشخص الذي يقوم به، وبالتالي البيئة والمجتمع اللذين ينتمي إليهما. ففي الدول المتقدمة، يعتبر القيام بسلوك غير متحضر بمثابة خرق قانوني يستلزم عقوبة حسب نوعية ومدى حجم الضرر الذي سببه هذا السلوك للغير، لذا تجد المواطنين في الدول المحترمة، حريصون على الالتزام بالسلوك المتحضر، ليس خوفا من العقاب، بل نتيجة وعي وثقافة عنصرها الأساسي والأهم هو الضمير، الوحيد الذي يملك السلطة الأولى على الفرد داخل المجتمع. وبما أن بلدنا المغرب، "أجمل بلد في العالم"، ما يزال بطيئا في سيره نحو النمو، ويجوز بالتالي تصنيفه ضمن البلدان المتخلفة، فلا شك أن مسألة السلوك المتحضر تطرح نفسها بإلحاح في هذا السياق، وتستلزم منا الالتفات إلى بعض مظاهر سوء التربية وانعدام التحضر في سلوكات المغاربة اليومية، والتي تصل أحيانا حد الهمجية.
"زبالة... المغاربة"
يعشق بعض المغاربة هواية رمي الأزبال في الأماكن العامة عشقا أبديا وصل إلى درجة التفنن في ممارستها. فمنهم من يحب إلقاءها (الأزبال) من نافذة سيارته (لا فرق هنا بين السيارات الفارهة أو غيرها، فالكل سواسسية في هذه المسألة بالذات)، ومنهم من يفضل رميها من شرفة منزله إلى الشارع، دون أن يكلف نفسه عناء النزول، (وهنا أيضا لا فرق بين الإقامات الأنيقة وسط المدينة وبين الأحياء الشعبية)، في الوقت الذي تجد فيه فئة أخرى استمتاعا كبيرا في قذفها في البحر أو على الشاطئ أو في غابة...، دون أدنى شعور بالخجل من تشويه المكان.
والعجيب في الأمر، أن هؤلاء يصرون على ممارسة هوايتهم المفضلة تلك، ولو مع وجود صناديق مخصصة للقمامة في جل الأماكن العامة التي يرتادونها، فيتركون الصناديق ويرمون فضلاتهم بالقرب منها، وكأن أعينهم لا تراها.
"الكلاكسون" ... عادة يومية
يقود المغاربة سياراتهم بطريقة خاصة لا يتقنها سواهم، وكأنهم يجلسون أمام المقود، تتملكهم قوى شريرة وخارقة تمكنهم من تفريغ جميع عقدهم ومكبوتاتهم على الخلق. يخالون أنفسهم في حلبة سباق، فيزاحمون بعضهم البعض ولا يفسحون المجال لبعضهم من أجل المرور، ولا يسمحون للآخرين بتجاوزهم (قانونيا)، في تحد مجنون لقوانين السير وقواعد اللياقة والأدب. أما من "يحرك" الضوء الأحمر، فيحسب نفسه الأكثر ذكاء و "فهلوة" من باقي السائقين. في حين يعتبر "الكلاكسون" عادة يومية جماعية يثابر المغاربة على ممارستها في كل لحظة وحين، فيطلقون المنبهات في كل حدب وصوب، دون وجود خطر يستدعي منهم ذلك، وكأن الحل الوحيد لأزمة السير الخانقة ولجميع مشاكل التنقل، هو "الكلاكسون". بل إنهم يستعملونه وسيلة للتواصل بينهم، إذ لا يتوانى أحدهم عن إطلاق منبه سيارته في ساعات متأخرة من الليل، إيذانا بقدومه، فإن لم تتم الاستجابة له، أقام احتفالية "كلاكسونية" كبرى يستيقظ فيها النائمون والمرضى وحتى الأموات من سكان المنطقة، لا يوقفها إلا مقدم الشخص الذي ينتظره. المغاربة يعبرون ب"الكلاكسون" عن غضبهم ونفاذ صبرهم مثلما يعبرون من خلاله عن فرحتهم (عرس، حج، انتصار في مباراة كرة قدم...).
الباقي... أهول
لو أردنا رصد جميع مظاهر التخلف وقلة الأدب والسلوكات غير المتحضرة لدى المغاربة، لاحتجنا إلى كتب ومجلدات من أجل ذلك. فنحن شعب يتقن الرطن بمختلف اللغات، ويجيد استعمال التكنولوجيا ويقتني آخر صيحات الهواتف والحواسيب المحمولة... لكنه، مع ذلك كله، لا يعرف كيف يتمشى في الشارع. المغاربة شعب "يتخارك"، أي يدخل بعضه في بعض، أو "يتساطح" بمعنى أصح. المغاربة لا يحبون انتظار دورهم في المصالح العمومية أو في القطارات أو الحافلات... لا يحبون تضييع وقتهم في الانتظار ويحبون قضاء مصلحتهم بأقصى السرعة الممكنة مع أن "المخير فيهم" لا يجد ما يفعله سوى الجلوس في رصيف أحد المقاهي والبصبصة و"التبركيك" في "الغادي والجاي"... لا يخجل المغربي من ركوب سيارة أجرة كنت سباقا إلى إيقافها، أو في مشاركتك الجريدة التي تطالع صفحاتها، كما لا يخجل من وضع أشيائه وحقائبه في المقعد الفارغ المجاور له في مقصورة قطار مزدحم، لا يجد المسافرون فيه مكانا يجلسون فيه. وحين يدخل قاعة للعرض السينمائي والمسرحي، لا يجد حرجا في الحديث عبر هاتفه المحمول أو في الدردشة مع رفيقه (ته)، ويأخذ راحته في الضحك ملء شدقيه، غير مبال بأولئك الذين دفعوا تذكرتهم من أجل الاستمتاع بعمل سينمائي أو مسرحي أو موسيقي... و"زيد وزيد" من مظاهر التخلف التي تدل على أن الأنانية وقلة التربية والذوق أساس السلوك والتعامل اليومي للمغاربة فيما بينهم، لا فرق في ذلك بين غني وفقير، وزير أو غفير، متعلم أو أمي، رجل أو امرأة... كلهم سواسية أمام انعدام الوعي والجهل بثقافة العيش المشترك.
المصدر: جريدة الصباح