سلمان تيسير.. حاكم البنجاب الذي قتلته السياسة
نهاية رجل شجاع
انتهت حياة سلمان تيسير نهاية مأساوية مبكرة في الرابع من يناير (كانون الثاني) عندما تم إطلاق النيران على حاكم إقليم البنجاب بباكستان في وضح النهار من قبل أحد أفراد أمنه الخاص. وسرعان ما سلم القاتل، ممتاز قادري، نفسه إلى السلطات، وأوضح أنه قتل تيسير لأنه دعا بقوة لإلغاء قوانين التجديف، وهي قوانين صارمة تجرم إهانة الإسلام وتفرض عقوبة الإعدام على من يفعل ذلك.
كانت قوانين التجديف قد تعرضت لانتقادات واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أدانت إحدى المحاكم، آسيا بيبي، وهي أم مسيحية لديها أربعة أطفال، وحكمت عليها بالإعدام. فقفز تيسير للدفاع عن بيبي التي أدينت في يوليو (تموز) بعدما دخلت في جدال مع مجموعة من النساء المسلمات المحليات. وبتأييده لبيبي، أثار تيسير غضب رجال الدين في باكستان والسياسيين الذين يميلون إلى اليمين والذين نظروا إلى أجندته العلمانية باعتبارها خطرا يهدد سيادة الإسلام. وفي النهاية، وقع تيسير فريسة لعدم التسامح الديني الذي وهب تاريخه السياسي لمناهضته.
ولم يبدأ سلمان تيسير تاريخه المهني كسياسي ولكن كرجل أعمال. ففي عام 1994، أنشأ شركة السمسرة «فرست كابيتال» وفي عام 1996 أنشأ «وورلد كول غروب». ثم أصبح يمتلك صحيفة «ذا دايلي تايمز»، و«بيزنس بلاس»، القناة التلفزيونية التي تبث باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى سلسلة من مراكز التسوق والفنادق.
ولكن على الرغم من نجاحه المالي، فإن الناس تتذكر تيسير بالعمل السياسي أكثر من أي شيء آخر. فعندما كان طالبا في الستينيات، كان عضوا فاعلا في حزب ذو الفقار علي بوتو (حزب الشعب الباكستاني) وشارك في حركة احتجاج ضد اعتقال بوتو وعقوبة الإعدام. وفي عام 1980، كتب سيرة ذاتية حول زعيم حزب الشعب الباكستاني، بعنوان: «بوتو: سيرة سياسية».
وفي عام 1988، بدأ تيسير تاريخه السياسي عندما انتخب لمجلس مقاطعة البنجاب. وعندما خسر الحزب السلطة عام 1990، خسر انتخابات المجلس الوطني عن مقعد لاهور، وواجه هزيمة مماثلة عام 1993. وفي عام 1997، حاول مرة أخرى من خلال تمثيل دائرة انتخابية أخرى في لاهور ولكنه خسر الانتخابات.
وفي أعقاب إخفاقه الأخير، قرر تيسير أن يحول تركيزه إلى مجال الأعمال، ولكنه عاد للسياسة بعد عقد واحد عندما تم تعيينه كوزير فيدرالي للصناعات والإنتاج والمبادرات الخاصة. وأخيرا وفي 15 مايو (أيار) 2008، تم ترشيح تيسير من قبل حكومة حزب الشعب لكي يحل محل الجنرال المتقاعد خالد مقبول كحاكم للبنجاب.
ومع ذلك لم يستغرق الأمر وقتا طويلا، حتى أثار تعيين تيسير جدلا صاخبا، ففي أعقاب إعلانه، قال ناصر علي خان العضو المرموق بحزب الرابطة الإسلامية (مجموعة نواز) إن حزبه لم يتم إعلامه أو استشارته بشأن تعيين تيسير حاكما وهو ما وصفه بأنه نتاج «مؤامرة».
وكان رد فعل جماعة المسلمين الباكستانية مؤشرا واضحا على ما سوف يحدث، فباعتباره مخلصا جريئا وتقدميا لحزب الشعب الباكستاني، سرعان ما أثار تيسير غضب السياسيين المحافظين ورجال الدين، وهو الغضب الذي اكتسب زخما خلال الأشهر السابقة على مقتله.
وباستعادة الأحداث الماضية، يمكن القول إن آسيا بيبي كانت الركيزة التي تعلق عليها تاريخ تيسير السياسي بل وحياته نفسها. وفي 22 نوفمبر (تشرين الثاني)، زار هو وزوجته بيبي في السجن كنوع من الدعم. فأثار ذلك غضب الفصائل الباكستانية المحافظة. فقد خرج البعض في الشوارع احتجاجا عليه وأحرق بعضهم صوره. وقد ساعدت مشاركة تيسير على جذب الانتباه العالمي لقضية بيبي ولكنها أثارت أيضا خطابا قويا أدى إلى وفاته عن عمر يناهز السادسة والستين.
وعلى الرغم من أن تيسير بعيد الآن عن الصورة السياسية في باكستان، فإن مستقبل التقدم وحقوق الإنسان يبدو في أفضل الأحوال غامضا. فقد أخبرت شهلا أكرم، رئيسة الغرفة التجارية والصناعية لنساء البنجاب مجلة «التايم»: «لقد كان أحد الزعماء التقدميين لباكستان وكان ملتزما تماما بتحسين وضع المرأة في البلاد». وفي تصريح عقب اغتيال تيسير، وصفت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية وفاة تيسير بأنها «خسارة كبيرة»، فيما قال البابا بينيدكت السادس عشر أن تلك المأساة تبرز «الحاجة الماسة لإحداث تقدم»، في نبذ قوانين التجديف التي وصفها تيسير نفسه بأنها قوانين سوداء.
وفي البنجاب، تجمع مشيعوه لتذكر زعيمهم المقتول، ولكن وفي جميع أنحاء البلاد، احتفل آخرون بقادري باعتباره بطلا. وفي اللحظات التالية على موته، أنشأ مؤيدو القاتل صفحة على موقع «فيس بوك» تكريما له فيما منع مئات الزعماء من حزب الجماعة والسنة أتباعهم من حضور جنازة تيسير.
وحتى اللحظات الأخيرة، ظل تيسير ملتزما بالقضية التي شكلت حياته بأسرها. ففي 31 ديسمبر (كانون الأول)، وقبل يوم من تظاهر المحتجين الإسلاميين تأييدا لقوانين التجديف، وضع تيسير رسالة مشؤومة وتنبئ بالشر على حسابه في «تويتر»: «لقد تعرضت لضغط هائل، لكي أتراجع قبل ذلك، عن رفض قوانين التجديف. ورفضت. حتى لو أصبحت الرجل الأخير».