جلس نينوى: المسلحون يبتزون الكثير من المواطنين
إتهامات بتحول جامعة الموصل إلى مصدر تمويل للقاعدة
قال مصدر أمني عراقي إن الجماعات الإرهابية، التي تأخذ الفدية في محافظة نينوى، تنتمي إلى "دولة العراق الإسلامية" (تنظيم القاعدة)، ولها حصة الأسد بنسبة تزيد عن 90 % من مجموع ما يدفع، والباقي يتوزع على تنظيمات أخرى أبرزها "أنصار الإسلام".
أحمد الياس من الموصل: سلامة أبناء العراق هي عزاؤه الوحيد الذي يتصبر به على ضياع ثروته بعدما ضحى بها للإفراج عن اثنين منهم اختطفهما مسلحون لانه يعمل في المقاولات. هذه قصة ابو احمد (45 عاما) والتي لها مثيلات كثيرات وبصور متنوعة، تعبّر عن ظاهرة ابتزاز واسعة لجأت إليها التنظيمات المسلحة في الموصل لتمويل نشاطها.
وأصبحت المقاولات في محافظة نينوى (375 كم شمال بغداد) منذ نحو سنتين مصدرًا رئيسًا لتمويل هذه التنظيمات، خاصة "دولة العراق الاسلامية" التابع للقاعدة ... وهذا ما يؤكده احد المقاولين بالقول: "بدأت ظاهرة الابتزاز منذ عام 2005 عندما سمحت (القاعدة) لنا بالعمل مقابل حصولها على نسبة محددة من مجموع المبلغ الاجمالي لكل مشروع، "وكانت النسبة 10 % ثم انخفضت أخيرًا إلى 6 % لعزوف الكثيرين عن العمل بعد خسارتهم وتضييق الخناق على المسلحين من قبل الاجهزة الامنية".
ويشدد على "قدرة المسلحين في معرفة جميع الأمور التي تخصّ المشاريع- مقدار حصتهم ومبلغ السلفة التي يستلمها المقاول بسبب تغلغلهم في الدوائر الحكومية - بالتالي لا يمكن التهرب من الدفع".
وقبل أن يتحدث عن تجربته استذكر مهندس يشرف على مشاريع عدة، ساعات عصيبة مر بها قبل عام عندما خطف هو، بينما قتل احد زملائه على أيدي مسلحي "الدولة الإسلامية"، لإجبار الشركة التي يعملان فيها على دفع الفدية المفروضة عليها.!!
وقال المهندس: "كثيرًا ما نضطر إلى استخدام مواد بناء رديئة لتفادي الخسارة أو تعويضها، لان الشركة ملزمة بالدفع للمسلحين مقابل كل مشروع تنفذه، وغالبًا ما تدفع أيضًا للجهات الحكومية المسؤولة لكي تستلم المشروع بعد انجازه، رغم ملاحظاتها عليه".
رواية مشابهة لعبد الله غدير، صاحب مكتب لبيع الفواكه والخضر، يرويها بنبرة احتجاجية قائلا: "دولة العراق الإسلامية" تأخذ 100 او 200 دولار (1 دولار = 1190 دينارًا عراقيًا) عن كل سيارة كبيرة محملة بمحصول مستورد من سوريا أو تركيا أو إيران"، مضيفا: "التجار يدفعون لكيلا يقتلوا مثل فلان وفلان الذين امتنعوا عن ذلك...فالخوف سيد الموقف".
ظاهرة "الفدية" أو الإتاوة التي استفحلت في نينوى خاصة في مدينة الموصل (مركز المحافظة)، لم تكشف على الملأ إلا عندما اعتقلت القوات الأمنية قبل أشهر عددًا من المسلحين المتخصصين بجمع الأموال قسرًا من أصحاب محطات الوقود، الى جانب اعتقال بعض الممولين.
وذكر مصدر امني طلب عدم كشف هويته، أن "الجماعات الإرهابية التي تأخذ الفدية هي ما تسمى بدولة العراق الإسلامية (تنظيم القاعدة) ولها حصة الأسد بنسبة تزيد عن 90 % من مجموع ما يدفع، والباقي يتوزع على تنظيمات أخرى، أبرزها "أنصار الإسلام"، الذين يأخذون 100 دولار شهريًا من أصحاب المولدات الأهلية والصيدليات بشكل خاص، مستدركًا "ان تنظيم انصار الإسلام طلب في الشهر الماضي من اصحاب الصيدليات دفع فدية مقدمة لستة اشهر".
اما القادة الأمنيون في المحافظة فإنهم يتجنبون الحديث عن هذا الموضوع، حيث رفض مدير اعلام قيادة عمليات نينوى العقيد خالد عبد الستار، إعطاء اي تصريح في هذا الخصوص. وكذا الحال مع بعض المسؤولين المحليين، غير ان رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري أقرّ بوجود ظاهرة الابتزاز في الموصل، قائلا: إن "الأمر أصبح عامًا، حتى ان شكاوى عدة وردتنا أخيرًا من مواطنين تعرضوا للابتزاز من مجاميع إرهابية". ولفت الشمري إلى وجود "نقص كبير في المعلومات المتعلقة بهذه المعضلة بسبب ضعف الجانب الاستخباري في عمل القوات الأمنية".
من جهته أشار محلل سياسي من الموصل، الى "ان المجتمع يشهد انتشار ثقافة القبول بدفع المال من اجل تجنب القتل أو للحفاظ على منصب أو عمل ما"، وبات هذا الامر من المسلمات لدى شريحة واسعة ممن تؤخذ منهم الإتاوة، واصفًا في الوقت نفسه، عمل هؤلاء المسلحين بالأثيري (غير المنظور) لان أسماءهم وهمية ومتغيرة باستمرار، فهم يستخدمون بطاقات شخصية مزورة، مما سهل تحركاتهم خلال جمع الأموال من المدنيين والدوائر التابعة للدولة، مما صعب على الاجهزة الامنية تعقبهم والقبض عليهم، خاصة وان العمل الاستخباري ضعيف جدا.
وتابع "هذه الجماعات ليس لديها طموح سياسي محدد، وإنما تحولت من جماعات تدعو إلى "الجهاد" إلى مافيات إجرامية تمتهن القتل والابتزاز من أجل كسب المال، فمعظم الذين انخرطوا في هذه التنظيمات هم من العاطلين من العمل و المجرمين.
لكن الغريب هو ما كشفه أستاذ جامعي فضل عدم ذكر اسمه، عن تحول جامعة الموصل الى مصدر تمويل مهم لتنظيم "القاعدة" من خلال مشاريع البناء الاعمار الضخمة التي تشهدها الجامعة منذ اكثر من ثلاث سنوات. موضحًا ان عناصر التنظيم تستحصل أموالاً باهظة عن المشاريع التي يجري تنفيذها في الجامعة، الى جانب وجود شركات مقاولات تابعة للقاعدة بواجهات مختلفة.
لا يتوقف الامر عند ذلك، بل ان كل الدوائر في المحافظة تتعرض للابتزاز، خاصة التابعة لوزارات النفط والكهرباء والتجارة والاسكان والتعمير، الى جانب المعامل المنتجة وشبكة الرعايا الاجتماعية والتربية وغيرها.
في هذا الصدد، تبدو تصريحات بعض المسؤولين واضحة، فقد أكد عدد منهم أن جزءًا من الاموال المخصصة للخدمات العامة ينتهي به المطاف الى الجماعات الارهابية من خلال الموظفين العموميين. وفي تصريح خطر، قال رئيس هيئة النزاهة القاضي رحيم العكيلي، "إن الفساد أحد الأبواب المهمة لتمويل العمليات الإرهاب".