يوم مع.. كريم التازي امبراطور الأثاث المغربي
غسل يديه وأقفل صنبور المياه، ثم علق على باب مطبخه وزرة زرقاء بعد أن انتهى من تحضير وجبة الغذاء، مازجا بين الخص الأخضر، وزيت الزيتون وعصير الحامض، وبعض البهارات. غسل الأواني، مسحها ثم رتبها في صوان المطبخ. تناول وجبة الغذاء في صالون محاور لمكتبه. "غالبا مكنصاوب غداتي بيجي فكوزينتي، أحب الاعتماد على نفسي"،هكذا صرح كريم التازي، المدير العام لشركة "ريشبوند"، ومؤسس البنط الغذائي ل"المشهد"، التي حلت ضيفة عليه في "يوم مع"....
طباخ ماهر
اعتاد رجل الأعمال المغربي أن يعد، بنفسه، وجبة الغذاء داخل مطبخ يوجد قرب مكتبه الكائن بالطابق الثالث، لا يحب أن يخدمه أحد. "أجد في اعتمادي على نفسي متعة خاصة، أنا عندي الدنيا هانية"، يعلق التازي، الذي ألف أن يتناول وجبة الغذاء، وهو يتابع نشرة الأخبار بإحدى القنوات المغربية.
منذ توليه إدارة سفينة "ريشبوند" للأثاث، التي لا يزال يقودها والده عبد العزيز التازي، دأب التازي الابن على قضاء النصف الأول من يومه بمقر مجموعته "ريشبوند"، مترئسا اجتماعات أو مستقبلا ضيوفا. نصف يوم غالبا ما ينتهي بأخذ بأخذه قسطا من الراحة على أريكة طويلة، توجد داخل الصالون، "إلى كنت عيان بزاف كنعس شي شوية، ومن بعد كنكمل خدمتي"، يسر ل"المشهد".
العمل داخل المكتب يعد جزءا ثانيا من برنامج يوم التازي، فقد اعتاد المقاول الشاب أن يبدأ نهار يومه في السادسة صباحا، للمارسة تمارين رياضية بضيعته المحيطة بفيلته الكائنة بمنطقة بوسكورة، "أمارس، يوميا، رياضة الجري... كندور 5 كيلومترات في قلب داري، من بعد كنبدل حوايجي وأفطر قبل أن التحق بشركتي".
تخفيضات في زمن الأزمة
التاسعة والنصف صباحا، كريم التازي يوجد بمكتبه رفقة لطيفة بوفراد، إطار بشركة "ريشبوند"، اجتماع حاسم ذاك الذي جمع المدير العام بالمسؤولة. مستقبل الشركة وكيفية تقريب منتوجات "ريشبوند" من الزبون، وخلق علاقة ثقة بينهما، كانت مواضيع حاسمة ناقشها المدير رفقة المسؤولة.
الموظفة تقترح استمارة تتضمن أسئلة موجهة للزبون في محاولة لفهم احتياجاته ومتطلباته. المدير ينصت بإمعان إلى اقتراحات أعجب ببعضها، فيما رفض أخرى بلباقة، "أفتح المجال للأطر العاملين معي من أجل التحدث في أي موضوع يريدونه لكن شريطة الاختصار والتركيز على الجوهر"، يقول التازي ل"المشهد"، بعد أن انتهى من اجتماعه الأول، الذي كان مناسبة نوقشت خلالها، "اقتراحات لتقديم الشركة تخفيضات تكون دائمة وغير مناسباتية Les chèques cadeaux"، كان اقتراحا دافعت عنه مسؤولة التسويق بقوة، فيما اعتبره المدير فكرة غير مفيدة، "الزبون يريد أن يستفيد من التخفيض الفوري على ما يريد اقتناءه من منتوجات، لا أن ينتظر إلى حين صرفه شيكا-هدية"، يشرح التازي لبوفراد.
تجاوب كبير ذاك الذي لميته "المشهد" في علاقة المدير بالأطر العاملين معه، علىقة تعكس رغبة موحدة للمدير والمستخدمين، في الرقي بمنتوج الأثاث المغربي إلى مستويات أفضل، "لا أضع حواجز بيني وبين المستخدمين، فقد تقنعني وجهة نظرهم وقد لا تقنعني، المهم أن يكون الوضاح حاضرا بيننا" يؤكد التازي، الذي يصفه الكثيرون ب"إمبراطور الأثاث المغربي".
بنك غذائي تضامني
الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحا. مسؤولة التسويق تستعد إلى المغادرة، فيما اتجه المدير العام إلى الصالون، قاصدا آلة تحضير القهوة. ضغط على الزر ثم ملأ فنجانا صغيرا أسودا. عاد إلى مكتبه، تنفس الصعداء ثم أذن بانطلاق لقاء ثان جمعه بندى عادل، مديرة البنك الغذائي، "الأمور تسير بشكل جيد داخل البنك، أنا متفائلة جدا"، تخبر المسؤولة عن البنك رئيسها التازي، مستطردة "نحن نبحث إمكانية عقد شراكة مع إحدى الشركات الوطنية للنقل، لتسهيل نقل الهبات التي نتوصل بها من المحسنين، سيكون هذا أمرا مفيدا، وسيجنبنا الكثير من المتاعب"، تقول المسؤولة. فكرة أبدى التازي إعجابه بها، مؤكدا أنه سيعمل، شخصيا، على تحقيقها
أخذ ورد بين الرئيس والمديرة، نقاش جدي ساخن سرعان ما تخللته بعض القفشات ثم اقتراح ثان شد إليه اهتمام التازي: "اقترح أن نوزع سلالا مليئة بمعونات غذائية تشجيعا للأس التي تسمح لبناتها بمواصلة دراستها بالبادية"، تقول المسؤولة.
فكرة جديدة – قديمة اقترحتها المسؤولة عن البنك الغذائي، لتحفيز الأولياء على تدريس بناتهم: المدير العام يفطن إلى أن هذه الفكرة سبقت البنك إلبها الحكومة. حاول تذكر اسم البرنامج المعتمد قبل أن يقول "برنامج تيسير لمحاربة الهدر المدرسي، هذا هو الاسم الذي كنت أبحث عنه، إنه برنامج مهم"، يقول كريم التازي، كاشفا أنه "سمع أصداء مشجعة لهذا البرنامج في مناطق قروية، من خلال تراجع نسبة الهدر المدرسي بأزيد من خمسين بالمائة".
علامات الابتهاج كانت بادية على وجه المسؤول الأول عن البنك، وهو يقف على وسيلة جديدية من أجل المساهمة في محاربة الهدر المدرسي، "نحن جمعية مواطنة نحاول، من جهتنا، المساهمة المتواضعة في تنمية البلاد، وقد تكون سلال المعونة طريقة مثلى للقيام بذلك"، يعلق التازي.
ثقة تامة في البنك
"هل تسير، فعلا، الأمور بشكل جيد داخل البنك الغذائي؟"، تتساءل "المشهد"، معلوم الأمور ماشية مزيان، نحن لسنا مؤسسة تجارية، لذلك فنحن لا نهدف إلى الربح، نحن مؤسسة مواطنة تحاول توزيع معزنات غذائية كوسيلة لمحاربة الإقصاء وإعادة إدماج الأشخاص المهمشين"، مستدركا "لكن إن قصدت بذلك الهبات التي تقدم إلينا، فالحمد لله، أكبر الشركات للموجودة في هذه البلاد، تضع ثقتها التامة في البنك الغذائي، وتقدم لنا معوانت تكون عينية أو مادية"، يرد التازي، الذي بدا سعيدا بالمجهودات المبذولة من أجل "استمرار البنك في خدمة الصالح العام"، بحسب قوله.
"ريشبوند" النامبروان
فنجان ثان منالقهوة، قصد التازي الآلة الكهربائية لتحضيره، استعدادا لاجتماع ثالث، "أترأس الاجتماعات بشكل متسلسل، دقيقتان فقط تفصل اجتماعا عن الآخر، يجب أن أكون على بينة بكل ما يحدث داخل شركتي"، يسر التازي ل"المشهد".
وكيف هو الوضع داخل الشركة، ألم تتأثر مردوديتها بالمنافسة، التي بات يفرضها دخول شركات جديدة إلى السوق؟، تتساءل "المشهد".... "الوضع جيد، شركتنا لها نصف قرن من العمر، الزبون يثق في منتوجاتنا"، مستطردا "جودة منتوجات "ريشبوند" لا يضاهيها أي شيء، لذلك فإنه لا خوف من اختراق شركات منافسة لسوق الأثاث، ف"ريشبوند" تظل "النامبروان" في السوق"، مشيرا، في الوقت ذاته، إلى أنه يحمل هم الأزمة الاقتصادية... "يكذب عليك الكذاب ويقول لك إن مشاريعه لم تتأثر بالأزمة لذلك فإن التخفيضات الدائمة-غير المناسباتية، باتت بمثابة الحل الأمثل، رغم أن لذلك تأثيره على أرباح المجموعة".
خيمات ريشبوند
الساعة تشير إلى الحادية عشر والنصف صباحا، التازي يجلس إلى طاولة مستديرة خصصت للاجتماعات، أثاث عصري بديع ذاك الذي جهز به مكتبه و الصالون المجاور له، مزهرية كبيرة تضفي رونقا خاصا على المكان... المدير العام يأذن بدخول فريق مكون من 3أطر. جلس الجميع إلى جانبه، وكانت البداية بالسؤال عن أحوال خيمات ريشبوند. أحد الأطر يطمئن رئيسه، مستعرضا في الوقت ذاته، عددا من "مشاكل المشروع".
"خيمات ريشبوند، مشروع جرى الإعلان عن انطلاقه منذ حوالي ثلاث سنوات، نرمي من ورائه إلى بيع خيمات مغربية مجهزة بالأثاث، تعرف إقبالا واسعا، خاصة في دول الخليج"، يقول التازي. و"هل نجح هذا المشروع؟"، تسأل "المشهد"، فيرد "نحن متفائلون بنجاحه، وقد قررنا التوسيع من مجالات اشتغالنا لتشمل دول أوربا، فقد باتت مثل هذه الخيمات مطلوبة حتى أوروبيا إذ لا يتجاوز ثمن الخيمة الواحدة الخمسة ملايين سنتيم".
أحد المشرفين على المشروع شرح، خلال اجتماعه بالمدير العام، بعض الصعوبات التقنية المرتبطة بطريقة تركيب الخيمات... "نواجه صعوبة كليرة في تركيب بعض الخيمات، وهذا ما يتعين تجاوزه، مستقبلا"، يشرح المسؤول ذاته، مستعينا بصور لخيمات نموذجية موجودة على كمبيوتر محمول.
دقة وتركيز
كان الاجتماع هادئا بعض الشيء قبل أن يتحول إلى نقاش ساخن، بعد أن اكتشف المدير العام أن إحدى الطلبيات، لم يجر تسلينها في وقتها المحدد. "لماذا تأخرتم؟... يجب أن يجري التسليم في موعده"... يوجه التازي أطر مجموعته الصناعية، مساعدته تقترح أن يجري التسليم في آخر الأسبوع، لكن المدير يرفض. "التسليم خاصو يكون اليوم، بعد الظهر".
"أنا رجل دقيق جدا في مواعده، حتى إن اجتماعاتي الصباحية تبدأ مع الدقيقة الصفر، وتنتهي في الدقيقة الستين أو 55"، يؤكد التازي، مشرا إلى أن الدقة في المواعيد والحرص على النظام خلقا له نوعا كبيرا من التوازن في حياته.
الساعة تشير إلى الثانية عشر والنصف ظهرا، المدير العام يعلن عن اختتام الاجتماع بعد أن ناقش رفقة المشرفين على مشروع "الخيمات" كافة الجوانب المرتبطة به.
فنجان ثالث من القهوة أعده كريم التازي بعد أن طلب من مساعدته إيفاءه بالمراسلات والأوراق، التي تتطلب منه توقيعا... تركيز كبير أبداه التازي، وهو يتصفح الأوراق، التي سيوقعها، فيما أبدى لامبالاة واضحة لدعوات توصل بها عبر بطاقات "إلى جيتي تحضر لأي حفلة أو كوكتيل عرضو عليك فيه، بقينا هنا"، يقول التازي ل"المشهد"، كاشفا: "لا أحضر إلا اللقاءات، التي تعد مهمة بالنسبة إلي، فيما يكون مصير الدعوات الأخرى سلة المهملات".
الرجل ذو الوجه الطفولي
لا يحب كريم التازي وصفه ب"الميليونير" أو "الإمبراطور" فهو ل يعتبر ما يقوم به شيئا مهما، لأن الحياة بالنسبة إليه زائلة "أنا الدنيا هانية عندي، أستيقظ أحيانا ولا أفهم ما الذي أفعله وسط هذا العدد الكبير من الناس"، يحكي التازي، الذي يكشف أن "طفلا صغيرا ما يزال يسكنه، يحدثه مرات عديدة ويسأله عن القناع الذي يرتديه"... "هذا الطفل الصغير أسمعه، أحيانا كثيرة، يحدثني ويقول لي إن عمرك انتهى لما كنت تبلغ 16 سنة، وإن كريم التازي الحالي هو رجل ذو قناع"... بهذه العبارات أراد رجل الأعمال المغربي أن يشرح أسباب وصفه ب "صاحب الوجه البريء والطفولي".
هذه الفترة من حياة رجل الأعمال المغربي ما تزال حاضرة في ذهنه إلى حدود اليوم. "درست في ليسي ليوطي، حيث كنا ننعم بنوع من الحرية في التعبير وفي عدم الاتفاق مع الأساتذة، كما أنني عشت قصص حب، طبعا هي لا تضاهي قصة الحب التي عشتها وما أزال أعيشها مع زوجتي".
مقابل كل هذه الانشغالات اليومية بالعمل في الشركة والبنك والمصانع، يسترق التازي بعض الوقت ليرتاح في فضاء طبيعي، بعيدا عن ضجيج السيارات ووجع الاجتماعات، فقد يحدث أن يستقل المقاول الشاب يخته بالمحمدية، ويذهب في رحلة قصيرة في عرض البحر، لساعتين أو أكثر. "أحب الطبيعة، فهي الفضاء الوحيد الذي أجد فيه راحتي، ليس مهما أن تكون جبلا أو صحراء أو بحرا، المهم أن أبتعد عن ضغط العمل والروتين اليومي للاجتماعات"، يكشف التازي، صاحب الرحلة الشهيرة عبر المحيط، التي رافقه، خلالها، ابنه عثمان.
حب كبير للزوجة والأبناء
قبل 27سنة، تزوج كريم التازي من ابنة خاله، المسؤولة، حاليا، عن كل ما يتعلق ب"الإبداع والديكور داخل المجموعة الصناعية"... "فخور جدا بزوجتي، دابا وصلنا ل27 سنة ديال الزواج، علاقتي بها لا يمكن وصفها فقد تجاوزت حدود الحب والعشرة، لقد بت أشعر وكأننا شخص واحد"، يبوح التازي ل"المشهد"، مضيفا "علاقتنا باتت عميقة لدرجة أنني بت أشعر بما تفكر به زوجتي والعكس صحيح". لا تحب زوجة كريم التازي أن تسلط عليها الأضواء، كما هو الشأن بالنسبة لابنهما الصغير جعفر... "أنا الدنيا هانية عندي هي اللي مكتبغيش، نخليوها على خاطرها"، يكشف الزوج ل"المشهد. لكريم التازي ثلاثة أبناء، عثمان، 25سنة، وهو يعيش بإنجلترا، وعايدة، 21سنة، تدرس، حاليا، العلوم السياسية ببوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية، وجعفر، 18سنة، يدرس، حاليا، بالمدرسة الأمريكية... "لماذا اتجه أبناؤك إلى الدراسة باللغة الإنجليزية؟" تستفسر "المشهد" فيرد "لأن المستقبل كله بالإنجايزية، اللغة الفرنسي باتت بمثابة خضرة فوق طعام، اللي عندو غي الفرانساوية راه هزو الما".
الفاسي – البيضاوي
رغم أنه يتحدر من أسرة فاسية مناضلة إلا أن كريم التازي يعتبر نفسه مقربا أكثر من إلى بيضاوة من أهل فاس... "ولدت بالدار البيضاء، وترعرعت بها، وعشت بها كافة مراحل حياتي، لذلك فأنا لا أعتبر نفسي فاسيا". يحمل التازي الكثير من العتاب لأهل فاس، مؤكدا أن عددا كبيرا منهم "فرطو في مدينتهم، فاس باتت طايحة بالطراف"، متسائلا "آش دارو أهل فاس الملايرية باش يعتقو مدينتهم؟... والو!!".
لكن، في مقابل ذلك يشيد مدير "ريشبوند" بمن أسماهم ب"الأقلية"، التي قدمت الغالي والنفيس في سبيل مدينتها فاس. "لا يجب هنا أن ننكر كل تلك المجهودات المبذولة من قبل عدد من الأشخاص، الذين دافعوا عن مدينتهم، وساهموا في تطويرها وتنميتها"، يبوح كريم التازي، الفاسي الأصل والبيضاوي النشأة.
حضور يومي
اجتماعات ماراطونية اعتاد المقاول المغربي أن يترأسها صباح كل يوم، للوقوف على سير العمل بشركته وبنكه، لكن لا بأس من أخذ قسط من الراحة... فقد حان وقت الغذاء، لذي يشكل فاصلا، ألف التازي أن يستغله ليسترجع حيويته ونشاطه... فبرنامج يومه ما يزال حافلا بالمواعد واللقاءات.
الثانية والنصف ظهرا، التاوي يستعد إلى مغادرة مقر مجموعته باتجاه مصانعه، "الحضور الدائم للمدير العام، ومواكبته المستمرة لمردودية مشاريعه، يدفع المستخدمين إلى بذل قصارى الجهد للعمل في المستوى المطلوب"، يقول التازي، موضحا أن "الغياب المستمر لرب العمل عن مؤسسته يقود، لا محالة، نحو فشل مشروعه".
المصدر: مجلة المشهد[img]
[/img]