الإنترنت لعلاج الصدمات النفسية في العراق:
نافذة الكترونية على ضحايا الصدمات النفسية
في ضوء الأوضاع الأمنية والحياتية الصعبة للمواطنين في العراق وانعكاس أثر ذلك على أوضاعهم النفسية، ما يجعلهم عرضة للتوتر والضغط النفسي، يشكل مشروع معالجة ضحايا الصدمات النفسية الناتجة عن الحرب في العراق عن طريق الإنترنت والذي يتخذ من برلين مركزا له بارقة أمل لهؤلاء الضحايا.
يهدف المشروع إلى مساعدة العراقيين ضحايا الصدمات النفسية الناتجة عن الحرب
أول سؤال راود المشرفتان على هذا المشروع، بيرجيت فاغنر وكريستينا كنيفلسرود، من مركز برلين لضحايا التعذيب، هو إمكانية وصول المستفيدين إلى شبكة الإنترنت في العراق. بيرجيت فاغنر تجيب قائلة بأنهما لم تكونا قادرتين على السفر إلى العراق، "فنحن كنا نعتمد على التقارير التي ترد من هناك، ولدى العراقيين إمكانية استعمال الإنترنت، لكن ليس بالتطور الذي لدينا هنا في الدول الأوروبية، والإنترنت يستخدم هناك مثلا للتحقق من الوضع الأمني".
هذا واضطرت بيرجيت وكريستينا للقيام بالعديد من الحملات الدعائية لنشر فكرة مشروعهما في العراق، والذي يهدف إلى معالجة ضحايا الصدمات النفسية الناتجة عن الحرب بواسطة موقع الكتروني على الإنترنت، وهو أمر غير جار به العمل لدى المواطنين العاديين. وظهرت أفلام دعائية قصيرة على أشهر القنوات الإخبارية في العالم مثل سي.إن.إن وقناة الجزيرة والعربية، إضافة إلى إعلانات ظهرت في الصحافة المحلية في العراق للفت نظر المعنيين إلى هذا المشروع.
برنامج علاج كامل في الإنترنت
وأنهت كل من بيرجيت فاغنر وكريستينا كنيفلسرود جزءاً من دراستهما في الطب النفسي في مدينة أمستردام الهولندية، وذلك تحت إشراف ألفرد لانغة، أحد رواد العلاج النفسي عن طريق الإنترنت، والذي قام منذ أعوام بتطوير برنامج علاج نفسي لضحايا عوارض التوتر الناتج عن الصدمات المعروف اختصارا بPSTT يمكن الاستفادة منه بشكل كامل عن طريق الإنترنت.
تعرض الكثير من العراقيين للعنف وتبعاته، ما أثّر على أوضاعهم النفسية
ومن خلال هذا البرنامج يقوم المريض بكتابة عشرة نصوص على مدى خمسة أسابيع، يصف من خلالها التجربة التي سببت له الصدمة، وفي النهاية يقوم المريض بكتابة "رسالة وداع موجهة للصدمة النفسية". ويتم إرسال كل نص يكتبه المريض بالبريد الإلكتروني إلى الطبيب النفسي المعالج، والذي يقوم بقراءتها والتعليق عليها وإرسال التعليمات الخاصة بكيفية كتابة الرسالة التالية. ويشير العديد من الدراسات إلى فاعلية هذه الطريقة، والتي يتم استخدامها حالياً في هولندا لمعالجة أشكال مختلفة من الصدمات النفسية. وتم تطوير المفهوم الهولندي لملائمة بيئة وثقافة مناطق النزاع بالتعاون مع عدد من الأخصائيين المحليين، وبناء عليه يتم بناء الموقع الإلكترونية الخاص بالبرنامج العلاجي. وتضيف بيرجيت فاغنر أن "بعض المعالجين النفسيين عراقيون كانوا في السابق مرضى ويعيشون حالياً في سوريا أو دبي أو لندن. هناك بالطبع أطباء نفسيون أيضاً من ألمانيا ولكن من ذوي أصول عربية".
معالجون محليون وبيئة غير ملائمة
ومن المهم للمشروع ألاّ يكون المعالجون النفسيون معرضين للصدمات النفسية أيضاً، فمعظمهم يقيمون في دول مجاورة للعراق، وينحصر نشاطهم في الرد على استفسارات المرضى بواسطة استمارة يتم تعبئتها عن طريق الإنترنت، ويتم على أساسها تحديد ما إذا كان البرنامج مناسباً لعلاج حالة المريض. ويتم إقصاء المرضى المهديين بالإقدام على الانتحار أو الذين يعانون من هوس نفسي من البرنامج.
يشارك عدد من المؤسسات حالياً في هذا المشروع، مثل مركز برلين لضحايا التعذيب وجامعة زيوريخ
وتعتبر إمكانية معالجة المرضى في العراق محدودة للغاية، إذ إن شروط العلاج النفسي هناك ليست متوفرة بشكل جيد. هذه ليست المشاكل الوحيدة التي تعاني منها منظمتا المشروع، إذ تؤكد بيرغيت فاغنر إنهن يكافحن "بسبب طول فترة العلاج في العراق مقارنة بأوروبا، فالبرنامج الذي يدوم في أوروبا خمسة أسابيع يستغرق في العراق من أربعة إلى خمسة شهور، وهذا عائد على الوضع الأمني المتدهور، والذي يمنع المرضى من مغادرة منازلهم. هذا يعتبر عامل إزعاج كبير للعلاج وللمشروع".
إضافة إلى ذلك تعاني المشرفتان على المشروع من عدم الثقة التي يبديها العراقيون اتجاه بعض المؤسسات الغربية، إذ يشكو المرضى المشاركون في البرنامج من أن أصدقاءهم ومعارفهم في العراق يتهمون المشروع بأنه مموّل من الاستخبارات الغربية، ما يدفع بعضهم لقطع العلاج. ويشارك عدد من المؤسسات حالياً في هذا المشروع، مثل مركز برلين لضحايا التعذيب وجامعة برلين الحرة وجامعة زيوريخ. وتأمل منظمتا المشروع في أن يتم تطويره مستقبلاً وأن تنجحا في التغلب على قلة الثقة في فعالية العلاج النفسي عن طريق الإنترنت.
أندريا لويغ
ترجمة: ياسر أبو معيلق