هل يمكن للدبلوماسية أن تصلح ما أفسده صدام ؟
بين الكويت والعراق ماض أليم.. ومصالح مشتركة
بعد فترة من قطع العلاقات الدبلوماسية منذ حرب الخليج الثانية، بدأ كل من الكويت والعراق في اكتساب بعضهما ثقة بعض، اعتمادا على فكرة أن لكليهما مصالح اقتصادية وسياسية مهمة في مداواة ندوب الماضي. ويمكن أن يشير تعيين سفير كويتي لدى العراق عام 2008، وسفير عراقي لدى الكويت في مايو (أيار) الماضي، إلى بداية عصر جديد من العلاقات الثنائية بين البلدين.
تحمل بعض التحركات الدبلوماسية أهمية كبيرة للغاية، مثل تعيين كل من الكويت والعراق سفيرين جديدين في مدينتي بغداد والكويت. وبعد قطع العلاقات منذ حرب الخليج الثانية، تأتي أول انفراجة في يوليو (تموز) 2008، عندما عينت الحكومة الكويتية علي المؤمن سفيرا لها لدى العراق. وبعد ذلك في مايو (أيار) من العام الحالي، تم تعيين محمد حسين بحر العلوم، ابن العالم الشيعي البارز، الذي تحظى أسرته بمكانة جليلة لمشاركتها في الصراع الطويل والشديد في معارضة كل من الاحتلال البريطاني والنظام البعثي تحت رئاسة صدام، سفيرا عراقيا لدى الكويت.
تعد هاتان الخطوتان الدبلوماسيتان إشارتين ملموستين على أن حكومتي الدولتين ترغبان في تحقيق الاستفادة الكاملة من روابطها التاريخية والثقافية المشتركة. وكما أوضح السفير بحر العلوم لـ«المجلة»، نشأ الموقف الجديد، أولا وقبل أي شيء، من أجل إظهار أن العراق الجديد يدرك عدوانه السابق. ثانيا، لإيضاح رؤية العراق للكويت كدولة مستقلة ذات سيادة. وثالثا، للمساعدة على محو انعدام الثقة والعداء الذي نتج عن غزو صدام حسين. وبالإضافة إلى الدوافع السياسية لتعيين بحر العلوم، فإن كلتا الدولتين تعتقدان أن العلاقات الثنائية في مجال التبادل التجاري والاستثمار ستعود بالنفع الكبير عليهما وعلى منطقة الشرق الأوسط ككل.
لقد مرت العلاقات بين البلدين بتقلبات كبيرة على مدار التاريخ. لقد حصلت الكويت على استقلالها من العراق عام 1961، ولكن ادعت الحكومة العراقية حقها في الأرض حتى عام 1963. ومنذ ذلك الحين وحتى نهاية حرب إيران والعراق، كانت العلاقات الثنائية السياسية والعسكرية قوية. ونظرا لمشاركة الدولتين في معارضتهما للنظام الإيراني بقيادة آية الله الخميني، كانت الكويت من أكبر الدول التي قدمت دعما ماليا ولوجيستيا للعراق أثناء الحرب. ولكن في نهاية الحرب، بدأت العلاقات في التدهور، ويرجع السبب في ذلك إلى حد كبير إلى الخلاف حول حقوق التنقيب عن النفط. وصلت تلك التوترات إلى ذروتها عام 1990 عندما قام صدام حسين بغزو الكويت، التي كان يشير إليها في نزعة قومية بأنها المحافظة العراقية رقم 19.
في الماضي كانت الكويت جزءا من إقليم البصرة العثماني، وبذلك يعتقد كثير من العراقيين أنهم ضحايا الحدود غير العادلة التي رسمتها القوى الإمبريالية البريطانية لمنع وصول العراق إلى البحر. وكان بعض من أسباب غزو الكويت عام 1990 يرجع إلى تلك النزعة القومية الراسخة؛ وقد حلت محلها في النهاية رغبة الحكومة العراقية في إصلاح اقتصادها عن طريق احتياطي النفط الكويتي بعد التأثيرات المالية السلبية للحرب الإيرانية - العراقية. وتفاقم الشقاق في العلاقات الثنائية عام 2003 عندما فتحت الكويت أراضيها أمام الولايات المتحدة لتستخدمها في غزو العراق.
منذ الإطاحة بصدام، تحسنت العلاقات بين العراق والكويت بصورة كبيرة. وتلعب الكويت دورا مهما في إعادة الإعمار المالي في العراق، كما أنها تدعم جهود الحكومة العراقية في إرساء نظام سياسي ديمقراطي.
ويأمل السفير بحر العلوم في أن يؤدي هذا العهد الجديد من العلاقات الثنائية إلى روابط دبلوماسية أقوى تقوم على الاحترام والتقدير المتبادلين. لكن لا تزال هناك قضايا كثيرة مثيرة للخلاف من دون حل. على سبيل المثال، تعتقد الكويت اعتقادا راسخا بأنه من حقها استعادة دين يقدر بـ24 مليار دولار كتعويض عن حرب الخليج التي بدأها صدام. وفي استجابة لذلك، يحول العراق في الوقت الحالي 5 في المائة من أرباحه ربع السنوية من النفط والغاز لتسديد هذا الدين.
وتأمل بغداد في أن يقلل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذه الدفعات، لكي تتمكن من استخدام جزء منها في إعادة الإعمار والتنمية الداخلية. في العام الماضي، تقدم أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون باقتراح بأن تدرس الكويت إقامة استثمارات في العراق كوسيلة لحل هذا الخلاف. في ظل الخطة المقترحة، تستثمر الكويت مليارات الدولارات من التعويض غير المدفوع في العراق في صورة مشاريع مشتركة. يظل هذا الحل الممكن مطروحا، ولكن يحتاج كلا الطرفين إلى مزيد من الدراسة قبل الوصول إلى أي اتفاق محتمل.
تكمن النقطة الثانية من الخلاف في تعريف الحدود البرية والبحرية بين الدولتين على وجه التحديد. ويعود هذا الخلاف إلى الحكم الإمبريالي البريطاني. وفي وقت مبكر من العام الحالي، طلب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مراجعة الحدود البحرية بين الدولتين. واعتبر بعض الكويتيين هذا الأمر استفزازا وربطوه بذكريات أليمة مع سياسات نظام البعث العدوانية؛ حيث استخدم صدام هذا الأمر لتبرير غزوه عام 1990.
عندما تسحب الحكومة الأميركية جميع قواتها من العراق في العام المقبل، سيمثل ذلك فترة من الشك بالنسبة للدولة المجاورة. ويخشى بعض الكويتيين من إمكانية وقوع صراع طائفي، مما قد يؤدي إلى عبور مسلحي «القاعدة» الحدود إلى أراضيهم. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن معظم الكويتيين لا يعتقدون في احتمالية وقوع غزو عراقي آخر، بسبب التجربة الماضية، فإن العراق ما زال يُعتبر مصدر التهديد الأمني الأول للبلاد. كما قال أحد الكويتيين لـ«المجلة»: «لم يكن صدام أول من يعتقد أن الكويت يجب أن تكون جزءا من العراق، وأشك بشدة في أنه سيكون الأخير».
ومن أجل معالجة جروح الماضي المفتوحة والعميقة، يجب أن يستمر السفير العراقي بحر العلوم ونظيره الكويتي علي المؤمن في تقوية أواصر الأخوة العميقة التي تشترك فيها هاتان الدولتان. ويجعل التقارب الجغرافي والتاريخ المشترك هذا الاتجاه منطقيا بشكل جزئي. ويمكن للدولتين معا أن تقودا نموذجا لتعزيز السلام والاستقرار، والقضاء على التهديدات الإرهابية، وتحسين احتمالات منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
وفي حوار أجرته معه «المجلة» مؤخرا، بدا السفير بحر العلوم متحمسا لقبول هذا التحدي الجديد. ووفقا لما قاله السفير: «من مهمتي الترويج بأن المصالح المشتركة بين البلدين وخاصة على المستوى التجاري والاستثمار الاقتصادي تشكل أساسا متينا لعلاقات متطورة وعميقة وواسعة بينهما، وأن العراق ساحة استثمار غنية بالنسبة للرأسمال الكويتي المدعو بدوره إلى تفعيل نشاطه في المجالات المختلفة بما يحقق النفع المتبادل للطرفين».
ولا يقف ذلك على الجانب الاقتصادي فقط، بل على المستوى السياسي الأشمل، حيث أكد السفير على أن «العراق الجديد يلتزم بالمبادئ العامة لحقوق الإنسان، ويحترم المصالح الوطنية، ويعمل على تقوية علاقاته العربية، ويحافظ على هويته الإسلامية، وسيكون ذا دور إيجابي مفيد في المجتمع الدولي. نريد أن نبعث برسالة واضحة لكل العالم بأن العراق الجديد هو عراق المؤسسات الدستورية والقانونية، وأن الديمقراطية في العراق أمر حقيقي وواقعي». من خلال التعليقات السابقة، يبدو من الواضح أن عصرا جديدا من العلاقات الثنائية قد بدأ رسميا.