الأسد والمعلم نقلا مسودة المحادثات إلى أحمدي نجاد
مفاوضات سرية بين إيران والأرجنتين برعاية سورية
محمد نعيم
كشفت تسريبات صحافية رعاية الرئيس السوري بشار الأسد لمفاوضات سرية بين إيران والأرجنتين، يتم بمقتضاها تجاهل الأخيرة للتحقيق في قضية الإعتداء على مقر الطائفة اليهودية والسفارة الإسرائيلية لديها، مقابل إستئناف العلاقات التجارية بين طهران وبيونس ايريس، والتي كان يصل حجمها الى 1.200 مليون دولار سنوياً.
يرعى الرئيس السوري بشار الاسد ووزير خارجيته وليد المعلم مفاوضات سرية تجريها إيران مع الأرجنتين، لتجميد التحقيقات وملاحقة العناصر الإيرانية المتهمة بتفجير أهداف يهودية وإسرائيلية في بيونس ايريس عامي 1992 و1994. وبحسب معلومات نقلتها صحيفة هاآرتس العبرية عن صحيفة "برفيل" الأرجنتينية الواسعة الانتشار، جاءت المفاوضات التي يدور الحديث عنها بمبادرة وزير الخارجية الأرجنتيني، في إطار صفقة تتم بموجبها إعادة العلاقات الاقتصادية بين طهران وبيونس ايريس، والتي كان حجم التبادل فيها بين البلدين قد وصل الى ما يربو على 1.200 مليون دولار سنوياً.
تسريبات بالغة السرية
يأتي الحديث عن تلك القضية في الوقت الراهن، تزامناً مع الزيارة المرتقبة التي من المقرر ان يقوم بها وزير خارجية الأرجنتنين (يهودي الديانة) هيكتور تيمرمان منتصف الأسبوع المقبل الى إسرائيل، فعند الإعلان عن الزيارة المزمعة بحسب صحيفة هاآرتس، فاجأت صحيفة "برفيل" الأرجنتينية الدوائر السياسية كافة، لتزيح الستار عن تسريبات وصفتها ببالغة السرية، تفيد بأن الضيف الأرجنتيني اليهودي المقرر إستقباله في إسرائيل الأسبوع المقبل، كان أحد الأطراف الضالعة في المفاوضات السرية بين إيران والأرجنتين، والتي يرعاها الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم.
وتركت هذه الأنباء انطباعاً سلبياً لدى إسرائيل، إذ رهن وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان خروج هذه الزيارة الى أرض الواقع، بتقديم ايضاحات من حكومة الأرجنتنين حول ما نشرته صحيفة "برفيل". ونقلت هاآرتس عن مصادر وصفتها بالمسؤولة في الخارجية الإسرائيلية قولها: "لا نستبعد إرجاء تلك الزيارة أو رفضها، ما ينذر بأزمة في العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والأرجنتين، غير أن الأمر مرهون بمدى تجاوب حكومة الأرجنتين مع تقديم ايضاحات لما نشرته وسائلها الاعلامية". على الرغم من ذلك لم تدرس الخارجية الإسرائيلية حتى الآن سبل التعاطي مع المعلومات، لا سيّما أنّه لم يتم التأكد من مصداقيتها بعد، واكتفى يغال بلمور المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية بالقول: "اننا ننتظر الايضاحات الرسمية من حكومة الأرجنتين".
وفيما اعتبرته تل ابيب مخالفة صارخة لما هو مُعلن في العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الأرجنتين وإسرائيل، كشفت صحيفة "برفيل" الأرجنتينية في عددها الصادر امس "الاحد"، ان وزير خارجية الأرجنتين ادار خلال الاونة الاخيرة مفاوضات سرية مع إيران حول صفقة بين البلدين، يتم بمقتضاها "نسيان" الأرجنتين للعمليات الارهابية التي استهدفت مقر الطائفة اليهودية في بيونس ايريس، والسفارة الإسرائيلية في المدينة عينها، مقابل تحسين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الدولة الفارسية والأرجنتين.
1.200 مليون دولار سنوياً
بحسب هاآرتس، جاء في الوثيقة السرية، التي اعتمدت على معلوماتها صحيفة "برفيل"، ان حكومة الأرجنتين ستكون على استعداد لتجميد التحقيقات الجارية حول العمليات الارهابية المنسوبة الى إيران ضد الأهداف اليهودية والإسرائيلية في بيونس ايريس عام 1992، وعام 1994، مقابل استئناف وتحسين العلاقات التجارية الإيرانية – الأرجنتينية، التي كانت قد وصلت قبل تجميدها الى ما يربو على 1.200 مليون دولار سنوياً.
وأضافت الوثيقة ذاتها: "ان وزير خارجية الأرجنتين بادر الى طرح بنود الصفقة التي يدور الحديث عنها، خلال لقاء عقده مؤخراً في دمشق مع الرئيس السوري بشار الاسد ووزير خارجيته وليد المعلم، وطلب الضيف الأرجنتيني من سوريا لعب دور الوساطة بين بلاده وإيران لإبرام تلك الصفقة، الأمر الذي رحبّت به دمشق". ووفقاً للصحيفة التقى الاسد ووزير خارجيته ونظيره الأرجنتيني للحديث حول هذه الصفقة في الثالث والعشرين من كانون الثاني- يناير الماضي في دمشق، وتم نقل مسودة الحوار الثلاثي من سوريا الى الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، وجاء في تلك المسودة: "ان الأرجنتين لم تعد تكترث أكثر من ذلك بالتحقيق في العملين الإرهابيين اللذين استهدفا مؤسسات يهودية وإسرائيلية على اراضيها".
ووفقاً للصحيفة العبرية، جاءت تسريبات صحيفة "برفيل" ممهورة بتوقيع الصحافي الأرجنتيني ببا الياتشب، وهو صحافي وباحث مخضرم وشهير، كما انه يُعِدّ عدداً ليس بالقليل من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في بلاده، وله عدد كبير من المؤلفات في مجالات مختلفة. كما ان صحيفة "برفيل" معروفة بميولها النقدية اللاذعة حيال رئيسة الأرجنتين كيرشنر وسياستها، اما الوزير هيكتور تيمرمان فهو اول وزير يهودي في تاريخ الأرجنتين، وقد لعب دوراً بارزاً قبل أحد عشر يوماً في إحياء الذكرى التاسعة عشرة لضحايا العمليات الإرهابية، التي استهدفت مقر الطائفة اليهودية والسفارة الإسرائيلية في بيونس ايريس في السابع عشر من آذار- مارس عام 1992. وفي سياق حديثه في تلك المناسبة قال على سبيل المثال: "جئت الى هنا كممثل عن حكومة الأرجنتين، المعنية بالوصول الى العدالة في هذه القضية". واوضح تيمرمان في حديثه: "انه خلال شهر ايلول- سبتمبر الماضي، وفي سياق كلمة ألقتها امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعت رئيسة الأرجنتين كيرشنر الحكومة الإيرانية الى الموافقة على تقديم العناصر الإيرانية الضالعة في ارتكاب العمليات الارهابية ضد المؤسسات اليهودية والإسرائيلية في بيونس ايريس الى محاكمة "طرف ثالث".
يذكر ان العملية الارهابية التي استهدفت السفارة الإسرائيلية في بيونس ايريس اسفرت في حينه عن مقتل 29 شخصاً، واصابة 242 آخرين، وفي شهر تموز- يوليو عام 1994، اصبحت عناصر إيرانية وفقاً لما تمخضت عنه تحقيقات مختلفة مسؤولة عن تفجير مقر الطائفة اليهودية في الأرجنتين، وهو الحادث الذي اسفر عن مقتل 85 شخصاً.
وتشير معطيات التحقيقات التي جرت حول هذه القضية الى ان قرار خروج العمليات الارهابية التي يدور الحديث عنها، يعود بحسب صحيفة هاآرتس الى مستوى سياسي وامني رفيع المستوى في الدولة الفارسية، يشمل المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، والرئيس الإيراني في حينه هاشمي رافسنجاني، والمجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني، ووزير الاستخبارات حينئذ، بالاضافة الى شخصيات قيادية إيرانية أخرى، وأصدرت الأرجنتين ضد هذه الشخصيات بمن فيهم كوادر في سفارة طهران في بيونس ايريس اوامر اعتقال من خلال الانتربول، كما طالبت الأرجنتين بتسليمهم لتقديمهم الى محكمة دولية، وكان من بين المطلوبين كذلك أحمد وحيدي وزير الدفاع الإيراني الحالي، غير ان طهران رفضت ، وما زالت، تسليمهم، كما انها تنفي ضلوعهم في العمليات التي يدور الحديث عنها، وتؤكد وجود علاقة صهيونية اميركية وراء تلك العمليات وتوريط إيران في المسؤولية عنها، ومنذ هذا التاريخ قلصت طهران علاقتها الدبلوماسية خاصة التجارية مع الأرجنتين.