القضية الكوردية في تركيا
إختلاف المراحل والنهج السياسي الواحد
دلشا يوسف
القضايا الإجتماعية و السياسية في تحول دائم، و مع مرور الزمن و تحت ظروف جديدة، تخرج للوسط بأشكال مختلفة. و القضية الكردية في تركيا واحدة من هذه القضايا التي إختلفت مراحلها و أشكال ظهورها، لكنها بقيت في مقدمة جميع القضايا .
هذه القضية السياسية، حافظت على وتيرة حضورها الدائم في المحافل التركية على مدى ما يقارب القرن و نصف القرن. مرة على شكل إنتفاضات و عصيانات شعبية، تلتها مرحلة تشكيل الجمعيات السياسية التي تم حظرهم واحدة تلو الأخرى، و بعدها بدأت الحركات التحررية بالظهورو ما زالت تستمر حتى الآن. و مع بدء بوادر ظهور القضية السياسية الكوردية، بدأت معها ممارسة سياسة الإنكار و الإبادة العرقية و الأحكام العرفية والتهجير القسري و التدابير الأمنية المشددة و الترهيب و الترعيب الممنهج و عمليات قتل فاعلوها مجهولي الهوية و هلمجراً.
و اليوم و رغم التغيرات الطارئة على أشكال القمع و الممارسات السياسية للدولة التركية تجاه القضية الكوردية، ما تزال القضية الكوردية قائمة و تبحث عن حلول جذرية لها، و تنفك طلاسم التنظيمات السرية المدسوسة بين الكورد و التي تأسست من قبل الدولة بهدف إطفاء الحركات الكوردية، و يتم إزالة الغطاء عن المستور، حيث يخرج القائمين على رأس هذه التنظيمات بالإعتراف بما أسسوا له و بما إقترفت أيديهم و في مقدمتهم تشكيلات الجندرمة و الإستخبارات لمكافحة الإرهاب و التي لم تعترف الدولة بوجودها أصلا إلا بعد إنكشاف الوثائق السرية و إعتراف القائمين بتأسيسها علنا عبر الفضائيات التركية.
و من خلال إطلاعي على آراء الكتاب الأتراك، إستنتجت أنهم باتوا لا يخفون الحقيقة، و يتفقون مع الرأي القائل بأن القضية الكوردية في تركيا، ليست وليدة هذه المرحلة، بل تمتد جذورها في عمق التاريخ.
ففي مقال لكاتب العمود ( علي بيرم أوغلوا) و المنشور في صحيفة "يني شفق" تحت عنوان ( السياسات الممارسة تجاه الكورد و مبدأ الحذف ومن ثم البدء من الأول" يقول فيها الكاتب:
من المعروف أن القضية الكوردية بنواحيها السياسية، الإقتصادية، الثقافية و الأمنية، تعتبر ذات جذور عميقة و متشعبة.
لكم الحرية في كيفية تعريف الآمال والحركات الكوردية، و لكن الحقيقة تقول أن هذه القضية تعود لما قبل (150) عاماً.
و يقول الكاتب ملفتا النظر لفترة الإنتفاضات الكوردية قائلا:
" بدأت أول إنتفاضة كوردية عام 1834، و تواصلت الإنتفاضات على شكل فصول حتى يومنا هذا.
ففي مرحلة السلطان محمود الثاني في العهد العثماني، و مع بدء حركة التحديث، يعني بين عام 1830-1840 ، و من أجل تأسيس السلطة المركزية للدولة العثمانية، تم القضاء على الإمارت الكوردية التابعة للنظام الباشوي، و إنهاء سلطتهم الإدارية و السياسية. و هكذا بدأت سلسلة الإنتفاضات الكوردية بالظهور، كرد فعل على مبادرات الإصلاح آنذاك.
و كانت إنتفاضة البدرخانيين 1834-1838، في منطقة بوطان، أولى هذه الإنتفاضات. و بعد ذلك إنتفاضة عبيد الله النهري 1877-1880. و في نهاية العهد العثماني تم تأسيس جمعية الإتحاد و الترقي الكوردي(1908) وجمعية هيفي الطلابية (1912). و في مرحلة التحرير ظهرت عصايانات و إنتفاضات شتى منهم عصيان عليكي بطي، عصيان شيخ أشرف و كوجكيري و إنتفاضة شيخ سعيد بيران( 1925)، و إنتفاضة آغري (1930) و إنتفاضة ديرسم (1935). و أخيرا ظهرت حركة حزب العمال الكوردستاني في الثمانينيات.
هذه العصيانات و الإنتفاضات و إن إتسمت بعضها بالعشائرية و الدينية و القومية، و أخرى إتسمت بالعصرية، لكنهم جميعا يحملون سمات كوردية".
إذا هناك قاسم مشترك بين العهد العثماني و العهد الجمهوري من حيث أساليب معالجة القضية الكوردية، حيث إتخذت كافة الأنظمة سبل التدابير الأمنية المشددة، و التهّرب من حقيقة أن القضية الكوردية، قضية سياسية، إقتصادية و إجتماعية. و حتى هذا اليوم ما يزال الوضع قائما و المناطق الكوردية في تركيا حبيسة هذه الممارسات العرقية.