قراء إيلاف يبرّرون غيابه عن حركات التغيير في المنطقة
المثقف العربي مقموع ويحتاج إلى منقذ
عبدالرحمن الماجدي
برزت ظاهرة جديرة بالمتابعة في حركات التغيير التي اجتاحت وتجتاح عددًا من الدول العربية اليوم مطالبة بالتغيير السياسي وهي غياب دور المثقف العربي عنها بشكل لافت. وبروز دور طليعي لشباب من عامة الناس من المتعلمين الذين فاقوا المثقفين في التعامل مع ثورة المعلومات والاستفادة منها بشكل كبير في استمرار تظاهراتهم والتواصل فيما بينهم لايقاف القمع وتغييب الحريات في دولهم.
رسم بيانيّ يظهر نتائج استفتاء إيلاف الأسبوعيّ
عبد الرحمن الماجدي: تجتاح المنطقة العربية موجة انتفاضات شعبية عارمة تسعى لتغيير الواقع السياسي القائم ليكون لينال المواطن حقه الحقيقي في اختيار من يحكم البلاد ضمن انتخابات دورية لاتحتكر السلطة فيها عائلة او شخص واحد.
وأبرز ما يميز هذه التظاهرات غياب دور المثقف العربي عنها حتى الآن بشكل واضح خصوصًا في تونس ومصر اللتين أسقطتا السلطتين الحاكمتين فيهما تظاهرات شعبية عارمة لم يكن لأي مثقف دور فيها ولو هامشيًا.
والامر ذاته يتكرر في دول مثل ليبيا والجزائر واليمن والبحرين وإقليم كردستان العراق والمغرب التي يقودها فئة من الشباب من الحائزين على نسبة التعليم والوعي تسعى للاصلاح وتداول السلطة وتحقيق العدل الاجتماعي.
ويبرر مراقبون لهذه الظاهرة بعدة أسباب لعل أبرزها بقاء المثقف العربي على نمط جامد من التفكير ينظر خلاله لسواه نظرة استعلائية دون أن ينتبه لثورة الاتصالات التي تجاوزت كثير من المثقفين وجعلت عامة الناس من المتعلمين تتجاوز المثقف بمسافات شاسعة في حيازتها المعلومات التقنية ولعل ظاهرة الفيس بوك وتويتر خيل دليل على ذلك وسطوتها في تجاوز سلطة المثقفين النفسية، حيث يعاني كثير منهم من كيفية التعامل مع جهاز الكمبيوتر أو ارسال رسالة الكترونية، بل لما يزل بعضهم حائرًا في إيجاد اسم لجهاز الكمبيوتر عربيًا هل هو حاسوب أم حاسبة ام كمبيوتر؟ وابتعد بعض منهم في غيبة نرجسية ليسخر وسائل الاتصال لإبراز نتاجه الخاص وحسب، عبر وسيط يساعده هو من عامة الشعب، كما يؤكد هؤلاء المراقبون.
ومن جانب آخر ينظر إلى المثقف كمتماه مع السلطة الحاكمة باعتبارها الممول له ولمشاريعه وانجازاته من جهة واعتبارها سببًا في بقاء دوره الريادي في المجتمع حتى وان كان معارضًا لها اذ ارتبط وجود دوره هذا بوجودها سواء كان مواليًا لها أو معارضًا.
ويرى الأكاديمي المغربي إدريس جنداري إن المثقف الذي امتلك لوقت طويل رأسمالا رمزيا؛ جعله مؤهلا لتأسيس سلطة موازية؛ لا تقل قيمة عن السلطة السياسية؛ يجد نفسه الآن يفتقد هذه السلطة؛ في ضوء التحولات التي فرضتها العولمة؛ و لذلك فإن مكانته الاعتبارية؛ لم تعد تؤهله لبناء الشرعية السياسية للنظام السياسي؛ الذي طالما باعه خدمات رمزية؛ في مقابل الحصول على مكاسب مادية .
مضيفا خلال تفسيره لغياب دور المثقف عن ثورتي تونس ومصر بإن الانتقال من المثقف الشمولي؛ المشتق من رجل القانون؛ إلى المثقف الخصوصي؛ المشتق من العالم الخبير؛ يجعل المثقف الجديد يفتقد تلك الشحنة السياسية؛ التي رافقته لوقت طويل كسمة مميزة له؛ تجعله يحضر دائما في موازاة السلطة السياسية؛ إما عبر معارضتها؛ و إما عبر خدمتها.
وبفقدانه لهذه الشحنة السياسية؛ فإنه يفتقد في الوقت ذاته؛ تلك المكانة الرمزية؛ التي استثمرها طويلا في تقديم خدمات رمزية للسلطة السياسية؛ قد تصل إلى مستوى إضفاء الشرعية عليها؛ للحصول على ريع سياسي أو اقتصادي؛ ضمن سيرورة مرسومة؛ تقوم على أساس تبادل المصالح المشتركة.
كلام جندراي الذي سينظر اليه المثقفون العرب كتفسير قاس يرون أن السلطات العربية كانت عادلة في توزيع الظلم فقط في بلدانها ونال المثقف مانال بقية الناس.
لكن هناك من يرى بأن العولمة أو الشوملة تجاوزت دور المثقف بكثير داخل الدول العربية. ولم يكن المواطن البسيط يتلقى المعلومات حول العالم من نخبة معينة. بل بات هذا المواطن يقدمها للمثقف نفسه وكأن ماحصل هو ثورة في الحصول و تقديم المعلومات. أو هو حث على تصحيح كلمة ( المثقف) حسب مثقفين عرب، التي تبدو أنها مستخدمة عربيًا فقط. فما يشير إليه معنى الكلمة مقارب لكلمة انتلجنسيا (النخبة) وهي تشمل المشتغلين بالأدب والموسيقى والرقص والرياضة والفلسفة والصحافة والسياسة..، لكن اقتصارها عربيًا على المشتغلين بالأدب والمعرفة يعيد للاذهان معنى كلمة ثقافة التي تشير قاموسيًا بإقامة الشيء المعوج أو تهذيب الانسان وتعليمه وفي معنى آخر تشير للحذاقة أي صار حاذقا فطنا، أو بمعنى آخر للحموضة الزائدة فهو ثقف الخل اشتدت حموضته فصار حريفا لذاعا فهو ثقيف، والعلم والصناعة حذقهما.
وهي معانٍ باتت تشير لغير مثقفنا المتعارف عليه عربيًّا بعد أن حاز غيره من عامة الناس من المتعملين العلوم والحذاقة فيها وصار المثقف يطلبها منهم.
وقد ساهم ذلك في تقوقع المثقف في برج عاجي كما يرى بعض قراء إيلاف الذين اشتركوا في التصويت على سؤال الاستفتاء للاسبوع الماضي حول غياب دور المثقف العربي في ثورات تونس ومصر وغيرهما.
حيث وجد مانسبتهم (8.97%) وعددهم (452) أن سببه يعود لجهل المثقف العربي بأحوال شعبه، ورأى سواهم (17.24 %) أي (869) مشاركًا، أن المثقف والنظام السياسي وجهان لعملة واحدة، بينما فسر آخرون (561) من قراء إيلاف (11.13 %) غيابه بسوء تقديره لدور الإنترنت وملحقاته مثل فايسبوك في التغيير، وأصر آخرون (790 ) نسبتهم ( 15.67% ) على انتهاء صلاحيّة المثقّف العربي. وهو رأي ينطوي على قسوة كما يرى أغلبية المشاركين ( 46.98%) في استفتاء إيلاف وعددهم (2368 ) الذين ينظرون للمثقف العربي كمقموع ويحتاج إلى منقذ. وقد شارك في الاجابة على سؤال الاستفتاء (5040 ).