مواقع التواصل الاجتماعي واستراتيجيات التغيير
الإعلام الرقمي ينقل الثورات عبر الحدود والقيود
مروة كريدية من دبي
اكد خبراء وصحافيين مهتمين بالإعلام الرقمي أن الثورات العربية هي انفجار ديمقراطي غذته روابط الإنترنت، فقد شهدت الثورة المصرية مشاركة ما يقارب 5 ملايين مدون في مصر وحدها، وكان لموقعي التواصل الاجتماعي الشهيرين فايسبوك وتويتر والمدونات حضوراً واضحاً في نقل وقائع الثورة.
ميدان التحرير في مصر
دبي: شكلت مواقع التواصل محوراً رئيسياً في تسريع الإتصال بين الشباب المهتم بتغيير واقعه الإجتماعي والسياسي. وفي المجتمعات الديمقراطية القائمة على أسس مدنية حقيقية فالتعبير عن الرأي بالتظاهر أمر مشروع تكفله القوانين الإنسانية المرعية الإجراء، ويتم بشكل مباشر يستنهض الرأي العام بشكل علني عبر وسائل الإتصال والإعلام المباشرة دون الحاجة إلى اعتماد استراتيجيات سرية أو غير مباشرة.
أما في المنطقة العربية وفي أنظمة أقل ما يُقال فيها أنها قابضة على وسائل الإتصال الرسمية كافة، وفي ظل اعتمادها لأنظمة سياسية فردية تتمحور حول الأسر الحاكمة سواء كانت أنظمة جمهورية أو ملكية، حيث تشترك جميعها في اعتماد قوانين تحرّم التظاهر مما يُعرّض الأفراد الراغبين في التعبير عن آرائهم السياسية والتغييرية إلى الإعتقالات والمحاكمات والعقوبات الأمر الذي دفع بالكثيرين من أبناء تلك الشعوب إلى الصمت بهدف السلامة في ظل إعلام رسمي يُصور البلاد على أنها الفردوس الدائم لأبناء لم يمارسوا حقوقهم المدنية المتمثلة بحرية التعبير والإنتخابات يوما، وفي ظل كتّاب يمدحون نُبل الحكام ونزاهتهم على الدوام.
أمام هذا الواقع ومع تنامي مفاعيل شبكات الإتصال العالمية خرجت فئة من الشباب من جمود الإعلام الرسمي العربي لتعتمد وسائلها الخاصة في التعبير والتغيير بدءاً من إعتماد الصحافة الإلكترونية مروراً بالمدونات الشخصية، وصولاً إلى اعتماد شبكات التواصل الاجتماعي التي أتاحت فضاء من الحريات شكل نقطة جوهرية في عرض القضايا العادلة أمام الرأي العام العالمي الذي وجد نفسه مرتبكًا حيال ثورات الربيع العربي حيث أصبحت مصالحه السياسية والاقتصادية على المحك في ظل وضع يشهد ممارسات عنف غير مقبولة على المستوى الإنساني.
توماس كريستان متخصص بالاعلام الرقمي قال لإيلاف: ان الإعلام العربي لا يزال يفتقد إلى أساسيات الحرية لا سيما فيما يتعلق بالشأن السياسي"، مشيرا إلى أن "الصحافي مقيّد في كل الدول العربية" ومعتبراً "ان الكبت السياسي دفع بالشباب للجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن أرائهم". وقال ان "الثورات تتطلب بلا شك الحصول على معلومات وهو ما توفره الشبكة ولكنها تتطلب مع ذلك كله قراءة تستثمر تلك المعلومات وتوظفها لصالح التغيير".
توماس سَخر من "مؤتمرات الإعلام الرسمية في الدول العربية" وأشار إلى عدم جدوى ما يفعله "الزعماء العرب الخائفون هذه الأيام"، قائلاً "غالبا ما يدعونا الإعلام الرسمي العربي إلى مؤتمرات للإضاءة على حسنات المسؤولين وسياساتهم"، مؤكدا أن هناك منافقون كُثر على استعداد لتأدية هذا الدور ومشيراً إلى أن الصحافي الأوروبي عادة "لا يأبه بالإغراءات أو التكريمات التي تُمنح له لانه يعلم أن قانون دولته يحميه ويكفل له حرية نقل الحقائق والآراء كما هي لا كما يشتهيها البعض".
أما طوم جلوسر الرئيس التنفيذي لشركة طومسون رويترز فقد قال خلال قمة أبو ظبي للإعلام التي اختتمت أعمالها الخميس الماضي انه يوجد 5 ملايين مدون في مصر، و1800 في اليمن بحيث "يصعب في المرحلة الحالية أن تقوم الحكومات بفرض قيود على شعوبها للنفاذ إلى وسائل الإعلام". واعتبر أن "الانتقادات التي وُجهت إلى الإعلام الاجتماعي، تقف خلفه الحكومات لا سيما أنه يشكل رقيباً على أدائها ويضعها تحت النقد والمراقبة بشكل دائم"، مؤكدًّا أن "الجيل الجديد من الشباب تجاوز القيود المفروضة وآليات الإعلام التقليدي ليخلق مدونين وصحافيين عابرين للحدود عبر الإعلام المجتمعي المتمثل بالمدونات ومواقع التواصل المجتمعي".
وحذر جلوسر الحكومات من التضييق على الحريات لأن ذلك يؤدي إلى حدوث الإنفجار الشعبي والثورات، مشيرا الى أن صحافيي رويتزر ومصوريها مُنعوا من تغطية أحداث ميدان التحرير كما منعت بعض وسائل الإعلام الأخرى مما دفع إلى ابتكار طرق تكنولوجية مبدعة لإتاحة المجال لتغطية الأحداث وبالتالي الحصول على صور حية من ميدان التحرير، حيث تحول الجمهور كله إلى مراسلين ومصورين.
من جانبها أكدت الإعلامية ماريا أنا دولا كاروا لـ"إيلاف" أن "التكنولوجيا تلعب دور المسرع في الثورات وتيسّر التواصل بين الأفراد كما تُسهل التواصل بين القادة الثوريين المحتملين الجدد وتساعد في نقل الصورة إلى العالم وكسب الرأي العام العالمي، لكن في نهاية الأمر لا بدّ من الخروج إلى الشارع مع ما يرافق ذلك من تضحيات ومجازفة".
ووافقها الرأي دويل مكمانوس الصحافي في لوس انجلوس تايمز حيث اشار في مقالته عقب الثورة التونسية الى ان "الأميركيون والأوروبيون وصفوا الثورات العربية بثورة تويتر، وأنها انفجار ديمقراطي غذته روابط الإنترنت التي استطاعت الانتشار مثل النار في الهشيم، عبر صحراء القمع في العالم العربي". لكنه نوه بأن "توتير" وحده لا يكفي ما لم تقف القوة العسكرية الى جانب الشعب بالقول انه من الجيد أن يكون لدى الثوريين تويتر، ولكن الأجمل منه أن يكون الجيش في صفهم.