ثورة الشباب العربي الغاضب أسقطت حاكمين فمن القادم؟
لم تكن تونس إلا بداية "ثورة" لا تعرف الحدود ولا تحترم السيادة، ولن تكون مصر نهاية لهذا الفصل الجديد من تاريخ المنطقة العربية. فعندما احترق محمد البوعزيزي في سيدي بوزيد، زلزلت الأرض تحت أقدام مجموع الحاكم والزعماء العرب. وعندما هدأت نسبيا ثورة "الياسمين" في تونس، كانت بذور "ثورات" أخرى تطل برأسها تحت كراسي حكم أخرى في مصر والجزائر والسودان واليمن والأردن... وعندما كان ميدان التحرير في القاهرة يشهد مسيرته المليونية كانت شوارع صنعاء وعمان والخرطوم ودمشق على موعد مع أيام غضب شعبي حددت بداياتها لكن احدا لا يستطيع ان يتكهن بنهاياتها.
فهل استيقظت الشعوب العربية بعد سباتها الطويل الذي بدأ بعيد حصولها على "استقلال" مسيج بالاتفاقيات الاقتصادية والسياسية التي تحفظ مصالح القوى الغربية؟ وهل ان الألوان للحديث عن ثورة عربية" طالما حلم بها فطاحلة القومية والوحدة وتلاميذ الناصرية والبعثية الذين باتوا يحسبون في عداد التراث الثقافي والفكري لشعوب المنطقة؟
احترق محمد البوعزيزي في سيدي بوزيد، فزلزلت الأرض تحت أقدام مجموع الحكام والزعماء العرب. مات البوعزيزي في تونس، فتهاوى نظام دكتاتوري تونس بفعل قوة الأمواج الجارفة للمتظاهرين التونسيين، وتصدعت أسقف وجدران جل الإقامات الفخمة لزملاء الديكتاتورية. وبينما كانت ثلاثة أسابيع من ممارسة التونسيين لما ظل محرما عليهم لعقود، أي التظاهر والإحتجاج ، كافية لإسقاط وإرهاب زين العابدين بنعلي، ودفعه إلى الهروب والبحث عن ملجأ أمن، كان أسبوعان من الترقيب كافيان لحشد عزيمة أكبر شعب عربي من حيث تعداد السكان، وأكثرهم مراكمة للتاريخ السياسي الحافل، خاصة في القرنين الماضيين، هو الشعب المصري.
وفي انتظار خروج الفراعنة من منازلهم للوقوف في ميدان التحرير والمطالبة برحيل "الرئيس"، كانت شوارع الجزائر العاصمة قد اكتوت بنار الثورة التي انطلقت شرارتها من تونس الخضراء ، وازدحمت شوارع العاصمة الأردنية عمان بالمتظاهرين المطالبين برحيل الحكومة والإصلاح السياسي، وغصت شوارع صنعاء اليمنية بالغاضبين من استعداد رئيسهم علي عبد الله صالح لتخليد نفسه في منصب الرئاسة بل واحتمال ثوريته الحكم لأحد أبنائه، فيما اقشعرت أبدان جل الحكام الكاتمين على أنفاس باقي شعوب الدول العربية من المحيط إلى الخليج، وخيط ناظم واحد جمع بين هذه التحركات المتشابهة والمتزامنة، هو انطلاقها من وضع اجتماعي متأجج وناقم على تدهور الأوضاع المعيشية واستفحال الفساد السياسي والريع الاقتصادي... ثم بروز الشعارات السياسية الثورية بمجرد النزول إلى الشارع، والمطالبة برموز النظام مخلوعة ومحاكمة بعد نفاذ صير هذه الشعوب.
فهل استيقظت الشعوب العربية بعد سباتها الطويل الذي بدأ بعيد حصولها على "استقلال" مسيج بالاتفاقيات الاقتصادية والسياسية التي تحفظ مصالح القوى الغربية؟ وهل آن الأوان للحديث عن "ثورة عربية" طالما حلم بها فطاحلة القومية والوحدة وتلاميذ الناصرية والبعثية الذين باتو يحسبون في عداد التراث الثقافي والفكري لشعوب المنطقة؟ هل دبت الحياة أخيرا في حاسة استنشاق هواء الحرية والالتحاق برداء المواطنة الكاملة وممارسة السيادة على الثروات والقرارات والاختيارات؟ أم إنها مجرد فورة غضب فجرتها دغدغة تسريبات موقع وكيليكس حول فضائح الحكام والأنظمة العربية وفسادهم؟
تونس مجرد بداية
بات من البديهي ان ثورة "الياسمين" لن تعترف بالحدود الضيقة لدولة تونس الصغيرة من حيث المساحة، وأن بذور "الياسمين" قد تناثرت في مجموع المنطقة وبدأت في إنبات ورودها الثورية الحمراء. وأول من تأكد من وقوع ذلك هم الحكام والأنظمة العربية بمختلف أشكالها وخصوصياتها. حيث "رفعت الأنظمة العربية فورا من وتيرة القمع وتأطير المعارضة. وفي الوقت نفسه، اتجهت إلى إعطاء ضمانات للمجتمع بإعلان إجراءات خفض أسعار الموارد الغذائية الأساسية "تقول بسمة قدماني، مديرة المبادرة العربية للإصلاح، والتي أكدت أن ذلك يعتبر المبرر الدائم لاستبدادية هذه الأنظمة، "الضرورة الاجتماعية تجعل من الدمقرطة مطلبا غير مستعجل. وفي كل مرة، وباسم هذه الضروريات التعليمية والغذائية والسكن، تلتمس مساعدة ودعم المنظمات الدولية الكبرى مثب البنك العالمي. وإذا قبلت هذه الأنظمة بإصلاح نفسها ووقف سباقها المجنون في اتجاه الليبرالية، فيمكن أن تبقى في الحكم، لنقل ما بين خمس وعشر سنوات".
فيما ذهب المفكر العربي المقيم في فرنسا، برهان غليون، إلى أنه "وبغض النظر عن الاتجاه الذي ستأخذه خلال الأيام والأسابيع القادمة، كتبت الانتفاضة الشعبية في تونس، الفصل الأول من تاريخ العرب الجديد، تاريخ الحداثة السياسية التي لم يعرفوها من قبل، رغم مرور أكثر من قرن ونصف على دخولهم التاريخ الحديث". وأوضح غليون ذلك بقوله إن العرب حققوا نهضة فكرية وثقافية لا شك فيها منذ القرن الماضي، وخاصوا حروب تحرر وطني عنيدة، ولا يزالون يخوضون بعضها في فلسطين وغيرها، وبنوا دولا أو بالأحرى هياكل حديثة لا تزال واقفة على أقدامها رغم ما تعرضت له من هزات عنيفة داخلية وخارجية، وشرعوا في تحولات زراعية وصناعية وعلمية لا تختلف كثيرا عما قامت به الأمم الأخرى... "لكنهم أخفقوا، مجتمعين وكل على حدة، في بناء أمة حديثة، أي جماعة سياسية متحدة، متفاعلة ومتضامنة، يرتبط أعضاؤها برباط المواطنة، وتجمع بينهم إرادة العيش المشترك وتأكيد الكرامة الإنسانية التي لا تستقيم اليوم من غير مساواة حقيقية، وضمان للحريات الفكرية والسياسية التي هي قاعدة المشاركة في الجماعة الوطنية والشعور بالمسؤولية وممارسة حقوق المواطنة، والطموح إلى مشاركة فعالة وإيجابية بحضارة العصر وقيمة الإنسانية". والسبب الأول لذلك الإخفاق في رأي برهان غليون، هو مصادرة "السلطة الاستبدادية" لبراعم الحداثة السياسية التي لا تعني شيئا اخر سوى تحرر الشعب من الوصايات الخارجية، سواء كانت دينية أم سياسية أم ثقافية، وتحقيق سيادته الفعلية، أي حق كل فرد من أفراد الجماعة الوطنية في أن يفكر بنفسه ويشارك، على قدم المساواة ودون إكراه من أي نوع كان، في تقرير شؤونه والشأم والمصير العامين.
وفيما كان الذهول يخيم على شعوب وحكام المنطقة بعدما شاهدوه بالنقل المباشر في تونس، دون حاجة إلى دبابات أمريكية كما جرى في العراق، ولا مواجهات دموية كما هو الحال في العديد من التجارب الثورية، قالتها صحفية "الغارديان" البريطانية بلغة الجزم: "التظاهرات التي عمت تونس احتجاجا على البطالة بين متخرجي الجامعات أظهرت أنه لا تزال هناك إمكانية لحدوث "ثورة" في العالم العربي تؤدي إلى " تغيير أنظمة". وأضافت الصحفية ذات الانتشار والمصداقية الواسعين، إن تونس تقدم واحدة من الحلقات الأكثر إلهاما لثورة شعب ضد "نظام قمعي" حاكم، وأنه "وعلى الرغم من أن تونس بعيدة نسبيا عن الثقافة العربية السائدة فإن الأحداث التي تعم شوارع تونس تنقل على الفضائيات إلى جميع أنحاء العالم العربي. ويتعلق التدفق العاطفي في الشوارع العربية السائدة فإن الأحداث التي تعم شوارع تونس تنقل على الفضائيات إلى جميع أنحاء العالم العربي. ويتعلق التدفق العاطفي في الشوارع العربية، بالأحداث التي تحصل في فلسطين، وكذلك بعض الإهانات التي يتلقونها من الغرب، أو كرة القدم، ونادرا ما يوجه الغضب ضد الجاني الرئيسي: الحكومة ذاتها".
الفساد والاستبداد أصل الداء
فما الذي جرى حتى تحولت هذه الأنظمة إلى عبء ثقيل فوق ظهور الشعوب العربية؟ رغم أن أجلها قائم على أساس شرعية المساهمة في طرد الاحتلال أو الإطاحة بالحكام الفاسدين السابقين. "بمجرد سيطرتها على مؤسسات الدولة:قامت غالبية النخب الحاكمة بصد أي محاولات إصلاحية تقودها النخب المعارضة، وفرضت طوقا أمنيا صارما على شعوبها، وأضعفت مؤسسات المجتمع المدني، وضيقت على الحريات وعطلت العمل بالمؤسسات في كثير من الأحيان... كما نجحت هذه النخب في تأبيد زعاماتها وتمييع الحياة السياسية والحد من تطورها، كما تفننت أيضا في كبت الحريات وتدجين النخب والشعوب بصورة غرست مظاهر الشك والحذر بين الجماهير" يجيب أستاذ علم السياسة بجامعة مراكش، إدريس لكريني، موضحا أن هذه الأوضاع أدت انتشار الفساد بمختلف مظاهره وأشكاله وإلى خلق فجوة واسعة بين السلطة السياسية الحاكمة من جهة وما بين أفراد المجتمع من جهة أخرى، وولد شعورا بالإحباط في أوساط الجماهير.
لكن جل كتب التاريخ الحديث للمنطقة العربية، أولاها ما يعرف بالثورة العربية لعام 1916، التي كانت بريطانيا تهدف من خلال تشجيعها إلى دفع العرب إلى الانفصال عن الدولة العثمانية، وتوجيه الضربة القاضية لهذه الإمبراطورية الإسلامية يومها، وبالتالي لم تكن ثورة شعبية. ثم كانت أشهر "ثورة" عرفها العرب بعيد استقلالهم التدريجي عن الاستعمار الغربي، تلك التي قام بها الضباط الأحرار في مصر عام 1952، وحملت جمال عبد الناصر عام 1952، وحملت جمال عبد الناصر إلى الزعامة، لكنها في حقيقة الأمر كانت أشبه بـ"انقلاب عسكري" بغطاء شعبي، وبالتالي لم تكن ثورة شعبية. ووحدها الثورة الإسلامية الإيرانية لـ1979 حملت صفة "الشعبية"، قبل أن تأتي ثورة "الياسمين" لتكشف أن بإمكان العرب أن يقودوا ثورتهم، فكانت شرارتها الأولى في الشارع وليس داخل الثكنات.
وعلما أن الديمقراطية ترتبط في الغالب بمجموعة من المؤشرات من قبيل: تداول السلطة بشكل مشروع وسلمى بما يسمح بإشراك المواطنين في تدبير أمورهم والمساهمة في اتخاذ القرارات التي تهمهم، واحترام حقوق الإنسان مع القدرة على تدبير الاختلاف بشكل بناء..حسب إدريس لكريني، فإنه وباعتماد هذا التعريف وتنزيله على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأقطار العربية، "يتبين منذ الوهلة الأولى أن ديمقراطية حقيقية. ففي الوقت الذي استوعبت فيه العديد من الأنظمة في كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية واسيا دروس المرحلة واستجابت لتطلعات شعوبها، وانخرطت بحزم وإرادة قويتين في اتخاذ خطوات وإجراءات بناءة وشجاعة على طريق التنمية الشاملة وتحقيق الديمقراطية الحقيقة، قاطعة بذلك كل الصلات مع مظاهر الانقلابات والاستبداد وتأبيد الحكم، ظلت الأوضاع السياسية في الدول العربية، وبحكم الطوق المفروض على أي إصلاح أو تغيير مجمدة". فيما بدت مختلف "الإصلاحات" التي باشرتها بعض الأنظمة العربية، بطيئة ومحدودة من حيث فاعليتها، ولم تعكس في مجملها تطلعات وانتظارات الشعوب، بقدر ما تبين وكأنها " إصلاحات" شكلية معدة للتسويق الخارجي والتعتيم و "الإلهاء" الداخليين، وتبين أنها تتوخى خدمة ومصالح النخب الحاكمة بالأساس عبر الحفاظ على الأوضاع القائمة والتحكم في الأوضاع السياسية بأساليب واليات مختلفة؟ وتعزيز مكانة النخب التقليدية في المشهد السياسي وكبح أي تغيير أو إصلاح حقيقيين منبثق من عمق المجتمع، متناسية بذلك أن الإصلاح أو التغيير الذي لا يتأسس على قاعدة شعبية ويعكس رغباتها وأهدافها وتطلعاتها، يظل في اخر المطاف قاصرا وغير ذي جدوى.
ويكيليكس وفايس بوك والجزيرة
عوامل كثيرة تضافرت في الشهور الأخيرة، وأنتجت سياقا خاصا واستثنائيا، يطبعه التوتر والترقيب لشيء ما سيقع قريبا في هذا المحيط لعربي الراكض دون أن يعرف أحد ريح التغيير العاصف. أول تلك العوامل هو تشكل عالم جديد خارج العالم الذي حكمه الديكتاتوريون العرب وخبروه وسيجوه بمليشياتهم وبوليسهم وأجهزتهم الاستخباراتية، هو عالم افتراضي، بناه جيل جديد من الشبان العرب، المتعلمين والحالمين بواقع اقتصادي وسياسي أفضل، ملؤه الحرية واحترام الخصوصيات الشخصية والممارسة الكاملة للمواطنة حقوقا وواجبات. ورغم المجهودات الكبيرة التي بذلتها الأنظمة العربية القائمة، من أجل الالتحاق بركب هذا العالم الجديد، واضطرار بعضها إلى منع تشكله عندما أحست أن الأمر يتجاوز طاقتها، إلا أن ثورة خفية ظلت تنمو في أحشاء الحواسيب و "الموبايلات"، وشكلت الشبكات الاجتماعية، في مقدمتها الـ"فايس بوك"، بيتها السري الذي عجز البوليس والاستخباراتيون عن اقتحام كل عرفة وتفتيش كل محتوياته، فأصبح التونسي يسخر من بنعلي والمصري ينتقد مبارك، وباتت للاقليات أصوات وللمظلومين منابر. وبات العالم الافتراضي كما لو تحول إلى دول افتراضية قائمة الذات، تحتاج فقط إلى من يضغط زر إخراجها إلى الواقع، وهذا ما كان، في أساليب التواصل الجديدة لا يمكن أن تفعل إلا داخل مجتمعات تتمتع بنسبة عالية من الوعي والثقافة والتعليم، فنسبة الولوج إلى الإنترنت في تونس تعادل مثيلتها في مصر "يقول المتخصص المغربي في علم السياية محمد الطوزي.
وموازة مع هذا الواقع الجديد، وبعدما ظلت أخباره مقتصرة لمدة طويلة على فضائح أمريكا وجيوشها المنتشرة في العراق وأفغانستان، طرق موقع "ويكيليكس" الشهير أبواب الدول العربية في اخر دفعة من الوثائق السرية التي نشرها، وكشف مراسلات خاصة ومثيرة بين السفارات والتمثيليات الدبلوماسية الأمريكية في جل العواصم العربية، مع عاصمة القرار العالمي، واشنطن. فتبين أن إحدى رسائل السفارة الأمريكية بتونس إلى واشنطن، قالت إن "أي تغيير كبير في هذا البلد المغاربي يجب أن ينتظر ذهاب الرئيس بنعلي "كما اقترحت السفارة على واشنطن، ممارسة ضغوط على تونس من أجل دفعها إلى إصلاحات سياسية وحقوقية. فيما ذهبت رسالة أخرى إلى درجة وصف عائلة زوجة الرئيس زين العابدين بن علي بـ"العصابة"، وهو التسريب الذي أثار غضب الساكن السابق لقصر قرطاج، إلا أن زلزال ويكيليكس كان يوحي بأن شيئا ما سيحدث.
كل هذا جرى في ظل أزمة اقتصادية وفاقمت من ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، منعكسة على وقوت المواطنين في جل الدول العربية. وتقارير متواترة رصدت جشع الحاكمين ومراكمتهم للثراوات مقابل عكس مخلفات الأزمة الاقتصادية على الفئات الهشة من المجتمعات. مع وجود قناة فضائية تحولت إلى ظاهرة إعلامية، من خلال مواكبتها الدقيقة للتحركات الشعبية التي تقع. وإفساحها المجال للأصوات المعارضة والغاضبة. فكانت هذه القناة أحد العوامل التي ساهمت في تأجيج الاحتجاجات وإسقاط نظام بنعلي في تونس وتشديد الخناق على نظيره في مصر، مما دفع هذا الأخير إلى إغلاق مكتبها ومنع بثها عبر القمر الاصطناعي المصري "نايل سات"، وكادت المواجهة بين النظام المصري والقناة القطرية أن تؤدي إلى أزمة دبلوماسية بين القاهرة وواشنطن حين اعتقل الأمن المصري صحفيين بالقناة الإنجليزية لشبكة الجزيرة، فتبين أنهم أمريكيون سرعان ما تحركت خارجية بلادهم لتقريع نظام مبارك، فأطلق سراحهم فورا.
فزاعة الإسلاميين تندثر وإسرائيل "خائفة"
كشفت "ثورة الياسمين" التونسية، وبعدها ثورة "الفل المصرية" وما صاحبهما من "ثورات" صغيرة في عدد من الدول العربية، عن الحجم السياسي الحقيقي للإسلاميين في الشارع العربي، وسقوط نظرية الاكتساح الأصولي التي ظلت الأنظمة القائمة في المنطقة ترفعها كفزاعة في وجه الشعوب والقوى الغربية. ف"غياب الإسلاميين عن الأحداث في تونس أمر طبيعي، فهم يحتاجون الان إلى وقت لكي يستعيدوا كوادرهم، وباستثناء بعض أطر النهضة الذين هاجروا إلى الخارج نتيجة عنف النظام، فإن جل الذين بقوا في تونس كان مطلوبا منهم تقديم مقابل للنظام،ومن ضمن ذلك عدم ممارسة السياسة. لذلك فالحركة الإسلامية في تونس تحاول الآن التأقلم وإعادة مواكبة التحول داخل المجتمع التونسي، بالرغم من أن حركة النهضة كانت في عقد الثمانينيات نموذجا للحركات الإسلامية الأخرى في العالم العربي، يقول المتخصص في الحركات الإسلامية محمد الطوزي.
بعد مصر و تونس
لم تكن تونس إلا بداية ل"ثورة"لا تعرف الحدود ولا تحترم السيادة، ولن تكون مصرنهاية لهذا الفصل الجديد من تاريخ المنطقة العربية. ف"عندما ينخر الصدا نظاما ديكتاتوريا من الداخل، فإن شرارة واحدة تكفي لتحيله إلى فئات.نقول حينها إن حلقة واحدة قد سقطت، لذالك فهي الأقوى في السلسلة كلها. و هكذا سقط نظام شرطي سابق و مصففة شعر سابقة، بعد تواتر سلسلة من المعطيات البديهية، معطيات تبناها شعب لم يعد قادرا على تحمل الإهانة و الاحتقار و السرقة و البؤس..."يقول الكاتب المغربي الطاهر بنجلون، ثم يضيف:"وإن ترى رئيس دولة بصحبة جيدة و بشعر مصبوغ و بنظرة ملؤها الرضا، يهرب مثل السارق، يتوسل ملجأ ويلقى الرفض، أن تعلم أن هذا الرجل الذي زرع الرعب في قلب شعب طيب صبور، يعيش محنة كما كان الأمر بالنسبة ل"بوكاسا"و"دوفاليي" كل هذا يبرهن على أنه ما كان يستحق أن ثمة مجتمعات في العالم العربي "تتوافر فيها كل الظروف المواتية للانفجار"، والبلدان الثلاثة التالية تصب في هذه الخانة حسب الطاهر بنجلون:
"أولا ليبيا،لأننا لا نعرف أي شيء عما يجور هناك. رجل وصل إلى السلطة عبر انقلاب (1969)، وعمل على ترسيخ صورته بشكل كبير يجعله بعيدا عن كل التوقعات. تعيش ليبيا في كفن من الصمت و الخنوع.
ثانيا، الجزائر بلد و شعب رائعان.إمكانيات استثنائية و شباب كثير ممتلئ حيوي. ثروات هائلة من الغاز و البترول.لكنه يخضع لنظام عسكري يتحكم بالبلاد منذ الاستقلال ويرفض التنازل عن أي شيء.
أما البلد الثالث فهو مصر،هناك أدي الفقر و الفساد وتكريس عبادة الأشخاص إلى استفحال الصدا في كل مرافق الدولة".ويعلن بنجلون على ذالك ويقول:"قد نقول إن الله قد لعن تلك البلدان،وتركها لمهرجين غير ناضجين وقساة إلى أن يحين ذلك اليوم الذي ستشتعل فيه نار العدالة في الشارع، كربيع في عز الشتاء.وسيكتمل هذا الربيع عندما يتخلص العالم العربي من مومياءاته ذات الشعر الأملس، التي تزرع الأحباط و التعاسة في أوساط شعوبها".
أما السؤال الحارق الذي يتجنب الجميع عندنا طرحه و الإجابة عنه، أي وماذا عن المغرب؟ فيجيب عليه خبير علم السياسة محمد الطوزي، ويقول إننا "في نفس الخانة، رغم أن طريقة التدبير في المغرب مغاير لما كان يجري في تونس، ورغم أن المغرب يتوفر على ملؤهلات أقل مما هو موجود في تونس".ويسترسل الطوزي موضحا:"فحجم الطبقة الوسطى أقل وأهمش في المغرب، ومستوى التمدرس و التكوين الثقافي للمجتمع المغربي أدنى درجة من مثيله في تونس.وبغض النظر عن ذلك، فإن الدولة نجحت خلال الإثنتي عشرة سنة الأخيرة في تدبير ضغط المجتمع عليها بشكل ظرفي، من خلال فتح مجالات التعدد و التوسيع هامش التعبير و فتح قضاءات التمرد المراقب و المسيج في بعض المناطق. هذه الطريقة في التدبير تؤجل الصدام لكنها لا تلغيه، خاصة إذا لم يتم حل المشكل الناتج عن الضغط الديمغرافي للشريحة الشابة المتعلمة على الدولة، من أجل إيجاد فرص الشغل..."
عماد فوزي شعيبي: الشارع العربي يستعمل قاعدة ايرانية ذكية هي الإصرار على التظاهر
* هل يمكننا أن نتحدث عن "ثورة عربية" انطلقت من تونس؟
- لا نستطيع أن نصف ما يحدث بالثورة العربية نظرا لغياب خط واحد يربط بين ما يقع في المنطقة من المحيط إلى الخليج. وما يجري حاليا ناتج عن نزوع الشباب إلى التحرر، راسمين لأنفسهم خطا يسبق الدولة والأحزاب السياسية الموجودة، والتي لم تستطع أن تكون معبرة عن جيل جديد بكامله، لكن هذا الخط الموجود لدى هذا التحرك الجماهري، يفتقد لتوجه سياسي محدد وبرنامج سياسي واضح، وبالتالي فهو أقرب إلى التعبير العفوي الذي قد يتحول إلى فوضى.
* لكن لهذا الخط شرعيته؟
-هناك ثلاث شرعيات نشأت عما يقع اليوم في مصر على سبيل المثال، فالقانون الدولي يقول أن التغيير يأتي إما عبر الانتخاب أو عن طريق القوة، بينما في الواقع هناك شرعية الجمهور الذي نزل إلى الشارع وشرعيته الجيش بالإضافة إلى الشرعية الدستورية للرئيس حسني مبارك، وبما أن مقابل الشرعية الدستورية هناك شرعيتان، هما الجيش والجمهور، فإننا لا يمكن أن نتحدث عن ثورة لغياب مشروع واضح له برنامج محدد يريد أن يغير السلطة القائمة. فما موقف الجمهور المتظاهر اليوم من سياسات الرؤساء؟ ومن الصراع العربي الإسرائيلي؟ ومن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ ليست هناك أجوبة.
* لكن هذه التحركات الشعبية ستكون لها تداعيات على مجموع دول المنطقة؟
- نعم ستكون لها تداعيات، لكنها ستكون مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، لأن ما يقع يصب في النظرية الأمريكية المسماة إعلاميا "الفوضى الخلاقة"، فالأمريكيون يريدون مجموعات بشرية تطيح بالنظام لكي يقودوها هم من الخارج. أنا مع الشعبين التونسي والمصري وضد الرئيسين، السابق في تونس والحالي في مصر، لكن البديل قد يصب في هذا الاتجاه وهذا أمر خطير جدا. وأنا أتساءل لماذا تقع هذه التحركات في الأنظمة الموالية للأمريكيين فقط؟ ألا يوحي هذا بأن الولايات المتحدة تريد أن تستبدل الموالين الحاليين بموالين اخرين؟
* ألا تعتقد أنه حتى الأنظمة التي لم تشهد هذه الأحداث ستكون مجبرة على القيام بإصلاحات كثيرة؟
- نعم، فهناك دروس كثيرة يجب استخلاصها مما وقع في تونس ومصر، لكن تلك الدروس تتوقف على مال هذه التحركات، فإذا كان المال هو الفوضى فالجمهور سيأخذ دروسه منها، وإذا كان المال شيئا اخر فعلى الأنظمة أن تأخذ دروسها. فحتى الان يبدو أن الشارع يعمل بقاعدة إيرانية ذكية هي الاستمرار في التظاهر للتأكيد على شرعيته، والميزة هي أن الجيش يبقى على الحياد. لكن إذا ما سقط نظام مبارك مثلا ولم يتم الاحتكام إلى الشرعية الدستورية، أي خلافته بنائبه، فإن ذلك سيعني أن المصريين أطاحوا بالشرعية الدستورية لصالح شرعيتهم الثورية، لكن ماذا بعد؟
عادل مناع*: ما تعرفه المنطقة العربية
سيؤدي إلى اندثار الديكتاتوريات
اعتبر الدكتور عادل مناع، باحث في مركز "فان لير" للدراسات متعددة المجالات في القدس، بأن ما تشهده المنطقة العربية من ثورات واحتجاجات شعبية لم يصل بعد درجة الثورة العربية الشاملة، ولكنها عبارة عن حركة شعبية تمتد من بلد عربي إ؟لى اخر بفعل تشابه دواعي ودوافع الثورة سواء في تونس أو في مصر او غيرها من البلدان التي تشهد احتجاجات شعبية، ذلك ان الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المرفوضة والتي لم تعد الشعوب تحتملها هي نفسها، وأضاف بأن الأنظمة التي انقلبت عليها شعوبها اليوم لطالما كانت بعيدة عنها ولطالما انتهجت سياسة صم الاذان عن المشاكل التي يعانيها المواطنون من بطالة ورشوة وفساد، هذا الأخير الذي اعتبره مناع جزء لا يتجزأ من فقر الشعوب لأن معظمها تملك ثروات طبيعية كفيلة بجعلها في مناى عن المشاكل الاقتصادية لولا جشع الطبقة الحاكمة التي تستحوذ على تلك الثروات على حساب الشعب.
ويرى مناع بأن من أهم انعكاسات هذه الحركة الاحتجاجية والثورية التي تعرفها بلدان المنطقة اندثار الديكتاتوريات، حيث أن "نظام ديكتاتوري زال وآخر في طريقه للزوال" يقول مناع قبل أن يضيف بأن موجة الهلع من امتداد ما جرى في تونس ويجري في مصر دفع باقي الأنظمة العربية وسيدفعها إلى التنازل ومحاولة تفادي المشاكل التي من أجلها قد تثور الشعوب الغاضبة في آية لحظة.
اليمنيون يرفضون تحول صالح على ملك
يعيش الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي يحكم اليمن منذ 32 سنة ظروفا لعلها الأصعب في تاريخه الرئاسي، وذلك بعدما انطلقت شهر يناير الماضي بموازارة الثورة التونسية مظاهرات حاشدة باليمن تطالبه بالرحيل وترك منصبه لمرشح جديد لرئاسه البلاد. وقد كان الشعب اليمني من أكثر الشعوب التي تحمست لإسقاط بنعلي في تونس واحتضار مبارك في مصر، وعبرت الجماهير الشعبية في اليمن عن إعجابها بالحذو حذوهم منذ عدة أسابيع، حيث عجزت السلطات الأمنية عن كبح جماح المتظاهرين الذين صرخوا طالبين من عبد الله صالح التنحي عن السلطة، وفي نفس الأثناء نظم انصار وأعضاء الحزب الحاكم مظاهرات أقل عددا التأييد الرئيس. وكان صالح قد اعلن خلال عدة مناسبات سابقة منذ خمس سنوات عزمه عدم الترشيح لولاية اخرى سنة 2006، وهو ما اعتبرته المعارضة مسرحية مدبرة حيث احتشد بعض انصار الحزب الحاكم في مظاهرات مطالبين صالح بالعدول عن "قراره" كما خرج العديد من المتظاهرين الذين طالبوه بتنفيذه، ليفاجئ صالح الجميع بالترشيح بعد أيام من تصريحاته مبررا الأمر بأنه استجابة ل"مطالب الشعب"، وتتخوف عدد من بلدان المنطقة من اشتعال ثورة "دامية" في اليمن باعتبار وضعها الحساس، المطبوع بالاشتباكات التي يشهدها جنوب البلاد الداعي إلى الانفصال، وأيضا باعتبار أن اليمن تمثل واحدة من أكبر معاقل تنظيم القاعدة الإرهابي وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى بعث نخبة من السؤولين الكبار لدعم الرئيس والحكومة في اليمن.
بشير السودان.. هل يخسر الحكم بعدما أضاع نصف دولته؟
لم تسلم السودان من شرارة الثورة التي أشعلها التونسيون في الخارطة العربية، حيث وجد نظام الرئيس عمر البشير نفسه في مواجهة مظاهرات شبه يومية. رد عليها بعنف معهود في شوارع وساحات الخرطوم. لتتناقل وكالات الأنباء خبر سقوط أول قتيل في تلك المظاهرات، حيث توفي طالب سوداني متأثرا بجراحه التي أصيب بها خلال مظاهرات شهدتها الخرطوم نهاية الأسبوع الماضي. بل عمدت قوات الأمن السودانية إلى محاصرة ست جامعات، ومنعت الطلبة من مغادرتها، تفاديا لاندلاع مظاهرات جديدة.
فالسودان ومنذ انفصاله عن مصر التي كانت تجمعه به دولة واحدة في العهد الملكي، لم يعرف نظاما سياسيا مستقرا ومتمتعا بالشرعية السياسية. وظل حكامها يعتبرون أنفسهم "ثوارا" منذ أن قام الرئيس جعفر النميري بانقلاب باعتباره كان ضابطا في الجيش السوداني، ثم شرعن حكم بانتخابات قال الجميع بعدم سلامتها من التزوير، إلى أن تم إبعاده من طرف مجلس عسكري، إثر انتشار الفوضى وانفلات الوضع في ما يشبه ثورة شعبية بعدما عرف عهده ظهور عدد من الحركات الثورية أبرزها "الحركة الشعبية" وفصيلها المسلح.
وبعد فترة فاصلة قصيرة تولى خلالها عبد الرحمان سوار الذهب السلطة ثم تنازل عنها طواعية، وجاء بعده الصادق المهدي الذي انتخب بالأغلبية لكن انقلب عليه عسكري اخر اسمه عمر البشير وسماها ثورة إنقاذ. ليجد نفسه بعد "ثورة الياسمين" في مواجهة مظاهرات شعبية ترفع شعار الإطاحة بعمر البشير، رغم بنصف تراب دولته لحماية نفسه من القوى الغربية.
الأردن ... على شفاثورة
لم يتبق الأردن عن الحركية الثورية التي عرفتها عدد من الدول العربية، حيث شهدت العاصمة عمان ومدن رئيسية أخرى يوم 14 يناير الماضي، مسيرات احتجاجية في اطار ما سمي ب"يوم الغضب الأردني" الذي دعت إليه حركة تيار اليسار الحر في الأردن. وقد طالب المشاركون في المظاهرة التي قام الأمن بعرقلة طريقها، برحيل الحكومة بسبب الارتفاع المتلاحق للأسعار والذي يفوق القدرة الشرائية للمواطنين، وقد ناد المشاركون الذين قدر عددهم بالآلاف بسقوط الحكومة. وقد عرفت المظاهرات مشاركة واسعة لعدة أقطاب سياسية وجمعوية وطلابية، في حين قررت هيئات أخرى امنتعت عن المشاركة فيها، القيام بوقفة احتجاجية مفتوحة يوم الأحد الموالي. وبالرغم من الحصار الأمني المفروض على الشعب في الأردن والذي يمنعهم من التظاهر والاحتجاج بحرية فقد شهدت البلاد عددا من المظاهرات سواء للاحتجاج على حكومتهم أو لمساندة تونس ولاحقا مصر.
وخشية تطور الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه وفي إطار السياسة الوقائية التي بدأت في تطبيقها عدد من بلدان المنطقة العربية، قام ملك الأردن عبد الله الثاني بإقالة حكومة سمير الرفاعي التي يرفضها الشعب، وكلف معروف البخيت المستشار السابق للشؤون العسكرية والمدير السابق أيضا للمخابرات العسكرية، بتشكيل حكومة تقوم "بإصلاحات سياسية حقيقية"، وقد جاء في بيان رسمي بأن عبد الله الثاني كلف الحكومة الجديدة ب"اتخاذ خطوات عملية وسريعة وملموسة، لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي، تعكس رؤية الملك الإصلاحية."وللبخيت، المكلف حديثا بتشكيل الحكومة الأردنية الجديدة، سوابق غير طيبة مع المعارضة السياسية بالأردن حيث وقعت بينه وبينها صدمات سنة 2007 بعدما اتهمت المعارضة الحكومة بتزوير الانتخابات البلدية والنيابة، ولا يبدو بأن قرار الملك تعيين هذا الخبير العسكري الذي شغل سابقا ولمدة وجيزة منصب رئيس الوزراء سيطفئ نار الاحتجاجات المتخفية تحت رماد التردد، حيث ان تعين معروف البخيت لمنصب رئيس الوزراء يعتمد كما يبدو بجلاء مقاربة أمنية بالدرجة الأولى بعيدا عن أي اعتبارات أخرى.
12 فبراير.. موعد مظاهرات إسقاط النظام في الجزائر
عقب المظاهرات الكبيرة التي شهدتها مختلف مناطق الجزائر يوم تاسع يناير المنصرم التي احتج المشاركون فيها ضد غلاء الأسعار، والتي عرفت تدخلا عنيفا للأمن تبعه قرار الحكومة بالتراجع عن رفع أسعار المواد الأساسية، يستعد الشارع الجزائري لتنظيم مسيرة "12 فيفري" وهي المسيرة التي لن تكون هذه المرة من أجل "الفرينة" والزيت والسكر بل من أجل إسقاط النظام واسترجاع العزة والكرامة حسب ما أعلنت عنه الجهات المنظمة لها، حيث أعلنت مؤخرا عدد من الجمعيات في الجزائر ومعارضون من خارج البلاد عن تنظيم مسيرة حاشدة تنطلق من الجزائر العاصمة يوم الثاني عشر من شهر فبراير الجاري وهو التاريخ الذي يوافق تخليد ذكرى تطبيق قانون الطوارئ الذي فرضته الحكومة قبل 19 سنة.وقد علقت السلطات الجزائرية العاصمة في حين صرت الهيئات الداعية للمسيرة على تنظيمها في التاريخ المعلن عنه. وتتخوف الحكومة الجزائرية بشدة مما قد تؤول إليه مسيرة "12 فيفري" التي تأتي في ظل ظروف يطبعها التوتر المخيم على مجمل المنطقة العربية. وقد سبق من يناير المنصرم أن عززت رجال الأمن بوسائل لقمع المتظاهرين، من قنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاطي وغيرها من الوسائل، إلا أن الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية الداعية للمسيرة عبرت عن تشبثها بمطالبها مدفوعة بموجبة الغضب التي تجتاح البلاد نتيجة تردي الأوضاع تتوفر على ثروات طبيعية كفيلية بأن تجعل الجزائر في معزل عن أية مشاكل اقتصادية أو اجتماعية.
ثورة "الفل" تسقط مشروع التوريث
وتعصف بمبارك في أرض الفراعنة
يصفها أبناؤها ب"أم الدنيا" وهي واقعيا ظلت وعلى مدى العقود الماضية، أم السياسية في "الدنيا" العربية، وقائدة تحولاتها الإيديولوجية والأمنية والعسكرية. خاصة بعد الثورة الناصرية التي جعلت من أرض الكنانة قبلة لجميع التطلعات العربية نحو التحرر والتطور. لذلك قامت الدنيا ولم تقعد منذ 25 يناير الماضي، تاريخ خروج آلاف المصريين إلى "ميدان التحرير"، محاولين إعادة تجربة ثورة الياسمين التونسية، والتي أفلحت في الإطاحة بأحد أعتى الحكام العرب وأكثر سلطوية.
حدث لم تفرضه الثورة التونسية رغم مفعول الشرارة الذي اكتسته، فقد أصيبت الحياة السياسية في مصر بالشلل التام منذ الانتخابات التشريعية بمصر عام 2004 والتي اعقبتها انتخابات الرئاسة علم 2005، حصل فيها مبارك على أغلبية ساحقة وسط اتهامات بالتزوير من جانب المعارضة، لكنه استطاع من خلال الالة البوليسية التي تسيطر على مصر والمتمثلة في جهاز أمن الدولة وجهاز الأمن العام، أن يحكم قبضته الحديدية على مصر. كما قامت تلك الأجهزة باختراق الأحزاب المعارضة وتفتيتها من الداخل لتصنع عدد من الجبهات المتصارعة على المصالح الشخصية داخل كل حزب.
وبعد تلك الانتخابات الرئاسية، قام النظام بتوجيه عدد من التهم لرؤساء الأحزاب الذين أقدموا على الترشيح أمام مبارك، واستطاع النظام اختراق تلك الأحزاب ومحاكمة زعمائها بتهم أغلبها جنائية حتى يبعد شبهة المحاكمات السياسية المعدة مسبقا ضد هؤلاء، وبالفعل استمرت السيطرة على الحياة السياسية بمصر، الذي بدأت منذ تولى الرئيس مبارك السلطة عام 1981، وذلك من خلال إبعاد عدد من جنرالات الجيش المصري عن الحياة السياسية، والاستفراد بالشعب عبر الأجهزة الأمنية الفتاكة.
عام 2010 شهد مستجدا اخر هو عودة سيناريو التوريث إلى الواجهة وداخل الدوائر السياسية الجديدة التي ظهرت ببروز جمال مبارك وارتبطت به، وهي دوائر رجال الأعمال التي أًبح لها نفوذ سياسي كبير وتغلغلت في مؤسسات صناعية القرار لتستولي تماما على صناعة القرار بمصر، وكان أحد أخطر تلك المؤسسات الجديدة هي دائرة أحمد عز، رجل الأعمال الذي يمتلك شركات الحديد بمصر.واحتدم النقاش لدرجة دفعت محمد حسنين هيكل، الصديق الحميم للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلى تقديم رؤيته التي تسببت في عاصفة لم تنته آثارها بعد، عندما اقترح تشكيل مجلس أمناء لصياغة دستور جديد لفترة انتقالية بعد مبارك، وأشار إلى أسماء أعضاء المجلس، ومنهم الدكتور أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل، والدكتور محمد البرادعى، المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، اللذان يتم التعامل معهما كمنافسين محتملين. ليواصل نظام مبارك صم أذنيه، دافعا الملايين إلى الخروج منذ يوم الثلاثاء 25 يناير، مطالبين برحيله وإسقاط نظامه.
الأسبــــــــــــــــــوع