تورّط فيها دبلوماسي سابق والسلطات تتجاهلها
قضية اختطاف دانماركي لطفل جزائري تتحول إلى لغز
كامل الشيرازي من الجزائر
يخوض مواطن جزائري إضرابًا عن الطعام من أجل إسماع صوته للمسؤولين ومساعدته على استعادة ابنه من زوجته الدنماركية، والذي تم ترحيله إلى جهة مجهولة، وتحولت قضيته إلى لغز محير.
يعيش المواطن الجزائري أحمد حمادي مأساة حقيقية بعد انقضاء ثلاث سنوات كاملة على قضية اختطاف نجله "رايان" (12 عامًا)، وهو ثمرة زواج مختلط استمرّ ثمانية أعوام، وانتهى بقيام موظفين في السفارة الدنماركية لدى الجزائر بتحويل رايان نحو وجهة لا تزال مجهولة.
ويؤكد أحمد في تصريحات خاصة بـ"إيلاف"، أنّه طرق كل الأبواب، وأطلع كبار المسؤولين في بلاده على تفاصيل القضية، لكنّ الجميع، بمن فيهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أحجموا عن مساعدة الوالد المكلوم، الذي قرّر أخيرًا البدء بإضراب غير محدود عن الطعام لإسماع صوته.
يقول أحمد حمادي (39 عامًا) إنّ كل شيء بدأ حين تزوّج بالدنماركية "إيلينا جيبسن" في الرابع من نيسان/أبريل 1999 في الجزائر، وسرعان ما أشهرت إيلينا إسلامها، وصار اسمها"عائشة صبرينة جيبسن"، وانتقل الزوجان بعد ذلك إلى الإقامة في دولة الدنمارك، حيث ظلاّ هناك نحو خمس سنوات، قبل أن يحزما أمتعهما مجددًا في العام 1999 إثر دخول عائشة صبرينة جيبسن أشهر حملها الأولى، بحكم رغبة الزوج أحمد في تنشئة نجله في دولة إسلامية وتقاليد وطنه الأمّ.
ويفيد أحمد المعتصم قبالة دار الصحافة "الطاهر جاووت" في وسط العاصمة الجزائرية، أنّ رايان رأى النور في العشرين من أيلول/سبتمبر 1999 في بلدية حيدرة، وحُظي بتربية حسنة في حي المدنية الشعبي في قلب العاصمة، لكنّ حبل الودّ لم يستمر بين والديه، ما دفعهما إلى إعلان الطلاق رسميًا في الثاني عشر من شباط/فبراير 2001، كما منحت محكمة الجزائر حق الحضانة للأب.
مضت الأعوام بسرعة، ليلتحق رايان بمقاعد الدراسة، حيث تابع تعليمه الابتدائي في مدرسة "فاطمة غزال" في حي المدنية حتى مساء الثاني من نيسان/أبريل من عام 2008، حينما قامت "إيلينا جيبسن" برفقة الحرس الشخصي لـ"أولفوهلرأولسن" وهو السفير الدانماركي السابق في الجزائر، بأخذ رايان نحو مكان غير معروف عبر سيارات دبلوماسية.
ويؤكد والد الضحية، أنّ هناك ما لا يقلّ عن 30 شاهدًا مستعدون للإدلاء بشهاداتهم بشأن هذه الحادثة "المافيوزية" التي جرت على طريقة أفلام "الأكشن".
واستنادًا إلى إفادات "أحمد" فإنّ حيثيات حصل عليها من والد طليقته تشير إلى أنّ رايان جرى اقتياده إلى مبنى السفارة الدانماركية في الجزائر، حيث جرى إخفاؤه هناك لفترة، قبل أن يُسفّر إلى كنيسة في مدينة عنابة (700 كلم شرق) ومنها هُرِّب إلى الدانمارك، وسط تساؤلات عن كيفية تمكّن خاطفيه من إخراجه من الجزائر بدون ترخيص والده، علمًا أنّ محكمة الجزائر أصدرت حكمًا قضائيًا ثانيًا بتاريخ 28 حزيران/يونيو 2010 أدانت فيه "إيلينا جيبسن" بالسجن سنة واحدة نافذة لمماطلتها في تسليم رايان لوليّ أمره قانونيًا وشرعيًا.
وتظهر وثائق وتسجيلات هاتفية – في حوزة "إيلاف" نسخًا منها – حقيقة الاختطاف الذي تعرّض له الطفل رايان، حيث قال والد "إيلينا جيبسن" في إحدى مكالماته الهاتفية مع "أحمد حمادي" إنّ العملية كانت هدية عيد ميلاد ابنته، حيث جرى تنفيذ المخطط في الثاني نيسان/أبريل، الذي يصادف تاريخ ميلاد الأم الدانماركية الهاربة.
وفي مراسلة كتابية مؤرخة في السادس عشر تشرين الثاني/نوفمبر 2009، يخبر "أولفوهلرأولسن" السفير الدانماركي السابق في الجزائر، محاميته "نادية آيت زاي" قائلاً "أعلمكم أنّ رايان حمادي ووالدته كانا يقيمان في سفارة الدانمارك وغادرا المكان منذ بضعة أشهر بدون تقديم عنوانهما الجديد (..)".
ويكشف "أحمد حمادي" أنّه في خضم تحركاته على أكثر من صعيد لاسترجاع نجله المخطوف، تعرّض إلى تهديدات شتى وجهها له السفير المذكور، واستقوى بمسؤولين جزائريين نافذين لمواجهة إصرار والد الضحية على متابعة القضية، ويوضح أحمد "كان يهددني بالمدير العام الراحل للأمن الراحل "علي تونسي" مدّعيًا أنّه صديقه المقرب وحاميه".
إلى ذلك، يخشى أحمد حمادي أن يكون فلذة كبده قد هُرّب إلى الدنمارك تحت هوية أخرى وتحويله إلى ديانة أخرى، طالما أنّه من المستحيل مغادرة رايان الجزائر قانونيًا من دون موافقة والده، لذلك يطالب بفتح تحقيق في القضية لمعرفة مكانه والمطالبة باسترداده بالطرق الدبلوماسية، مهددًا باللجوء إلى المؤسسات الدولية، بعدما مُنيت كل مساعيه لدى الرئاسة الجزائرية ووزارتي الخارجية والعدل بالفشل، إذ يبدي أحمد استيائه لعدم تعاطي سلطات بلاده بجدية مع قضية لها أبعاد جد خطرة، تبعًا لدوس الدانماركيين على قوانين الجمهورية الجزائرية وهيبة القضاء فيها.
وبلسان حزين، يُبرز أحمد أنّه طُعن بتواطؤ مواطنيه المسؤولين الذين يحملهم مسؤولية تهريب ابنه، وهو ما أكده والد طليقته في إحدى المكالمات الهاتفية، حين أسرّ له "من حسن حظنا أنه عندكم في الجزائر من سهّل لنا المهمة".
وفيما يواصل أحمد حمادي إضرابه عن الطعام، رفض مسؤولو السفارة الدانماركية في الجزائر، الردّ عن أسئلتنا بشأن قضية رايان، وتحججوا بغياب المسؤول الأول عن السفارة على حد تعبيرهم، ولم يكن الرد أحسن حالاً لدى مسؤولي الخارجية الجزائرية.
في المقابل، تقول المحامية الجزائرية المعروفة فاطمة الزهراء بن براهم، التي تتابع قضية رايان حمادي، أنّ الأخير اختطف فعليًا، ولا يمكن لأحد نكران ذلك، مشددة على أنّها ستمضي بعيدًا في ملفّ شبيه بعشرات الحالات التي جرى فيها اختطاف أطفال جزائريين من طرف أجانب.