اتحاد المغرب العربي:السهل الممتنع
كثيرا ما نقرأ في الجرائد، أو نسمع من الإذاعة، أو نشاهد في التلفازـ من حين لآخرـ شعارات مرفوعة تنادي بضرورة تفعيل اتفاقية (اتحاد دول المغرب العربي) التي تم تجميدها بعد خمس سنوات من تأسيسها، أي من سنة 1989 إلى سنة 1994، وقد يرى البعض أن اتحاد المغرب العربي شعار يطمح للتغيير قبل أن يغيٌّر، فكيف يستنجد الغريق بالغريق، لكن كما قال المهدي المنجرة (اتحاد دول المغرب العربي أو سموه ما شئتم)، فلا مشاحة في الإصطلاح كما يقول الفقهاء إذا ما اتفقنا على المضمون أو الحمولة إن جاز لنا هذا التعبير.
إن هذا الحلم لمن السهل الممتنع تحقيقه. أولا، لأن التنمية بالمنهج البنيوي أو التحرر بالمنهج المادي ينطلق من فكرة، والفكرة مطروحة، إذن من السهل التغيير والتوحد، ثانيا بما أن الفكرة عبارة عن حلم، والحلم ينتهي عادة بصدمة الاستيقاظ، فالتوحد والتغيير ممتنع حصوله؟!.
إذا ما قمنا بجرد بسيط لأهم الخصائص التي تجمع دول المغرب العربي لحصلنا ما يلي:
*البعد الثقافي :دول تشترك في اللغة، فالعربية هي اللغة الرسمية ، بلدان ذات تقاليد وعادات متقاربة في المأكل والمشرب والملبس، دول عقيدتها واحدة، تدين جميعها بدين الإسلام.
*البعد التاريخي:دول تاريخها مشترك، لم تسلم من الاستعمار، عانت لكنها حققت الاستقلال، وربما مستقبلها سيكون واحد؟!.
*البعد الجغرافي:دول تمتد على مسار أفقي، لا يفصل فيما بينها لا بحر ولا محيط، ذات مناخات متشابهة وغطاء نباتي متقارب.
إذن، أبشر أصحاب شعار (مغرب عربي موحد)، فبعد التقصي والبحث، خلصنا إلى أن كل ما يمكن أن يدعو إلى التوحد متوفر، ومن السهل إنزال هذا الشعار أرض الواقع، وأنبه أيضا أن دول أوربا يستحيل أن تتوحد، لأن ما قمت بجرده آنفا حول خصائص المغرب العربي تفتقر إليها أوربا، فلا دين موحد، ولا لغة مشتركة، ولا جغرافيا واحدة ...إلخ، وخلصت إلى أن من ينادي بشعار (الاتحاد الأوربي) وجب عليه الانسحاب، فإنه حقا من الممتنع أن يتوحد هذا الأخير مع هذه الإختلافات،هذا هو المنطق وهذه هي الحقيقة....؟؟؟!
عفوا؟؟! ذكرت كلمة حقيقة، لقد صدمتني هذه الأخيرة، إنه كابوس أيقظني من يوتوبيتي ، إن الواقع يقول غير هذا، فأوربا قد توحدت منذ قعود من الزمن - رغم اختلافاتها- تحت لواء الاتحاد الأوربي، في حين مازال المغرب العربي يعيش التشتت وألفة الحدود الوهمية الموروثة عن فترة الإستعمار.
يقول محمد عابد الجابري:(بقدر ما نحن موحدون على صعيد الثقافة واللغة، بمقدار ما هم مختلفون، وبمقدار ما هم موحدون على الصعيد الاقتصادي ويسيرون على هذه الطريق بمقدار ما نحن غير موحدين ولا نسير على هذه الطريق بخطوات متكاملة، فإذا استطعنا تحت دافع الحاجات المقبلة أن ندخل في مسلسل وحدوي على مستوى القاعدة الاقتصادية، وعلى مستوى المبادلات، فإن الوحدة العربية ستجد طريقها بسهولة لأن "البنية القومية" (التي هي الثقافة) موحدة) ، وهذا القول قد يكون صحيحا إذا ما منحنا الحرية التي كانت لأوربا إبان تأسيس اتحادها، ويكون قولا خاطئا إذا ما علمنا بالتبعية والضغوطات الخارجية التي تحول دون التمتع بحرية تأسيس مغرب عربي موحد.
ويذكر الديالمي أن (السوسيولوجيا خضعت أثناء الاستعمار إلى مخطط محكم، استثمار الورقة البربرية في مرحلة أولى مرحلة استقرار الحماية، ثم الانتقال إلى الورقة التغريبية من خلال رسمنة وتصنيع المغرب، حتى يسقط المغرب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وفكريا في التبعية، أي في شكل جديد وأخطر من الاستعمار لا يكفي الاستقلال السياسي الشكلي لمواجهته بنجاح) ، وقد يطبق هذا القول على باقي دول المغرب العربي بطريقة أو بأخرى، فلما حصلت هذه الدول على استقلالها، لم يتم ذلك عبثا من منظورين، المقاومة والحركة الوطنية في تلك البلدان، وتأكد المستعمر من ترسيخ عادة التبعية في اقتصادات هذه الأخيرة، فكانت نتائج تلك العادة أو الهيمنة الاقتصادية وحتى الفكرية والثقافية تكفي المستعمر شر الهيمنة العسكرية، ففك الارتباط من الصعوبات التي تواجه أو تحول دون تحقيق التوحد والوحدة.
رغم هذا وذاك، يجب ألا نؤمن بفكرة "ليس بالإمكان أبدع مما كان"، بل هناك أمل في التغيير، ويبقى فقط التفكير في الآليات والميكانيزمات الضرورية لهذا التغيير.
وفي ما أرى، من ناحية أولى أن المغرب العربي في هذه الآونة لا يحتاج إلى التوحد بقدر ما يحتاج إلى تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية فيما بينه كما يفعل مع أوربا و و.م.أ، دون التفكير في التوحد أو خلق مغرب عربي موحد على نمط الإتحاد الأوربي مثالا، فمجرد التفكير في خلق اتحاد المغرب العربي يجر معه ويلات السياسة الخارجية والضغط الأجنبي، إذ يحرم على العرب ثلاث أمور من منظور خارجي كما يقال:الوحدة، اقتصاد قوي،تكنولوجيا متطورة، ولا أقول هذا تيئيسا بقدر ما أقوله تحفيزا وتشجيعا، قصد البحث عن ممرات أرضية داخل هذه المتاهة المضللة، وتطبيق قواعد أيسر لحل رموز هذه المعادلة التي لا أعرف من أي درجة هي. ومن ناحية ثانية، يكفي المغرب العربي فخرا أن يخلق مبادرات ومقاولات اقتصادية داخل كل بلد حسب إمكانياته، وأن ينشر الوعي السياسي والفكري بين شرائحه ومجتمعاته، ويشجع الفكر والثقافة والفن والإبداع، ويعالج مشاكله الإجتماعية بنفسه، ولا ينسى (سر الوصفة اليابانية:محو الامية، ثم الإهتمام بالترجمة والثقافة) ، فكما يقال:"ما حك ظهرك مثل ظفرك ،فتول أنت جميع أمرك".
فــ(العالم اليوم هو عالم التكتلات، التكتل داخل البلد الواحد من أجل تحقيق الأهداف العامة المشتركة ومواجهة التحديات الخارجية، والتكتل على المستوى الإقليمي والجمهوري لمواجهة قوى الهيمنة على الصعيد العالمي.هنا أيضا تختلف أوضاع البلدان باختلاف إمكانياتها وخصوصياتها الحضارية) . كما لا يجب علينا أن نيأس من الصراعات التي تواجه الدول العربية عموما، والمغرب العربي خصوصا فيما بينها، فـ(على كل حال هناك مثل مغربي، ولعله عربي وعالمي، يقول:لا يختصم إلا الإخوة. والحق أن الغريب لا يختصم مع الغريب لأنه لا شيء يربط بينهما!)
إن (التنمية الوطنية الشعبية المتمركزة حول الذات، لا تعني التخلي عن أية علاقة مع الخارج، ولكن تعني إخضاع العلاقات الخارجية لمنطق تنمية داخلية مستقلة عن تلك العلاقات) . لذا لا أدعو بتاتا إلى تطبيق سياسة اليابان والصين بعد الحرب الثانية، حيث قامت بقطيعة لا أقول ابستيمولوجية ولكن اقتصادية مع أي تكنولوجيا خارجية وبدأ التصنيع داخليا، باعتماد خصائص ومقومات الدولة الاقتصادية، وذلك الرفض إن دل على شيء فيدل عن أن التجربتين اليابانية والصينية تميزت بعدة خصائص تفتقدها دول المغرب العربي، فلم تخضع لتبعية أي جهة، ولم يكن لها منافسون...إلخ.
إن بعض ما قلناه عن اليابان والصين ينطبق وأوربا، مما يدفعنا إلى رفض فكرة المقارنة مع الغرب عموما، والانطلاق من تجاربه بإخضاع الدول العربية لنفس التجربة في مختبر البنيوية التي لا تأخد العوامل السياسية الاجتماعية والاقتصادية التي ساهمت في بناء وتشكيل البنية العربية بعين الاعتبار، فتقتل بذلك التاريخ والإنسان.
إننا نحتاج إلى قطيعة إبستيمولوجية أكثر منها اقتصادية، فالغزو الذي تتعرض له الدول العربية في الوقت الراهن غزو فكري ثقافي، من خلال آلة العولمة التي لو تم استعمالها بطريقة سليمة لأعطت أكلها، فهي إما للتخريب وإما للتنمية، فليكن هدفنا منها هذه الأخيرة.
قد يتساءل البعض عن شروط النهضة في الأوطان العربية عموما، وفي الحقيقة لا يجب التفكير في شروط النهضة لسبب واحد، ذلك لأنها سائرة فعلا في طريق النهضة، وإنما السؤال الواجب طرحه كما يقول الجابري هو (هل هي سائرة بالوثائر المطلوبة المتناسبة مع سرعة العصر) ، أما البحث عن شروط جديدة للنهضة فهذا سيعيد العملية من الصفر بعدما قطعت أشواطا لا بأس بها، وبذلك ستقطف الثمار بالطريقة هذه بعد فسادها، بيد أن الواجب التفكير في سبل الإسراع بهذه النهضة، فالسيارة إذا نفد وقودها تجدد بوقود آخر، لا بتغيير السيارة أو المحرك، فالنهضة كما يقول الجابري:( ليست عملية نمو مفاجئ وليست طفرة مفاجئة، إنها لا تكون أو تتحقق إلا بعد تراكمات كافية) وهذا صحيح، فالماء مثلا لا يتبخر إلا إذا وصل درجة حرارية معينة، قانون الطبيعة يحثم هذا، وكذلك المجتمعات تحتكم لقوانين ونواميس وسنن الحياة البشرية، والتي لابد أن تخضع لها، وإلا ستغرد خارج السرب، وتعدم أمام محكمة التاريخ.
بما أن الثدي ملاذ الرضيع عند إحساسه بالجوع، والفطام من بين أصعب المراحل التي يمكن أن يمر منها الطفل أثناء نموه، لكن بالاستمرارية والبدائل والتدرج يتجاوزها بأمان، نفس المثال، فالتبعية هي ملاذ الدول العربية والنامية عموما عند الإحساس بالحاجة والتخلف، وفك الارتباط من أصعب المراحل التي يمكن أن تمر منها هذه الأخيرة، لكن بالاستمرارية والبدائل والتدرج والإعتماد على النفس تستطيع تجاوزها بأمان.
أما فكرة الإرادة السياسية فهي من واجبات الجميع، فلكي يعرف المواطن قدر هذه الفكرة ليراقب تصرفاته في الحياة، ومدى تجسد الإرادة في أعماله وتحركاته، فبالتربية على الإرادة الفردية تتكون الإرادة الجماعية التي ستكون سندا للإرادة السياسية فيما بعد.
إن(العالم العربي يغلي، لكن أوضاعه شبيهة ببعض المأكولات التي تتطلب ساعات لتكون جاهزة، مقابل أطباق أخرى لا يستغرق إعدادها أكثر من دقائق معدودة) وأضيف أن المأكولات التي تستغرق ساعات في الإعداد تكون جودتها أكثر من غيرها، فلو تحقق الحلم العربي بتطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان، سنصبح حتما في المقدمة، بغض النظر عن القرون التي سبقنا بها الغرب،لأن طريقنا للتقدم أقصر بكثير من ذاك الذي سلكه الغرب، فبحرق المراحل والعمل الجاد سيتغير مسار التاريخ.
ختاما أقول بأن موضوع اتحاد المغرب العربي ما يزال في حاجة إلى مزيد دراسة وعناية من طرف المفكرين والسياسيين والاقتصاديين، خصوصا ونحن لا نملك الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المحيرة أو حل لمجموعة من المشاكل الواقعية، كتفكيرنا مثلا في المنهج المعتمد لخلق اتحاد – إن كان في الإتحاد قوة استنادا للأوضاع الراهنة والواقع المطروح- ، هل المنهج البنيوي الذي لا يرحم الإنسان ولا التاريخ أو المادي الذي لا يقدر ماضيا ولا تراثا أو منهج يجمع بين الاثنين أمّاذااا، وهل حقا يعتبر مشكل الصحراء بين المغرب والجزائر سببا رئيسا في تفاقم أزمة اللاتوحد، أم أن العوامل الخارجية هي صخرة سيزيف التي تشل كل إرادة وتحول دون التحكم الذاتي في الشخصية العربية، وغيرها من الأسئلة التي تستدعي منا مزيدا من البحث والدراسة.
وإن هذا وذاك، إن نم على شيء فإنها الرغبة في إعادة إحياء هذه الأفكار في أذهاننا، لأن الحل أوله فكرة، ليبدأ الفرد من نفسه أولا، فتطبيق قانون:"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "،هو الذي سيدفعنا للسير قدما نحو فكر أنقى، ومجتمع أرقى.
بقلم: محمد أوالطاهر
02\03\2009
لائحة المراجع المعتمدة
1. سلسلة مواقف، العدد 24، محمد عابد الجابري.
2. سلسلة مواقف، العدد 52، محمد عابد الجابري.
3. سلسلة مواقف، العدد 68، محمد عابد الجابري
4. كتاب "القضية السوسيولوجية"، عبد الصمد الديالمي.
5. مجلة "أبحاث"، العدد 09\10، سنة 1986، مقال "حول فك الإرتباط" سمير أمين.