دعاوى قضائية ضد رؤساء بلدية أكراد في ديار بكر:
حين تصبح التعددية اللغوية جريمة إنفصالية!
رئيس البلدية الكردي عبد الله دميرباش
تعرَّض رئيس إحدى البلديَّات التركية إلى تحقيقات ومحاكمة إدارية، أدَّت إلى عزله من منصبه على خلفية حملة توعية للمواطنين عن طريق لافتات، إستخدم فيها رئيس البلدية اللّغة الكردية. تقرير كتبه عمر إرزيرين عن تبعات هذه القضية.
تسود في تركيا حالة من نقص التبرُّع بالأعضاء، حيث تقوم منظَّمات وجمعيَّات عدة، إضافة الى وزارة الصحة بحملات توعية ودعاية من أجل حث المواطنين على التبرُّع بالأعضاء.
أراد عبد الله دميرباش رئيس بلدية ناحية سور التابعة لمدينة ديار بكر الكردية القيام بواجبه، فقامت الإدارة البلدية بالدعاية بملصقات كتبت باللّغتين التركية والكردية، داعية إلى التبرُّع بالأعضاء. الأمر الذي دفع الحكومة إلى البدء بالتحقيق معه، بدلاً من أن تقدِّم جزيل شكرها له على ذلك. استشعر المحقِّقون وجود نشاطات غير مشروعة، ذلك لأنَّ الإدارة البلدية قامت بطبع ملصق باللّغة الكردية.
عزل رئيس بلدية كردي
أعقبت هذه التحقيقات تحقيقات أخرى، بسبب رجوع عبد الله دميرباش في هذه الحملة التثقيفية التي قامت بها الإدارة البلدية إلى تلك اللّغة التي يتكلَّمها المواطنون الذين انتخبوه. توصَّلت دراسة أُجريت بتكليف من الإدارة البلدية إلى نتيجة مفادها أنَّ 72 بالمائة من مواطني المنطقة يتكلَّمون اللّغة الكردية و24 بالمائة يتكلَّمون التركية.
كذلك أظهرت هذه الدراسة أنَّ اللّغة الأصلية لدى بعض المواطنين هي الأرمنية والسريانية (الآشورية) والعربية. دافع رئيس البلدية في حديث ألقاه أمام المنتدى الاجتماعي الأوروبي عن هذا العرض الذي قدَّمته البلدية بلغات متعدِّدة. فوجِّهت له تهمة بسبب هذا الحديث أيضا. وفي آخر المطاف رفعت وزارة الداخلية دعوى ضدَّه من أجل عزله من منصبه.
وهكذا تمَّ مؤخَّرًا عزل عبد الله دميرباش من منصبه إثر حكم صدر بحقِّه عن محكمة القضاء الإداري العليا، مثلما تمَّ عزل أعضاء المجلس البلدي، الذين وافقوا على قرارات دميرباش. اعتبر القضاة هذا العرض الذي قدَّمته إدارة البلدية بلغات متعدِّدة مخالفًا للدستور. والآن يسعى دميرباش إلى رفع دعوى لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
الدعاية لمنظمة إرهابية
"نحن لا نريد سوى تقديم خدمة أفضل للمواطنين، من خلال رجوعنا إلى اللّغة التي يتكلَّمها المواطنون"، حسب قول دميرباش الذي صادرت الشرطة سيَّارته الرسمية: "لا تختلف الحال عمَّا هي عليه في رحلات الخطوط الجوية التركية، حيث لا يتمّ ذكر الإعلانات باللّغة التركية فقط، بل بالإنكليزية أيضًا".
لا يناضل دميرباش حاليًا من أجل إلغاء الحكم الذي يقضي بعزله من منصبه وحسب؛ بل هناك دعوى جزائية مرفوعة ضدَّه بسبب "الدعاية لمنظَّمة إرهابية". لقد دافع عن نفسه في الجلسة الأولى قائلاً: "إنَّ الدفاع عن تركيا بهويَّات وثقافات ولغات متعدِّدة لا يعتبر نزعة انفصالية".
بيد أنَّ ما حدث لعبد الله دميرباش يحدث للكثير من السياسيِّين الذين يمثِّلون "حزب المجتمع الديموقراطي" (DTP) في هذه البلديَّات. فهناك مجموعة من الدعاوى المرفوعة ضدَّ عثمان بايدمير رئيس بلدية ديار بكر. تتعلَّق إحدى هذه الدعاوى بتوفير رئيس البلدية سيارة إسعاف تابعة لبلدية المدينة من أجل نقل جثة مقاتل من حزب العمَّال الكردستاني إلى المقبرة.
حصل عثمان بايدمير في الانتخابات البلدية الأخيرة على 58 بالمائة من الأصوات. صارت أعمال القمع والعقوبات الانتقامية بحقِّ سياسيِّين عاملين في المجالس البلدية من الذين ينتمون لحزب المجتمع الديموقراطي أمرًا شائعًا، منذ أن صار الحزب ممثَّلاً في رؤساء البلديَّات في الكثير من المدن والنواحي الكردية.
حرب استنزاف وطابور خامس
الكثير من قوانين الإصلاحات التي أُقرَّت في السنين الأخيرة لا تطبَّق في المناطق الكردية. حيث يخوض البعض حرب استنزاف ضدَّ الذين يحاولون الاستفادة من هذه الحقوق الجديدة. وثمة إجماع من الحكَّام على التشنيع بحزب المجتمع الديموقراطي باعتباره "طابورًا خامسًا" وفرعًا من حزب العمَّال الكردستاني، ولذلك جرى عزله عزلاً تامًا على المستوى البرلماني عن عملية صنع القرار. والسبب هو حاجز العشرة بالمائة الخاص بالانتخابات البرلمانية. حصل حزب المجتمع الديموقراطي في انتخابات مجلس الأمة على ما ينيف عن ستة بالمائة من الأصوات.
لكن على الرغم من عزل رؤساء البلديَّات المنتمين لحزب المجتمع الديموقراطي، وعلى الرغم من الدعاوى المرفوعة ضدًّهم والاحتيالات فقد تكوَّن في السنين الأخيرة نوع من العمل المشترك ما بين الحكَّام الإداريِّين الذين يمثِّلون الحكومة المركزية في أنقرة وبين رؤساء البلديَّات. يشغل رؤساء هذه البلديَّات مناصبهم منذ سنين، الأمر الذي يجعلم مطَّلعين على هموم ومشاكل المواطنين وكثيرًا ما يقومون بدور الوساطة.
دعم شعبي لحزب المجتمع الديمقراطي
استغاث الحكَّام الإداريّون وآمرو قوات الأمن برؤساء البلديَّات من أجل تجنُّب التصعيد، عندما كان بعض الشبان من مؤيِّدي حزب العمَّال الكردستاني يستعد للقيام بعصيان في شهر آذار/مارس من العام الماضي في مدينة ديار بكر التي يصل عدد سكَّانها إلى مليون نسمة.
ومع ذلك لا يعتبر حزب المجتمع الديموقراطي على الإطلاق حزبًا عميلاً يتلقَّى الأوامر من مقاتلي حزب العمَّال الكردستاني، على الرغم من أنَّ حزب العمَّال الكردستاني يتمتَّع من دون شكٍّ بنفوذ قوي داخل حزب المجتمع الديموقراطي. لقد ازدادت الثقة بسياسيِّي حزب المجتمع الديموقراطي الذين يقفون من حزب العمَّال الكردستاني موقفًا منتقدًا.
لقد برز حجم دعم المناطق الكردية لحزب المجتمع الديموقراطي موخَّرًا أثناء تشييع جنازة أورهان دوغان في مدينة جزيرة Cizre، حيث شارك أكثر من مائة ألف شخص في الأسبوع الماضي في تشييع جثمان أورهان دوغان الذي كان نائبًا في مجلس الأمة التركي.
تكتيك لتجاوز حاجز النسبة المئوية
تمَّ رفع الحصانة البرلمانية عنه وعن ليلى زانا وعن نوَّاب أكراد آخرين. كما كان قد حُكم عليه في العام 1994 بالسجن لمدَّة 15 عامًا بسبب قيامه "بنشاطات انفصالية"، حيث قضى في السجون أكثر من عشرة أعوام. كان دوغان يحافظ دائمًا بعد الافراج عنه على مسافة تفصله عن حزب العمَّال الكردستاني فقد كان عضوًا عاملاً في صفوف حزب المجتمع الديموقراطي.
لن يترشَّح حزب المجتمع الديمقراطي كحزب في الانتخابات البرلمانية التركية التي ستُجرى في الـ22 من شهر تمُّوز/يوليو، بسبب حاجز العشرة بالمائة. إذ قام الحزب بدلاً من ذلك بترشيح 42 مرشحا مستقلا "وهم غير منتمين للحزب" في دوائر انتخابية مختلفة .
لا يسري مفعول حاجز العشرة بالمائة على المرشَّحين المستقلِّين غير المنتمين للأحزاب. وهكذا يتوقَّع حزب المجتمع الديموقراطي أنَّ عشرين مرشَّحًا مستقلاً على الأقل سيدخلون البرلمان. وسيكون بإمكانهم الانضمام من جديد إلى الحزب بعد انتهاء الانتخابات فمع وجود عشرين نائبًا يمكنهم حتَّى تشكيل ائتلاف في البرلمان الجديد.
بقلم عمر إرزيرين
ترجمة رائد الباش