إحتفال كويتي بمناسبتين مهمتين في أوستوكهولم
النخيلان: التحدي الأمني كثيرا ما أقلق قيادة الكويت وشعبها
أحمد أبو مطر
من يتخيل هذا الوجود العربي الحافل في بلاد إسكيندينافيا، خاصة في أوستوكهولم العاصمة السويدية؟. كان ذلك ليلة الخميس الموافق الرابع والعشرين من فبراير 2011، حيث كان حفل السفارة الكويتية في أوستوكهولم العاصمة السويدية، بمناسبة العيد الوطني لدولة الكويت الذي يصادف سنويا الخامس والعشرين من فبراير، ثم لقاء عربي آخر في بيت السفير الكويتي ضمّ عدد كبير من الكتاب والصحفيين العرب تحديدا.
الذكرى الخمسون للاستقلال
يصادف هذا اليوم في العام الحالي 2011 مرور خمسين عاما على إعلان استقلال دولة الكويت، الذي كان في العام 1961 بعد إلغاء معاهدة 19 يونيو 1899 مع بريطانيا، واعتبار الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة في كافة الميادين الداخلية والخارجية، و يشكّل العام 1961 عاما تاريخيا في مسيرة الدولة الناشئة، ففيه شهدت الكويت:
في العشرين من يوليو، الانضمام لجامعة الدول العربية.
في السادس والعشرين من أغسطس، إصدار القوانين والتشريعات المنظمة لمختلف مرافق الحياة.
في السابع من سبتمبر، تمّ رفع العلم الجديد للدولة المستقلة.
في العشرين من نوفمبر، إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.
وبعد عامين من إعلان الاستقلال، وفي الرابع عشر من مايو عام 1963 تم قبول دولة الكويت عضوا في هيئة الأمم المتحدة لتكون آنذاك العضو رقم 111 في الهيئة. ومنذ ذلك الوقت وبدون أية مجاملات أو مبالغات، كانت دولة الكويت قد أرست مقومات ديمقراطية تفوقت فيها على العديد من الأقطار العربية، خاصة الدور الفاعل لحرية التعبير، ودور مجلس الأمة الذي كان وما يزال يخافه المسؤولون والوزراء، فلم يجرؤ برلمان عربي على محاسبة واستجواب المسؤولين في بلده كما يفعل مجلس الأمة الكويتي.
كيف يرى السفير الكويتي هذا اليوم؟
السفير الكويتي في أوستوكهولم ، الأستاذ علي النخيلان بالإضافة لعمله كدبلوماسي، فهو كاتب له العديد من المقالات والدراسات، سألته : ماذا يعني له العيد الوطني كمواطن كويتي؟. فأجاب:
( خمسون سنة منذ استقلال دولة الكويت هي مناسبة خاصة لكل الكويتيين. هي خمسون سنة في مسيرة شعب تخللتها الكثير من التحديات ، تمكن الكويتيون من تخطيها بكل ثبات وإصرار. كان التحدي الأمني كثيرا ما أقلق القيادة الكويتية والشعب الكويتي. بلد صغير شعبا ومساحة تحتم عليه فور حصوله على الاستقلال وانضمامه للأسرة الدولية مواجهة الكثير من المخاطر والصراعات التي استهدفت أمنه واستقراره، غير أن الكويت قدمت خلال مسيرتها مثلا للبلد المتمسك بدوره الفاعل في توطيد أسس الأمن والسلم الاقليمي والدولي ،بصفتها بلد محب للسلم وعضو في الهيئات الدولية الهادفة لتحقيق وضمان الأمن والاستقرار الدولي بمفهومه المباشر المتعلق ببذل الجهود لحل الأزمات والأمورالسياسية، أو المفهوم الجديد غير المباشر لتحقيق الأمن والاستقرار الدولي ، وهو المفهوم المرتبط بتحقيق الدول وتمكينها من التنمية المستدامة، وأيضا مساعدة الدول والشعوب الفقيرة للتصدي لمشاكل الفقر والكوارث الطبيعية ).
الدعم للأشقاء العرب والتنمية السياسية
عشت وعملت في الكويت بين عامي 1968 و 1974 ، ولا يمكن أن أنسى أن النسبة الأكبر من دعم منظمة التحرير الفلسطينية وكافة الفصائل الفلسطينية، كان يأتي من الكويت شعبا وحكومة أو من نسبة العشرة بالمائة التي كان يدفعها العاملون والموظفون الفلسطينيون شهريا من رواتبهم للصندوق القومي الفلسطيني. أما التبرعات العينية فكانت لا تنقطع من الشعب الكويتي مرسلة لأشقائهم الفلسطينيين في لبنان وغيرها. هذا وكل من عمل تلك الفترة في الكويت من الفلسطينيين يعرف أنّ غالبية قيادات المنظمات الفلسطينية، وخاصة فتح قد انطلقت أو جاءت من الكويت، وبالتحديد ياسر عرفات وصلاح خلف وغيرهما، وكان مسرح وقاعة مدرسة ثانوية عبد الله السالم شبه محجوز لياسر عرفات كلما جاء في زيارة إلى الكويت وهي الزيارات التي لم تنقطع أبدأ.
عن هذا الدعم الكويتي للأشقاء العرب، يقول السفير الكويتي الأستاذ علي النخيلان:
( هنا أتوقف في محاولتي للتعبير عن الدور الذي لعبته الكويت في هذا المجال بكثير من الفخر والاعتزاز ، لكوني أمثل دولة قدمت المساعدة لاصدقائها حول العالم من شعوب تواجه الفقر والكوارث الطبيعية ، وقدمت أيضاً مؤسساتها الرائدة في مجال التنمية مساعدات للعديد من الشعوب ، فالصندوق الكويتي للتنمية العربية يعدّ من المؤسسات الرائدة في مجال تقديم المساعدة لتحقيق التنمية للدول المحتاجة، ، هذه المؤسسة الكويتية التي تحتفل أيضاً هذا العام بالذكرى الخمسين لتأسيسها، يفخر بأنه قدم مساعدات لشعوب العالم بما يزيد عن خمسة عشر مليار دولار متجاوزا النسبة التي أقرتها الامم المتحدة للدول المانحة للمساعدات للدول الفقيرة . وعندما نتوقف عند التنمية وقضاياها الملحة أجد من الضروري التوقف عند مفهوم التنمية السياسية في الكويت ، لأجد أنّ في هذا العام أيضاً تحتفل الكويت بمرور خمسين سنة على الدستور الكويتي الذي قفز بالكويت إلى مصاف الدول الرائدة في المنطقة في مجال حفظ وضمان الحقوق الأساسية للإنسان، وضمن مستوى راق من العلاقة بين السلطة والشعب من خلال إقرار مبدأ الفصل بين السلطات. وأيضا بصدور الدستور الكويتي عرفت الكويت منذ قرابة الخمسين سنة أول برلمان وبداية لانطلاقة الديمقراطية الكويتية فترتقي بالإنسان الكويتي لمكانة مرموقة على مستوى المنطقة ).
مناسبة كارثية حزينة أيضا
من الصدف المفرحة والحزينة في الوقت ذاته، أنّ الكويت عندما تحتفل سنويا في الخامس والعشرين من فبراير بالعيد الوطني، يصادف بعده بيوم واحد في السادس والعشرين من فبراير، ذكرى تحرير الكويت من الغزو والاحتلال الصدّامي الذي حدث في الأول من أغسطس 1990 وتم دحره وتحرير الكويت في السادس والعشرين من فبراير 1991 أي بعد احتلال وتخريب دام حوالي سبعة شهور، وبالتالي فإن العيد الوطني الحالي هو الخمسون، وذكرى تحرير الكويت هي العشرون. ولا يحتاج الأمر لدراسة مطولة لبيان حجم الطيش والغباء الذي ارتكبه الديكتاتور البائد صدّام بغزوه واحتلاله لدولة عربية، والأدهى من ذلك أنّه في بعض مساوماته ربط الانسحاب من الكويت بتحرير فلسطين!!!. والنقطة المهمة في سياق تحرير الكويت أنّ قوات التحالف الدولي التي تولت طرد جيش الديكتاتورمن الكويت، شارك فيها العديد من جيوش الدول الإسلامية والعربية، من ضمنها فرق من الجيش السوري البعثي في زمن الرئيس حافظ الأسد.
هل تواجه الكويت تحديات معينة؟
يقول السفير علي النخيلان: (كانسان كويتي وكممثل لهذا البلد أجد الكثير مما يمكنني قوله بفخر، عندما أتحدث عن مسيرة بلادي خلال الخمسين سنة الماضية ، وأيضا بلا شك أجد الكثير من الآمال والتطلعات التي لا يزال الشعب الكويتي يصبو ويتطلع اليها ، وهي بلا شك تحديات المستقبل ورسالة الأجيال القادمة التي ستسعى حتما لإكمال المسيرة التي بدأها الآباء).
وأنا كاتب هذه المقالة عشت وعملت في الكويت، وأرى من ناحيتي أنه تواجه دولة الكويت تحديات مهمة، يقع تجاوزها على كاهل القوى السياسية الفاعلة في الساحة الكويتية ، والقيادة الكويتية التي أثبتت في بعض الحراك الإجتماعي أنّ نظرتها للأمور تتقدم على قوى المجتمع السياسية، وحلّ هذين التحديين يمكن أن يعود بالكويت لزمن الهدوء والاستقرار الذي كان سائدا قبل عام 1980 ، وكانت الكويت حقيقة ساحة الديمقراطية والحريات الأوسع في العالم العربي. أهم هذه التحديات كما أراها هي:
الأول: الانفعال أو التأزيم على خلفيات طائفية إزاء أية مشكلة اجتماعية أو سياسية، وهذا لا يخدم أية طائفة قدر خدمته لأجندات وتدخلات خارجية، في حين أنّ الجميع عليهم أن يسألوا: لماذا لم تكن هذه التشنجات الطائفية موجودة قبل عام 1980 ، وكانت الكويت بلد التسامح والديمقراطية للجميع بدون أي ذكر للخلفيات الطائفية هذه، التي كانت تصريحات ياسر الحبيب الأخيرة مجالا لظهورها من جديد بشكل احتقان لا يسرّ أحد. والغريب لدرجة الصدمة أنّ هذا الاحتقان والاصطفاف على خلفيات طائفية، يظهر بشكل عنيف جراء أمور بسيطة لا علاقة لها بأفكار طائفية.
الثاني: ضرورة حل مشكلة الكويتيين الذين يطلق عليهم ( البدون )، أي انه من سكان الكويت منذ سنوات طويلة وأغلبهم من الجيل الجديد قد ولد في الكويت، ولم يحصلوا على الجنسية الكويتية حتى الآن. تقول المعلومات شبه الرسمية أنّ ألاف منهم اعترفوا بأنهم جاءوا للكويت من دول أخرى خاصة العراق وسوريا عبر ترحال القبائل والعشائر العربية وأخفوا جنسياتهم الأصلية، وقد تمّ حل مشكلة حوالي ستين ألفا، والعدد الباقي قيد الدرس لا يتجاوز مائة وعشرين ألفا. وأيضا تظلّ هذه المسألة مشكلة إنسانية وأخلاقية لا بد من وجود حل سريع لها، فأيا كانت نسبة من يخفون جنسياتهم فلا بد من إيجاد حل لها ولو بالتدريج، لأنّ هذا من شأنه أن يعزز الانتماء واللحمة الوطنية داخل نسيج المجتمع الكويتي.
إنّ العودة لكويت ما قبل عام 1980 هي أمنية كويتية وعربية، إذ كنّا في أغلب العواصم العربية نفتخر بتلك البؤرة الديمقراطية وحرية التعبير، التي أعطت الكويت تميزا تربويا وثقافيا وفنيا مسرحيا..إنه زمن جميل ليته يعود فهو من مصلحة الكويتيين والعرب، وهذا مرهون بإرادة القوى السياسية والاجتماعية الكويتية، والقيادة الكويتية التي قادت هذا البلد عبر كافة الأزمات، ليصل حرا متماسكا إلى عيد استقلاله الخمسين.