مرشح الإخوان المسلمين ؟!
عبد المنعم سعيد
كثيرون شعروا بارتياح كبير لأن ممثلين لجماعة الإخوان المسلمين صرحوا بأنهم لن يقوموا بتقديم مرشح لرئاسة الجمهورية. ولكنني لم أكن بينهم, وفي الحقيقة فقد شعرت بقلق بالغ, فلا توجد حركة سياسية في العالم لديها هذا الكرم البالغ, خاصة وهي تعمل بالسياسة بصيغة الدين والدنيا معا.
من استراحوا يعرفون أن الإخوان قوة لا يستهان بها في عالم السياسة والمجتمع أيضا, وفي بعض الأوقات كان لهم في الاقتصاد أيضا عندما أنشأوا البنوك, وأعطوا البركة للتجارة, وأقام بعضهم أو من انتمي إليهم حقا أو زورا, ما عرف بشركات توظيف الأموال. ولذلك جاءت الراحة من غياب هذه القوة, خاصة أن حولها الكثير من القيل والقال حول الدولة المدنية والدولة الدينية وما بينهما من ظلال والتباس. وإذا كانت الأمة سوف تدخل في نقاشات دستورية عميقة فإن المادة الثانية من الدستور المعطل الآن ربما توضع علي المحك, والأفضل أن يناقشها الإخوان وهم خارج المنافسة الفعلية, وتخليهم علي أي حال عن الترشيح, هو دلالة علي التواضع, وغياب الرغبة في وضع العصا بين العجلات الدستورية.مصدر القلق هو أنه طالما تواضعنا علي أن الإخوان قوة لا يمكن تجاهلها في الساحة السياسية, وكان لهم دورهم قل أو زاد خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير, وكانوا نوابا للشعب في العديد من الدورات التشريعية ـ1984 و1987 و1995 و2000 و2005 ـ سواء كانت انتخاباتها مزورة أو غير مزورة, فإن خروجهم فجأة من ساحة الترشيح لرئاسة الجمهورية ساعة ازدهار الديمقراطية يبدو حرمانا للوطن من طاقات وتجارب فاعلة. ولكن المسألة ببساطة, ونحن بين أحضان ثورة يتفق الجميع علي أنها ديمقراطية ومدنية وحديثة تستدعي الوضوح والشفافية لا الاختباء أو الانتظار أو الغموض. فالمطلوب من الإخوان المسلمين هو أن يكونوا حزبا سياسيا له رؤية واضحة وبرنامج لا لبس فيه ولا مواراة. ومنذ أكثر من عامين طرح الإخوان برنامجا سياسيا لحزبهم إذا قام علي الرأي العام, وكان برنامجا لدولة دينية صافية لا مدنية فيها ولا مواطنة ولا حداثة. وللحق فقد سحب الإخوان البرنامج بعد وعد بالتجديد والمراجعة, وآن الأوان لكي نعرف ما انتهي إليه الأمر بحيث لا يسير الشعب مغمض العينين وراء كلمات ناعمة, وعبارات حمالة أوجه.
نتيجة القلق إذن أن المقايضة غير مقبولة ما بين تنحي الإخوان عن تقديم مرشح, وما بين الالتفاف حول الدولة المدنية, وملاعبة المرشحين الآخرين بلا برنامج سياسي, أو تبني مرشح بعينه يدين إذا فاز بفوزه للإخوان كما حدث من قبل في النقابات المهنية. وبصراحة, وطالما أن الإخوان لم تعد جماعة محظورة فإن عليها أن ترفع الحظر عن أفكارها وتضع التزامها السياسي ومرشحها أمام الرأي العام لكي يجري عليهما التصويت كما سوف يحدث مع كل الأحزاب والمرشحين والبرامج الأخري. مرحبا بالإخوان في ساحة فيها كل الأضواء الكاشفة!!.
*عن صحيفة"الأهرام" المصري