سلسلة اصنع نجاحك 5 .. ماذا تريد أولًا؟
مصطفى كريم
ما الذي ستفعله إذا اكتشفت أن أمامك ستة أشهر فقط ستحياها على سطح الأرض؟
لعل السؤال به شيء من الغرابة والتشاؤم وربما الألم كذلك، لكنه سينير لنا بعض الحقائق.
هل فكرت إذا كان المتبقي من عمرك تلك الأيام المعدودة فمع من ستقضيها؟ وكيف ستقضيها؟
ما الأعمال التي ستسرع بفعلها؟ وما الأمور التي ستهب بلا إبطاء لإنجازها، أو إصلاحها، أو تعديلها؟
إجابتك على هذا السؤال ستضيء لك جانب مظلم من تفكيرك؛ ستخبرك أن هناك عمل يجب إنجازه.
سيجعلك تنظر إلى أشياء هامة تخشى فعلًا أن تنتهي حياتك، بدون إتمامها والانتهاء منها.
ولكن للأسف الشديد كثير منا قد تبرمج على حالة الطواريء، على إنهاء مهامه في الثانية الأخيرة، أو خلال فترة السماح، وكم من أشياء تضيع وتُهمل في ظل الفوضى الحياتية المؤلمة.
ليس كل ما هو مُلِح مهمًا:
انظر قليلًا إلى أهدافك التي رصدتها، ستجد أنها ليست على درجة واحدة من الأهمية أو الإلحاح، فمنها ما هو مهم، ومنها ما هو أقل أهمية، ومنها ما هو ملح لا يحتمل التأخير، ومنها ما يمكن أن تؤخره قليلًا.
قد تكثر الأهداف وقد تقل، ولكن الوقت المتاح لك لا يتجاوز 24 ساعة في اليوم الواحد؛ لذلك يجب أن تهتم بالمهم والعاجل فقط، وتؤجل ما سوى ذلك حتى يحين الوقت المناسب له.
تأمل الجدول التالي لتتضح لك الصورة:
مقدار الأهمية
درجة الإلحاح
هام جدًا
هام
غير هام
مُلِح
1
2
3
غير مُلِح
4
5
6
· المربعان الأول والثاني (ركِّز عليهما)؛ فهما يحتويان على الأمور المهمة والملحّة التي لا تحتمل التأخير؛ لذلك فهي تأخذ حقها من الاهتمام، لكن ينبغي الحذر لكي لا يكون عملك كله استجابة للشعور الدائم بالإلحاح على حساب المربعين الرابع والخامس، اللذين يحتويان أهدافًا مهمة، ولكنك تتهاون بها؛ لأنك تشعر تجاهها دائمًا بأن لديك متسعًا من الوقت، وسيأتي الحديث عن ذلك في ما يلي من خطوات.
· المربعان الرابع والخامس (اهتم بهما)؛ فهما يحتويان على المناطق التي يمكنك التغيير فيها؛ ولأنها ليست مُلِحّة، فهي عرضة للتهاون والتسويف، هذان المربعان يحتويان غالبًا عىل ما يمكن أن نسميه "منجم النجاح"، فكل الناس يعملون على محتويات المربعين الأول والثاني؛ لأنها تحتمل التأخير، لكن العلامة الفارقة للناجحين، هي اهتمامهم بمحتويات المربعين الرابع والخامس.
· المربعان الثالث والسادس (تجنَّبهُما)؛ فهما يحتويان على مُضَيِّعَات الوقت، التي ينبغي التنبه لها؛ لكي لا تنشغل عن أهدافك بأمور تافهة لا قيمة لها، وهنا تتعرف على العلامة الفارقة الثانية للناجحين، وهي تجنبهم إضاعة الوقت في محتويات هذين المربعين.
الأهم فالمهم:
(حدد الأولويات وما يليها في كل شيء تفعله، ما هي الأنشطة التي يجب تتوقف عنها؛ لتجد مزيدًا من الوقت؛ لتأدية الأنشطة ذات الأهمية الحقيقية)
بريان تراسي
أتمنى أن تكون الآن، قد وضعت لنفسك مجموعة من الأهداف، ولعلك تدرك أن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها كلها دفعة واحدة، ولو حاولت فعل ذلك، فإنك ستكون أقرب إلى الإحباط والفشل منك إلى النجاح في تحقيقها، إذًا، لابد لك من ترتيب هذه الأهداف في نظام يُعطي بعضها أولوية على بعض باستخدام الجدول السابق، الذي يعتمد على مقدار أهمية كل منها ودرجة إلحاحه.
لا تتحرك في الفراغ:
إختيارك لما تريد أن تقوم به في وقت من الأوقات أثناء حياتك اليومية، يجب أن يكون من خلال الأهداف التي وضعتها فقط، فلا تُدخِل في أولوياتك ما يمكن أن يكون خارج أهدافك التي حددتها سلفًا، أو ما يمكن أن ينحرف بمسارك عنها، فإن فعلت ذلك، فإنك ستكون قد دخلت في مساحة المربعين الثالث والسادس، التي تضيع الوقت وتعيق الوصول إلى الأهداف.
وليس المقصود بالطبع أن تعمل طول وقتك، وتلغي كل أوقات الفراغ، أو أن تزيل كل متعة أو ترفيه من حياتك؛ لأن ذلك سيجعل الحياة جادة أكثر من اللازم، وسيجعلك تشعر بالسأم الذي يقودك إلى التخاذل؛ لأن النفس بطبيعتها ستتجنب ما تكره، وقد روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: "روِّحُوا عن القلوب ساعةً بعد ساعةٍ، فإن القلوب تكَلُّ، فإذا كَلَّت مَلَّت، وإذا مَلَّت عَمِيَت".
أنت القائد:
(عليك أن تؤمن بذاتك، وعليك أن تشعر من أعماق روحك، أنه باستطاعتك إنجاز المهمة التي بدأت العمل فيها)
ويليام كاسل دي فريز
أنت أقدرُ على تحديد أولوياتك؛ لأنك أعرفهم بنفسك، وهذا لا يعني أن لا تستفيد من خبرات الآخرين وأفكارهم، وما يقدمونه لك من تسهيلات.
فعندما تحدد أنت أولوياتك، فإنك تتصرف بقناعة وثقة، وتضمن أنك لن تكون ضحية لاجتهادات الآخرين في شئونك الخاصة؛ حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يكن أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس احسنت، وإن أساءوا أسأت".
لذا ليس من الصواب أن تُلغي عقلك، وتتبع رأي الآخرين، مهما كانت دوافعهم الخيِّرة، ومهما كانت خبرتهم في الحياة، أو مبلغُهم من العلم، عندما تكون أنت القائد، فهذا يعني أنك تجمع المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار المناسب، ثم تتخذه فعلًا.
استعد لتغيير أولوياتك أثناء السير:
كثير من أهدافك المادية متغيرة متبدلة، حسب ما تمليه عليك ظروف الحياة بين الحين والآخر، وحسب ما يسنح لك من فرص، وما يعترض سبيلك من عقبات، ولا شك في أنك تشاركني الرأي في أن التعنت وعدم المقدرة على تغيير الاستراتيجيات حسب المعطيات المستجدة، هو تغير عن المسار الصحيح؛ لذلك تعلّم أن تراجع قائمة أولوياتك، ودرجة إلحاح بنودها، ومقدار أهميتها بين فترة وأخرى.
ومن المهم هنا التنبيه إلى أن المرونة في اقتناص الفرص وتغيير الاستراتيجيات، عندما تستدعي ذلك الظروف هو عين الحكمة، ولكن ينبغي أن لا يؤدي ذلك إلى خلل في بوصلة النجاح، وفقدان القدرة على معرفة الاتجاهات.
والآن، ماذا بعد الكلام؟
هذه بعض الخطوات لكي تبدأ في إدارة أولوياتك، وهي كالآتي:
1. حدد أولوياتك جيدًا:
تعلم كيف تصنع جدول لنفسك، يحتوي على مهماتك وما تود القيام به، كما في الجدول السابق، مع مراعاة التعامل معه بمرونة؛ بحيث يلائمك شخصيًا، كما أنبه على ضرورة عمل حساب للمقاطعات المفاجئة، وأؤكد على الالتزام بعمل المهام كما رتبتها بالجدول، والانتهاء من المهمة قبل الانتقال إلى التي تليها ...وهكذا.
2. ركز جيدًا فيما بين يديك:
لا تسمح للشرود بأن يأخذ من ذهنك مأخذًا، إذا بدأت في مهمة ما فاعمل على إنجازها كاملة، فإذا ما زارك الشرود وأحسست بالسرحان، فذكِّر نفسك بثمرات الانتهاء من هذا العمل، وحاول جاهدًا أن تكون أقوى من دواعي الكسل والخمول التي تزورك، وتراودك عن إنهاء مهتك.
3. تعلم قول لا:
تعلم أن تتفوه بها أمام كل من يريد أن يضيع وقتك، ويقتطع منه بدون وجه حق، انتبه قبل أن تقول نعم وتزحم جدول أعمالك بأشياء غير ذات أهمية، ولا تقلق خشية غضب من تقول لهم لا، بعد وقت سيتفهمون أسلوبك، وفي النهاية أنت الرابح من قول لا.
4. لا تكرر المجهود:
من الآن برمج نفسك على عدم تكرار الأمر أكثر من مرة، فإذا بدأت في عمل لا تدعه إلى ما سواه.
5. التخطيط المنطقي:
قبل أن تبدأ بالتخطيط، رتب أوراقك جيدًا، وكن واقعيًا في تحديد أهدافك ومخططاتك، كن منطقيًا في تحديد الأوقات الكافية لكل عمل، وقم بتقسيم المشروع الكبير إلى مشاريع صغيرة، ونفذه جزء، جزء، إلى أن تنتهي منه تمامًا.
6. تعامل بقوة مع المناسبات الاجتماعية:
المناسبات الاجتماعية بوابة هامة للتعرف على الناس، والانفتاح على الآخر، لكنها كذلك أحد أهم مضيعات الوقت، إذا لم نتعامل معها بشكل جدي وحازم؛ لذا كان من الأهمية بمكان أن تنظر إلى الحدث الاجتماعي نظرة متفحصة؛ فهناك مناسبات يمكنك الاعتذار عنها بدون أضرار، وهناك من يمكنك إرساله لينوب عنك، وهناك مناسبات قد تحضرها وتستأذن بعد وقت قصير، المهم ألا تجعل هذه المناسبات تغرقك في بحرها.
وأخيرًا:
أختم بقول بريان تراسي: (أنت دائمًا حر لتختار ما تفعله بحياتك، فاتخذ اختيارات جديدة اليوم؛ لكي تصنع تغييرات في مستقبلك)، وسوف نكمل في المرة القادة ـ إن شاء الله ـ، الجزء السادس من سلسلة اصنع نجاحك.
أهم المراجع:
1. صناعة النجاح، عبد الله بن سلطان السبيعي.
2. تحكم في وقتك، بريان تراسي.
3. سيطر على حياتك، إبراهيم الفقي.
4. الإنجاز الشخصي، بريان تراسي.
5. أفضل ما في النجاح، كاترين كاريفلاس.