نقطة ضوء : هل سيستفيد المغرب من الانتفاضة التونسية ؟
بقلم: هشام بناجي
واهم من يعتقد ان الشعوب العربية لن تنتفض في يوم من الأيام , و واهم من ظن أننا سنظل نقبل ب"الحكرة" و الظلم الاجتماعي دون ان ننتفض في أحد الايام.. فالشعب العربي مثله مثل ذالك " الغول " الذي تحكيه لنا جداتنا في حكايات أسطورية, يغط في سبات عميق, و إذا ايقظه أحد ما يأكل الأخضر و اليابس, و ما الحركة الاحتجاجية في تونس إلا دليل على ذالك..
لقد فشلت الأنظمة المعروفة بتسلطها, و حسها العسكري في إخماد شرارة الإحتجاجات الشعبية بالمدفعية و الرصاص الحي, أربعة أسابيع من انتفاضة الخبز و الشغل, و الأمور تزداد حدة مع تسجيل عدد كبير من الشهداء, و انسداد الأفق, و غياب الحوار, كما عودتنا الأنظمة الاستبدادية في تعاملها مع شعوبها, ليبقى الرصاص الحي و تخويف الشعب هو الحل الأمثل عندها, سياسة ما عادت تأتي أكلها في عالم منفتح و خبر ينتقل بسرعة الضوء, فرغم التعتيم الإعلامرئاسي و الحصار المفروض على الخبر بشتى أشكاله.. إلا أن الرسالة وصلت إلى الشعوب العربية, تترجم صمود الشعب التونسي و إصراره على استشاق نسيم الحرية, و المطالبة بالعدالة الاجتماعية, كما ان الرسالة وصلت إلى النظام التونسي, ليسارع الرئيس الأبدي بن علي إلى إطلاق الوعود المعسولة بتوظيف 200 ألف عاطل في السنتين المقبلتين, و تخصيص 6 ملايير دولار للتنمية الاجتماعية, لماذا إذا كل هذا التماطل ما دامت الدولة قادرة على فعل كل هذا ؟؟
لن أخوض طويلا في الشان التونسي, فما يهمنا هنا هو استخلاص الدروس و العبر, و منه نطرح تساؤلا جوهريا, حول تأثير هذه الأحداث على دول المغرب العربي تحديدا ؟ و ما مدى امكانية انتقال شرارة الإنتفاضة التونسية إلى المغرب و الجزائر ؟
لا يختلف اثنان أننا في دول المغرب العربي نشترك في مقومات ثقافية, احتماعية و أخرى اقتصادية, إلى حد بعيد.. مقومات كانت بالأمس مفتاح الوحدة و التضامن, و التكامل الإقتصادي, في إطار إتحاد مغاربي كان سيدفع بالتنمية الإقتصادية نحو الأمام, لولا تعنت الجزائر و إصرارها على دعم البوليزاريو في مسعى لإطلالة على المحيط الاطلسي.. لنجد اليوم أن هذه القيم المشتركة بين الشعوب المغاربية, تضج مضجع الحكومات المغاربية, فإذا صرخ صوت من تونس وجد له آذانا صاغية في المغرب و الجزائر.. كالجسد الواحد إذا اشتكى فيه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمة.
إن البطالة و الظلم الاجتماعي, و الحكرة.. مصطلحات تعبر بجلاء على واقع مرير يعاني منه التونسيون و الجزائريون كما المغاربة, على حد سواء.. و فعلا ما هي إلا أيام على انطلاق الإنتفاضة التونسية, حتى انتقلت العدوى إلى الجزائر, ليخرج الشعب الجزائري إلى الشارع محتجا و معبرا على رفضه لغلاء المعيشة و الحكرة و التهميش, في بلد غني بالذهب الأسود الذي يدر الملايير في خزينة الدولة, التي تتوفر أصلا على احتياط نقدي يقدر بأكثر من 155 مليار دولار, دون أن يستفيد من ذلك الشعب الجزائري, و الأمٌر من ذلك أنها تعود من حيث أتت في صفقات أسلحة لا يدرك أحد الهدف من ورائها.
المغرب هو الأخر معني بالإنتفاضة التونسية, و يتجلى ذلك بوضوح في منع الوقفة التضامنية التي كانت تعتزم القيام بها, التنسيقية المغربية لدعم الديمقراطيين التونسيين, و من يجيد قراءة ما خلف السطور سيدرك دواعي منع هذه الوقفة السلمية, بما فيها من تضامن مع النظام التونسي من جهة, و من جهة اخرى, خوفا من انتقال شرارة الإنتفاضة إلى المغرب, ربما نحن أفضل حال من تونس في مجال الحريات بشكل عام, و إمكاتية تنظيم بعض الوقفات السلمية من حين لآخر..
مقارنة أرفضها أصلا فالحرية تأخذ أو تترك كليا... لكن هذا لن يشفع أبدا للحكومة المغربية, نظرا للواقع المعيش و غلاء المعيشة و اتسداد الأفق, خاصة و أن شبح البطالة بات أمرا لا مفر منه لخريجي الجامعات و المعاهد, و تكفيكم زيارة قصيرة لشارع محمد الخامس بالرباط لمعاينة الوضع, آلاف من المعطلين في احتجاجات يومية, و الآلاف او الملايين من المغاربة يحتجون في صمت يبدو انه لن يدوم طويلا.. فانتشار الزبونية و المحسوبية, و الرشوة في التوظيف و القضاء و جل المؤسسات العمومية أمرا بات لا يحتمل, خاصة و أن الدولة تنهج ما يسمى بسياسة النعامة.. في ظل وجود لوبيات من العائلات البورجوازية التي تتحكم في الوظائف و المشاريع الإستثمارية, الأمر الذي أدى إلى وجود طبقتين واحدة بورجوازية تظن ان المغرب " فيرمة " خاصة بها, و أخرى طبقة كادحة تعيش في أحياء شعبية, تكابد تجاعيد الظلم الإجتماعي في هدوء قد يسبق عاصفة كتلك التي تضرب تونس حاليا.
بطبيعة الحال لا نريد لهذه الأحداث أن تزور بلدنا.. ولكن هذا إذا قرأت الدولة جيدا الرسالة القادمة من تونس, و حركة مسطرة المتابعة في حق ناهبي المال العام, وعجلت بإصلاحات حقيقية تجعل المغاربة سواسية أمام القانون, و في التوظيف.. و منه برمجة مخطاطات حقيقية للتنمية الإجتماعية و الإقتصادية, لكسر البون الشاسع بين طبقة بورجوازية تعيش حياة على نمط سويسري في الأحياء الراقية, و أخرى تعيش على الهامش في الأحياء الشعبية. و البداية لن تكون إلا بالضرب بيد من حديد على العائلات التي تستغل تفوذها, لضمان مستقبل أبنائها, و أبناء عائلاتهم و أصهارهم, و القائمة طويلة.. حتى بدأت أفكر جديا في تقديم طلب للتبني لعباس الفاسي حتى أصبح إبنا له بالتبني لكي أودع عالم البطالة, و أستفيد من الحظوة العباسية, و لما لا أخلفه في الأمانة العامة لحزب الإسقلال.
إن اللعب على وتر أن المغرب بعيد عن هذه الأحداث, لأن الشعب المغربي يعيش في مغرب ديمقراطي, و رفاه إقتصادي.. فهذه كذبة كبيرة روجها سابقا النظام التونسي و ما الإنتفاصة الحالية إلا نتاجا لها.. فلا داعي لإنتاج نفس الاسطوانة و سيكون جيدا التفكير في خلق وظائف للمعطلين و تحسين ظروف الحياة لكل المغاربة, و فتح مجال أكبر للحرية, فذلك السبيل الوحيد لنكون الإستثتاء بمعنى الكلمة.