مظاهرات العراق تطيح بطائفية الساسة
أجمع ناشطون في تنظيم المظاهرات ومفكرون ومراقبون عراقيون على أن المظاهرات التي خرجت في عموم العراق منذ 5 فبراير/شباط الماضي قد أطاحت بـ"طائفية السياسيين" التي روجوا لها بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
ويقول المفكر العراقي عبد الحسين شعبان للجزيرة نت إن الطائفية في العراق تعززت وترسخت بفعل الامتيازات والمكاسب التي حققها أمراء الطوائف، لاسيما بعد تأسيس مجلس الحكم الانتقالي بمبادرة من الحاكم المدني في العراق الأميركي بول بريمر.
ويضيف لكن هذه الطائفية المجتمعية بدأت تتفتت وتضعف، وبدت هشاشتها بعد أن حلق السياسيون العراقيون بعيداً عن جمهورهم الذين ادَّعوا تمثيله، لذلك انخرط الشباب في كل البلاد ومن كل الألوان والمكونات القومية أو الدينية أو السياسية والاجتماعية أو الطائفية، لكي يقولوا كلمتهم الموحدة ضد الطائفية السياسية من جهة وضد الفساد من جهة أخرى.
ويؤكد شعبان أن القمع الذي واجهت به الحكومة المتظاهرين زادهم إصراراً على الامتثال لمطالبهم، لاسيما تحسين الخدمات ومحاربة الفساد والقضاء على البطالة، منوها بأن كل هذا مرهون بإعادة النظر في النظام السياسي القائم وارتباطاته، بما فيها بقاء القوات الأميركية في الأراضي العراقية.
وأشار إلى أن المظاهرات -التي خرجت خلال الأسابيع الماضية- كانت ذات طبيعة مختلفة، وهي تمرين جديد للشباب العراقي الذي كان يجبر منذ خمسة عقود من الزمان على الخروج بمظاهرات تأييد أو مظاهرات احتفالية.
وقال إنه لأول مرة يتدرب الشباب العراقي على مظاهرات احتجاجية فيها تحدّ للحكام وفيها عودة إلى تراث الشباب العراقي خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وتكون اللغة السائدة في هذه المظاهرات عابرة للطائفية والإثنيات، وفيها عودة للغة الوطنية العامة التي تنادي بالمواطنة.
ويرى شعبان أن أهم ما في هذه المظاهرات هو أنها بدأت تنقل الخوف من المواطن المظلوم والمحروم والمهمش إلى الحاكم، لذلك لجأ الحكام -حسب شعبان- إلى المرجعيات الدينية ليتشبثوا بأذيالها، لكن الأخيرة ارتبكت فكان خطابها بين التحذير عشية المظاهرات من الخروج إليها وبين تأييد مطالب المظاهرات بعد خروجها ونجاحها في الضغط على الحكومة.
وتوقع أن تكون العاقبة وخيمة وتندلع أعمال احتجاجية سلمية مدنية تؤدي إلى تفكك الحكومة والعملية السياسية.
الروح الوطنية
وتقول الناشطة ينار محمد -وهي من منظمي المظاهرات في العراق- للجزيرة نت، إن المتظاهرين الذين جمعهم في ساحات الاحتجاج التدهور وانعدام الخدمات والبطالة والفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة، لم تخطر ببالهم أي اتجاهات طائفية أو قومية ولم يكن يعلم أي منهم بطائفة أو قومية الآخر.
وتضيف ينار أن الطائفية التي يتحدثون عنها موجودة في مستويات عليا من الفئة الحاكمة من أجل أن يحافظوا على مكتسباتهم، وليست موجودة في ساحات المظاهرات.
وأكدت أن هذه المظاهرات عززت من الروح الوطنية والتلاحم الجماهيري لدى المتظاهرين وعموم الشعب العراقي، وقالت "أدركنا مدى ما فرض علينا من تفرقة طائفية وعرقية خلال السنوات الثماني الماضية بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وكان مفتعلاً من جماعات تولت الحكم لتحقيق مكاسب لها".
تصاعد المطالب
وبدوره يقول للجزيرة نت الناشط وأحد منظمي المظاهرات في العراق عدي الزيدي، إن الطائفية غير موجودة لدى الشعب العراقي وهي موجودة لدى السياسيين العراقيين فقط.
ويضيف أن العراقيين في مختلف المدن العراقية خرجوا في المظاهرات يوم 25 فبراير/شباط دون النظر إلى الانتماء الطائفي أو العرقي، والجميع شارك بروح وطنية خالصة للوطن.
مؤكداً أنه "لا يهمهم سوى تحقيق مطالب المتظاهرين التي تصاعد سقفها من توفير الخدمات ومحاربة الفساد إلى الإطاحة بالنظام السياسي وحكومة المالكي وتغير الدستور".
ومن جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي العراقي نزار السامرائي أن النخب السياسية الحالية في العراق هي من كرس مفهوم المحاصّة الطائفية من خلال قانون إدارة الدولة ودستور عام 2005.
ويضيف للجزيرة نت أن هذه النخب حاولت نقل المحاصّة الطائفية إلى الشارع العراقي، إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك.
وتوقع السامرائي أن تستمر المظاهرات، وألا تؤثر عليها الفتاوى والتهديدات الحكومية من قمع واعتقالات، وأن تحقق أهدافها بإسقاط العملية السياسية والحكومة الحالية بشكل أو آخر.