الخارجية الأميركية لـ إيلاف: على الجميع أن يحجموا عن العنف
كيف أغضبت "كلينتون" السعوديين ودفعت الملك إلى إعلان التأهب؟
سلطان القحطاني
أعادت تصريحات كلينتون المترددة، بشأن التدخل السعودي - الخليجي، في أزمة البحرين إلى عقول السعوديين عقدتهم القديمة من الحكومات الديموقراطية، التي تتولى شؤون قصر الحكم الأبيض في واشنطن دي سي؛ تلك المدينة المملة التي سميت باسم القائد العسكري للثورة الأميركية، ورئيس أميركا الأول: جورج واشنطن.
كانت هيلاري كلينتون قد قالت في إحدى تصريحاتها المزعجة عن التدخل العسكري الخليجي في أحداث البحرين: "أوضحنا في شكل تام لشركائنا في الخليج الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الذين أرسل أربعة منهم قوات لدعم الحكومة البحرينية أنهم يتبعون مسارًا خاطئًا".
تصريحات الوزيرة الأميركية، التي انتقدت الموقف السعودي ضمنياً، واصفة إياه بأنه "مسار خاطئ"، وضعت العلاقة بين الحليفين على حافة الهاوية، ما حرّك أسلاك الهواتف، وأحبار الرسائل، والرسل بين العاصمتين، بغية الوصول إلى صيغة مشتركة للتعامل مع الموقف في الخليج، وهذا ما حدث بعد شد وجذب.
في غضون ذلك، تقول متحدثة باسم الخارجية الأميركية، كاثرين فان دي فاتي "تعتقد الولايات المتحدة أن الموقف في البحرين بحاجة إلى أن يتم تسويته من قِبل الشعب البحريني والحكومة البحرينية. ونحثّ جميع الأطراف على أن يحجموا عن العنف واستخدام القوة بأي شكل من الأشكال، وأن ينخرطوا في الحوار الدبلوماسي اللازم للتعامل من خلاله مع رغبات شعب البحرين ومظالمه".
وتضيف قائلة في حديث مع "إيلاف": "هذه دعوة وجهناها إلى حكومات أخرى في المنطقة أيضاً. ولن يجدي الاعتماد على التدابير الأمنية في حل القضايا السياسية الأساسية، كما إنه يهدد بتفاقم الوضع".
ومن أسرار الأيام القلقة لأزمة البحرين، بين الرياض وواشنطن، أن القصر الملكي غضب بشدة من تصريحات كلينتون، التي حركت هواجس صنّاع القرار القديمة من واشنطن الديموقراطيين، ما دفع الملك إلى إعلان الحد الأقصى من التأهب، خصوصاً وأن دخان الحرائق السياسية كاد يصل إلى سماء الرياض.
تمثلت حالة التأهب في تحركات عدة، كان من أهمها انعقاد مجلس الأمن الوطني بشكل طارئ، للمرة الأولى منذ تأسيسه، وبحضور كل الأعضاء، الذين تناولوا أحداث المنطقة باستفاضة، خصوصًا البحرين، واليمن، وما بعدهما من ملفات غامضة ومعلنة، تستهدف الحفاظ على الاستقرار السعودي، وإعادة بعث الجهود الدبلوماسية التي هدأت في الأشهر الأخيرة.
وبعد اتصالات مكثفة، غيّرت كلينتون لهجتها إزاء الأحداث في البحرين، بعدما قال السعوديون بوضوح لنظرائهم إن "البحرين خط أحمر، وعلى واشنطن أن لا تجبرنا على اتخاذ مواقف قد تغضبها، لأن الأمر يتعلق باستراتيجيتنا العليا، ولا مجال للمساومة عليها مهما يكن"، حسب ما قاله سياسي مطلع على شؤون الحكم في المملكة.
وكانت واشنطن تريد من الرياض أن تدفع المنامة إلى التجاوب مع مطالب المعارضة، وزيادة نسبة الحرية السياسية في المملكة الصغيرة التي تعتبر حصنًا سنيًا في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وما إلى ذلك من الخطوات التي كانت ستعطي الطائفة الشيعية تفوقاً نوعياً علاوة على تفوقها العددي، حيث يشكلون أكثر من خمسين في المائة من نسبة السكان.
وأوحت بعض القيادات الديمقراطية إلى الإدارة الأميركية بأن تبارك القرار السعودي بالدخول إلى البحرين، وكان على رأس المدافعين، المرشح السابق للانتخابات الأميركية جون كيري، رغم أن ذلك لم يطفئ لهب الخلاف بين البلدين.
السعودية لا تزال غير راضية عن الموقف الأميركي، الذي تعتبره معتاداً من الديموقراطيين، إذ إنه "من بعد فرانكلين لم نر إلا القليل من الخير منهم (الديمقراطيين)"، كما قال لـ "إيلاف" سياسي عتيق في السعودية، مثل عتاقة نبيذ بورديو في فرنسا.
ولدى السعوديين محطات تاريخية مع الديمقراطيين بنت جبالاً من الشكوك، وعمقت إحساسًا بعدم الثقة في الأوساط الملكية والأميرية والوزيرية؛ ففي عهد هاري ترومان، خليفة روزفلت الأول، كان أول قرار أتخذه الاعتراف بإسرائيل، رغم أن لدى السعوديين تعهدًا بعدم الاعتراف الأميركي بالدولة الصهيونية الوليدة من دون التنسيق معهم.
وبعد الخليفة الأول، مرّ سرب من التابعين الذين لم يفعلوا أكثر من تعميق إحساس السعوديين بالمرارة. على سبيل الحصر لا المثال، فإن جون كيندي، الحسين الكربلائي في تاريخ أميركا السياسي، سارع إلى الاعتراف بـ "الانقلاب السلالي"، نسبة إلى عبد الله لسلال المؤتمر من ناصر مصر الراحل، رغم عدم رضى السعوديين الذين كانوا يرون في سقوط الإمامة، تهديداً مباشراً لملكيتهم المحاصرة، وزاد على ذلك بأن رطّب علاقاته مع عبد الناصر بشكل رومانسي حتى حين.
أما خلفه ليندون جونسون فقد تحالف مع إسرائيل بطريقة فجّة كما ظهر في حرب 1967. وبعد جونسون جاء كارتر، الذي كان عهده فشلاً ذريعاً، وصلت فيه السياسة الأميركية إلى أقصى نعومتها، ما تسبب في إسقاط شاه إيران، الحليف الطاووسي الوثيق، فكان "تخاذلاً مهينًا" على حد تعبير السياسي السعودي العتيق المعتّق.
أما عهد كلينتون فقد تميز في أول عامين ببرود واضح في العلاقات بين الرياض وواشنطن، لولا أن الملك فهد تدارك الموقف عن طريق صفقة تجارية بين البلدين، أسهمت في تلطيف الأجواء.
وربما كان ذلك البرود في عهد كلينتون عائدًا إلى الكيمياء المفقودة بينه وبين سفير الرياض الشهير، بندر بن سلطان، الذي رفض استقبال كلينتون مرات عدة عندما كان مرشحاً لحكم ولاية أركانساسا، ولم ينس كلينتون ذلك، خصوصًا وأنه غادر السفارة السعودية بشكل مذل، في إحدى المرات، حين رفض بندر مقابلته.
والآن يأتي أوباما، (الرئيس الناعم)، كما وصفته "الديلي تيلغراف"، ليربك الأوراق في المنطقة، وقبل الأوراق، يربك الحلفاء قبل الأعداء، إذ أشعر الرياض أنه يمكن أن يتخلّى عنها، ما جعلها تتحرك بسرعة على المسرح الكبير، حيث أرسل الملك السعودي سهمين من كنانته، الأول بندر بن سلطان، إلى الصين وماليزيا والباكستان، وسعود الفيصل إلى أوروبا وموسكو.
وحسب ما يقوله السياسي المطلع الذي تحدث مع "إيلاف" فإن ذلك النشاط السعودي المركز خلال الأسبوعين الماضيين، كان إشارة إلى الأميركيين بأن "المملكة ستكون متصلبة أكثر مما يمكن حين يتعلق الأمر بالخليج العربي، وأن لديها من الحلفاء ما يكفي".
وقاد بندر جهدا محورياً على رأس حربة التحركات السعودية بعدما توارى في الظل لنحو سنتين تعتبران من السنوات المفقودة في تاريخه الشخصي، ربما يكتب الباحثون عن أسرارها القدرية، على غرار سنوات شيكسبير الأخيرة في لندن، التي لا يعرف أحد عنها شيئاً، على الرغم من الفوارق في النسب والنسبة والتناسب والموهبة بين الرجلين.
وبالعودة إلى بندر، سمكة القرش التي تعرف متى تنام ومتى تستيقظ، فإن جهوده انصبت على "التشويش ومحاولة عرقة صفقات تسلح خاصة بإيران"، على حد تعبير مصدر مطلع، أشار إلى أن هنالك ملفات أخرى يمكن الحديث عنها، مثل
محاولة حشد دولي لشرح موقف المملكة من أحداث المنطقة، والبحرين على رأسها، وثمة ملفات أخرى تدخل ضمن نطاق "أسرار الدولة" التي لا يمكن التحدث عنها.
وربما تثير هذه التحركات السعودية السريعة استغراب الحلفاء في واشنطن، لا دهشتهم، خصوصاً وان أطرافًا في الإدارة الأميركية تدعم توجه الرياض في دفاعها الصلب عن أمن البحرين، ومن ثم أمنها الداخلي بطبيعة الحال.
ولعل الصورة داخل أميركا مشابهة لما هو خارجها، إذ سبق وأن قال دبلوماسي أميركي لـ "إيلاف" إن "هنالك أكثر من أميركا، وهنالك انقسامات واضحة داخل الإدارة الأميركية، وشعورًا بضعف أداء الرئيس في كثير من المواقف، وكان آخرها الموقف الأميركية تجاه مصر وليبيا".
ويمضي في قوله: "هناك موقف مضاد لموقف الرئيس تمثله قوى في مجلس الشيوخ ومن بين الديمقراطيين الجمهوريين أنفسهم، إضافة إلى البنتاغون، والاستخبارات ورجال المصالح النفطية". ويبدو أن أميركا تحتاج مراجعة ملفات المنطقة من جديد كي تستوعب ما يحدث.