نقطة ضوء : الوزير مغربي و اللغة فرنسية
في تجربة لإخراج ما يجول من حديث في المقاهي و المنازل، حول السياسة و الإجتماع و الواقع المعيش، يخاف الناس التعبير عنه علانية .... إرتأيت أن يكون هذا العمود، ترجمة لتلك الأحاديث في مقالات مختلفة و متنوعة.
بلافران/ هشام بناجي
الوزير مغربي و اللغة فرنسية
رغم أنني نسيت الكثير من أبجديات الكتابة الجميلة, رغم أنني نسيت الكثير من القصائد التي كتبتها بلغة عربية فصيحة، ورغم إصرار الدولة على تكريس اللغة الفرنسية كلغة لا بديل عنها للإبداع، و العيش، و الحصول على و ظيفة جيدة.
رغم هذا و ذاك، أصر على الكتابة باللغة العربية، لغة المعلقات و القصائد الجميلة، لغة قيس، الحطيئة و المتنبي...
متحديا بذالك من يدعي موت هذه اللغة الجميلة، من أهل فرنسا، و ما تبقى من نتاجها الإستعماري، ممن يتنكرون لأصولهم و يلهثون وراء ثقافة لا نعرفها، وراء حضارة طردت وهي تجر شظايا الذل، مرهقة بسيوف المقاومين الأحرار و على رأسهم المجاهد عبد الكريم الخطابي و مقاومي الحركة الوطنية عموما.
ليس عيب أن نتعلم اللغات، و ليس عيبا أن ننفتح على الثقافات، فمن تعلم لغة قوم أمن مكرهم.. و لكن العيب و كل العيب أن نتنكر لثقافتنا، و ننسلخ عن أصولنا في تبعية عمياء للمستعمر القديم الجديد، الذي لا زال يمسكنا من عنقنا، متحكمنا حتى في قضاينا المصيرية.
الشعوب التي اهتدت لطريق الرقي، بل و ولجت قافلة الدول المتقدمة، هي نفسها التي تقدس لغتها وتتحدث بها في المؤتمرات و المحافل الدولية ( الصين ـ إيران ـ ماليزيا ـ تركيا..), فلم يسبق لي بالمرة أن سمعت مسؤولا إيرانيا يتحدث غير لغته، أو مسؤولا صينيا يتحدث في خطاب رسمي باللغة الفرنسية أو الإنجليزية..
و إذا عدنا إلى أجمل بلد في العالم، تجد كل مسؤوليه و وزرائه يلهثون وراء الحديث باللغة الفرنسية، بحثت عن سبب هذه المعضلة فرأيت في ذالك أمرين اثنين، إما أن المتحدث يخدم مخطط فرنسيا من تحت الطاولة، أو لضعف شخصيته، فيسعى إلى إثباتها و الحديث باللغة الفرنسية، رغم أن هذه اللغة فقدت الكثير من بريقها لصالح لغات أخرى – الإنجليزية، الإسبانية و الصينية آتية في الطريق ـ
ما حثني كثيرا للحديث في هذا الموضوع، حادثة صغيرة حدثت معي، فبينما أنا أتابع نشرة الأخبار في القناة المغربية الثانية، كان بجانبي طفل صغير لا يتجاوز عمره تسع سنوات، فأطلى علينا مقدم النشرة بتصريح لوزير المالية مزوار متحدثا باللغة الفرنسية..
إنتهى تصريح الوزير و علق الطفل قائلا لي : " هاد الناس قتلونا غي بالفرنسية و سوقهوم خاوي، باغي غي نفهم واش كيهدر معا المغاربة و لا الفرنسويين" تعجبت من ذكاء طفل صغير فطن إلى مالم يفطن إليه هذا الوزير الغبي.
حاولت أن أجيب الطفل الصغير و إن كنت أدرك أن جوابي غير مقنع بالمرة، قلت له : " هاد الناس تولدو و عاشو وقراو في فرنسا، هما ماشي مغاربة ميا فالميا، و ما عارفين والو على الواقع لكنعيشوه أنا و أنت و هذاك.. هادوك جاو من فرنسا للحكومة "
ما يجب أن يدركه من يهمهم الأمر أن رقي الدول و تقدم الشعوب يبدأ من هنا، فترسيخ اللغة الأم و الإفتخار بها، و تطويرها لمسايرة التقدم، هو السبيل الأول لإثبات الذات و تحدي الإكراهات..
لغة عربية رسمية بكل مافي الكلمة من معنى، ولغة أمازيغية رسمية تدرس في المدارس و المعاهد، فلا يجب أن ننسى أن أغلب الشعب المغربي أمازيغي قح..
فلا داعي لإنكار الواقع، و لنجعلها ثورة ثقافية، قبل أن تكون ثورة اقتصادية.