مزاد علني في باريس يضيف المزيد من المياه العكرة بين البلدين
تمثال للمايا يهدد ما تبقى من علاقة بين فرنسا والمكسيك
صلاح أحمد من لندن
تمر العلاقات الفرنسية - المكسيكية بلحظات من التوتر، وقد زاد من حدته وصف الحكومة المكسيكية لتمثال من حضارة المايا القديمة، قد بيع في مزاد علني في فرنسا، بأنه مزيف، فيما رأت دار «درووه» الباريسية للمزادات أن السلطات المكسيكية «تسعى فقط إلى التخريب».
يهدد تمثال قيل إنه لمقاتل من حضارة المايا القديمة بنسف ما تبقى من العلاقات الطيبة بين فرنسا والمكسيك. فبعد بيعه بمزاد علني في باريس بقرابة 3 ملايين يورو - رقم قياسي - وصفته الحكومة المكسيكية بأنه مزيّف. واتخذ هذا الأمر بعدًا سياسيًا له ورُبط بأحداث سابقة عبارة عن بركة من المياه العكرة بين البلدين.
فقد اهتاجت دار «درووه» الباريسية للمزادات، وردت بأن السلطات المكسيكية «تسعى فقط إلى التخريب». وكان التمثال البالغ طوله 163 سنتمترًا، وتقول الدار إنه يعود إلى أواخر عصر المايا (550 - 950 ميلادية) من نصيب مشتر مجهول الهوية يوم الاثنين الماضي.
وكان قطعة من مجموع 200 أخرى تؤلف مجموعة الصناعي السويسري اونري لو الفنية الخاصة. لكن «المعهد القومي للأنثروبولوجيا والتاريخ» المكسيكي الحكومي أصدر بيانًا في اليوم التالي، قال فيه إن التمثال مزيف «لأنه لا ينتمي الى أي من الثقافات السابقة للهسبانية في المكسيك". وأضاف أن "خبراءه أجمعوا على أنه نحت حديث، وأن السلطات الفرنسية أخطرت بهذا الأمر قبل البيع". وجاء في البيان أن طول التمثال ووقفته وثنية رجليه ونوع أربطته لا علاقة لها بحضارة المايا.
وفورًا ربط الفرنسيون هذا القول بالنزاع الذي تفجر بين البلدين حول فلورنس كازيز، وهي فرنسية حكم عليها في المكسيك بالسجن 60 عامًا بعد إدانتها بتهم تتعلق بالاختطاف، وظلت باريس تقول إنها برئية منها. وفي الشهر الماضي ألغى الرئيس المكسيكي، فيليبي كالديرون، مهرجانًا لفترة سنة عن الثقافة المكسيكية في فرنسا احتجاجًا على ما أسماه «هجوم الرئيس ساركوزي على العدالة في بلادنا». وأتت هذه الأحداث كلها بالعلاقات المكسيكية - الفرنسية الى أدنى مستوى لها منذ أن حاول نابليون غزو المكسيك - وأخفق - في 1862.
وقد رد الفرنسيون على المكسيكيين بالقول إن منشأ التمثال مدعوم بوثائق أصلية. وقال جاك بلازي خبير الحضارات الأميركية القديمة في دار «بينوش ايه جيكويلو» التي نظمت المزاد لصحيفة «تايمز» البريطانية: «هذه محاولة مكسيكية متعمدة للتخريب. هذا مجهود رسمي يهدف فقط إلى القضاء على سوق الأثريات التي تعود الى ما قبل وصول الأوروبيين الى الأميركتين. العالم الفني يحيط علمًا بهذا التمثال منذ العام 1976، وقد عُرض في بعض أرقى المتاحف وأعلاها شأنًا حول العالم».
واتهم رولان رابور، محامي دار المزادات الفرنسية، المكسيك بأنها «منهمكة في حملة للافتراء وتشويه السمعة». وقال: «كانت تعلم تمامًا بنية الدار في طرحه على المزاد العلني. فلماذا لزمت جانب الصمت الى آخر لحظة، ولم تشر الى أن التمثال مزيف؟، لماذا أعلنت هذا بعد بيعه وليس قبله»؟. وأضاف قوله إن القائمين على أمر الدار يبحثون الآن في رفع المسألة برمتها الى القضاء.
لكن هوليو كاستريهون، مدير الاتصالات في المعهد المكسيكي يقول من جانبه: «لا علاقة لرأي الخبراء بأي شأن سياسي أو غيره بأي شكل من الأشكال، ولا غرض سيئًا من ورائه. نحن لا نقدم رأياً شخصياً هنا، وإنما حكم من ناحية فنية وتاريخية فقط. وهؤلاء الخبراء الذين نتحدث عنهم علماء آثار مرموقون ويتمتعون بالاحترام في مختلف أنحاء العالم، ومجرد التشكيك في مقدراتهم إساءة إليهم وللعلم».
من جهته قال اليخاندرو بوتيستا، وهو أحد علماء الآثار المعنيون، إن قرارهم لم يأت فجأة ومن عدم، وإنما بعد دراسة استمرت شهرين، ليس فقط من جانب علماء المعهد وحسب، وإنما من عدد من خبراء حضارة المايا الآخرين أيضًا. وأضاف قوله: «اتفق هؤلاء بالإجماع على أنه صناعة حديثة العهد، وكل الدراسات أثبتت زيف القول إنه يعود إلى حضارة المايا».
يذكر أن المكسيك ظلت تقوم بحملة على مدى عقود ضد ما ترى فيه سوقًا عالمية غير مشروعة للآثار الأميركية القديمة. وكان تمثال المحارب الذي بيع الاثنين الماضي هو أغلى قطع المجموعة الفنية التي بلغ إجمالي مبيعاتها 7.4 مليون يورو.