هسبريس ولعبة ضاخ ضوخ
خالد أوباعمر
عندما طالعت عدد يوم أمس من جريدة المساء، التي أفردت صفحة خاصة لموقع هسبرس، بعد أربعة وعشرين ساعة فقط، من قيام هذا الموقع، الذي اختار المشرفين عنه بقصد أو من غير قصد، أن تكون سمته البارزة *الغموض* في معرفة آليات اشتغاله أو الجهة التي يمكن أن تكون له ارتباطات بها، عن نشر مقال يحكي فيه صاحبه كيف أن نيني يعتمد في كتابة عموده على أفكار الغير بما يفيد السرق....قلت عندما طالعت تلك الصفحة من ذلك العدد، والتي يبدوا فيها مدير نشر هسبريس(طه الحمدوشي)جالسا بأحد المكاتب المتآكلة بعض شيء، فيما يشبه مكاتب إداراتنا العمومية، وهو يضع رجله اليمنى على اليسرى، أدركت في الحين، أن هناك عدة رسائل، حاولت المساء، عبر الأسلوب الذي صيغت به المادة، إيصالها إلى كل من يهمه الأمر، سواء تعلق الأمر، بهسبريس، أو بجهاز ما من أجهزة الدولة الأمنية، أو سواء تعلق الأمر بالقارئ عموما، وهنا أتحدث عن القارئ الالكتروني، المدمن على الإعلام البديل، الذي بدأ بالفعل، يشكل رأيا عاما وطنيا، مختلفا تماما عن الرأي الذي تشكل طيلة الخمس عقود التي ثلث حصول المغرب على استقلاله بفعل احتكار الدولة لمجال الإعلام والتحكم فيه.
.
أولى هذه الرسائل، التي يمكن للقارئ النبيه، أن يستشفها من خلال المادة، العناوين الفرعية، التي اختارت المساء أن تضعها بوسط الصفحة، أو على جانبيها، وهي عناوين كثبت بالبنط العريض ووضعت بزوايا تثير انتباه القارئ وتشده إليه.
هذه العناوين التي وضعت بعناية فائقة، حذرت من هسبريس، وسوقت للناس بأنهم تحث مراقبة الأجهزة الاستخباراتية، التي تعرف عنهم كل التفاصيل من خلال هذا الموقع المتعاون أو العميل.
لكن ما يلاحظ في هذا الإطار، أن من اشتغل عن المادة، تسبب له غموض الموقع، في حالة من الارتباك، فهو ثارة يقدم لنا تفاصيل عن نشأة هذا الموقع، الذي سماه بالخاص... عملية التفاعل معها، تدفعك إلى الاعتقاد من أول وهلة، أن إحداث هذا الموقع، كان بدافع متابعة كل ما يرتبط بأخبار المغرب من قبل المدعو طه الحمدوشي.
لكن في أحيان أخرى يتم توجيه اتهامات إلى الموقع من دون تقديم إثباتات عن صحة ذلك،من قبيل: أن هسبريس تقدم كل المعطيات المتوفرة لديها لشركات دولية ولأجهزة الأمن عندما تقتضي الضرورة الأمنية ذلك، وهي إشارة تجب ما قيل من قبل، وتعطي الانطباع بأن موقع هسبريس الغامض، له ارتباط بجهات خارجية وأجهزة أمنية داخلية فيما يشبه التنسيق الأمني المشترك بين جهات بالداخل والخارج لها مصلحة بخدمات الموقع المثير للجدل.
عندما تقول المساء، بأن مواطن أخبر صديقا له من مدينة الحسيمة، بأن سبب غيابه عن المدينة لمدة شهر، يرجع إلى اعتقاله من طرف الأجهزة الاستخباراتية،على خلفية تعليقاته بموقع هسبرس المسيئة إلى المخزن، بحسب تعبير كاتب المقال، فان الأمر يبعث على السخرية فعلا من هذا الكلام.
المساء لم تخبرنا عن هوية ذلك الشخص المنحدر من الناضور وهذا عمل من السهل جدا على المنظمات الحقوقية المغربية التأكد من صحته أو عدمها.
إن استعمال كاتب المقال لكم هائل من العبارات ذات الحمولة الأمنية، في مقالته الخاصة جدا، تفيد بأن حجم المعطيات المتوفرة لدى جريدة المساء، لا تسمح بتشكيل رأي عام ضد موقع هسبريس الغامض فعلا وهذا سبب قوته.
الجانب الثاني المثير في مقالة المساء، يرتبط بالرسائل الموجهة إلى المعلنين الاشهاريين.فمن الثابت والمعروف في المغرب، أن المعلنين الاشهاريين كلما أحسوا بأن منبرا إعلاميا ما، يحضا يرضى الدولة، فإنهم لا يترددون في بعث إعلاناتهم إليه وهذا ينطبق على جريدة المساء أكثر مما ينطبق على موقع هسبريس الذي تبقى إعلانات الشركات والمؤسسات المغربية به جد محدودة بحسب ما نراه بأم العين.
إن تركيز المقال الخاص جدا، والمكتوب فيما يبدو، باسم مستعار، يمكن أن يكون لمحمد الأشهب، الذي طل فجأة ومن دون إشعار مسبق علينا، بجريدة المساء في لحظة خاصة واستثنائية في مسار هذه الجريدة، التي بدأت شعبيتها تنقص وحجم مبيعاتها يتقلص تدريجيا، بسبب التغيير الذي طال خطها التحريري في مراحل مختلفة وبشكل تدرجي(...)
إن تركيز هذه الجريدة على سوق الإشهار، له تفسير واحد هو تأليب الدولة على من يقدم إعلاناته إلى هذا الموقع، وهنا لا أدافع عن موقع هسبريس الذي يستفزني بدوري ويدفعني إلى التساؤل مرارا في علاقاتي بمجموعة من الزملاء الصحفيين، عن خلفيات هذا الموقع، وعن الجهات المحتمل أن يكون تابعا لها؟.... لكن في غياب أدلة مادية ملموسة، لا أسمح لنفسي بخندقة الموقع في اتجاه ما يمكن أن يكون أمريكا كما يمكن أن يكون المغرب ويمكن أن يكون لا شيء.
من الأسئلة التي طرحتها على نفسي وأن أقرأ ما كتب بالمساء عن موقع هسبريس، ما الذي تغير حتى صارت المساء، التي كان مدير نشرها وباتفاق حسب علمي مع إدارة الموقع يقوم بنشر عموده على صفحتها الأولى؟ ألم تكن حينها الشبهات تحوم حول طبيعة هذا الموقع والجهة التي يمكن أن يكون يشتغل لمصلحتها؟ ما الجدوى من تخويف المغاربة من أعين الرقيب في العلاقة مع هسبريس تحديدا وبالتركيز على الجداريات بالتحديد؟
محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة البسيطة للغاية، تفرض علينا منهجيا، الوصول إلى خلاصة طبيعية جدا، بغض النظر عن الموقف الذي يمكن أن يكون لنا شخصيا من هذا الموقع.
إما أن هناك جهات بالفعل، طلبت من المساء كتابة المقال حول هذا الموقع، وهو مقال ينطبق عليه فعلا، وصف المقال ألاستفتائي، بالنظر إلى النتائج التي يمكن أن يتم التوصل إليها، بعد استقراء كل الآراء التي تلي نشر هذا المقال، وبالتالي كان من الطبيعي جدا أن يكتب المقال بالصيغة التي تجعل القارئ يعتقد بأن المساء تتهجم على الأجهزة الأمنية واتهامها بالوقوف وراء هذا الموقع الغامض أكثر من غموض الأجهزة الأمنية في حد ذاتها، حتى لا تسقط الأهداف.
وإما أن المقال يمكن أن يكون قد كتب بالفعل تحت الطلب، لكن في اتجاه آخر مختلف تماما عن الأول، اتجاه يمكن له المراهنة على استدراج القيمين على إدارة الموقع في إطار رد فعل متسرع حول ما كتب لمعرفة المزيد من المعطيات حول هذا الموقع الذي بات يشكل بالفعل رأيا عاما بالداخل والخارج بسبب الإقبال المتزايد عليه.
عندما أناقش أمر هذا الموقع، مع بعض الأصدقاء من الصحفيين، ومنهم من يكتب لفائدة هذا الموقع، عن طبيعته الغامضة، يقولون أن قوة الموقع تكمن في غموضه، وغموضه لا يمكن تبريره بالضرورة، ووفق منطق المؤامرة، بارتباطاته المفترضة بجهات داخلية أو خارجية، بل الغريب في كل ذلك، أن مجموعة مما يكتبون يكادون يجمعون على مسألة واحدة، وهي أنه طالما أن الموقع يسمح لي بالتعبير عن أفكاري بدون رقابة قبلية، ومن دون حجر ولا وصاية، كما يقع في الصحافة الورقية، فليس مهما معرفة طبيعة هذا الكائن الالكتروني المثير، ولا حتى من هية الجهات التي يشتغل لمصلحتها، هذه الأجوبة متروكة لجهات لها اختصاصات واضحة في تفكيك طبيعة الأشياء ومعرفة خلفياتها وأبعادها.
هذا الرأي إلى حد ما أتفق معه، إلا أن حرقة السؤال تظل بالنسبة إلي مشروعة، لا سيما وأن دافعها مشروع وهو الفضول المعرفي...لكن ما يثير في التساؤل بشأن إمكانية ارتباط هذا الموقع الغامض غموض أهدافه، بجهة استخباراتية مغربية سواء تعلق الأمر بالمديرية العامة للدراسات والمستندات والتوثيق، المعروفة اختصارا، بلادجيد، أو تعلق الأمر بأجهزة من المحتمل أن يتم إحداثها خصيصا لغرض تجميع المعطيات والأفكار وتحليلها لاستباق كل ما من شأنه المس بأمن الدولة....هو، هل بالفعل العقل الأمني الاستخباري المغربي، قد نضج، إلى الحد الذي يقوم فيه بإحداث موقع استثنائي وخاص، لاستقراء أفكار المغاربة وتحليلها وفق منطق استخباري استباقي؟
اعتقد أنه إذا تبث، ارتباط موقع هسبريس بجهاز ما، من أجهزة الدولة المغربية، فسأكون أول من سيهنئ هذا العقل، على ذكائه،و انفتاحه، وجاذبية مشروعه الرائع جدا، وعلى بعد نظره الثاقب.
بكل صدق، وهذا ليس تنقيصا من الأجهزة الأمنية المغربية ولا تشكيكا في كفاءة أطرها...لكن ما دام أن الأجهزة، لا زالت تعتمد في أسلوب عملها، على ما يجود به المقدمين والشيوخ، وعل ما يصلها من رسائل من الخارج، كبنيات مخزنيه تقليدية مهمة في الوصول إلى المعلومة، وباستحضار ما وقع من أحداث على خلفية استنبات مخيم اكديم أزيك بالعيون، و الطريقة التي تفاعل بها موقع هسبريس مع الأحداث في تونس ومصر، في ظل المقاربة التحفظية للإعلام الرسمي من تلك الأحداث... معطيات تجعلني شخصيا أستبعد أن تكون المخابرات المغربية من وراء هذا الموقع المثير للريبة.
لكن في مقابل ذلك امتناع الموقع في مرات عديدة، على نشر مقالات منتقدة للسياسة الخارجية الأمريكية، ولا سيما، المقالات التي ناقشت الوضع في كل من مصر وتونس، على خلفية الموقف الأمريكي تحديدا من ما وقع، بمنطق المقارنة، مع أحداث لبنان أو العراق،أو فلسطين، وباستحضار كذلك، بعد القانون الدولي الإنساني... هنا تصبح الفرضية التي ترجح احتمال ارتباط مصالح هذا الموقع والمشرفين عليه بأجندات خارجية واردة إلى حد ما، لكن في غياب ما يثبت ذلك من الصعب الجزم.