سيرك الفضائيات المفتوح أمام بهلوانات السياسة والإعلام
أعداء الأمس أصدقاء اليوم للثورة وشبابها
القاهرة ـ 'القدس العربي' ـ من كمال القاضي: لم تتغير اللوحة على شاشة القنوات الفضائية العربية والعالمية منذ التاريخ المجيد لثورة الشباب 25 يناير، فالأحداث تتلاحق وردود الأفعال الجماهيرية تؤكد الصدى الإيجابي الواسع للحدث، الذي يدفع الهيئات والنقابات إلى تنظيم الاحتجاجات لاستغلال الزخم الثوري، وحالة التطهير في إعادة حقوق العمال والموظفين وترتيب الأوراق من جديد.
وهو ما خلق ثورة إعلامية موازية يظهر أثرها يومياً على معظم الشاشات، ويشمل تلك التي كانت بالأمس تتخذ موقفاً معادياً من المظاهرات قبل أن تتضح ملامحها وتتصاعد سخونتها فتتحول إلى ثورة وهاجة، هذه القنوات الحكومية أفرزت سياسات وبرامج ظلت تداهن النظام البائد والرئيس المخلوع الى ان فقدت الأمل تماماً في بقائه على رأس السلطة، فانقلبت على عقبيها وغيرت من سياستها، عساها تلحق بركب الثوار فتحفظ ماء وجهها وتبقي على بعض جمهورها، برنامج 48 ساعة الذي تقدمه الإعلامية هناء السمري، مندوبة التلفزيون المصري برئاسة الجمهورية لسنوات طويلة، وسيد علي المعروف، بميوله الحكومية، البرنامج غير قبلته 360 درجة بعد نجاح الثورة، فقد خرج علينا الإعلاميان المذكوران يهتفان للثوار ويسبحان بحمد التغيير، ويستضيفان شخصيات كانت مرفوضة بالأمس القريب، ولم يتورعا من إعلان تأييدهما الكامل لشباب 25 كانون الثاني/يناير أصحاب الضربة القاصمة في ظهر النظام المستبد.
في تحول مخجل عن تأييد الرئيس المخلوع صاحب الضربة الجوية، المفارقة التقطها الفنان الكوميدي أحمد عيد الذي اتصل بالبرنامج وأسمع المذيعة والمذيع كلاما مسموماً انطوى على فضح الخطاب المزيف لهما بعبارات الاستهجان والاستخفاف من ذلك التجاسر على الوقوف أمام الكاميرات للإدلاء بأقوال والإتيان بأفعال تناسب الظرف الجديد، متخليين عن كامل قناعتهما بنظام مبارك والحزب الوطني ولجنة السياسات والابن المرشح للرئاسة، الذي لم يكن يذكر اسمه إلا مقروناً بلقب السيد 'السيد جمال مبارك'، الأمين العام المساعد للحزب الحاكم، كل هذا التفخيم والتعظيم والتبجيل ذاب كالثلج بين عشية وضحاها، وبات المدعو نجل الرئيس السابق يذكر على استحياء من دون أي صيغة من صيغ التقدير والمبالغة، صمت مقدما برنامج 48 ساعة أمام مكاشفة الفنان أحمد عيد، ووخز كلامه الطاعن في نزاهة البرنامج وأصحابه فلم يكن لدى أي منهما ما يقوله ويعقب به، فقد أنهى عيد المكالمة من جانبه وأغلق السماعة في وجه المتحدثين، وعلى غير المعهود والمتوقع من التزام سدنة النظام القديم السكوت والبعد عن الشاشات والميكروفونات، جاءت صيحات خيري رمضان ببرنامج 'مصر النهاردة' ولميس الحديدي التي اختارت لبرنامجها عنوان 'من قلب مصر' ليكون جاذباً ومعبراً عن هموم كافة الطوائف والشرائح، فإذا به لا يخاطب غير أعضاء الحزب الوطني ومن يدعون معارضة الحزب من الداخل الذين يطلقون على أنفسهم (الإصلاحيون الجدد)، 'قلب مصر' الواهن الضعيف تحت حكم جحافل الأمن المركزي في عهد حبيب العادلي، كانت تضعه الحديدي عنوانا إعلاميا للأمن والأمان والاستقرار لتجمل به واجهة الحزب المنعوت زورا وبهتانا بالوطن، لميس الحديدي هي ذاتها بشحمها ولحمها من تقيم المحاكمات لرموز الفساد والديكتاتورية والاستبداد الآن، بعد أن اطمأن قلبها وأدركت أن انتفاضة شباب الفيسبوك باتت ثورة حقيقية ملء السمع والبصر، الأمر لا يدعو للعجب فليس غريبا على من تملقوا نظاما سابقا أن يتملقوا نظاما قائما وراهنا وناهضا، فهذه لعبة يمارسها اصحابها دائماً بالقنوات الخاصة والحكومية، والأمثلة كثيرة فقناة المحور المملوكة لرجل الأعمال حسن راتب، طالما احتفلت بعيد ميلاد مبارك وأفردت مساحات واسعة لإنجازاته العملاقة، وهي الآن تحتفل بالثورة وتشد على ايدي شبابها، وتخصص من وقتها الثمين 90 دقيقة يومياً لتقصي الأخبار وعرض التقارير، فلكل وقت أذان، وهذا أوان الثورة قد حان وعليها أن تضع بصمتها عليها شأنها شأن من اختبأوا في بيوتهم طوال ثمانية عشر يوماً ثم خرجوا لميدان التحرير لحظة إعلان التنحي ليهتفوا بالروح ـ بالدم حنكمل المشوار!
مرة أخرى نؤكد على ما قلنا سابقا من أن قناة الجزيرة أنابت عن معظم القنوات المصرية والعربية في تأييدها لثورة التغيير الشبابية، فهي الوحيدة من ردت لها الجماهير الجميل وهتفت لها في شتى الميادين والشوارع ليس بالقاهرة فحسب ولكن فوق كل بقعة من بقاع مصر المحروسة، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الجزيرة أخذت موقفاً داعماً للثورة وشعبها منذ اندلاع الشرارة الأولى وحتى كتابة هذه السطور، فيما ظلت قنوات أخرى تعرض أفلاما كوميدية ورومانسية وتنشر على شريط أخبارها النكات ورسائل الحب والغرام لعشاق سينما زمان والفن القديم، وليست تلك هي القناة الوحيدة التي انتهجت سياسة الخوف وإيثار السلامة، وإنما سبقتها قنوات وتزامنت معها قنوات، ولعل الأكثر إدهاشا وغرابة من ذلك ما قامت به قناة العربية التي أجرت حوارا مع أمين تنظيم الحزب الوطني أحمد عز لتغطية فرصة تاريخية ثمينة لا يستحقها للدفاع عن نفسه وتبرئة ساحته من جرائم منسوبة إليه، في وقت يصدر المجلس العسكري المصري للقوات المسلحة قراراً بمنعه من السفر، بعد أن تم التحفظ على أمواله بشبهة الكسب غير المشروع، ظهور عز على شاشة العربية أثار تساؤلات كثيرة حول سياسة القناة وما دفعها لإجراء مثل هذا الحوار في تحدي لمشاعر الملايين الغاضبة في كل مكان، كما أنه جاء على عكس ما هدفت إليه الفضائية المرئية التي رمت بلا شك إلى توسيع نطاق مشاهدتها بما اعتبرته سبقا إعلاميا مهماً فإذا بها تخسر نسبة كبيرة من جمهورها ومشاهديها، فما ادعاه أحمد عز من أنه لم يكن مهندس انتخابات مجلس الشعب الأخيرة المزورة، مثل استفزازاً غير مقبول، لا سيما أنه نفى أيضا صلته الشخصية بجمال مبارك وحمل الدولة ورئيسها مسؤولية ما حدث من دون الاعتراف بضلوعه في أي تجاوزات ارتكبها الحزب الوطني في حق الشعب المصري!
سيرك الفضائيات التي تجيد اللعب على الحبال باتت أبوابه مفتوحة على مصاريعها تستقبل الزائرين بدون رسم دخول، الأمر الذي يضع بعضها موضع الشبهات ويفجر أسئلة من عينة، كيف ولماذا، وأين ومتى؟