االحلقة لثانية والأخيرة من 28 سنة في خدمة الحسن الثاني يرويها جيمس بوند فرنسا
في سياق هذا النمط الملكي الذي لا يمكن إلا أن يحبس أنفاس الفرنسيين المتعودين على التقاليد الجمهورية المتواضعة، أتذكر أيضا رحلتين للصيد تجاوز فيهما الحسن الثاني بأسلوبه رحلات الصيد الرئاسية التي حضرتها في غابة رامبويي.
عندما حل الرئيس فاليري جيسكار ديستانغ في زيارة رسمية للمغرب للمغرب، نظم الملك رحلة صيد قرب دار السلام، وكان يعلم أن الرئيس عاشق للصيد. في الليلة السابقة تم إطلاق مئات من طيور التدرج والحجل في الغابة. طلب مني الملك أن أقف على يمين الرئيس والمديوري على يساره لتفادي وقوع أي حادث قد يخلف فضيحة كان معنا أيضا إدريس البصري وزير الداخلية والجينرال حسني بنسليمان وبعض الوزراء والجينرالات كان يوما رائعا. في نهاية النهار قدم للرئيس طبق صيد لا يصدق بحوالي 600 طريدة...
ولكن أجمل رحلة صيد عشتها في حياتي جرت قرب الإقامة الملكية الصيفية بإفران، لم يكن هناك ضيوف شرف بل فقط بعض المقربين من ضمنهم إدريس البصري، المديوري والجنرال بنسليمان أحد الضباط القلائل الذين كان يثق فيهم الملك، أما المديوري فقد كان يهتم بالأمن الملكي وكان أيضا رئيس الجامعة الملكية للصيد، كان هذا المنصب حساسا لأنه يوجد بالمغرب صيادون كثيرون. كان الصيد مراقبا بصرامة لتفادي أي يتجمع أشخاص مسلحون لهدف آخر غير صيد الوحش... وكانت الأسلحة محدودة في البنادق من عيار 16.12 و 20 ملم. أما الأسلحة ذات العيارات الكبرى لاصطياد الخنزير البري، والتي يمكن أن تصيب على بعد كلم فلم يكن يعهد بها سوى لأشخاص أهل الثقة فقد كان الملك يخشى أن تحول مثل هذه الأسلحة ضده أو ضد عائلته.
كان الملك واقفا في أعلى برج وكان المدعوون في الأسفل مصطفين وبمسافات معقولة. وفجأة في قمة الهضاب رأينا مئات الحياحة على جيادهم بلباسهم الأبيض قادمين من الدواوير المجاورة، كانوا يضربون على طبول ويغنون لإخراج الخنازير البرية من مخابئها. كان منظرا رائعا. لكنني ارتكبت خطأ فادحا بدأت الخنازير تظهر وهي تزمجر، بطبيعة الحال الطلقة الأولى للملك أصاب الحسن الثاني خنزيرا ذكرا ضخما، لكن الحيوان جرح فقط وكان حدسي كصياد أقوى، أطلقت رصاصة وقتلت الحيوان، رأيت الملك منحنيا من على البرج وقال :"من هو هذا الذكي الضمير الذي قتل الخنزير، أحسست بالإحراج وبقيت بعيدا وتراجعت عن إطلاق النار. مقابل ذلك عاتبني الملك من أعلى البرج قائلا:" إذا أنت في الأسفل لم لم تعد تطلق النار وتترك الوحش يهرب، الجميع سخر مني وفي مقدمتهم الملك... لقد كان متقلبا صغيرا في حاشية القصر بما أنني كنت قناصا ماهرا. ولإعطاء الملك الأفضلية، أعطاني المديوري بندقية من خزانة أسلحة القصر، بندقية من نوع وينشستر 300 ماغنوم برصاصات ملائمة للعيار ولكنها لم تكن الرصاصات المتعارف عليها بهذا السلاح، وهو ما كان عائقا بالنسبة لي...
الكذب على الملك ليتنفس ولي العهد
عرفت الملك محمد السادس كولي للعهد,كنت غالبا ماأرافقه في عطله بفرنسا ذات يوم كان عمره 12 سنة استعرت حافلة للشرطة الفرنسية أركبت فيها ولي العهد وشقيقه وشقيقاته والمربيات الاسبانيات,دهبنا لزيارة مآثر باريس متوعين بدراجتين بزي مدني ,كان الأطفال سعداء لأنهم تمكنوا أخيرا من التصرف كأطفال العالم في نزهة...كانوا ينشدون كما يغني كل الاطفال عندما يكونون في رحلة ...كنت بمثابة خليط من المربي والمنشط ,ولكنني كنت هادئا,كان الملك يوصيني بإبنه ويقول لي : " ريموند إعتني به كما لو كان إبنك"... وبالتنقل في حافلة للشرطة سيعتقد المارة أنها رحلة لأطفال موظفي الشرطة.مرة اخرى زرنا حديقة تيري لرؤية النمور والحمار الوحشي...
عندما كان الملك يقيم في إقامته في "الواز" كان الأمير وشقيقه وشقيقاته يقيمون في باريس في فندق كرييون أوريتز , وكل صباح يلتحقون بوالدهم في إقامته للسلام عليه وفق التقاليد...
بتصفح ألبوم صوري اتذكر اللحظات السعيدة التي كان لي شرف مرافقة الأمير سيدي محمد ,مثلا بمناسبة تشييع جنازة جورج بومبيدو حيث مثل والده.أو خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران لوالده في قصر بيتز,الرئيس قضى مع ولي العهد من الوقت أكثر مما قضى مع الحسن الثاني ,ميتران بطبيعته كان يريد استطلاع قيمة من سيقود في يوم من الايام مصير المغرب. وكان مطمئنا لما وجد لديه من قيمة فكرية وقدرة على الحكم,وفي خصال ورثها عن أبيه وهي مهمة جدا للحكم.
فيما بعد عندما كان الأمير يأتي لقضاء جزء من عطلته الجامعية بباريس فوجئت شخصيا للاوساط التي كان يجمعها حوله بالفندق للمناقشة في الأدب أو الاقتصاد أو السياسة مع مثقفين فرنسيين وصحفيين من اليمين واليسار. خارج المغرب كان أكثر حرية واستقلالية في مبادراته,ماكان ممكنا أن يقوم بها في المغرب نظرا لوضعه. كنت سعيدا عندما أراه يمرح ويستفيد من عطلته للترويح عن النفس مثل أقرانه, كنت دائما أحرص على ان يرافقه حراس متسترين.
كان والده يتصل بي ويسأل هل الامير في الفندق ؟
أجيبه نعم لقد ناه هل تريد أن أوقظه ؟
كان يرد" لا أتركه يرتاح ..."
كنت أتستر على الأمير ولكنني كنت لاأجهل بأن بعض الموظفين ينقلون للملك الحقيقة . عندما أعود إلى الرباط صحبة ولي العهد أنذاك. كان الحسن الثاني يعاتبني وديا" هل أنت متأكد من أن ولي العهد كان نائما في غرفته ؟ كنت أرد عليه " أعرف ياجلالة الملك بأنكم على علم بكل شيء" . شيء عادي لأن الأمر يتعلق بإبنك .أعرف بأن بعض الموظفين يخبرونكم بأن الامير خرج ,ولكنني كدبت هذه الكذبة البيضاء حتى يتمكن من التنفس بعض الشيء..."
لم ألتقي بالملك محمد السادس منذ جنازة والده حتى 23 يوليوز 2010 عندما شرفني جلالته بدعوة لحضور احتفالات عيد العرش... كنت سعيدا لما شاهدته من ازدهار للمغرب تحت قيادته.والإزدهار الهائل لمدينة مثل طنجة والدور المنوط بالشباب في تنمية البلاد. وكعارف اعجبت بتصرف الشرطة الملكية. وفوجئت كثيرا عندما اخبرت عند وصولي إلى القصر بأن الملك يريد توشيحي بالوسام العلوي من درجة ضابط.هذه هي الأوجه المثيرة والمؤثرة عندما خرجت من بلدي في منطقة لو « lot » سنة 1942 شابا عاديا , لم اكن أتصور بأنني سأحظى بكل هذا الشرف الذي حظيت به.
اللويز الملكي
رأيت مشاهد من التملق الذليل التي لا تصدق... وهذه الإنبطاحات المتملقة وغير الصادقة في الغالب كانت جزءا من ممارسات البلاط. مثل لويس 14 في فيرساي، كان الحسن الثاني يستعمل التشريفات والمال للتعامل مع عالمه الصغير. وكانت هناك أيضا بعض اللحظات القوية، أتذكر ك *** ا ملكيا أقيم بالقصر بمناسبة رأس السنة، وعندما قدمت الأطباق وسط الموائد وكان حول كل واحدة عشرة أشخاص، تمنى الملك للحاضرين شهية طيبة، هرع الضيوف بأيديهم وسط الك س ك س كنت أعرف أنه في الأوساط الراقية في المغرب العربي يأكل الناس الك س ك س بأيديهم لكن تلك السرعة التي كان يدخل الضيوف أيديهم في الك س ك س فاجأتني، وهنا شرح لي عبد الفتاح فرج الذي كان بجانبي بأن الملك خبأ قطعا ذهبية في الأطباق وأدخلت يدي مثل الآخرين ولم أعثر على شيء، الضيف الذي كان بجانبي وجد قطعة ذهبية أهداها لي كعربون ضيافة، كان ذلك مضحكا وباذخا كما في حكايات ألف ليلة وليلة.
حملت للملك معلومات أمنية عن استهداف حياته
طوال مهمتي لم أكن أنقل ما أراه وأسمعه لمصالح المخابرات أو المصالح الدبلوماسية الفرنسية. لم يكن هذا من مهامي، بطبيعة الحال كنت سأخبر وزير الداخلية لو رأيت أن بلدي في خطر، لكن العلاقات بين المغرب وفرنسا كانت مطبوعة بالصراحة والمحبة. بعض المرات فقط طلب مني الحسن الثاني أن أحمل رسائل مباشرة إلى وزراء الداخلية سواء من اليمين أو اليسار أو إلى رئيس الجمهورية كلما كان يريد نقل رسالة مهمة بسرعة وسرية كان يعيرني طائرته الخاصة ميستير.ه. وكنت أقوم بالرحلة ذهابا وإيابا في نصف يوم، وفي كل الأحوال، لو كنت نقلت للحكومة الفرنسية معلومات عن المغرب وملكه سيكون ذلك سرا من "أسرار الدفاع" ولن أبوح به، على العكس كنت في بعض المرات مكلفا ينقل معلومات صادرة عن مصالح المخابرات الفرنسية تخص أمن الملك.
إنقاذ حياة الملك
أنقذت حياة الملك عدة مرات، مثلا ذات مرة خلال أحد تنقلاته داخل المغرب، خرج أحد المختلين من الحشود وهو يحمل سكينا، لمحت المعتوه قم قفزت للوقوف بينه وبين الحسن الثاني. أمسك رجال الشرطة بهذا المجنون وسحبوه بسرعة. كان ولي العهد الملك الحالي محمد السادس بجانبي، كان عمره 10 سنوات، ومازلت أتذكر نظرته، كان مشدوها لقد كان طفلا ولم يكن يفهم لماذا يريد البعض قتل أبيع.
الملك الغاضب لبطانته:
كلكم مرتشون إلا ساسيا !
لم استغل أبدا علاقتي الخاصة بالملك كنت أتذكر دائما نصيحة جاك شبان ديلماس ،"أخدم الملك كما خدمت الجينرال". وعلاقة الثقة والصراحة كانت ترتكز على نوع من الاستقلالية ، فلو قبلت من الملك أن من محيطه امتيازات كنت سأفرط في سلطتي في مجال عملي. كان الملك يعلم أنه يمكن أن يعتمد علي لأنني غير قابل للارتشاء، محيط الملك كان يحترمني لأنني لم أكن أدخل في لعبة المجاملات والتواطؤات والأعمال والمناورات. بطبيعة الحال كان الملك كعادته له مبادرات جميلة تجاهي وتجاه زوجتي. في المغرب كنت ضيف الملك، أقيم في أفخم الفنادق، وسيكون من غير اللائق رفض هدية من الملك، ولكن كل ذلك من أجل إسعادي ولإظهار ثقته بي، لم يكن ذلك من أجل شرائي. وهو لم يكن بحاجة لذلك لأنني كنت رهن إشارته في مهمة محددة في إطار علاقات التعاون بين بلدينا، كنت أحصل على راتبي كموظف بالشرطة الفرنسية وكان كافيا ليضمن لي استقلاليتي وكان ذلك يلائمني تماما.
ذات مرة كان الملك خارجا من اجتماع وهو غاضب، أخذني من يدي أمام عدة شخصيات وصاح :"كلكم مرتشون لا يوجد هنا إلا رجل واحد نزيه إنه ريموند"، ارتبكت حرجا، بعض المغاربة رجال أعمال أو مستشارون كانوا يعتبرونني بليدا، يقولون :" في الموقع الذي يوجد فيه وبالتقدير الذي يكنه له الملك هذا الفرنسي بليد لأنه لا يستغل ذلك ويستفيد، لكنني لم أكن أعي ر اهتماما لرأيهم ، لم يكن يهمني سوى رأي الملك والحرص على إنجاز مهمتي خدمة لفرنسا ولشرف الشرطة الفرنسية..
(...) وما أسعدني كثيرا هو عندما بادر الملك بترشيحي شخصيا كقائد بأسمى وسام مغربي، وهو الوسام العلوي يوم عيد العرش، وقال أمام عدد من الوزراء والشخصيات أمثال صديقي موريس درويون :"الجنود المغاربة أعطوا دماءهم لفرنسا خلال الحروب الأخيرة، هذا صحيح ولكن هناك فرنسيا أعطى دمه لفرنسا للملكة المغربية، ريموند أنت واحد منا". وهكذا يكون تكريم الجندي بالأوسمة لا بالذهب الملك كان يلقبني برفيقه في السراء والضراء، هذا أيضا يسعدني.
الملك: فساد الحاشية إلهاء لها
لم أكن معنيا مباشرة بأساليب الترهيب التي وضعتها شرطة الدليمي السرية لقمع أو إرهاب المعارضة. أنا لست مغربيا، كنت مدعوا من الملك للقيام بمهمة محددة موكولة لي من الحكومة الفرنسية، هناك قواعد للعب، لم يكن من حقي أن أتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، ولكنني كنت أحتفظ بملاحظاتي لنفسي.
كان الملك يمارس الكولف يوميا، كان ذلك بالنسبة لف فترة استراحة وكان غالبا ما يصحب معه وزيرا أو خبيرا لمناقشة ملف معين وهو يتجول في ملاعب الكولف بعيدا عن مسامع المتطفلين. مرة كنت أرافقه في مسالك الكولف، سألني بشكل مباشر وحاد :"أخبرني ريموند صحفيوكم الفرنسيون ليسوا رحيمين معي في هذه الأثناء بخصوص حقوق الإنسان، صراحة ماذا يقول الناس عني؟".
أجبته :"بما أنكم طلبتم مني ذلك وبكل احترام الواجب لجلالتكم يجدون أن القمع شرس للغاية يحكي الناس بأن بعض مكاتب الشرطة تمارس التعذيب على المشتبهين يقال أيضا بأن هناك الكثير من الفاسدين في محيطك...".
رد قائلا :"ستقول لأصدقائك الصحفيين بأن المغرب ليس فرنسا، أولا فهو ليس جمهورية إنه ملكية، نحن لا نغير الرئيس كل خمس سنوات والحكومة لا تسقط كل أربعة أسابيع هذا يغير العلاقات... مكتوب في دستور بلادنا بأن الملك شخص مقدس، ومن يريد به الأذى يهدد البلاد بأكملها، في هذه الحالة القمع صارم ولكننه ضروري. إضافة إلى أن رهانات استقرار الدولة ليست هي نفسها. في ما يخص الفساد، اعلم أن الأشخاص المحيطين بي أعرفهم جميعا. أعرف ما يفعلون أعرف أنهم يسرقون، ولكن، ريموند، أفضل أن يكونوا حولي وهم يأخذون، هكذا أراقبهم وإلا سيكونون في الظل وهم يتآمرون إنها السياسية".
أسبوع قبل رحيل الملك
بقيت في خدمة الملك من سنة 1971 حتى وفاته في يوليوز 1999، أي طيلة 28 سنة أتذكر أيامه الأخيرة كنت إلى جانبه. قبل وفاته بأشهر، وكان الملك متعبا ومريضا. فكر الرئيس جاك شيراك لأول مرة في إشراك جنود دولة أخرى في احتفالات 14 يوليوز في الشانزيليزي، وبهذه المبادرة أرادت فرنسا تكريم المغرب. عندما اقترح شيراك على الحسن الثاني الفكرة كان متأثرا، وطيلة ثلاثة أشهر أشرف بنفسه على تنظيم عرض الحرس الملكي واختار الجنود الذين سيكون لهم شرف تمثيل المملكة إلى جانب القوات الفرنسية أمر بإنجاز بذلة جديدة لهم بيضاء بطربوش كبير أحمر... ويوم 14 يوليوز كان واقفا إلى جانب رئيس الجمهورية. كان فرحا لرؤية استعراض هذه الوحدة الرائعة تحت تصفيقات الباريسيين المنبهرين أنشدت الجوقة العسكرية المغربية نشيدها الوطني، ودون سابق إخبار، وعند مرورها أمام المنصة الرسمية أنشدت النشيد بلد آخر، الملك أراد هذا الخلط لإظهار الروابط المنسوجة بين مملكته وفرنسا، في نهاية الحفل، رافقته إلى الفندق وقال لي :"إنه أحسن تكريم يمكن أن يقدم لوالدي رفيق التحرير وللقوات المغربية التي قاتلت من أجل فرنسا خلال الحروب الأخيرة... الآن أنا متعب لنعد على البيت". رافقته حتى الرباط وتوفي بعد أسبوع...