طبيب فرنسي يتحدث عن ألفي قتيل في بنغازي
هياكل السلطة الليبيّة تنهار مع إتساع الإنتفاضة الشعبيّة
وكالات
اعتمد العقيد معمر القذافي الذي يحكم ليبيا منذ أكثر من أربعة عقود على التباينات القبلية والسياسية لاحكام قبضته على البلاد ولكن هياكل السلطة تنهار مع إتساع الإنتفاضة الشعبية، بحسب ما يقول المحللون.
طرابلس، باريس: منذ وصوله للسلطة العام 1969 عزز العقيد معمر القذافي موقعه كقائد لا يمكن التكهن بأفعاله وأزال هياكل السلطة التي كانت قائمة من قبل ليفرض سيطرته الشخصية على جهاز أمني قوي. في 1977، أعلن القذافي ان ليبيا تحوّلت إلى "جماهيرية" معتبرًا أنه يدشن نظامًا سياسيًّا جديدًا لا هو رأسمالي ولا اشتراكي وانما يعتمد نظريًا على تسليم السلطة مباشرة للجماهير.
ولكن في الحقيقة، مارس القذافي سلطة مطلقة اذ لم يسمح بوجود أحزاب سياسية ولم تكن هناك سوى مجموعة صغيرة من جمعيات المجتمع المدني الشكلية وستند بشكل اساسي على اللجان الثورية واسعة النفوذ وعلى ابناء قبيلة القذاذفة التي ينتمي اليها للقضاء على المعارضة.
وكان يتم انتقاء اعضاء اللجان الثورية وهي اقرب ما تكون الى حزب حاكم من مختلف القبائل الليبية وظل المعيار الاول لاختيار هؤلاء هو الولاء للقذافي. وقام القذافي كذلك بتأليب القبائل بعضها ضد بعض ولجأ الى مزيد من الترهيب والترغيب حتى يضمن عدم ظهور اي تحالفات قد تقلب توازنات القوى ضده.
وشكّلت الانتماءات القبلية دومًا دورًا مهمًّا في هذا البلد النفطي الغني اذ كانت توفر شبكة اجتماعية تساعد على الترقي الوظيفي والحراك الاجتماعي والزواج. ولكن النفوذ السياسي للقبائل لم يكن ظاهرًا. وقال محمد فاضل وهو محلل ليبي مستقل مقيم في لندن انه "مع التمدن والتنمية اصبح لزعماء القبائل تأثير اقل على اعضائها".
واضاف "ان القبائل تشبه الاسر الكبيرة ويمكن ان تكون هناك انقسامات سياسية داخل هذه الاسر". وهدد سيف الاسلام نجل العقيد معمر القذافي الاثنين بأن ليبيا قد تشهد "حربًا اهلية" للايحاء بان الاشتباكات التي اسقطت مئات القتلى منذ بدء الانتفاضة ناتجة عن خلافات قبلية.
غير ان النزاع كان بين النظام وانصاره من جهة والمتظاهرين المطالبين بالحرية والاصلاح ايا كانت انتماءاتهم القبلية من جهة اخرى. ويعتقد المحللون ان الاحتجاجات التي تشكل التحدي الاكبر لنظام القذافي منذ توليه السلطة تزعزع الهياكل التقليدية للنظام.
وقالت دلفن بيران وهي خبيرة في شؤون شمال افريقيا في معهد فلورانس الاوروبي بايطاليا ان "القذافي خلق نوعًا من التوازن بين كل القبائل ولكن هذا النظام بدأ في الانهيار مع انقلاب بعض القبائل عليه". وبدأت الاحتجاجات المطالبة بتغيير النظام في شرق ليبيا في 15 شباط/فبراير بعد اربعة ايام من اسقاط الرئيس المصري السابق حسني مبارك وانتشرت بسرعة في مختلف انحاء البلاد.
وعلى مدى السنين، عمل القذافي على تقوية قبيلته، القذاذفة، مزودًا اياها بالسلاح والمال. وقال محلل ليبي طلب عدم ذكر اسمه "ان نقطة ارتكازه هي الجنوب (سبها) وهي المنطقة التي تتحدر منها قبيلته والتي يجلب عن طريقها مرتزقة من تشاد".
واضاف المحلل ان رئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي والرائد عبد السلام جلود الذي كان يوما ما الذراع اليمنى للقذافي ينتميان الى القبيلتين الكبيرتين الاخريين في الجنوب وهما المقريحة والحساونة.
واعتبر هذا المحلل انه "لكي يسقط القذافي ينبغي البدء من هذه المنطقة". وخلال الايام الاخيرة، قام زعماء قبائل وخصوصًا من قبيلة ورفاله القوية باعلان دعمهم للمحتجين ما ادى الى اضعاف نظام القذافي.
وأكدت موللي ترهوني وهي محللة سياسية ليبية تقيم في لندن انه "بصرف النظر عن الثقل السياسي المباشر للقبائل فانها تستطيع ان تقدم شبكة امن للمعارضين". واعتبرت ان "قدرة القبائل على الحشد في مناطقها هو اكثر ما يثير توتر نظام القذافي".
تضارب الأنباء حول أعداد القتلى منذ بدء الاحتجاجات
وعلى صعيد متصل، وبشأن الجدل حول أعداد القتلي منذ بدء الاحتجاجات اعتبر طبيب فرنسي عاد لتوه من بنغازي (شرق ليبيا) الاربعاء ان المواجهات في هذه المدينة اسفرت عن "اكثر من الفي قتيل"، فيما اعلنت احدى زميلاته لوكالة الأنباء الفرنسية استقبال عشرات الجرحى في مستشفاهما بين الخميس والاحد.
واكد جيرار بوفيه الطبيب الذي عمل طوال عام ونصف العام في مركز بنغازي الطبي، في شهادة نشرها موقع مجلة لوبوان الاسبوعية على شبكة الانترنت، ان "بنغازي تعرضت للهجوم الخميس. وقد نقلت سيارات الاسعاف لدينا في اليوم الاول 75 قتيلا، وفي اليوم الثاني 200، ثم اكثر من 500".
واضاف هذا الطبيب "في الاجمال، اعتقد ان اكثر من الفي شخص قتلوا" في بنغازي، ثاني مدن البلاد ومركز الحركة الاحتجاجية ضد القذافي التي بدأت في 15 شباط/فبراير. وقالت احدى زميلاته مديرة العناية الطبية في المستشفى نفسه باتريسيا فينيتا إنها شهدت وصول عشرات الجرحى وبعض القتلى المصابين بالرصاص بين الخميس والاحد. ولم يكن في وسعها تأكيد الحصيلة التي طرحها الدكتور بوفيه.
من جانبه، أعلن الاتحاد الدولي لرابطات حقوق الانسان أن اعمال العنف المرتبطة بالاحتجاجات ضد نظام الزعيم الليبي معمر القذافي أسفرت عن سقوط 640 قتيلا على الاقل بينهم 275 في طرابلس و230 في بنغازي اي اكثر من ضعف الحصيلة الرسمية التي تحدثت عن 300 قتيل.
وصرحت سهير بلحسن رئيسة الاتحاد الدولي لرابطات حقوق الانسان ومقره باريس لفرانس برس بأن هذه الحصيلة تستند الى "مصادر عسكرية" بالنسبة الى طرابلس ومعلومات للرابطة الليبية لحقوق الانسان بالنسبة الى بنغازي ومناطق اخرى.
واضافت لا تشمل هذه الحصيلة احتمال سقوط ضحايا في مدينة طبرق في اقصى شرق البلاد حيث لم يحصل الاتحاد على معلومات دقيقة. وقالت انه في بنغازي ثاني مدن البلاد ومعقل المعارضة احصى الاتحاد 230 قتيلاً "بينهم 130 عسكريًا اعدموا على ايدي ضباطهم لأنهم رفضوا اطلاق النار على حشود" المتظاهرين. واعلنت السلطات الليبية الثلاثاء مقتل 300 شخص منذ 15 شباط/فبراير لدى بدء الاحتجاجات بينهم 111 عسكريًا.
الصحافيون الذين دخلوا بطريقة غير شرعية الى ليبيا "خارجون على القانون"
إلى ذلك، أعلن نائب وزير الخارجية الليبي خالد الكعيم الاربعاء ان الصحافيين الذين دخلوا بطريقة غير شرعية الى ليبيا "خارجون على القانون". وقال لصحافيين "هناك صحافيون دخلوا ليبيا بطريقة غير شرعية ونعتبر كأنهم يتعاونون مع القاعدة وانهم خارجون على القانون ولسنا مسؤولين عن امنهم. وفي حال لم يسلموا انفسهم للسلطات فسيعتقلون".
واضاف "سمحنا لثلاث فرق تابعة للسي ان ان والعربية وبي بي سي بالعربية الدخول الى ليبيا. ومراسل السي ان ان دخل بصورة غير شرعية يجب ان ينضم الى فريقه والا سيعتقل". وكان الكعيم اكد في وقت سابق قال ان تنظيم القاعدة اقام امارة اسلامية في درنة شرق ليبيا بقيادة معتقل سابق في غوانتانامو.
وقال الكعيم "اقامت القاعدة امارة في درنة بقيادة عبد الكريم الحسدي وهو معتقل سابق في غوانتانامو (مركز الاعتقال الاميركي في كوبا)"، مؤكدًا ان القاعدة تفكر في سيناريو "على طريقة طالبان" في ليبيا.
الإتحاد الأفريقي يندد "بالاستخدام المفرط" للقوة في ليبيا
هذا وندد الاتحاد الافريقي الاربعاء "بالاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين" في ليبيا معربا عن اسفه لسقوط قتلى في هذا البلد.