سعد السعود
عدد المساهمات : 1959
تاريخ التسجيل : 19/12/2010
 |  موضوع: الحركة الإسلامية والمجالس العلمية منافس أم بديل  السبت 15 يناير - 11:56:59 | |
|
عرف المغرب في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة على مستوى المنظومة القيمية، فهناك صراع محتدم بين القيم الإيجابية التي تنمي وتحفظ الهوية الإسلامية والأصالة المغربية، وبين القيم السلبية الدخيلة التي تأسس لمنهج الهدم لمنظومتنا القيمية الموحدة، ويعتبر المغرب من بين الساحات الخصبة التي تعرف تحولات كبيرة في البنية الاجتماعية، حيث شهد المغرب تناميا في الصحوة الدينية من خلال الإقبال الكبير على المساجد ودور القرآن وطلب الفتوى، وفي المقابل عرف أيضا تزايدا ملحوظا لمظاهر التطرف والفساد والتمييع في شتى المجالات الحيوية، مما أدى إلى تصاعد حركية التدافع حول الهوية والقيم.
ويعتبر الدين عامل أساسيا في معادلة التغيير المجتمعي داخل بلادنا المغرب، و المغرب من بين الشعوب المرتبطة بانتمائها للإسلام، والمتمسكة بتعاليمه وقيمه، وقد عرفت هذه الصحوة الدينية بالمغرب في بعض تجلياتها انحرافا كبيرا تمثل في تفجيرات 16 ماي، هذا ما دفع بالدولة إلى التفكير في تأطير هذه الصحوة الدينية الغير منضبطة الفكر والسلوك، وذلك عبر إعادة هيكلة الحقل الديني ليناسب ثقافة المغرب وتوجهاته في التدين " المذهب المالكي\ العقيدة الأشعرية\ طريقة الجنيد السالك" .
والمجالس العلمية المحلية شكل جديد من أشكال التأطير والتنظيم للحقل الديني، يعتمد سياسة القرب والتواجد الدائم لتفعيل إستراتيجية المجلس العلمي الأعلى في نشر ثقافة التدين وتصحيح الأخطاء الفكرية والسلوكية عند المغاربة، ولكن السؤال المطروح هل المجالس العلمية جاءت لخدمة الدين أم جاءت لمخزنة الحقل الديني؟ وهل هي حركة سياسية لسحب البساط من تحت الحركات الإسلامية؟ وهل تسعى من خلال خطابها الديني إلى نشر ثقافة التدين أم تريد فرض إيديولوجيا معينة؟
وإن المتتبع لحركة التأطير من داخل المجالس العلمية المحلية يلاحظ انها بدأت بالمحاضرات والندوات العلمية والدعوية، والأمسيات القرآنية، وتنظيم الوعظ والإرشاد بالمساجد، هذا في بداية الانطلاقة، أما الآن فأصبحت تشتغل المجالس العلمية بحركية لافتة للانتباه وباعثة للاستغراب، لأنه من غير العادة أن تقوم المجالس العلمية بهذه الأعمال، حيث عمدت إلى هيكلة المجلس وإنشاء لجن متخصصة في العمل الإجتماعي الخيري، وإنشاء صندوق الفتوى بالمساجد، ولجن الطفولة والشباب، ولجنة البحث العلمي، ولجن إعداد الشباب الوعاظ ولجن العمل النسائي ومراكز الاستماع والتوجيه التربوي بالمؤسسات التعليمية والمخيمات الصيفية وغيرها كثير,, وأصبحت تقوم بأنشطة كبرى بالتنسيق مع المقاطعات والبلديات وجمعيات المجتمع المدني.
وهذه الأعمال هي نفسها التي تقوم بها الحركة الإسلامية في نشر ثقافة التدين عند المغاربة ومحاربة السلوكيات السلبية السائدة، ليبقى السؤال أي دور للحركة الإسلامية في ظل السياسة التأطيرية للمجالس العلمية؟، وهل المجالس العلمية منافس أم بديل للحركة الإسلامية، أم هي كما قال الدكتور أحمد الريسوني "المجالس العلمية حركة إسلامية رسمية" مع العلم أن الشريحة التي تشتغل الحركة الإسلامية هي نفسها الشريحة التي تهتم بها المجالس العلمية وخصوصا النساء الأطفال والشباب، و أن ساحة التنافس الأساسية "المسجد" متاحة بالكامل للمجالس العلمية وشبه ممنوعة على الحركة الإسلامية، إلى أنه يبقى لهذه الأخيرة ساحات كبير للاشتغال ومن بينها المحاضن التربوية في البيوت و المحاضرات في الفضاءات العمومية والمخيمات وغيرها,
أما عن الأطر التي تشتغل بالمجالس العلمية فهم إما أطر من الموروث القديمة للحقل الديني أو جامعيون أو أساندة في السلك الثانوي و الإعدادي ليس لهم أي لون سياسي، أو أطر من داخل الحركة الإسلامية، أما الصنف الأخير فيفرض عليهم فرضا التخلص من الانتماء السياسي بسرعة، وهذا هو الشرط الوحيد للبقاء في المجلس العلمي، فمهم من انصاع لهذا المطلب وانسلخ من انتمائه وتبرأ منه، ومنهم من تشبث ورفض، ولكن السؤال المطروح هنا كذالك لماذا تختار المجالس العلمية أطر الحركة الإسلامية مع تواجد أطر أخرى في الساحة؟ هل لقلة الأطر الفاعلة في الحقل الديني؟ أو هي سرقة ممنهجة لأطر الحركة خصوصا وأن هناك امتيازات مالية ومعنوية مشجعة؟ أم هي أشياء أخرى لا نعلمها؟
إن المشتغل من داخل المجالس العلمية يعرف تماما الجواب، فعلا هنا سرقة صامتة لأطر الحركة، وذلك للصفات المميزة لأطر الحركات العلمية والأخلاقية، ولنوعية الخطاب الدعوي للداعية من داخل الحركة الإسلامية، ولكن لا يتم اختيار أي إطار ديني إلا بعد إجراء بحث شامل من طرف وزارة الداخلية، ومعروف أن الداخلية ترقب حركة التدين داخل المسجد من دخول الحركة الإسلامية للمسجد، إلا أنه تم ترسيم عملية البحث والمراقبة خصوصا عند توقيع شراكة رسمية بين وزارة الداخلية ووزارة الأوقاف قبل سنة ونصف تقريبا، مفادها أن وزارة الداخلية من حقها و بطلب من وزارة الأوقاف أن تجري البحث عن كل عامل أو واعظ داخل المجالس العلمية، وقد تتسبب في توقيفه تماما.
وهناك شكل آخر من أشكال مخزنة العمل الدعوي داخل المجالس العلمية، وهو مبادرة المرشدين الدينيين الجديدة، فعمل مجموعة منهم هو متابعة المساجد ومراقبة الحالة العامة للمسجد والخطيب والواعظ، وهذا نوع من البوليسية الرسمية والمخزنية الدينية، وهنا يطرح علينا سؤال مهم وهو هل المجالس العلمية هي مراكز التأطير الديني ومحاصرة مد التطرف داخل المجتمع وضبط التوجه الديني للمغرب أم هي دوائر بوليسية تراقب حركة الدعاة والمدعويين داخل المسجد؟.
والمسجد هو الفضاء الوحيد الذي يدخل إليه المغربي وهو آمن مطمئن، وهو الملاذ الأوحد للتربية الروحية، فالمسجد عبر التاريخ يعتبره المغاربة محل البركة والأمن، والفقيه هو محل الثقة العمياء، فإذا كانت المجالس العلمية بهذه السياسة تريد أن تحول الدين والتدين إلى إيديولوجيا تحكمها أجندة سياسوية ضيقة، فإن المسجد سيتحول إلى مصدر شبهة وسيفقد الفقيه المصداقية الاجتماعية عند الناس.
أما على مستوى الخطاب الذي يروج من داخل المجالس العلمية، فإنه أشبه ما يكون بلغة الخشب الذي عهدنا أن نسمعها في قبة البرلمان والمحافل السياسية المعروفة، التطبيل والتزمير بأشياء لا يفهمون مدلولاتها ولا عمقها العلمي ولا الحضاري، فحينما يتحدث أحدهم على المذهب يقول نحن "مالكية" لا يعرف من المذهب إلا اسمه، والله لو سألت أحدهم عن الأصول الفقهية التي اعتمدها الإمام مالك رحمه الله تعالى لبناء مذهبه وما الفرق بين فقه مالك وفقه المالكية، لسكت أغلبهم، لأنهم يعرفون أن المذهب المالكي أصبح ورقة سياسية هو بمتابة الفيتو المغربي يرفع في وجه العلماء والمجتهدين من الحقل العلمي الديني لمحاصرة الرموز الدينية، فنحن في المغرب ندعو إلى الانفتاح الفكري والثقافي ونمارس لغة الانغلاق والتعصب المذهبي، ونسد أفاق الاجتهاد والبحث العلمي والفتوى.
وفي الأخير نقول أن الدولة شبه عاجزة عن تأطير المد الديني أو الصحوة الدينية التي تجتاح كل شرائح المجتمع، وفي الوقت نفسه تريد الحد من انتشار الحركات الإسلامية في المجتمع، وتحاول التخلص منها بطريقة حضارية، لذلك أحدثت ظاهرة المجالس العلمية ومنحتها الإمكانات للتغلغل والتواجد داخل ساحات التدافع والتاطير الديني للمجتمع، ولكن يبقى السؤال مطروحا هل تستطيع المجالس العلمية أن تقوم بأدوار الحركة الإسلامية في تأطير الناس؟ وهل يمكنها أن تسحب البساط من تحت أقدامها؟ وهل الحركة الإسلامية ستقف مكتوفة الأيدي أم أنها ستبلور سياسة جديدة للتموقع وتبتكر استراتيجية أخرى للتأطير والتدافع مع الآخر؟
ذ.محمد حقي
| |
|
