المنظمة أكدت أن الرقابة لم تطو بعد وخطوط حمراء جديدة تُرسم
مراسلون بلا حدود: حرية الصحافة في تونس مرشحة لتطوّر هائل
بوعلام غبشي من باريس
رغم بعض الاحترازات والتوصيات، بدا تقييم منظمة مراسلون بلا حدود لوضع حرية الصحافة في تونس لأول مرة ايجابيا بعد سنوات من التقارير السوداء والسلبية في عهد الرئيس المخلوع. وقالت سوازيك دولي، المسؤولة في المنظمة لـ (إيلاف) إنّ حرية الصحافة مرشحة للازدهار في هذا البلد.
باريس: أشارت منظمة مراسلون بلا حدود في تقييم أولي لها لوضع حرية الصحافة في تونس ما بعد بن علي إلى "خطوط حمراء جديدة بدأت ترتسم"، وأوصت المنظمة بتوفير الضمانات التشريعية والقانونية لحرية العمل الصحافي المحصلة نتيجة انهيار النظام السابق.
وكان الحديث عن حرية الصحافة في تونس قبل أسابيع مطبوعا بالكثير من الألم، ولم يتوقع أي من المتتبعين لوضع حرية الصحافة في هذا البلد المغاربي، أن تخرج تونس من نفق مرحلة بن علي.
ولم يستغرب الملاحظون للموقع الذي ظلت تحتله تونس في حرية الصحافة على الخارطة الدولية، حيث وضعتها ممارساتها القمعية في الرتبة 154 على سلم حرية التعبير من ضمن 175 دولة، وهي رتبة تعني الكثير لكل من أراد الإطلاع على مستوى حرية التعبير في تونس تحت نظام بن علي.
مراسلون بلاحدود...سعادة مشوبة بالحذر
توجه وفد مهم عن مراسلون بلا حدود ما بين 2 و 4 شباط- فبراير إلى تونس، في أول زيارة لها، بعد سقوط نظام بن علي.
ويتكون وفد مراسلون بلا حدود من الأمين العام للمنظمة جان فرانسوا جوليار، والمسئولة فيه على قسم شمال إفريقيا والشرق الأوسط سوازيك دولي.
وذكرت مراسلون بلا حدود في بيان لها توصلت إيلاف بنسخة منه أن المنظمة قامت بهذه الرحلة، "لتقيّم وضع وسائل الإعلام بعد مرور أسبوعين تقريباً على سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، وتقوم بتحليل احتياجاتها وتحديد مدى المساهمة التي يمكن للمنظمة أن تتقدّم بها في خلال هذه المرحلة الانتقالية."
وأضاف ذات البيان أن جان فرنسوا جوليار، أمين عام مراسلون بلا حدود،أعلن أن تونس "تسودها حالة من الغليان حيث يشهد الصحافيون على مرحلة تاريخية تحترم فيها حريتهم للمرة الأولى. يتوجّب علينا تشجيعهم ودعمهم في مسيرتهم هذه. ومن الضروري توطيد إنجازات هذه الثورة الشابة".
وقال جوليار في هذا السياق،"لم تطوَ صفحة الرقابة تماماً بعد، وتبقى المرحلة مهددةً بعودتها بقوة في أي وقت. لذا، يجدر اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية حرية التعبير عبر إدراجها في إطار قانوني ومؤسسي يضمنها بشكل مستدام. ولا يمكن تحقيق هذه الغاية من دون اللجوء إلى إصلاحات تشريعية وإرساء هيكليات جديدة مستقلة لتنظيم القطاع الإعلامي".
وزاد قائلا،"بعد 23 عاماً من الرقابة، باتت حرية الصحافة حقيقة واقعة في تونس، حقيقة لم تكن منتظرة. ولا يسعنا في هذه المناسبة إلا أن نعبّر عن بالغ فرحتنا لكل الناشطين في مجال حرية التعبير. فعلى مدى سنوات خلت، ناضل عدد من الأفراد من أجل الدفاع عن حريتهم وقد أُنصفت وكوفئت أخيراً كل الجهود التي بذلوها والمثابرة التي لطالما نصّبوها عنواناً لقضيتهم".
واستطرد الأمين العام لمراسلين بلا حدود،"إننا نفكّر فيهم وفي كل من سيزاول مهنة الصحافة في ظروف فضلى. وستبقى مراسلون بلا حدود نشطة في تونس حيث لن تتوانى عن أداء دورها الرائد في الدفاع عن الحريات".
مشهد صحافي بخصوصيات جديدة
تتابع مراسلون بلاحدود بالكثير من الترقب مستقبل الصحافة في تونس، حيث أفادت أن "عدد وسائل الإعلام هو نفسه. غيّرت "قناة تونس7" غيّرت اسمها ليصبح "التلفزيون التونسي الوطني". ولم يمنح أي ترخيص جديد فيما يجدر بالحكومة أن تضع أولاً مواصفات واضحة وشفافة بشأن الحصول على التراخيص".
وقالت المنظمة في نفس الإطار "بانتظار هذه الخطوة، أودعت بعض وسائل الإعلام التي كانت تعمل إلى عهد قريب من دون ترخيص بسبب خطها التحريري، طلبات لهذه الغاية. ولا تزال تنتظر".
وسجلت المنظمة تقدما ملحوظا في حرية الصحافة خلال هذه الأيام التي أعقبت الإطاحة ببن علي، مشيرة إلى أنه لأول مرة في تاريخ تونس يتم استجواب وزير الداخلية على التلفزيون التونسي.
وذكرت مراسلون بلا حدود أن الصحف التي ظلت تكيل الثناء للرئيس المخلوع، وتمرغ معارضيها في وحل الاتهامات، غيرت من نبرتها وأصبحت بدورها تدعو إلى محاسبته، كما أن أهم الخصوم السياسيين البارزين للنظام المنهار يحتلون اليوم الصفحات الأولى في الجرائد التونسية.
خطوط حمراء جديدة
أثارت المنظمة انتباه المتتبعين للشأن التونسي، رغم عودة صحف المعارضة إلى الصدور بكل حرية،"الموقف"،"مواطنون" و "الطريق الجديد"، وتمتع المشهد الصحافي التونسي "بحرية حقيقية"،إلى ما أسمته "بالخطوط الحمراء الجديدة التي بدأت ترتسم في القطاع الإعلامي".
وأفادت مراسلون بلا حدود، في هذا النطاق، أنه "نادراً ما تجرؤ وسائل الإعلام على التطرّق إلى أعمال العنف التي ترتكبها القوى الأمنية من شرطة وجيش، وملفات الفساد التي تورّط فيها مقرّبون من الرئيس السابق،و الذين لا يزالون في تونس ثم المشاكل التي تواجهها الحكومة اليوم".
ورغم أن الرقابة المفروضة على الإنترنت قد رفعت غير أن السيطرة على الشبكة لم تتوقف كلياً كما أكّده وزير الشباب والرياضة الجديد سليم عمامو".
وتلقت مراسلون بلا حدود عدة شهادات من متصفّحين ومدوّنين في هذا الصدد. وعلى سبيل المثال، لا يمكن النفاذ من تونس إلى مدوّنة أميرة الحسيني البحرينية (غلوبال فويسز) (تم آخر تحقق من استمرار الحجب في 5 شباط/فبراير 2011 في تمام الساعة الثالثة والنصف فجراً) بفعل تغطيتها للأحداث في تونس ولا سيما الانتهاكات التي ترتكبها القوى الأمنية."،بحسب هذه المنظمة.
حرية الصحافة في تونس ينتظرها مستقبل زاهر
وقالت سوازيك دولي، المسؤولة على قسم شمال إفريقيا و الشرق الأوسط لدى مراسلون بلا حدود، في تصريح لـ(إيلاف) تونس تشهد غليانا في الأفكار، كل واحد له رأيه الخاص،كما أن هناك حنقا من البعض تجاه الصحافيين الذي كانوا يكيلون الثناء للنظام السابق، والذين يقولون عن أنفسهم اليوم أنهم ثوار منذ الساعة الأولى".
وأكدت دولي أن وفد مراسلون بلا حدود التي كانت ضمنه دخل لتونس بالصفة المذكورة، دون أن يتعرض لأي مشكل،"وهو ما لم يكن ممكنا بالمرة قبل أسابيع"،موضحة أن جهود المنظمة خلال هذه الزيارة الأولى في ظل النظام الجديد ركزت على الصحافيين والمدونيين.
والتقى هذا الوفد،تفيد سوازيك دولي، كاتب الدولة الجديد في الشباب والرياضة على أن تلتقي المنظمة في زيارة ثانية جهات أخرى في السلطات التونسية.
وترى المسئولة عن قسم شمال إفريقيا والشرق الأوسط أن "هناك إمكانية هائلة و رؤى كبيرة، لأن تزدهر حرية الصحافة في تونس إلا أنه على المهنيين أن يكونوا حذرين ويكافحوا من أجل المحافظة على هذه الحرية التي فازوا بها لأنها لم تصبح بعد مكتسبة"،على حد تعبيرها.
توصية بتشريع قانون جديد للصحافة
أوصت مراسلون بلا حدود، في بيانها التقييمي حول الوضع الحالي لحرية الصحافة في تونس"بالعمل على خلق إطار قانوني ينظّم عمل وسائل الإعلام وتشكيل هيئات تنظيمية مستقلة تتمتع باكتفاء ذاتي فعلاً (مرئية ومسموعة ومطبوعة)،تقنين منح التراخيص التي تسمح بإنشاء وسائل إعلام جديدة،مع خلق فضاء قانوني جديد للصحافة".
وفي موضوع آخر، ألحت المنظمة على "ضرورة أن تصدر أحكام واضحة تضع حداً للرقابة على الإنترنت بما يمنع وزارة الداخلية من النفاذ إلى بيانات المتصفّحين". وعبرت مراسلون بلا حدود عن التزامها "بمساعدة السلطات التونسية في الجهود التي تبذلها من أجل إصلاح الجهاز الإعلامي برمّته في تونس بغية تحقيق هدف التعددية الإعلامية".
وأضافت "فلا بدّ لمساحة إعلامية جديدة من أن تبصر النور فتسمح لوسائل الإعلام بأداء دورها كسلطة مضادة.وستبقى المنظمة إلى جانب النقابة تساندها من أجل اقتراح أطر قانونية جديدة كما ستبقى على استعداد لتقدّم خبرتها من أجل صياغة قانون الصحافة الجديد.لإنجاز هذه المهام".
وعبرت مراسلون بلا حدود عن أملها في "فتح مكتب لها في الأشهر المقبلة في العاصمة التونسية، حتى تتمكّن من دعم السلطات والصحافيين والمجتمع المدني معاً ،في هذه المسيرة نحو الديمقراطية حيث حرية التعبير وحرية الصحافة يكونان مبدأين أساسيين يحترمان احتراماً كاملاً" على حد تعبير البيان.