العاصفة مقبلة يا إسرائيل فابتعدي عن طريقها !
توماس فريدمان*
ذهبت للقاء جنرال إسرائيلي متقاعد في فندق في تل أبيب. وبينما كنت اتخذ مقعدي، بدأ هو الحوار بالقول: "حسنا، كل ما فكرنا فيه خلال الأعوام الثلاثين الماضية لم يعد ذا صلة الآن".
هذا يلخص الشعور المربك بالصدمة والرعب الذي تسببت به الثورة الشعبية المصرية على نفسية المؤسسات الإسرائيلية. كان اتفاق السلام مع مصر مستقرة أساسا غير معلن لجميع السياسات الجيوسياسية والاقتصادية في إسرائيل في الأعوام الخمسة والثلاثين الماضية، والآن اختفى هذا. والأمر هو كما لو استيقظ الأميركيون يوما ووجدوا المكسيك وكندا غارقتين في الاضطراب في اليوم نفسه.
علق مارك هيلر، وهو محلل استراتيجي في جامعة تل أبيب بالقول: "إن كل شيء كان مرساة عالمنا ذات يوم صار مرفوعاً الآن، ويحدث هذا في اللحظة التي نرى فيها احتمال تحول المنطقة إلى منطقة نووية وهو يلوح في الهواء".
إن هذا وقت محفوف بالمخاطر بالنسبة إلى إسرائيل، ومن الممكن فهم قلقها. لكنني أخشى أن تجعل إسرائيل وضعها أكثر خطورة إذا ما استجابت لما يقوله عدد من المسؤولين الإسرائيليين الكبار اليوم من أن الأحداث في مصر تثبت أن إسرائيل لا يمكنها أن تصنع سلاماً دائماً مع الفلسطينيين. هذا أمر خاطئ وخطير.
من الأكيد إن حسني مبارك، حليف إسرائيل منذ وقت طويل، يستحق كل الغضب الذي يوجه إليه. إن أفضل وقت لاتخاذ أي قرار كبير وصعب هو عندما تكون في أوج قوتك. ذلك انك ستتصرف وتفكر دوماً بشكل أكثر وضوحاً. وفي الأعوام العشرين الماضية، كان مبارك يملك كل القدرة والنفوذ اللذين يمكن أن يحتاجهما لتنفيذ إصلاحات حقيقية في اقتصاد مصر وبناء مركز سياسي معتدل وشرعي لسد الفراغ بين دولته السلطوية والإخوان المسلمين.
لكن مبارك أبقى متعمدا على الفراغ السياسي بينه وبين الإسلاميين حتى يكون بوسعه دائماً أن يقول للعالم "إما أنا أو هم". والآن هو يحاول الإصلاح وسط الذعر وبلا نفوذ. الوقت متأخر جدا.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واقع تحت خطر أن يصبح "مبارك عملية السلام". اذ لم يسبق أن كانت إسرائيل تتمتع بهذا القدر من التأثير إزاء الفلسطينيين ولم يسبق أن كان لديها شريك فلسطيني أكثر مسؤولية. لكن نتنياهو اختلق كل عذر من أجل عدم وضع خطة سلام على الطاولة. الأميركيون يعلمون ذلك. وبفضل العمل البشع الذي قامت به قناة "الجزيرة" الفضائية بنشر كافة "التنازلات" الفلسطينية خارج سياقها- من أجل إحراج القيادة الفلسطينية- فإن من الواضح الآن للجميع إلى أي مدى تقدم الفلسطينيون.
لا، لست أعلم ما إذا كانت هذه القيادة الفلسطينية تملك الإصرار اللازم لإتمام اتفاق. لكنني أعلم الآتي: إن لإسرائيل مصلحة كبرى في الذهاب إلى مسافة إضافية من أجل اختبارهم.
لماذا؟ مع اندفاع قادة كل من مصر والأردن لإعادة تشكيل حكومتي البلدين في محاولة للبقاء متقدمين على الشارع، يمكن قول أمرين بشكل مؤكد: أيا كان ما سيحدث في الدولتين العربيتين الوحيديتين اللتين وقعتا اتفاقات سلام مع إسرائيل، فإن العلمانيين المعتدلين الذين كانوا يحتكرون السلطة سيكونون أضعف، وحركة الإخوان المسلمين التي كانت مقيدة ستصبح أقوى، إلى حد غير معروف بعد.
أما وان الحال كذلك، فان من المؤكد عملياً أن الحكومة المصرية المقبلة لن يكون لديها الصبر أو المجال الذي كان لدى مبارك للمناورة مع إسرائيل. والأمر ذاته ينطبق على الحكومة الأردنية الجديدة. ولا يخطئن أحد: الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ليس له علاقة بتأجيج المظاهرات في مصر والأردن، لكن العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية ستتأثر بالأحداث في هاتين الدولتين.
توماس فريدمان*
إذا لم تبذل إسرائيل جهداً منسقاً للتوصل إلى صفقة مع الفلسطينيين، "فسيتعين على الحكومة المصرية الجديدة أن تنأى بنفسها عن إسرائيل لأنه لن يكون لها مصلحة في المحافظة على العلاقة الوثيقة التي كانت لمبارك"، حسب قول مستطلع الآراء الفلسطيني خليل الشقاقي. وأضاف انه مع التغييرات الكبيرة في المنطقة "إذا بقيت إسرائيل مصابة بجنوب الارتياب متظاهرةً بالمثالية وطماعة فإنها ستفقد جميع أصدقائها العرب".
وبتعبير فج، إذا قال الإسرائيليون لنفسهم إن انتفاضة مصر تثبت لماذا لا تستطيع إسرائيل التوصل إلى سلام مع السلطة الفلسطينية، فإنهم عندئذ يقنعون أنفسهم بالتحول إلى دولة تفرقة عنصرية – وسيقنعون أنفسهم باحتواء الضفة الغربية بصورة دائمة، زارعين بذلك البذور لغالبية عربية تحكمها أقلية يهودية بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.
وما يبينه الجيشان في مصر أيضا هو إلى أي مدى إسرائيل محاطة بعدد هائل من السكان الشبان العرب والمسلمين الذين كانوا يعيشون خارج التاريخ – معزولين بالنفط والحكم الفردي عن الاتجاهات العالمية الكبرى. لكن هذا (الانعزال) انتهى.
قال لي رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في مكتبه في رام الله: "اليوم لا بد أن تكون شرعيتنا بناءً على ما نقدمه. لقد ولت الأيام التي كنا نقول فيها: تعاملوا معي لان الأشخاص الآخرين أسوأ".
لقد يئست من حكومة نتنياهو وحثيت الولايات المتحدة على إدارة ظهرها. ولكن هذا كان قبل مصر. اليوم، أنا اعتقد أن الرئيس اوباما يجب أن يضع خطته للسلام على الطاولة، لسد الفجوة بين مواقف الفلسطينيين ومواقف الإسرائيليين، وان يطلب من الطرفين التفاوض بشأنها من دون أي شروط مسبقة. إن من الحيوي لمستقبل إسرائيل – في الوقت الذي توجد فيه حملة عالمية لنزع الشرعية عن الدولة اليهودية – أن تفصل نفسها عن قصة العرب بقدر ما تستطيع. إن هناك عاصفة عاتية مقبلة يا إسرائيل. ابتعدي عن طريقها.
• المصدر: جريدة "القدس" العربية، نقلا عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.