المفكر طارق رمضان وتحدي العولمة
مناهضو العولمة أمام تحدّيات التعدّديّة
يتهم المفكر المعروف طارق رمضان مناهضي العولمة في الغرب بالتمسك بمركزية غربية ويطالبهم بالدخول في حوار حقيقي مع المسلمين
المناهضين للعولمة غالبًا ما يرون إلى التعدّد الثقافي والديني كمجرّد حسن نيّة مبدئيّة ينبغي التذكير بها، وليس كواقع يجب التعامل معه والمخاطرة باتجاهه والبناء على أساسه
عرفت حركة التنظيمات الجماهيريّة المناهضة للعولمة في السنوات الأخيرة مدًّا لا مثيل له. والحشود التي جنّدت لاستقبال اجتماع مجموعة الثمانية G8 في إفيان لهي الدليل على أنّ المواجهة لم تفقد حيويّتها. من بورتو أليغري إلى فلورنسا ( ثمّ باريس-سان دني في شهر نوفمبر المقبل)، من سيتل إلى إفيان، ومن مساندة الـ Chiapas إلى التصدّي إلى حرب العراق ؛ تتغيّر الأماكن و المناسبات والأسباب وتتعدّد لتفسح المجال لتيّار الرفض الجذري للرأسماليّة الليبراليّة الجديدة كي يعبّر عن نفسه مغتذيًا بالأمل في عولمة أخرى أكثر عدالة، وأكثر إنسانيّة وأكثر كرامة؛ لأنّنا جميعًا نعتقد بأنّ " إيجاد عالم آخر ممكن!"
المركزية الغربية
لا يسع المرء، وهو يتوقّف بالدرس على الأدبيّات الصادرة عن العناصر النشطة في هذه الحملة التعبويّة، إلاّ أن يندهش للمنطق الداخلي الذي يتأسّس عليه هذا النضال. أمام رأسماليّة بلا روح تجعل من كلّ شيء سلعة ومادّة تجاريّة ( الكائنات البشريّة، الذكاء، الجسد، الممتلكات والخدمات العموميّة، الهواء، الطبيعة …إلخ )، تستيقظ الضمائر مطالبة باحترام العدالة والكرامة الإنسانيّة وبحماية المحيط والتوازنات الجينيّة، معلنة في الآن ذاته عن حقّ الشعوب في الديمقراطيّة وتقرير المصير. وبصرف النظر عن كوننا نلتقي هنا مجدّدًا بالشعارات القديمة جدًّا لمختلف الاتّجاهات اليساريّة، فإنّه لا يسعنا إلاّ أن نلاحظ أنّ القراءة النقديّة للعالم التي تقوم بها هذه الحركة، وكذلك العدد المتنوّع من الإجابات المقترحة تستند إلى مقاربة هيكليّة لملابسات الواقع. وفي خضمّ جدل مطبوع بمركزيّة غربيّة شديدة ينهض منطق اقتصاديّ إنسانويّ وإنسانيّ للإجابة على جنون منطق آخر مجرّد من كلّ اعتبار إنسانيّ: نمط ديموقراطيّ (محلوم به هنا-في الغرب) يُستعمل للتنديد بأنظمة لا تكفّ في معاشها اليوميّ عن خيانته (هناك في أغلب الأحيان –خارج الغرب)، عقلانيّة النظام الأخلاقي في مواجهة مع عقلانيّة "المال". إنّ علاقات المواجهة تبدو واضحة المعالم إذًا.
غير أنّ ما يبعث على الدهشة هو الغياب الكلّي تقريبًا للاهتمام الجادّ بمسألة التعدّد الثقافي والديني، عدا ما يأتي عرضًا في سياق الحديث المتداول عن "واجب التسامح". إنّ المناهضين للعولمة غالبًا ما يرون إلى التعدّد الثقافي والديني كمجرّد حسن نيّة مبدئيّة ينبغي التذكير بها، وليس كواقع يجب التعامل معه والمخاطرة باتجاهه والبناء على أساسه، إلى حدّ أنّه ليس من النّادر البتّة الالتقاء بنساء ورجال يناضلون من أجل أكثر الأفكار تقدّميّة في المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصاديّ، بينما يظلّ خطابهم في المجال الثقافي يغتذي من الأمثلة الاستعماريّة العتيقة. ومن ملتقى إلى آخر غدا من المعتاد الالتقاء بهذا النموذج الجديد للمناضل – صورة حيّة لتناقض اليسار المعاصر- التقدّميّ على المستوى الاقتصادي، لكنّه امبريالي إلى حدّ بعيد على المستوى الثقافيّ؛ على استعداد للصراع من أجل العدالة الاجتماعيّة وفي الوقت نفسه واثق حدّ الغرور من حقّه في النطق بقيم كونيّة صالحة للجميع.
وفي الوقت الذي تزداد فيه التناقضات بين الثقافات والديانات احتدامًا لا يمكن أن تظلّ حركة المناهضين للعولمة لا تطرح المسألة المركزيّة لتعدّد الثقافات والأديان والدور الذي يلعبه في حركة المقاومة، وما يمكن أن يقدّمه من إسهامات مهمّة من أجل تعدّديّة مثرية بقدر ما هي ضروريّة. أمّا أن يُدعى إلى عولمة مغايِرة مع التسلّح في نفس الوقت بالنمط الغربي للعقلانيّة وحده من أجل التصدّي للتبضيع التماثليّ للعالم فذلك ما يعدّ أكثر من مجرّد تناقض؛ إنّه لغو فادح.