اعتبر أن الرئيس السابق خان روح الجمهورية
هيكل يفتح النار على خطايا نظام مبارك ويصف الشباب بأنهم أكثر حكمة من جيله
الكاتب الصحافي المصري محمد حسنين هيكل
لندن ـ كارين إليان
فتح الكاتب الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، خلال مقابلة أجراها معه الصحافي البريطاني روبرت فيسك، النار على خطايا النظام المصري برئاسة حسني مبارك الذي حاول أن يسكته للأبد، وأثنى على الشباب الذي أطاح به، واعتبر أنه هؤلاء كانوا أكثر حكمة من جيله. وقال هيكل، الذي يُعد مؤرخ تاريخ بلد الحديث، إن مبارك خان الروح الجمهورية، ولم يكتف بذلك، بل حاول أن يستمر في هذه الخيانة من خلال توريث الحكم لابنه جمال. ونفى هيكل أن يكون توريث الحكم إلى جمال كان مجرد فكرة بل كان مشروعًا، وأضاف هيكل أن السنوات العشر الأخيرة من حياة مصر قد ضاعت سدى بسبب مسألة التوريث والتمهيد للوريث، كما لو كانت مصر هي سورية، أو كما لو كان نموذج التوريث في هايتي يمكن أن يطبق في مصر.
الجدير بالذكر أن هيكل، البالغ من العمر 87 عامًا، هو عميد الصحافيين في مصر كما كان الصديق والمستشار الخاص لكل من جمال عبد الناصر والسادات، كما عمل وزيرًا للإعلام في عهديهما، وهو أيضًا الرجل الذي تنبأ على مدى السنوات الثلاثين الماضية بقيام الثورة التي عاش ليراها في مصر، ويعترف فيسك بأن أحدًا لم يكن يصدق هيكل على مدى ثلاثة عقود، حين تنبأ بتفجّر الوضع الداخلي في مصر، وأن انهيار حكم مبارك واقع لا محالة في ظل وطأة الفساد والعنف الذي كان يمارسه نظامه. حتى فيسك نفسه كان أحيانًا يسخر من تنبؤات هيكل، ولكنه وخلال المقابلة اعترف بأنه كان على خطأ وأن هيكل كان على صواب.
ويقول هيكل، الذي يتمتع بذاكرة واسعة وحيوية على الرغم من كبر سنه، "لقد فقدت أهم شيء في حياتي، لقد فقدت شبابي، ياليتني كنت شابًّا لأكون مع الشباب في ميدان التحرير".
وقال أيضًا "لقد كنت على ثقة تامة من أن الوضع سينفجر في مصر، لكن ما أذهلني هو تحرك الملايين، أنا لم أكن على يقين من أنني سأعيش لأشهد هذا اليوم ولم أكن متأكدًا من أنني سوف أرى الشعب المصري وهو ينتفض"، وأضاف هيكل "لقد كنت أخشى أن تعم الفوضى والاضطرابات البلاد، إلا أنني رأيت في الجيل الجديد في مصر قدر من الحكمة يفوق حكمتنا مليون مرة، كما أنهم تصرفوا باعتدال وذكاء ولم يحدث فراغ في السلطة".
وتحدث هيكل عن مخاوفه فقال إنه قلق لأن كل شيء جاء على نحو مباغت جاء في وقت لا يوجد فيه أحد مستعد لما هو آت، وقال هيكل إن ليس هناك من يريد أن ينتظر حتى تهدأ الأجواء، وحذر هيكل من أنه في مثل هذه الظروف لا يمكن لأحد أن يتخذ القرارات الصحيحة، والكل يحمل طموحات ضخمة، إضافةً إلى أن الأميركيين وإسرائيل والعرب يواصلون الضغوط على مصر، حتى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصري لم يكن مستعدًّا لهذه الظروف، ولهذا فإن هيكل يطالب الجميع بضرورة أخذ قسطًا من الراحة في ظل هذه الظروف.
وقال هيكل أيضًا إن مبارك قد وضع الجميع في حالة ترقب وتشويق كما لو كان ألفريد هيتشكوك ولكن مبارك كان يرتجل يوميًّا بدهاء، ولكن دون حبكة درامية واضحة المعالم.
وأعرب هيكل عن سعادته لأن مبارك أطال عمر الأزمة بالتزامه الصمت بينما كانت الحشود في ازدياد في ميدان التحرير "على مدى 18 يومًا حدث شيء مهمّ للغاية فقد تراوحت أعداد المتظاهرين في البداية ما بين 50 إلى 60 ألف، كما أن استمرار مبارك في التزام الصمت وانتهاجه أسلوب المراوغة واللف والدوران كداهية واسع الحيلة والمكر، أعطى الفرصة لاحتشاد المزيد من الجماهير في ميدان التحرير والشوارع المصرية، ممّا أدى إلى تغير كامل في المعادلة، والغريب أن حسني مبارك وعلى مدى ستة أيام من الأزمة لم يفهم ببساطة ما كان يحدث أمامه.
وتحسر هيكل على السنوات التي ضاعت سدى على مصر وعلى ضحايا الأسابيع الثلاثة الماضية قائلاً "لقد كانت ثورتنا بمثابة تراجيديا تاريخية"، وأضاف "أنا سعيد بوجود الجيش في المشهد حاليًا ولكني أريد أن يكون هناك أيضًا حضور للشعب، لاسيما وأن الشعب لايزال يعيش حالة من الارتباك والدهشة حول ما قاموا بإنجازه حتى الآن".
ويوم السبت الماضي تلقى هيكل دعوة، هي الأولى على مدى ثلاثين عامًا تقريبًا، للظهور مرة أخرى أمام تلفزيون الدولة ولكن هيكل رفض بحجة أن منعه من الظهور كان بقرار حكومي، وهو رد أشبه برده على الرئيس المصري الراحل أنور السادات، عندما عرض عليه في أعقاب وفاة عبد الناصر بتولي رئاسة مجلس الأمن القومي المصري، فقد قال هيكل للسادات "ماذا لو اختلفنا كما كنا نختلف عندما كنت صحافيًّا في الأهرام، وكيف لي أن أستمر في رئاسة جهاز الأمن القومي عندئذ؟".
ومنذ أشهر قليلة قام هيكل بزيارة إلى لبنان، التقى فيها بزعيم حزب الله السيد حسن نصرالله، لكن اللقاء أثار غضب وحنق وزير الخارجية المصري الذي صاح في هيكل في مزرعته في دلتا نهر النيل قائلاً "هل تظن نفسك ممثلاً عن الشعب المصري؟" وكان رد هيكل بسؤال وزير الخارجية المصري "وهل تظن أنت أنك تمثل الشعب المصري؟".
ويقارن هيكل نفسه بحسني مبارك فيقول "إن الفرق بيني وبين مبارك هو أنني لم أحاول قط أن أخفي سنوات عمري الحقيقي، بينما كان مبارك يفعل ذلك، فهو يصبغ شعره ولهذا فإنه عندما يرى نفسه في المرآة كان يعتقد أنه لايزال شابًّا".
ويقول هيكل إن مبارك كان مرعوبًا من كشف ملفات الحكومة وأسرار النظام في حال استقالته، وأعرب هيكل عن خشيته من أن يسيء بعض السياسيين المصريين المضللين، والذين لا يتمتعون بالأمانة، إلى هذه الثورة المصرية ويعملوا على تشويهها، إذ أنهم سوف يستغلون الحدث من أجل تصفية حساباتهم، ولهذا فهو يريد أن يتم إجراء تحقيقات نزيهة، وليست تحقيقات من أجل أغراضهم الشخصية بدافع الانتقام. وأكد على أنه يخشى على مصر من انتهازية هؤلاء السياسيين، وطالب هيكل بفتح كافة ملفات النظام القديم وتقديم كشف حساب للشعب عما قام به النظام طوال 30 سنة بهدف التعرف على الحقيقة وليس بدافع الانتقام، وحذر من أن مثل هذا الأمر لو ترك إلى صغار السياسيين فإن ذلك سوف يضرّ بقيمة الإنجاز الذي قام به الشعب.
وينظر هيكل إلى ما حدث على مدى 18 يومًا في مصر على اعتباره حدثًا ذا تأثير بالغ الأهمية لا يمكن إيقافه، وأنه حدث غير مسبوق تاريخيًّا، وقال إن في كل الثورات لم يكن هناك نموذجًا محددًا، إذ أن الشعب عادة ما يريد التغيير والانتقال من الحاضر إلى المستقبل، وأن كل ثورة تحكمها بداياتها وشكل تحركها، إلا أن الثورة المصرية الأخيرة كشفت عن أعداد ضخمة من جماهير الشعب المصري التي يمكنها أن تهزم الخوف وإرهاب الدولة، وأعرب هيكل عن اعتقاده بأن ما حدث في مصر سيغير العالم العربي تغييرًا جذريًّا.
المعروف أن السادات قبيل اغتياله كان قد ألقى بهيكل في السجن، وأن من أفرج عنه هو حسني مبارك، الأمر الذي جعل هيكل يتغنى بقصائد مديح في حسني مبارك، ويعلق هيكل على ذلك بقوله "نعم، امتدحت حسني مبارك كرجل فترة انتقالية وكنت أعتقد في ذلك الوقت أنه لن يبقى في الحكم سوى فترة قصيرة، وكنت أعتقد بأنه سيتعلم الدرس المأساوي من اغتيال السادات أمام عينيه، وما يمكن أن يفعله الشعب المصري عندما ينفد صبره، لقد كنت أرى في حسني مبارك الرجل المناسب لعبور الفترة الانتقالية". وصرح هيكل أن عبد الناصر رأى بعد حرب 67 أن دوره قد انتهى، ولكن الشعب أثبت آنذاك أنه أكثر قوة من النظام، ولكن الجميع ينسى هذه الحقيقة، إذ أنه عندما يستمتع الحاكم بالسلطة ويرى هدوء الشعب من حوله ينسى حقيقة وضعه، وبمرور المزيد من الوقت ينسى الحاكم قوة شعبة ويزداد تمسكًا بالسلطة ومزاياها.
واختتم هيكل حديثه بقوله "إننا اليوم أمام أنصاف سياسيين، يريدون أن يستغلوا الثورة لأغراضهم الشخصية، ومنهم من بدأ بالفعل في الترويج لنفسه، إلا أنه آن الأوان كي تتغير المنظومة فالشعب المصري بات يعرف تمامًا ما يريد، إنه يريد شيئًا مختلفًا، لأنه استخدم في الانتفاضة أكثر وسائل التكنولوجيا حداثة في العالم.