العولمة
المزارع والمصانع
أصبحت الفاكهة الغريبة في متاجر ألمانيا شيئاً مألوفا وهي علاوة على ذلك زهيدة الثمن أيضاً. الثمن يدفعه آخرون، رجال ونساء في كثير من البلدان في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. تقرير زيلكه بالفيغ
تعمل، على حد تقدير منظمة التنمية أوكسفام، الملايين في شتى أنحاء العالم بشكل غير مباشر، أي عن طريق موردين، ويبلغ عدد العاملين لصالح السلاسل التجارية العالمية الكبرى، الـ "Global Players" الـ 35 مليون إنسان فيما يسمى بالبلدان ذات الأجر البخس وحدها. 85 بالمائة من العاملين هم من النساء، وهن بالذات يعانين بالدرجة الأولى من آثار العولمة.
استغلال النساء
لم يعد بالشيء النادر أيضاً أن تقوم شركة ما بإغلاق مصنع في ألمانيا، لأنه بالإمكان إحراز نفس المنتوج في أفريقيا أو آسيا بخمس التكاليف فقط، بل إن هذه ظاهرة تندرج بصفة عامة تحت راية "العولمة". النساء هن اللواتي يقمن بالدرجة الأولى في البلدان التي تدعى بالبلدان ذات الأجور المتدنية بخياطة أحذية الرياضة وبتركيب ألعاب الأطفال على أشرطة النواقل الآلية في المصانع أو بالاهتمام بالمحاصيل في مزارع الفاكهة الكبرى.
ليس بالضرورة توفر أي تأهيل مهني لممارسة هذه الأعمال، وهي أنسب ما يكون للنساء، تقول كريستا فيشترش، مؤلفة كتاب "المرأة المعولمة". "نجد لهذا السبب نساءًا في الأعمال البسيطة وفي الأعمال الجزئية المؤقتة وفي أعمال عن طريق شركات إعارة أو في مجال الصناعة المنزلية، أي في تلك الأنواع من الأعمال التي تتطور حالياً حاملة في طياتها خصائص العولمة والتي يمكن من خلالها تخفيض تكاليف الإنتاج في الأسواق".
ظروف عمل صعبة
إن إمكانية العمل في المدينة قد سنحت لنساء كثيرات في آسيا وأفريقيا لأول مرة فرصة الخروج من قراهن وفرصة عيش حياة مستقلة. ولكن العمل في المصانع يعني أيضاً: أداء الخدمة لمدة تصل حتى سبعين ساعة في الأسبوع، وهذا في ظل ظروف عمل بائسة، حيث تقول كريستا فيشترش:
"قد أصيبت الكثيرات منهن بالتهلكة بعد بضعة سنوات وأجبرن على ترك العمل أو طردن منه ببساطة لأنه لم يعد بمقدورهن التماشي مع سرعة العمل الآخذة بالازدياد بإضطراد ومع تكثيف العمل أكثر من ذلك، وهذه ظاهرة تميزت بها هذه الأعمال في الآونة الأخيرة."
ولكن العولمة تضع النساء أمام آثار أخرى أيضاً: فمن شأن حتى التغييرات الصغيرة وبالذات في المناطق الفقيرة في أفريقيا أن تتسبب في اختلال البنية الاقتصادية الهشة اختلالاً كلياًً. فانتشار سلاسل الأسواق المتزايد مثلاً يفسد الأسعار المحلية في بلدان كثيرة ويسلب النساء قوت عيشهن.
تأثير سلبي على الزراعة المحلية
مرغريت مشانا التي عادت إلى وطنها تنزانيا قبل بضعة سنوات بعد أن عاشت فترة طويلة في ألمانيا، والتي تعرف مشاكل النساء في تنزانيا حق المعرفة، تقول:
"لدى النساء هناك الخضار والحليب، ولكن ليس بمقدورهن عرض هذه المنتجات للبيع في السوق. حيث يفضل المستهلكون هناك التسوق في المتاجر، التي تقوم بعرض الحليب بوفرة. وبهذا لا يتسنى لنساء القرى بيع منتجاتهن. عندها يجبرن على بيعها بثمن بخس. وبعبارة أخرى، ينبغي استبدال هذا الحليب للحصول على منتجات أخرى. وإن لم يتمكن من بيعه، يعدن بخيبة الأمل إلى منازلهن."
وبهذا تتعطل الزراعة المحلية أكثر فأكثر، النساء في القرى يفقدن مصدر دخل هام. وإذا ما قامت مؤسسات ضخمة بشراء الأراضي من أجل إنشاء مزارع كبرى خاصة بها، انتهى الأمر في آخر المطاف بزوال الزراعة المحلية عن بكرة أبيها: فبدلاً من الإنتاج للسكان المحليين، فإن النساء هناك يعملن من أجل الأسواق في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك، فحتى هذا لا يضمن لهن مصدر رزق مؤكد، فيؤدي التصنيع المتزايد في مزارع القهوة مثلاً إلى استخدام المزيد فالمزيد من الماكنات، مما يؤدي بدوره إلى الاستغناء عن الأيدي العاملة البشرية. وبعد خسارة كيانهن كمزارعات، يخسرن النساء أيضاً عملهن في مزارع ألـ " Global Players".
بقلم زيلكه بالفيغ، دويتشه فيلله، 2004
ترجمة مصطفى السليمان