كوريا الشمالية: من «الزعيم الأعظم» لـلابن«الرفيق العبقري»
استخبارات دول الجوار: انتقال مرتب للسلطة يمكن أن يضمن استقرارها
بعد تقديمه على نحو مفاجئ إلى العالم الخارجي في سبتمبر (أيلول)، أكدت المصادر مؤخرا أن كيم جونغ أون سوف يحل محل أبيه كزعيم لكوريا الشمالية. ويشير الصعود الهادئ لكيم جونغ أون، الابن الأصغر للزعيم الحالي، ليس فقط لاستقرار الأوضاع السياسية في كوريا الشمالية ولكن ربما أيضا إلى استمرارية سياسات كيم جونغ إيل بعد تركه للسلطة.
على مبعدة مقعدين فقط من أبيه، الزعيم الأعلى للبلاد، وإلى جانب واحد من أقوى رجال الجيش، كان يجلس أحد أعضاء البرلمان الذي يشبه أباه، مؤسس كوريا الشمالية. مرتديا بذلة سوداء، ولا يبتسم. كان ينظر مباشرة إلى الكاميرا ويداه راقدتان على صدره. ومما لا شك فيه أنه كان يبدو أصغر من أي أحد آخر في الصورة. وبالإضافة إلى والده، فإنه الشخص الوحيد الذي لم يكن يرتدي بذلة رسمية أو زيا عسكري. وكانت تلك هي الصورة الأولى التي نراها له وهو شاب.
وبالتالي، قدمته وسائل الإعلام التابعة لكوريا الشمالية إلى العالم الخارجي في سبتمبر(أيلول) 2010. وكان كيم الذي كان يجلس في الصف الأول مع كبار القادة العسكريين، فيما كان زعماء الحزب يقفون خلفه، من الشخصيات الرئيسية في الصورة، وهو ما أشار إلى وضعه الجديد.
ولا نعرف كثيرا حول كيم جونغ أون. فهو الابن الثالث لزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ إيل، وثاني طفل يحصل عليه من زوجته المفضلة كو يونغ هي. وتشير معظم المصادر إلى أن كيم ولد في 8 يناير (كانون الثاني) 1982، أو 1983، أو 1984، أي أن عمره يتراوح بين 26 و28 عاما. ويعتقد أنه كان يدرس في إحدى المدارس الدولية بسويسرا وأنه تخرج لاحقا من جامعة كيم إيل سونغ العسكرية في بيونغ يانغ.
وباعتباره أصغر أولاد كيم جونغ إيل الثلاثة ونظرا لأنه مولود في مجتمع كونفشيوسي يولي اهتماما بالغا للسن، كان من الممكن أن يتم منع كيم جونغ أون من أن يصبح الزعيم المنتظر لكوريا الشمالية نظرا لأنه غير مناسب كأخويه الأكبر. ولكن كيم جونغ - نام (في الثلاثينات من عمره الآن)، خسر محاباة أبيه بعدما تم القبض عليه وهو يحاول دخول اليابان باستخدام جواز سفر مزيف عام 2001. كما أن كيم جونغ شول، الأخ الأوسط تم النظر إليه باعتباره «أنثويا أكثر من اللازم وغير ملائم للقيادة» وفقا لكنجي فوجيموتو، المواطن الياباني الذي يزعم أنه كان الطاهي السابق لكيم جونغ إيل. وبالتالي، أصبح كيم جونغ أون، الذي يتمتع بشخصية أقرب إلى شخصية أبيه، وفقا لفوجيموتو، مفضلا لدى أبيه.
وقد تم الإسراع في تصعيد كيم جونغ أون نظرا للظروف الصحية السيئة لأبيه. وعلى الرغم من أنه تم إعداد كيم جونغ إيل لكي يتزعم كوريا الشمالية في مدة تربو على العقد، وذلك قبل وفاة أبيه في 1994، فإن إعداد كيم جونغ اون لكي يخلف أباه لم يبدأ إلا بعد أن أصيب أبوه مباشرة بجلطة في أغسطس (آب) 2008. وسوف تستغرق عملية التدريب سنوات وذلك بفرض أن صحة أبيه لم تتدهور على نحو مفاجئ مرة أخرى.
وعندما نتأمل بعمق إجراءات انتقال السلطة في كوريا الشمالية، سوف نجد نمطا عاما يتم تناقله من جيل إلى جيل. فقبل 2008، كان كيم جونغ أون يعمل في القسم المسؤول عن مراقبة أعضاء حزب العمال الكوري على غرار ما كان يفعله أبوه قبل عدة سنوات. بالإضافة إلى توزيع شارات تحمل صورته على أعضاء الحزب. ومع ذلك، فإن كيم لم يبدأ قبل بداية 2009 في الحصول على الألقاب والتشريفات التي تؤهله لخلافة أبيه. وهو يشار إليه الآن باعتباره «الرفيق العبقري» وهو اللقب الذي كان يشار به إلي أبيه أيضا، و«الزعيم العزيز» وهو اللقب المشابه للقب جده، و«الزعيم الأعظم».
وفي أبريل (نيسان) 2009، تم تنصيبه أمينا عاما للجنة الدفاع الوطني، الجهاز الحاكم فعليا لكوريا الشمالية. وقبل شهرين، أي في أغسطس، زعم البعض أن كيم جونغ إيل زار بكين لكي يبلغ الزعماء الصينيين بشأن خلافة ابنه. وقبل عدة أسابيع، وفي 27 سبتمبر، تمت ترقيته لرتبة جنرال يحمل أربع نجوم. وبعد ذلك بيوم واحد تم تعيينه نائبا للهيئة العسكرية المركزية وعضوا في اللجنة المركزية لحزب العمال.
ويؤكد تونغ كيم الذي كان يعمل في الخارجية الأميركية لما يزيد عن ثلاثين عاما، أن كيم جونغ أون سوف يصبح زعيم كوريا الشمالية في يوم ما. حيث إن لديه تأييد الجيش، أقوى مؤسسة في كوريا الشمالية. ويقال إن ري يونغ (نائب رئيس الهيئة العسكرية المركزية والشخص الذي يظهر بين الأب ونجله في الصورة التي تجمع قيادات الدولة) يضمن عدم معارضة الجيش لكيم جونغ أون. ويقال إن تشانغ سونغ تيك، صهر كيم جونغ إيل، الذي يعد الرجل الثاني في كوريا الشمالية يؤيد كيم الشاب.
ويعد دعم تشانغ الذي كان ينظر إليه في بعض الأحيان باعتباره أحد الأشخاص المحتمل أن يحلوا محل الأب، ذا أهمية خاصة. فبعد إقالته في بداية القرن الجديد، دفعت إعادة تأهيله وتصعيده بعد ذلك المحللين للاعتقاد بأنه سوف يحل محل كيم جونغ إيل. إلا أن ذلك أصبح مستبعدا الآن.
ويلقي الصعود الهادئ لكيم جون أون بالضوء على ذلك النظام الغامض. فقد كانت الحكومة الصينية والكورية الجنوبية والمسؤولون بالاستخبارات يتوقعون منذ وقت بعيد أن انتقالا مرتبا للسلطة هو الذي يمكن أن يضمن الاستقرار، وليس الصراع على السلطة، بعد رحيل كيم جونغ إيل. وقد أصبح ذلك التنبؤ صحيحا الآن أكثر من أي وقت سابق.
ومن الواضح أن كوريا الشمالية ليست نظام الرجل الواحد كما كان يعتقد معظم المسؤولين الصينيين والمسؤولين من كوريا الجنوبية. فربما يكون لكيم جونغ إيل الكلمة العليا في كافة القرارات المهمة وربما تكون حكومة كوريا الشمالية متمركزة إلى حد بعيد حول شخصه ولكن النظام سوف يبقى من دونه. فقد تولى قادة آخرون زمام البلاد في أعقاب الجلطة التي أصيب بها كيم في أغسطس 2008 وهم يحاولون الآن مساعدته على إدارة انتقال السلطة إلى ابنه. وما زال الاتجاه الذي سوف تتخذه كوريا الشمالية بعدما يحل الجيل الجديد محل كيم جونغ إيل مجهولا. ولكن لا يجب أن يتوقع أحد تحولا سريعا في السياسات الحالية لكوريا الشمالية.
وفي ظل تأكيدات كيم جونغ إيل بأن ابنه سوف يصل إلى السلطة في وقت ما، أصبح على إدارة أوباما أن تقرر كيف ستتعامل مع كوريا الشمالية، فقد أخفقت العقوبات في إضعاف النظام، كما يؤكد ذلك صعود كيم جونغ أون. كما أدت المباحثات الثنائية والمباحثات المتعددة الأطراف والفعل في مقابل الفعل إلى حفز التطورات في 2007 و2008. وفي النهاية، كما يقر المسؤولون في شمال شرقي آسيا، فإن الحوار يجب أن يستمر. والسؤال الآن هو إذا ما كان كيم الأب أم كيم الابن هو من سيرسم حدود كوريا الشمالية.