كل حاكم عربي فرعون
الحياة اللندنية
جهاد الخازن
عصف بمصر في الأيام الأخيرة تسونامي سياسي سيترك بصماته على السنوات والعقود المقبلة، وفي حين أن كل الاحتمالات وارد، فإن ما أشعر بثقة في انتظاره، هو أن علاقات مصر مع إسرائيل ستسوء، وأرجو شخصياً أن تسوء كثيراً وإلى حد القطيعة.
الإسرائيليون يعرفون أن التغيير في مصر لن يكون في مصلحتهم، وأكبر جريدتين عندهم، «يديعوت أخرونوت، و «معاريف»، نشرتا عنواناً واحداً هو «شرق أوسط جديد»، من دون أن تقولا إنه شرق أوسط لا ترحيب بإسرائيل فيه. وهما نعتا عملية السلام، وقال كتّابهما إن إسرائيل لم يبقَ لها حليف.
مع انقلاب الوضع في مصر عاد الإسرائيليون ليتحدثوا عن تفضيلهم الأمن على الديموقراطية، فهم يعرفون أكثر من الأميركيين والعالمِ كله، أن ديموقراطية حقيقية في الشرق الأوسط ستفرز حكومات معادية علناً وبشدة لإسرائيل، وقد قرأت لمن قال إن العرب غير ديموقراطيين أصلاً، وإن الديموقراطية ستأتي بحكومات إسلامية، توقّعَ بعضهم أن تكون على طريقة إيران.
الأمر ليس محسوماً كما يصوره الإسرائيليون، وثمة احتمال أن تستمر السياسة المصرية، مع تعديلات بسيطة، عبر نائب الرئيس عمر سليمان، أو أن يقوم حكم علماني يؤيده الإسلاميون، أو حكم إسلامي يسيطر عليه الإخوان المسلمون.
أتمنّى أن تقوم الحكومة المصرية الجديدة باتخاذ قرارين فوراً: الأول إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، وهذه ليست دعوة الى الحرب أبداً، بل رغبة في إنهاء الشروط المهينة للمعاهدة التي جعلتني أقرأ أن إسرائيل «سَمَحت» لمصر بإدخال 800 جندي الى سيناء لمنع تهريب الأسلحة الى قطاع غزة، والثاني إلغاء اتفاق الغاز مع إسرائيل، فهو استمر يتدفق من دون انقطاع عبر شراكة EMG، وبسعر دون المستوى العالمي.
الإسرائيليون سيعتمدون على الولايات المتحدة لتطويع الحكومة المصرية الجديدة، عبر تهديدها بقطع المساعدات الاقتصادية والعسكرية إذا أبدت عداء لإسرائيل. غير أنني أجد أن المساعدات محدودة، ثم إن الحكومة المصرية ستكون مضطرة الى الالتزام بموقف الشعب الذي جاء بها، وهو حتماً يكره إسرائيل.
شخصياً، أفهم الوقاحة الإسرائيلية، لأن إسرائيل معنية مباشرة بما تتمخض عنه أحداث مصر، إلا أنني أجد التدخل الأميركي السافر في شؤون مصر غير مقبول، ويجب أن تفهم الإدارة الأميركية أنه سيعطي عكس المطلوب منه، لأن المصريين في مناخ ديموقراطي لن يقبلوا التدخل في شؤونهم.
الإدارة الأميركية اتهمت أنصار الرئيس مبارك بممارسة العنف، والمبعوث الأميركي فرانك وايزنر نقل الى الرئيس حسني مبارك رسالة من إدارة أوباما تحضّه على اعتزال الحكم فوراً، بل إن الناطق بلسان البيت الأبيض روبرت غيبس، قال إن الإدارة تريد التغيير «أمس». هذا كلام لا يحق لأي طرف غير الشعب المصري قوله، وهو ترافق مع كلام عن ديكتاتورية النظام المصري، وأن حسني مبارك فرعون.
الرجل نفسه حسني مبارك في الحكم منذ 30 سنة، وقد تعامل مع الأميركيين في كل سنة، بل كل يوم منها، وهم لم يكتشفوا انه فرعون إلا عندما نزل مليون مصري الى ميدان التحرير؟
كل حاكم عربي فرعون، والدول العربية كافة غير ديموقراطية، ولا حكم قانون مستقلٌّ، أو محاسبة أو شفافية أو حقوق امرأة. غير أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تعرف هذا، وقد تعاملت مع الدول العربية بما يناسب مصالحها، لا مصالح الشعوب العربية، وكانت أسبابها، ولا تزال، إسرائيلية ونفطية، فالعلاقة مع مصر مرتبطة بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وكل دولار من المساعدات تلقته مصر يصب في خانة إسرائيل.
غداً ستكتشف أميركا وأوروبا أن أي نظام يخلف حسني مبارك في مصر سيكون أكثر تشدداً ضد إسرائيل وحلفائها الغربيين الذين يحمونها، وهي تقتل وتدمر وتهدم بيوت الفلسطينيين وتستوطن.
الإسرائيليون يعرفون معنى التغيير في مصر، ولذلك هم في مناحة، وصحفهم تقول صراحة إن التغيير ليس لمصلحة إسرائيل.
الصحيفة الإلكترونية «نيويورك جويش ويك» رفضت عنوان جريدة ألمانية قال: «الفرعون في قبو هتلر»، وأكدت أن مبارك ليس فرعوناً أو هتلر. غير أنني أريد أن أختتم بشيء أعود إليه بين حين وآخر، هو اختراع اليهود ديناً ليسرقوا أرضاً من أهلها، فالفقرة الأولى تقول إن اليهود كانوا عبيداً واضطُهدوا 210 سنوات في مصر، وأقول إن هذه خرافة توراتية، ثم أتحدى الدكتور زاهي حواس أن يأتي بأثر لليهود القدماء هؤلاء في مصر أو سيناء. والفقرة نفسها تقول إن أول إشارة الى أبرام (أبراهام) في التوراة كانت خوفه أن يقتل في مصر، وهي بذلك تتحدث عن الفصل 12 في سفر التكوين. والقصة الواردة فيه عن أبرام وسارة زوجته وما فعلا في مصر لا تصلح للنشر في جريدة محترمة حتى بعد ثلاثة آلاف سنة.